الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة التاسعة والثلاثون _ الأخيرة بقلم محمد الفاتح عبدال

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 02:29 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-18-2019, 12:35 PM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية الحلقة التاسعة والثلاثون _ الأخيرة بقلم محمد الفاتح عبدال

    12:35 PM May, 18 2019

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر



    بسم الله الرحمن الرحيم
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)

    الإنسان في الإسلام

    الخاتمة
    لم تفضّ الحضارة الغربية من كتاب الانسان سوى ختم الغلاف.. وحتى هذا عزلته عن بقية الكتاب.. وهي، بحكم طبيعتها المادية، لم تكن تملك خلاف هذا..
    فقد همشت الحضارة الغربية الإنسان، وأبعدته عن المركز، بصورةٍ خاطئة، وقاسية.. أصبح الإنسان، حسب هذه الحضارة، كائناً عرضياً، جاء من عدم، ويصير إلى العدم.. أصبح مجرد كائن من أجل الموت!! وحياته، هذه القصيرة، ليس لها معنى، ولا هدف، أبعد من الحياة الدنيا _حياة الحيوان في الإنسان.. وأجهضت أشواقه للكمال والخلود، كلها.. فهو مهما حقق من إنجازات عظيمة، في العلم، وفي التكنلوجيا، ومهما عاش ما عاش، من حياة مادية، رغدة، تحوطها أسباب الرفاهية، فمصيره المحتوم إلى الموت.. وهو مصير قد يحدث في أي لحظة، ومهما اجتهد الإنسان في تعاطي الأسباب التي تبعده عن هذا المصير، فلا أمل ولا جدوى من كل الوسائل، في تفادي المصير المحتوم.. فإنسان الحضارة الغربية، هو (سيزيف) كما صوره البرت كامو، عليه أن يحمل صخرة وجوده، صعوداً وهبوطاً، في الجبل، في عمل روتيني، لا معنى له!! أسئلته الوجودية الملحة، لا إجابة عليها، وهو لا يملك أن يتخلى عن أن يسألها!! فهو طالما أنه يعقل، لا يملك إلا أن يسألها، ثم هو لا يستطيع أن يتخلص من عقله!! ومهما أشبع من حاجات جسده، فإن الجوع الروحي يؤرقه، وينغصها عليه، حتى لو أشبع الحاجات المادية _ حاجات الجسد.. فطالما أنه من جسد، وعقل، فلا بد من الإشباع المتوازن.. بل أن حاجات العقل، أكثر أهمية، وأكثر إلحاحاً.. ومع غياب إشباع حاجات البعد الروحي، تفقد إشباعات حاجات الجسد قيمتها، وتصبح هي نفسها، تحت ظل القلق الوجودي، والخوف، وغياب القناعة، هي نفسها، غير قابلة للإشباع.
    كما يلاحظ إريك فروم، لو استطاع الإنسان، أن يتخلى عن انقسامه، وثنائيته، وعاد لأصله الحيواني، لأستراح، ولكن حتى هذه لا سبيل إليها.
    الحل الذي قدمته الحضارة الغربية، عن طريق نظامها الرأسمالي، هو النزعة الإستهلاكية، والترفيه الهروبي.. فأصبح الإنسان تحت هيمنة الرأسمالية، يكدح طول حياته، في سبيل إشباع حاجات مادية، لا إنتهاء لها.. وتتفنن الرأسمالية بحيل لا حصر لها، في جعل هذه الحاجات _غير الضرورية بطبيعتها_ هي الضرورة الملحة، وعندما يقصر الفرد في إشباعها، يشعر بأنه دون الآخرين.. لقد أصبح الإنسان المعاصر، يوظف حياته كلها لعبادة (العمل)، بصورة ليس لها شبيه في التاريخ.. فهو طول وقته يكدح، من أجل المطالب المادية.. ثم عندما يفرغ من عمله، الذي لا يكاد ينتهي، يتفادى بكل السبل، وقت الفراغ، الذي يوقظ الأسئلة الوجودية، غير القابلة للإجابة.. ما الحل!؟ الهروب، عن طريق التسلية الهروبية، التي تفننت الحضارة في توفيرها، وتفننت الرأسمالية، في إدخالها مجال النزعة الاستهلاكية consumerism .. وكل هذا لم يجدِ، ولن يجدي! والبديل هو إسكات العقل، هذا الذي يلح في الأسئلة، بإغراقه في الكحول أو المخدرات.. أو إسكات الحياة نفسها بالانتحار.. وأصبح هنالك خوف حقيقي من الانتحار الجماعي، عن طريق إشعال حرب بأسلحة الدمار الشامل، وهو خطر حقيقي، وسيظل قائماً، ما لم يتم تجاوز أزمة الإنسان المعاصر الوجودية..
    يقول د. فرانكل: "إن هنالك شعور ضار يشكو منه مرضى كثيرون في هذه الأيام، وأعني به الشعور الكلي والمطلق بـ (اللامعنى) لحياتهم. فأشخاص كهؤلاء يعوزهم الأحساس أو الشعور بمعنى يستحق أن يعيشوا من أجله. وهم يعانون من خبرة فراغهم الداخلي، من خواء وفجوة بداخل نفوسهم، وأنهم بذلك يصبحون مقيدين مأسورين في ذلك الموقف الذي أطلق عليه مصطلح (الفراغ الوجودي)".. ويقول: "إن العلاج بالمعنى يعتبر الإنسان كائناً ينصب إهتمامه الرئيسي على تحقيق المعنى وتحقيق القيم، بدلاً من أن يهتم بمجرد إرضاء أهوائه وإشباع حوافزه وغرائزه، أو بدلاً من أن يهتم بمجرد إحداث المصالحة بين المطالب المتصارعة التي يفرضها الهو والأنا والأنا الأعلى، أو بدلاً من أن يهتم بمجرد المواءمة والتكيف مع المجتمع والبيئة"..
    ولقد تناولنا الموضوع داخل الكتاب ويمكن الرجوع إليه.. مهمة العلاج بالمعنى حسب أصحابه "مساعدة المريض على أن يجد معنىً لحياته".. والمريض هو إنسان العصر.. فالعصر كله مصاب بعصاب (الفراغ الوجودي).. وهو عصاب لا تجدي معه المسكنات الوقتية والجزئية. فالإنسان يريد معنى لوجوده كله، وليس معنى محدود ومؤقت، مهما طالت مدته، سينتهي بالموت حتماً.. وأصحاب العلاج بالمعنى أنفسهم يقولون: "اعتقد أن معنى وجودنا ليس أمراً نبتدعه نحن أنفسنا، دائماً بالأحرى نكتشفه ونستيقنه".. ولكن الحضارة الغربية عاجزة تماماً، عن اكتشاف هذا المعنى، وبحكم طبيعتها، لا مجال لديها إطلاقاً لتكتشفه.. فعجزها في هذا الصدد عجز نهائي، ينبع من طبيعتها، ومن إطار التوجيه الذي تقوم عليه.
    العقل الذي هو وسيلة اكتشاف المعنى في حياتنا، أو من حياتنا، قد أصبح بعد فشل الحداثة _الوعد العظيم_ مجرد أدآة، وليس وسيلة لمعرفة المعنى.. أداة للعيش، وحسب، أي (عقل معاش).. وهذا توكد أكثر من أي وقت سابق، بحكم سيطرة الرأسمالية.
    الحياة وفق قيم الحضارة الغربية، ليست هي حياة الإنسان.. والفكر، الذي هو خادم للحياة، ليس هو فكر الإنسان.
    إن عجز الحضارة الغربية كله، يتلخص في تصورها للوجود، ولطبيعة الإنسان، وأصله.. وهذا العجز من صميم موجهات الحضارة الغربية نفسها، ومن المستحيل تجاوزه في إطار هذه الحضارة.. فلابد من تجاوز إطار التوجيه الذي تقوم عليه الحضارة، إلى إطار أكمل.. وأهم شيء عن كماله، هو أن يقوم على التصور الصحيح لطبيعة الوجود، والتصور الصحيح للإنسان وطبيعته، والغاية من وجوده.. ونحن نجزم أن هذا لا يتوفر إلا في الإسلام، كما يدعو له الأستاذ محمود محمد طه.. ولا نعتقد أننا ننطلق من مجرد التعصب لدين، وإنما نقدم تصوراً واضحاً ومتسقاً ومتكاملاً، يخاطب العقول.. وعلى كل هو تصور مطروح للناس، وللناس عقول!! فرغم هيمنة الحضارة الغربية، وخصوصاً هيمنة الرأسمالية، ومحاولتها صرف الناس من أن يفكروا في أخطر قضاياهم، قضايا وجودهم نفسه، ومصيرهم، رغم هذا، هم مجبرون على التفكير في قضايا وجودهم ومصيرهم.
    الإنسان وحقوق الإنسان:
    الحضارة التي همشت الإنسان بالصورة التي رأينا طرفاً منها، والتي أصبحت أكبر عقبة في سبيل تحقيق إنسانيته، هي نفس الحضارة التي تحدث الناس عن حقوق الإنسان!! فكيف يمكن لمن لا يعرف الإنسان أن يتحدث عن حقوقه!؟ أكثر من ذلك، كيف يمكن لمن لا يملك القيم الإنسانية، بل لا يملك مجرد التصور النظري لهذه القيم، أن يعمل على حماية هذه الحقوق!؟
    إن مواثيق حقوق الإنسان، قامت على نيّات طيبة وخيرة.. والأمر الذي دفع اليها هو ويلات الحرب، وبصورة خاصة الحرب العالمية الثانية.. ومن يتحدثون عن حقوق الإنسان، يعملون الآن للحرب، ويصرفون على وسائلها، من سلاح، ومن بحث علمي يقوم على تطوير فاعلية السلاح في الفتك والتدمير، أضعاف ما يصرفون على السلام.. بل إن قضية السلام، لا تكاد تحظى بمجرد الإهتمام، إلا من عدد قليل جداً، من المفكرين الأحرار، الذين يؤرقهم الصرف على السلاح، وعلى الحرب، ويخشون قيام حرب عالمية جديدة، لو قامت، بالأسلحة الحديثة، ليس فقط قد تفني البشرية، وإنما يمكن أن تفني الحياة على الأرض!! هذا الاحتمال المرعب، احتمال قائم بشدة، ولولا أن يتدارك الله البشرية برحمته، وينصر قيم السلام، فإن البديل الوحيد هو الحرب.
    منذ أن ظهر ميثاق حقوق الإنسان، احتضنه الساسة وجعلوه ضمن وسائلهم.. خصوصاً في الدول الكبرى، التي هي الأكثر حديثاً عن حقوق الإنسان، والأكثر مناقضة لها، في مبادئها وسلوكها العملي!! الأمر الطبيعي أن فاقد الشيء لا يعطيه.. لقد أصبح الحديث عن حقوق الإنسان، حديثاً سياسياً، تستخدمه الدول الكبرى، في تحقيق مصالحها، ضد الدول الصغيرة، وضد شعوب العالم المهمشة.. أهم حق للإنسان هو حق الحياة _حق العيش_ حق الا يقتل، أو يعتدى على حياته، دون ذنب أقترفه، ولكن حتى هذا الحق غير متوفر!! والخطر الأكبر عليه، يأتي من الدول الكبرى، التي نصبت نفسها _زوراً وبهتاناً_ حامية لحقوق الإنسان.. لو أخذنا حرب فيتنام وحدها، نموذجاً، فهي كافية جداً لإقامة الدليل القاطع، بأن من يتولون الحديث عن حقوق الإنسان، هم الخطر الحقيقي على الإنسان نفسه، وليس مجرد حقوقه وهو حي.. هم لا يملكون مجرد الحس الإنساني، الذي يؤهلهم للشعور بقيمة الإنسان، خل عنك المحافظة على حقوقه.. وحرب فيتنام نشبت بعد ميثاق حقوق الإنسان.. وأنا لا أتحدث عن مجرد الحرب، وإنما أتحدث عن ما حدث فيها من أهوال وويلات.. وما لنا نذهب بعيداً.. فلننظر في حرب العراق الأخيرة، وما تم فيها من تقتيل.. ولا يوجد أي سبب موضوعي لقيام الحرب.. وقد عجزت الولايات المتحدة عن إيجاد سبب موضوعي.. فالسبب المعلن، كان امتلاك صدام لأسلحة دمار شامل.. وقد ثبت بصورة قاطعة عدم وجود هذه الأسلحة.. وحتى لو كانت موجودة، فالعراق ليست الدولة الوحيدة التي تملكها.. وحتى لو سلمنا جدلاً، أن التخلص من صدام، عمل إيجابي، فالولايات المتحدة، تملك من الإمكانيات، ما يجعلها تطيح بصدام، دون حاجة للحرب، وهذا القتل والتدمير الذي وقع على الشعب العراقي.. وما أكثر الدكتاتورين الذين دعمتهم الولايات المتحدة، ضد شعوبهم، وما أبشعهم!!
    إن من يصنع الأسلحة الرهيبة، في فتكها، ويتاجر فيها، عملياً هو يعمل لقتل الإنسان، وتدميره، بالقدر الذي تكون به إمكانية هذه الأسلحة في الفتك وفي التدمير.. فهؤلاء عليهم أن يستحوا من الحديث عن حقوق الإنسان.. إن حقوق الإنسان، أهم وأخطر من أن تترك للساسة، وللرأسماليين، الذين يخدمهم هؤلاء الساسة.. فهؤلاء ليسوا مأمونين على شيء!! وعملياً الذين يتبنون الحديث عن حقوق الإنسان هم الساسة، في الدول الرأسمالية الكبرى.. وعملياً أصبحت حقوق الإنسان وسيلة ضغط عند الكبار والأقوياء، تستخدم ضد الضعاف، لتضييع حقوقهم.. والذين يتبنون العمل للترويج لحقوق الإنسان بصورتها الحالية، وفي الظروف الحالية، الكثير منهم، هم مجرد وسائل في يد الأقوياء، يستخدمونهم ضد حقوق الإنسان.. وهؤلاء، منهم من يعلم ومن لا يعلم دوره، ومنهم من هم حسنو النية.. وحسن النية وحده لا يكفي!!
    إذا كنتم حريصين على مجرد حق العيش للإنسان، أوقفوا تجارة السلاح، وبذلك توقفون الحروب، والقتل، الذي هو أكبر وأسوأ صورة، لإهدار حقوق الإنسان.. وإلا فكفوا عن أن تشغلوا الناس أكثر مما فعلتم بأمر أنتم العقبة الأساسية أمامه.
    لا يوجد عدو اليوم للإنسان وحقوقه، أكبر من الرأسمالية.. فهي تهدر جميع حقوق الإنسان.. والحديث ضد الرأسمالية عند الغرب من المحرمات.. هو تهديد للأمن القومي، عند الدول.. وأكبر صور الكفر، عند الأفراد اصحاب المصلحة.
    ليس هنالك ضرورة لأن نورد الإحصائيات، عن الجوعى أو الذين يموتون جوعاً أو بسبب الأمراض والأوبئة، فهي معلومة.. وفي نفس الوقت، تخزن الملايين المملينة، والمليارات عند الدول الغنية، وعند أغنياء العالم.. فهؤلاء لا يملكون مجرد الحس الإنساني الذي يؤهلهم للحديث عن حقوق الإنسان.. وهؤلاء حتى يخدروا ضمائرهم، يقومون ببعض صور الإحسان، التي لا تغير شئياً في الواقع.. إن مجرد وجود متصدق، ومتصدق عليه، في عصرنا هذا، عصر الوفرة، وعصر الإمكانات غير المحدودة للوفرة، هو ضد حقوق الإنسان، فمن حق الإنسان أن يكون كريماً، لا أن يعيش على (أوساخ الناس).
    عملياً، حقوق الإنسان عند الساسة الغربيين، تعني حقوق الإنسان الغربي ضد بقية شعوب العالم.. وهم يخرقون حقوق الإنسان، وعلى رأسها حق الحياة، ولا يستطيع أحد أن يقف ضدهم في عملهم هذا.. هل تستطيع جماعات حقوق الإنسان، أن تمنع الولايات المتحدة، أو تقف في وجهها بصورة مؤثرة عندما تغزو بلداً مثل العراق، وتقتل أهله، أو عندما تستخدم الأسلحة المحظورة في إبادة الشعب الفيتنامي!؟ لا أعتقد أن أحداً من دعاة حقوق الإنسان يمكن أن يزعم، أنهم يستطيعون فعل شيء، عندما يتم خرق حقوق الإنسان، من قبل الولايات المتحدة أو أي دولة كبرى أخرى..
    نورد هنا مقولة ونستون تشيرشل التي جاء فيها: "لقد ارتكبت من الجرائم لصالح بريطانيا، ما لو ارتكبته بداخلها لقضيت بقية حياتي كلها في السجن"!! هذه المقولة تنطبق على جميع زعماء الدول الكبرى، على تفاوت بينهم، والكثيرون منهم ارتكبوا من الجرائم، ما هو أكبر وأخطر مما ارتكب تشيرشل!! ولكن لما كانت هذه الجرائم في حق الدول المستضعفة، وشعوبها، فهم لا يتحدثون عنها من زاوية حقوق الإنسان، بل يعتبرونها أعمالاً مجيدة، لأنها لصالح دولهم، كما عبر تشيرشل بقوله: "لقد ارتكبت من الجرائم لصالح بريطانيا"!! فهي جرائم حتى في نظر صاحبها، ولكنها لما كانت لصالح بريطانيا لم تصبح كذلك وصاحبها لا يقضي أي شيء من عمره في السجن، في حين أن هذه الجرائم لو كانت داخل بريطانيا، حسب قول تشيرشل "لقضيت بقية عمري في السجن"!! فما يحدد العقوبة على الجريمة، عندهم هو أين ارتكبت وضد من، ولمصلحة من!؟ فلو ارتكبت في بريطانيا فهي تستحق العقوبة، أما إذا ارتكبت خارج بريطانيا، (ولمصلحتها)!! فلا عقوبة وصاحبها يُمجد!! هذا هو المعيار الفعلي، والعملي، الذي يقوم عليه الواقع.
    وفي مقولة أخرى، لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، قد أحسنت فيها التعبير عن واقع قومها، وموقفهم من الإنسان، وحقوق الإنسان، جاء قولها: حقوق المثليين هي حقوق الإنسان.. وحقوق الإنسان هي حقوق المثليين.. فحقوق المثليين عندها، مقدمة على حق الحياة.. عملياً، هي وقومها يستطيعون اهدار حق الحياة بالنسبة للشعوب الأخرى، ولا يجدون في ذلك حرجاً، ولا يرون فيه تناقضاً مع العمل لحقوق الإنسان!! وفي نفس الوقت يعملون على فرض حقوق المثليين على جميع العالم، ويجعلونها مبدأً أساسياً من مباديء حقوق الإنسان، بل يعطونها الأولوية كما تشير عبارة كلينتون.. والمثلية في الأديان السماوية الكبرى جريمة، من أشنع الجرائم، وعند أصحاب هذه الأديان كون المثلية جريمة هذا ما يقرره ربهم.. ولكن كلينتون، وصحبها يفرضون على أصحاب هذه الأديان، التخلي عن ربوبية ربهم تعالى، ليخضعوا لربوبية أمريكا، فيطيعوها، رغم أنفهم، فيتخلون عن تحريم ما حرمه الله!!
    أن يموت الآلاف جوعاً، بسبب المضاربة في المواد الغذائية، هذا ليس فيه أي تعدِ على حقوق الإنسان!! فالمضاربون، وإن كانوا يعلمون نتيجة مضاربتهم، إلا أنهم لم يخرقوا أي قانون!! فهم يتصرفون في حدود حقوقهم المكفولة لهم!! ثم أنهم مواطنون في أمريكا، أو أي دولة أخرى من الدول الكبيرة، والذين يموتون نتيجة لمضاربتهم، هم في أفريقيا والهند.. وفوق ذلك كله، هؤلاء المضاربون، يعملون في إطار المبدأ المقدس، مبدأ حرية السوق، ولم يخرجوا عليه!!
    وحتى في الدول الرأسمالية الكبرى نفسها، الأطفال في المدارس يقتل بعضهم بعضاً، بالسلاح الناري!! وكل المحاولات، لمنع هذا السلاح، فشلت.. والسبب المباشر لهذا الفشل هو قوة (لوبي السلاح).. أما السبب الأساسي، فهو مباديء وقيم النظام الرأسمالي، الذي يقوم على قانون الغابة!! الرأسماليون هم الذين يحددون المباديء، ويضعون القوانين التي تحكم العالم، وهذا بحكم قوتهم وهيمنتهم.. وهذه المباديء والقوانين هي دائماً لمصلحة الأقوياء والأغنياء، وضد الضعاف والفقراء.. والأقوياء يعملون على حماية هذه المباديء، بقوتهم، ومنها قوة السلاح.. هم قرروا أن السوق حرة، إذا تدخل فيها الإنسان يفسدها!! والإنسان الذي إذا تدخل في السوق يفسدها، المقصود به الإنسان غير الرأسمالي، أما الرأسماليون فلا يوجد شيء في السوق لا يتدخلون فيه!!
    حقوق الإنسان، في العقول والقلوب، وأي معالجة لها خارج هذا المجال قليلة الجدوى، مثل هذه المعالجة هي مثل عمل من يحاول تقويم الظل والعود أعوج.
    لقد أوردنا مقولة وزيرة الخارجية كلينتون، عن حقوق المثليين.. وهذه المقولة، تبين الفارق الجوهري بين الإنسان في الإسلام والإنسان في الحضارة الغربية.. ففي الإسلام، المثلية ردة في سلم التطور، نحو الحيوانية، وفي الحضارة الغربية هي من حقوق الإنسان التي تكون لها الأولوية!!
    في الإسلام في هذا المجال، مجالات العلاقات الجنسية، الأمر يقوم على (العفة)، بل والعفة المطلقة، التي تبرأ فيها الصدور، من الرغبة الجنسية، لغير الزوج أو الزوجة.. هذه العفة، هي العدل، الذي ستملأ به الأرض، عند مجيء الموعود، وعند تحقيق إنسانية الإنسان بهذا المجيء..
    يقول الأستاذ محمود في هذا الشأن: "سيجيء وقت، قريبا، إن شاء الله، تكون فيه العفة، والصون، أمرا ثابتا في صدور النساء، والرجال .. ويكون جميع النساء، إلا امرأة واحدة، لدى كل رجل، كأنهن أخواته، أو أمه.. فلا تتحرك فيه رغبة جنسية لإحداهن، على الإطلاق.. ومثل هذا يقال عن المرأة بين الرجال، إلا رجلا واحدا، هو زوجها.. فكأن التحريم الشرعي اليوم في الدوائر المحرمة هو مقدمة لتلك الحالة التي يصحب مجيئها مجيء الموعود الذي سيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.. وحالة العفة هذه هي من ضمن العدل الذي ستملأ به الأرض يومئذ ..".. الاختلاف بين عبارة الأستاذ محمود هذه، وعبارة وزيرة الخارجية كلينتون المذكورة، يمثل جوهر الاختلاف بين تصور الإسلام للإنسان، وتصور الحضارة الغربية له.. وهو اختلاف هائل، يجعل الحضارة الغربية، بمعايير التطور الإنساني، حضارة شديدة الرجعية، فهي تعمل على ارتكاس الإنسانية، وهبوطها في سلم التطور، إلى مستويات قد تترفع عنها بعض الحيوانات.
    أن تكون هنالك تجارة في البشر، تشمل حتى الأطفال، وأن تتضمن هذه التجارة حتى الأعضاء البشرية، تؤخذ من الفقراء، لمصلحة الأغنياء.. وأن تتضمن هذه التجارة حتى الأطفال لأغراض الجنس.. كل هذا لا يستفز الغرب، أما حقوق المثليين فهي حقوق الإنسان عندهم!! وهذا قول يتبعه عمل صارم ويعاقب من يخرق حقوق المثليين، كما عوقبت يوغندا مثلاً.. وهذا من أوضح الأدلة وأقواها، في التدليل على أن حقوق الإنسان، هي مجرد وسيلة هيمنة غربية، تستخدمها ضد الدول والشعوب الضعيفة..
    المثلية في الأديان الكتابية جريمة كبرى، فلماذا يفرض على أصحاب هذه الأديان، التخلي عن أديانهم والتزام نقيضها؟؟ عندما يفرض الغرب، على المسلمين، حماية المثلية، كحق من حقوق الإنسان، هو عملياً يفرض عليهم التخلي عن قيم دينهم، وتبني قيم الغرب، مهما كان تناقضها مع قيم الإسلام.. هل يوجد استبداد أكثر من هذا؟ دافع الغرب للتمسك بحقوق المثليين، وجعلها أهم حقوق الإنسان، وجوهه عديدة، ولكن أهمها خدمة أغراض الرأسمالية.. فقد دخل الجنس مجال النزعة الاستهلاكية، وأصبح من أهم السلع، بل هو يدخل في جميع السلع الأخرى، من خلال الدعاية التي تكاد تستخدمه، في جميع المجالات.
    الإنسان هو المعيار:
    لقد رأينا أن الإنسان في الإسلام، هو وحده الغاية.. وكل ما عداه ومن عداه، هو وسيلة إليه.. فهو غاية الوجود كله.. والوجود كله مسخر له.. وقد جعله الله تعالى خليفة له، وهذا أعظم تشريف يناله مخلوق.. وبهذه الخلافة أصبح الإنسان صاحب رسالة، ورسالته هي أن يحقق ربوبيته على الأكوان، من خلال عبوديته لله.. فالإنسان في الأصل (رباني).. وقد خلقه الله تعالى ابتداءً كاملاً، وكان ذلك في الملكوت.. ثم أهبطه إلى الأرض، ليؤهله لاستحقاق هذا الكمال، من خلال التجربة، حتى يتأهل لاستحقاق وظيفته في الخلافة.. وتولاه الله تعالى، بعنايته من مرتبة العناصر إلى مرتبة الحياة البدائية.. ومن مرتبة الحياة البدائية إلى مرتبة الحياة المتقدمة الراقية المعقدة، ومن هذه إلى مرتبة الحرية الجماعية، بدخول العقل في المسرح.. ومن مرتبة الحرية الجماعية، إلى مرتبة الحرية الفردية، وما لهذه نهاية، فالسير فيها يضطرد إلى غير نهاية، لأنه سير إلى الله في إطلاقه.. وفي جميع هذه المراحل كان الإنسان، هو ثمرة ما قبله وخلاصته.. وكل مرحلة هي إعداد لما بعدها.. وكان الإنسان في كل تطوره يدخل كل مرحلة أساسية جديدة، بقفزة هي نتاج الفضائل التي استجمعها في مرحلة ما قبل القفزة.
    ولما كان الإنسان هو الغاية، بالصورة التي فصلنا فيها في متن الكتاب، فيحق أن يكون هو المعيار الأساسي والوحيد للتقدم.. فكل تقدم حدث، أو سيحدث، هو مرحلة من مراحل تحقيق إنسانية الإنسان.. والفكر السليم، والحياة السليمة، ينبغي أن يكون فيها التمييز بين الوسائل والغايات واضحاً، بصورةٍ لا لبس فيها.. وأي تقدم في الوسائل لا قيمة له، ولا عبرة به، إلا بقدر دوره في تحقيق إنسانية الإنسان.
    وبالنسبة للإنسان نفسه كغاية، ومعيار للتقدم، فإن أي تصور يقوم على الوقوف عند مرحلة تجاوزها الإنسان في تطوره، هو تصور (رجعي)، يدل دلالة قوية على خلل في التفكير، وفي معيار القيم.
    ولما كان الإنسان من مادة وروح، جسد وفكر، فينبغي أن يكون تقدمه في المجالين معاً، مع إعطاء الأولوية للروح أو الفكر.. وفق ثنائية الجسد والروح، يميز الأستاذ محمود بين الحضارة والمدنية.. فهو يقول مثلاً: "المدنية غير الحضارة، وهما لا يختلفان اختلاف نوع، وإنما يختلفان اختلاف مقدار.. فالمدنية هي قمة الهرم الاجتماعي والحضارة قاعدته ..".. وهو يعرف الحضارة بقوله: "وأما الحضارة فهي ارتفاق الحي بالوسائل التي تزيد من طلاوة الحياة، ومن طراوتها.. فكأن الحضارة هي التقدم المادي، فإذا كان الرجل يملك عربة فارهة، ومنزلا جميلا، وأثاثا أنيقا، فهو رجل متحضر".. أما المدنية فيعرفها "بأنها المقدرة على التمييز بين قيم الأشياء، والتزام هذه القيم في السلوك اليومي، فالرجل المتمدن لا تلتبس عليه الوسائل مع الغاية، ولا هو يضحي بالغاية في سبيل الوسيلة . فهـو ذو قيـم وذو خلـق.. وبعبارة موجزة، فالرجل المتمدن هو الذي حقق حياة الفكر وحياة الشعور".. فالحضارة تتعلق بالوسائل، والمدنية تتعلق بالغاية، فمن يحقق حياة الفكر والشعور هو الإنسان وهو الغاية.
    يقول الأستاذ محمود: "هل المدنية هي الأخلاق؟؟" ويجيب "هي كذلك، من غير أدنى ريب!! وما هي الأخلاق؟ للأخلاق تعاريف كثيرة، ولكن أعلاها، وأشملها، وأكملها هي أن نقول أن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة".
    وعلى هذا، الحضارة الغربية، هي حضارة وليست مدنية!! فهي قد تقدمت تقدماً، ليس له نظير في التاريخ، في مجالات الحضارة حسب التعريف، ولكنها ارتكست في مجالات الأخلاق _مجالات الإنسانية_ إلى درك يصل إلى ما دون الحيوانية!! ثم هي تعمل للحرب، وتصرف عليها، أضعاف ما تعمل للسلام، وتصرف عليه.. بل في المستوى الذي وصلت إليه الرأسمالية المعاصرة، أصبح السوق هو سيد الإنسان، والإنسان موظف في خدمته!! وحدث خلل رهيب في المفاهيم وفي الأولويات.. وهو خلل لا مجال لمعالجته، إلا بتجاوز الحضارة نفسها، والدخول بها مداخل الإنسانية.. والتجاوز يعني تجاوز ما هو سلبي، والإبقاء على ما هو إيجابي، وتنميته وتطويره وتوظيفه في خدمة أغراض إنسانية الإنسان.. وهذا وفق القاعدة التوحيدية: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ"..
    وفقاً لـ (معيار الانسانية)، ومعيار التطور في إطارها، الحضارة الغربية، مدنية رجعية!! لا زالت القيم فيها، تقوم على أساس قانون الغابة، حيث القوة تصنع الحق، وتتقاضاه (من غلب سلب).. فالعلاقات في المجتمع تقوم على المنفعة المادية وحدها، ولا علاقة لها بالقيم الانسانية.
    وفي مجال السياسة الخارجية للدول، ظلت (مدرسة الواقعية)، بمسمياتها المختلفة، هي المسيطرة عبر التاريخ والى اليوم.. ووفق هذه المدرسة: (القوة هي العامل الثابت).. وكما يقول ديفيد فيشر: "عالم السياسة هو حقل القوة، ويلزم لحماية استغلال السياسة من التخريب الذي يمكن أن تحدثه اتجاهات أخرى في التفكير، من قبيل الأخلاقيات، التي تمثل رفاهية، لا يمكن لرجال السياسة الانغماس فيها"!! (7 ص 38).
    كان ينتظر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أن يكون هنالك على الأقل القليل من التحول في الاعتماد على سياسة القوة والهيمنة.. ولكن في الواقع، ازدادت شهية الدول الكبرى للهيمنة!! ولقد كتب أستاذ العلوم السياسية جون مير شايمر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي يقول: "الضمان الأفضل للبقاء، يتمثل في أن تكون مسيطراً، فلا يمكن أن تقوم دولة أخرى بتهديد دولة مهيمنة" (7 ص 39).. عملياً، لا يزال الغرب يعمل وفق قانون ثيوسيديس الذي يقول: "قانون الطبيعة العام والضروري، يخول الفرد السيطرة أينما أمكنه ذلك" (7 ص 40).
    الغابة الحديثة استبدلت الأنياب والمخالب، بأسلحة الدمار الشامل، خصوصاً الأسلحة الذرية والنووية، الأمر الذي جعل امكانية الابادة الشاملة للجنس البشري أمراً ممكناً.. ولم يكتف الغرب بالمفهوم التقليدي للحرب، بل أصبحت هنالك حرب اقتصادية، وحرب بيئية.. وهذه الأخيرة، هي من أخطر الأمور، فهي تقوم على التلاعب في المناخ، بصورة يمكن أن تؤدي الى كارثة بيئية شاملة، تجعل كوكب الأرض كله غير صالح لإنسان!! ومما يزيد من خطورة هذه الحرب، أن الكثير مما يتعلق بها لا يزال متكتم عليه، وهو في يد العسكر ورجال المخابرات ورجال السياسة، ومن ورائهم رجال المال!! أي في أيدي أكثر البشر بعداً عن القيم الانسانية.. فهؤلاء هم الذين أصبح بأيديهم القرار الخاص بمصير العالم!! وهذا في حد ذاته أمر مخيف.
    الحضارة الغربية، موكلة بالتقدم العلمي والمادي، هذا هو دورها التاريخي، وقد أنجزته.. فأسباب التقدم المادي، بفضل الله ثم بفضل هذه الحضارة قد استقرت في الأرض، وأصبح من الممكن أن تكون ملكاً للجميع، ولا يحول دون هذا إلا العقبة التي تضعها الحضارة نفسها.. وللحضارة الغربية دور آخر، سلبي، هو أن تملأ الأرض ظلما!! وحتى هذا أدته بكفاءة نادرة، وتوشك أن تصل فيه الى نهاية المطاف!!
    بعد هذا، لابد أن تترجل الحضارة الغربية، وتترك قيادة مسيرة الانسانية، لمن هو أكفأ منها، في تحقيق المطلوب.. والمطلوب هو تجاوز مرحلة الحيوانية، وقيم الغابة، بصورة تامة.. وهذا التجاوز يتم داخل كل فرد أولاً، وفي المجتمع الكوكبي ككل، ثانياً.. ومن هو أكفأ من الحضارة الغربية في هذا الصدد، هو (دين الانسان)، بالمعنى الذي ورد في هذا الكتاب.
    وعلى الرغم من كل الذي قلناه عن سلبيات الحضارة الغربية، إلا أنها وبكل سلبياتها، ليست رجساً من عمل الشيطان، وإنما هي من عمل العزيز الحكيم.. وحتى السلبيات الخطيرة، له تعالى فيها حكمة.. على الأقل، من حكمتها، أن (يحق القول) على الحضارة، لتذهب، ويأتي ما هو أكمل منها.. أما إيجابيات الحضارة كحضارة، فهي لا تكاد تحصى، ولا تخطئها العين مهما كانت كليلة.. بل إن هذه الإيجابيات، هي السبب عند الكثيرين، في حجب سلبياتها الخطيرة جداً، بل والمخيفة جداً، إذا نظرنا إليها من منظور، ضرورة السلام.
    أعتقد أني استطعت أن أبين الفرق الشاسع جداً بين تصور الحضارة الغربية للإنسان، وتصور الإسلام له.. ومع ذلك، هذا ليس هو الغرض الأساسي من الكتاب.. وإنما الغرض الأساسي هو التبشير بعهد الإنسان الذي أظلنا، وتهيأت الأرض له، بالحاجة إليه والطاقة به، وما منه مندوحة.
    فالإسلام الذي نقدمه، كما هو عند الأستاذ محمود، ليس هو مجرد فكر، وإنما هو معرفة بالله، تقوم على اليقين.. والأستاذ محمود يقول: "إن للحق لدي من الحرمة والقداسة، ما يجعلني لا أذيع إلا ما أستيقن أنه الحق".. فالأمر مرتبط بساعة التعمير، وهي قد اكتملت علاماتها الظاهرة، وحان حينها: "ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً"..
    إنه طوفان نوح الأخير، وفيه ما يغمر الأرض، مع الماء، العلم بالله.. والعلم بالله هو مجال تحقيق إنسانية الإنسان.. يقول الشيخ الأكبر، محي الدين بن عربي
    ما القوم سوى قوم عرفوك
    وغيرهـم همـج همـج
    وكما الحال في الطوفان الأول، صاحب الطوفان يعد في المركب، ومعظم الناس لاهون عنه، وبعضهم يسخر منه.. والنجاة هذه المرة لكل الأرض، وليس لبعضها دون البعض.. هذا الطوفان، هو طوفان البشارة، الذي جاء عنه من أقوال الأستاذ محمود، ما أوردناه في إهداء الكتاب، وجاء فيه:
    "إلي الإنسانية! بشرى.. وتحية. بشرى بأن الله ادخر لها من كمال حياة الفكر، وحياة الشعور، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. وتحية للرجل وهو يمتخض، اليوم، في أحشائها، وقد اشتد بها الطلق، وتنفس صبح الميلاد"..
    فنرجو الله أن يجعلنا جميعاً، من أهل الميلاد!! ففي عهد الإنسانية يولد الناس، الميلاد الثاني.. وهذا ما نعمل له، وندعو إليه، ونبشر به.. ونرجو الله أن يكون عملنا، مقبولاً عنده، وأن يمدَّنا بمدد من عنده لا ينقطع، وأن ينفعنا، وينفع بنا، إنه نعم المولى، ونعم النصير.

    18/5/2019م


























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de