الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي: ذكرى رحيل حسن الترابي بقلم شوقي إبراهيم عثمان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 03:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-09-2019, 02:37 AM

شوقي إبراهيم عثمان
<aشوقي إبراهيم عثمان
تاريخ التسجيل: 01-13-2014
مجموع المشاركات: 56

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي: ذكرى رحيل حسن الترابي بقلم شوقي إبراهيم عثمان

    01:37 AM March, 08 2019

    سودانيز اون لاين
    شوقي إبراهيم عثمان-المانيا
    مكتبتى
    رابط مختصر






    “المسألة الدينية” هي قضية المرحلة أو الحقبة المعاصرة الحالية ما بعد سقوط “الشيوعية” والإتحاد السوفيتي 1991م، شئنا أو أبينا.

    فقبل عام 1991م كانت الأيديولوجية الشيوعية هي “الفزاعة” التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل السافر في شؤون كافة الدول، ومحاصرتها اقتصاديا، أو حتى غزوها عسكريا. وفي هذا قيل أن ”الولايات المتحدة” في حاجة دائمة إلى عدو، ولو كان وهميا، تصطنعه إصطناعا. والحاجة إلى صناعة عدو لا تعزو إلى “المزاج”، بل هي تكتيك وإستراتيجية هجومية دائمة أطلق عليها “الحرب الباردة“. ولكن في حقيقة أمر هذه الحرب الباردة، وفي خلفيتها، لا تعني سوى محاصرة أية عملة دولية محتمل نشؤوها تنافس الدولار. فالحرب الباردة التي انطلقت عام 1947م سببها خوف واشنطون أن يطلق جوزيف ستالين ومجموعة الدول الإشتراكية وقتها عملة دولية منافسة للدولار.

    بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، والأيديولوجية الشيوعية القحة1991م، أعدت لندن وواشنطون العدة لمليء الفراغ، في عهد ريجان كانت المخابرات الأمريكية تنسق بشكل دقيق مع أختها البريطانية، خاصة برعاية الأب بوش الذي كان في خدمة الملكة إليزابيث مباشرة. وبعد عشر سنوات 2001م أحالت واشنطون “الإرهاب الإسلامي” إلى فزاعة بدلا من فزاعة الايديولوجية الشيوعية. وقد دشنت واشنطون هذا الإحالة بضربة برجي نيويورك 11 سبتمبر 2001م، وأحتلت أفغانستان كأول تمرين لمحاربة “الإرهاب الإسلامي“ المصنوع. وهكذا عادت “حليمة” إلى عادتها القديمة، فبدلا من محاصرة الدول التي ترفع راية الشيوعية، صارت “حليمة” تحاصر الدول التي “ترعى الإرهاب”، أي “الإرهاب الإسلامي“، كذريعة للتدخل دوليا، بعد أن تصنعه هي بنفسها مخابراتيا أو وكلاؤها الخليجيين “بشكل طبيعي”، ونقول بشكل طبيعي، فـ “الإسلام السعودي” الوهابي إرهابي بطبيعته، وقد صنعته بريطانيا بدءا من عام 1745م قبل أن تنشأ دولة تسمى الولايات المتحدة 1776م..

    تميزت هذه الحقبة المعاصرة بلحاظ محاربة “الإرهاب الإسلامي” بالتركيز على أهداف معينة، أي بشكل إنتقائي، بالهيمنة على أو إحتلال الدول البترولية أو التي بها إحتياطي نفطي ضخم، بينما تميزت آلية الحرب الباردة الأمريكية السابقة في عهد الاتحاد السوفيتي السابق بـ “شمولية” عمياء، „إن لم تك معنا فأنت ضدنا“.

    وهكذا أحالت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة بدءا من 2001م كل مسلم في العالم إلى مشروع تهمة، ومتهم بالإرهاب، مما استنفر كل مسلم، بل دفعت المسلم إلى مراجعة دينه في كثير من المقولات، وفي هذا كل الفائدة. وفرض السؤال التالي نفسه على جميع المسلمين هل “الدين السعودي” يمثلني؟ ٍبل زاد فضول غير المسلمين بعد ضربة برجي نيويورك كي يفهموا الإسلام، وكثير منهم أعتنق الإسلام. وفي كل الأحوال أنطبق على الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، بجعل الإسلام أيديولوجية إرهابية، قول نبينا (ص): (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر). ما عليك إلا أن تضع بدلا من “بالرجل الفاجر” “بالدولة الفاجرة”. وعليه يمكنك القول: إن الله ليؤيد هذا الدين ولو بالدولة الفاجرة. وهذا ما عنيته في بداية المقالة (“المسألة الدينية”هي قضية المرحلة أو الحقبة المعاصرة الحالية ما بعد سقوط “الشيوعية” والإتحاد السوفيتي 1991م، شئنا أو أبينا.)

    بعد هذه الرميات، كمقدمات، نرى أن الثورة الديسيمبرية في السودان مطالبة بأن تعالج القضية الدينية. وسيصطدم قيام الدولة القادمة – السودان الجديد- ببقية النظام القديم، “الإسلام السياسي”، المرتبط بدول الخليج وتركيا وبالمكتب الدولي للإخوان الخ، وربما سيكون إصطداما عنيفا. ما الضمان أذن ألا يحرك النظام القديم القاعدة والدواعش لتخريب السودان الجديد؟ أم تجر مكونات دولة السودان الجديد إلى المحاصصة الطائفية على الطريقة اللبنانية؟ زالعراقية – التي بالكاد نجحت في الخروج من هذا الفخ الذي نصبه لهم بول بريمر. فهل المطلوب أن تثقف “الثورة” نفسها إسلاميا؟ أم يضع السودان الجديد رأسه في الرمال ويكتفي بالمشاغبة؟ ودعونا نتفق أن القضية الدينية في السودان ذات بعدين، بعد داخلي، وبعد خارجي وبينهما خيط دقيق. ٍولكن دعونا في هذه المقالة نركز على البعد الداخلي.
    لكي تفهم القضية الدينة والإسلامية بلحاظ البعد الداخلي، ندعو القاريء الكريم أن يتخيل نفسه معاصرا للرسول (ص)، وبالتحديد قبل وفاته (حقيقة قبل إغتياله بالسم!!) بثلاث أشهر، ثم يواصل تخيله وإلى الأعوام 35-40 هجرية، وهي فترة خلافة الإمام علي عليه السلام بعد مبايعة المسلمين له، وإلى عام 61 هجرية، وهو عام إستشهاد الإمام الحسين وأهله عليهم السلام. نقول، أن يتخيل القاريء الكريم نفسه في “عصر الصحابة” وصدر الإسلام، بعد أن عايش دولة الترابي الإسلامية لثلاث عقود، وقد استوعب القاريء الكريم نموذج وطبيعة الصراع على السلطة والثروة والنفوذ السياسي، وأن يقارن عصره بعصر الصحابة، وبأن يتخيل حجم وعمق الصراع ما بين” الصحابة” أنفسهم الذين انقسموا إلى “قصر” و “منشية”، أي إما إنحيازا للرسول الله (ص) وأهل بيته أو لقيادة شيوخ بطون قريش التي استبطنت النفاق (قريش 22 بطنا، منهم بطنان دعما رسالة الإسلام: بنو هاشم وبنو المطلب فقط). هذه القيادة القرشية صنعت إنقلابا حقيقيا، طويل النفس، على الرسالة وصاحب الرسالة. غرسوا “غواصات” داخل حلقة الرسول (ص) الضيقة أدعت الإسلام، وهؤلاء قادوا الإنقلاب بعد أن نافقوا الله ورسوله للإستيلاء على “ملك محمد”، كما وصفه أو تخيله الكافر أبو سفيان بن حرب.

    كي تفهم ماذا حدث في الماضي، وكيف وأين تجد ما يثبت إغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإنقلاب القرشي الذي نعيش في كنفه وبمقتضاه وإلى اليوم، ويجيب على الكثير من الأسئلة الجائرة في عقلك، أقرأ هذا الكتاب الصغير:

    http://hz.turathalanbiaa.com/public/3441.pdfhttp://hz.turathalanbiaa.com/public/3441.pdf

    بعضهم مدح حسن الترابي، ولا أدري هل هي عطفة على “النظام الخالف” أم ذكرا لمحاسن الميت الحي؟ لقد أفلسوا ولم يجدوا سوى تنفيذ “وديعة رابين”. ولا أدري لم أبتلى الله تعالى السودانيين بقوم كذابين، شيخهم يبكونه اليوم ويمدحونه يعطي نفسه لقب “دكتور” وهو ليس بدكتور، وآخر يتمطع ويدعي إنه زميل دراسة للرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون، وما هو كذلك.

    عموما، قد لا يعني لقب “دكتور” شيئا ذا قيمة إذا كان صاحبه فارغ المحتوى، خاصة في عهد الكيزان، حين تصبح الدرجة العلمية “تكليف تنظيمي” في جامعاتهم، وصرف “الدكتوراه” من صميم “العداد” والنقاطة، فنالها أمثال عبد الحي يوسف، ومحمد عبد الكريم وأشباههم.

    وفي هذه الايام تذكرت الراحل العلامة الدكتور عبدالله الطيب، الذي جهله قومه، وغار منه حسدا عرب الخليج، وتصدر المشهد الثقافي ذباب المتثقفين وأنصاف المتعلمين يقتادون على موائد الخليج. الدكتور عبدالله الطيب سمح لأحد المصريين بأن يحاضر أستاذا مساعدا في جامعة الخرطوم في علم القراءات، ولم ينل هذا المصري سوى درجة البكلاريوس. وحين سآلوه كيف يحاضر، وهو لا يملك دكتوراه؟ فقال لهم إن كل كتاب من كتب هذا الرجل يساوي دكتوراه!!

    ولما الشيء بالشيء يذكر، فقد رأيت متأخرا فيديوهات للعلامة الدكتور البروفيسور عبدالله الطيب تحوي محاضرات، ولقاءات وحوارات تلفزيونية، وأخذت أقيمه بأثر رجعي، وتحسرت، تحسرت أن يشغل الساحة أمثال حسن الترابي، ويمر الراحل العلامة عبدالله الطيب أمام نظر السودانيين مرور الكرام، لا حس ولا خبر. ولكن ما لفت نظري أن الراحل عبدالله الطيب هو سليل عائلة “المجاذيب” التي تقطن الدامر، وهي عائلة عريقة في العلم والنسب والشرف، غارقة في حب أفضل الخلق صلى الله عليه وآله، وتسبح في بحور التصوف. وعندها خطرت لي خاطرة، هل تقابل أو تواجه الرجلان يوما ما؟ وأعني حسن الترابي والدكتور عبدالله الطيب.
    فالمعروف أن الأخير فسر القرآن كله برواية الدوري بقراءة المقريء أحمد حمدون، رحمه الله. وتسللت رواية حفظ السودان من نجد السعودية شيئا فشيئا وأبطلت رواية الدوري، بل دفنتها دون ان يلاحظ السودانيون ذلك. بل أيضا بصوت مقريء سعودي!! لقد سعودنا حسن الترابي، ويدعي أحدهم أن حسن الترابي مجدد. والسؤال هنا: لماذا لا تطبع السعودية كل الروايات في القرآن بدل "الإشهار لرواية حفص فقط"؟ نفس هذه الظاهرة حدثت في الجزائر، فأهل الجزائر تربوا لقرون وبل رضعوا وفُطِموا على رواية ورش عن نافع. بقدرة قادر افترست الجزائريين رواية حفص بصوت مقريء سعودي. لا أكذب عليكم، حين استمع إلى صوت هذا الممقريء السعودي يخيل لي أن الشيطان يقرأ القرآن الكريم، حتى التي تسمى “مصاحف فهد” تخلصت منها بإهدائها لمن حولي، وما أدراكم من وما الفهد!!؟

    رأينا كيف تخلص حسن الترابي من الشهيد المفكر محمود محمد طه، وكان وقتها يشغل وظيفة “النائب العام“، أو “المدعي العام”. ولزم حسن الترابي الصمت وقتها، وهو علامة الرضا، وحين سؤل، فضحه لسانه وقال للصحفيين: “وفديناه بذبح عظيم!!”. يعني إنه “هو” القيم على الإسلام والمسلمين، وفدى الإسلام بذبيحة عظيمة. وأعلم إن قولته آية قرآنية، وإلى هذه الدرجة صار حسن الترابي يشارك رب العالمين في شؤونه. وكي تفهم إنه شارك، وربما أوعز بإعدام المفكر محمود محمد طه، وأيضا بدفع من رابطة العالم الإسلامي السعودية وقتها، وكان أمينها عبدالله بن عمر نصيف. لنرى التفسير القانوني لمنصب “النائب العام” أو “المدعي العام” نقلا من الإنترنيت:

    “النائب العام او المدعي العام هو رأس الهرم في جهاز النيابة العامة، وقد سُميَ نائبًا عامًا أي أنه ينوب نيابة عامة عن المجتمع في تحريك الدعوى الجزائية والإدعاء فيها أمام المحكمة المختصة ويوكل في ذلك إلى مجموعة من الأشخاص يسموْن وكلاء النائب العام أو وكلاء النيابة، إذ لا يملك المجني عليه في الواقعة تحريك الدعوى الجزائية بنفسه عدا الإدعاء مدنيًا أمام المحكمة لطلب التعويض المادي أو الأدبي، والنائب العام غالبًا ما يكون رجلا بدرجة وزير وعضو في المجلس الأعلى للقضاء، وتكون مسؤوليته الوظيفية أمام رئيس الدولة مباشرة وليس أمام وزير العدل كما يعتقد الغالب الأعم من الناس، فمنصب النائب العام منصب قضائي بحت كونه عضو في السلطة القضائية ولا يتصل أو يتبع وزير العدل الذي هو عضو في السلطة التنفيذية إعمالا للمبدأ الدستوري المعروف مبدأ الفصل بين السلطات. ويتبع النائب العام جهاز كامل يسمى النيابة العامة وهي شعبة من شعب القضاء -وليست إدارة تتبع وزارة العدل- وهذا الجهاز مكون من محامين عموم ورؤساء نيابة ووكلاء نيابة ومساعدين ومعاونين، وجميعهم يمارسون وظائف قضائية وإدارية متصلة بجهاز النيابة”.

    وما زال السؤال قائما، أين كان الدكتور عبدالله الطيب من ظاهرة حسن الترابي؟ وماذا كان رأيه في شخصه، وفي علمه؟ ولم “صمت” حسن الترابي عن الدكتور العلامة أعجوبة زمانه عبدالله الطيب وكأن ليس له وجود في عالمنا الأرضي؟ هل يمكن أن تتخيلوا ماذا كان بالإمكان أن يحدث أو يقال إذا تواجه الرجلان؟ توفى الراحل الدكتور عبدالله الطيب في 19 يونيو 2003م، رحمه الله رحمة واسعة.

    عموما، مصداقية المرء تُقيَّم ليس مما كتب في كتبه فقط، بل أيضا تُقيَّم من سلوكه. المفكر الحقيقي لا يكذب على الناس أبدا، ومطلقا. وفضلا عن كون حسن الترابي ليس لديه “فكر” يشار إليه بالبنان، “نجزم” أن كل ما في جعبته إتقانه أدبيات الحزب الشيوعي في”التنظيم”، وجدلية العلاقة اللينينية ما بين القيادة الطليعية والجماهير. ونجزم أن سلوكه لا يمت إلى سلوك “المفكرين” حين يمارس الكذب تلو الكذب على الآخرين. وأول كذبات حسن الترابي حين “بلع” فرية تلقيبه من قبل المتوهمين بدكتور، وبل بالغ حواريوه “البدريين” حين زعموا أن لديه ثلاث دكتوراه. ولم ينف حسن الترابي تلك الصفة العلمية في وقتها، وفورا، بل فقط وفقط قبل سنوات قليلة حين فتح أحد الناشطين السودانيين هذا الموضوع، أعترف حسن الترابي مجبرا على أنه بلع تلك الدرجة العلمية التي ألصقوها فيه. مكرها أخيك لا بطل!! وهنا، كما أسلفنا، ليس الجُرم في كونه حاملا درجة “دكتوراه” أو لم يحملها، أي في نفسها، فربما حامل دكتوراه خشبة جوفاء لا تفقه في العلم شروى نقير. قضيتنا هنا تتعلق بـ “الكذب”. الموبقة التي نفى رسول الله (ص) أن يكون صاحبها مؤمنا، ويكفيك قوله (ص) في الكذاب „المتُشَبِّع بما لم يُعطَ، كلابس ثوبي زور!!“. وتأمل قوله (ص) الصريح في الكذب والكذابين...

    عن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، قال رسول الله (ص): “إياكم والكذب فإن الكذب يهدي الى الفجور، وان الفجور يهدي الى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا”. وأيضا، عن سفيان بن أسيد، قال الرسول (ص): “كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا، هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب”.

    ولا أخفيكم سرا، أنا نفسي أعجبت بشقشقة حسن الترابي من على البعد، أي من ألمانيا، ولكني حين مكثت في الخرطوم ست سنوات متواصلة، ورأيت الواقع السوداني مرأي العين كما هو، أدركت أن الرجل من أكبر الكذابين والدجالين. لسوء حظه، شخصي من خلق الله من أمتازوا بنقطتين، من الذين محوا أميتهم الدينية بأنفسهم، ومن لهم سابقا باع في العمل السياسي نظريا وعمليا، فأكتشفت عبر المشاهدة العينية أن الرجل يغرد في واد وما يُطَبق في البلاد وعلى العباد شيء آخر، لقد تمت “سعودة” السودان تماما. عندها أجزمت إنه يجيد فن المعايير المزدوجة. وتحضرني هنا ملحوظة قديمة لم أعطها أهمية في وقتها. لدينا في ميونيخ ناشط إسلامي مصري وصولي ومشاغب حضر مظاهرة من مظاهرات المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي في الخرطوم عام 1991م، ورجع من السودان لميونيخ وقد ظهرت عليه في نقاشاته “عَرَض” لفلسفة جديدة لم نعهدها في نقاشاته، تطبيق الشريعة، أو قيام الدولة الإسلامية لا يتم عبر معادلة 2 + 2 = 4 بل 5، أو 3، ومعنى كلامه، لا تتم إلا عبر المواربة والخداع. وفهمتها بأثر رجعي إنه ربما جلس مع حسن الترابي في تلك الجلسات الخاصة، وأستمع من “الربان” هذه المقولة.

    لحسن الترابي لكل عقدة حلا وتبريرا، لماذا تآمر على البلاد بإنقلاب؟ يجيبك وكأن “القضاء والقدر” قد فتح له فرعا في البيت الأبيض بإدارة الأب بوش. فالأب بوش هو السبب!! بينما الصحيح أنه تعمد حرق المراحل. لماذا انقسم الإسلامويون “البدريين” وأصبحوا لصوصا ومجرمين؟ يقبض يده ويهزها “يا أخي حتى الصحابة فعلوها .. يعني!!“ ويهز رأسه ويضحك ضحكته الثعلبية الصفراء!! يقصد سقيفة بني ساعدة وإنهم أي الصحابة سارعوا في إغتيال بعضهم البعض وتناثروا كخرط القتاد. ولكن القشة المشهورة التي قصمت ظهر البعير هي ملاحظتي إنه قد ألغى الفصل ما بين السلطات الثلاثة بجرة قلم، وهذه لا يفعلها هاوي وأترك قانوني جانبا، أو مفكر، أو سياسي أو عالم فقه إسلامي مجدد. انظروا إلى إيران “الدولة الدينية” أو دولة الملالي كما يسمونها سخرية، تتمتع بأكثر من مؤسسة دستورية رقابية، وجميعها تُؤسَس وتخضع لقانون الإنتخاب الديموقراطي الشعبي، وفي بعضها لا يحصل النواب على راتب مالي مطلقا، وأية منها منفصلة ومستقلة عن الأخرى، وهكذا يتم التوازن ما بين السلطات الثلاثة. ولا تستغرب من ذلك، فالحوزات وكليات الشريعة الإيرانية (أو الشيعية العراقية مثل النجف) لا تدرس علوم الشريعة والفقه الإسلامي للطالب المبتديء قبل تدريسه وإتقانه علم الفلسفة والمنطق. وهذه نقطة فارقة ما بين المدرستين السنية والشيعية.

    هذا النكوص في إستقلالية وفصل القضاء في السودان عن السلطة التنفيذية هو الذي كشف لي عن زيف حسن الترابي. ونعني بالزيف إدعائه التجديد، وما تجديده سوى إحياء موبقات القديم الموروث، وهنالك الكثير من القديم فيه نظر، خاصة في مسألة الحاكمية ومن ضمنها إشكالية إستقلالية القضاء. وإستقلالية القضاء من أهم أركان الحاكمية العادلة، لأنها تشل يد الطغاة وتسد منافذ الفساد والإستبداد. حسن الترابي سجن نفسه كي يتفرغ لإستنساخ الماوردي وابن أبي يعلي الفراء وخرج علينا بكتاب ضخم بعنوان: “الآحكام السلطانية”، والطريف أن العنوان هو نفس عنوان كتابي كل من الماوردي والفراء. وهكذا ثلثهما الترابي، ثالث ثلاثة، والذي لا يشغله سوى المجد أن يقرن اسمه باسماء هذين المؤلفين، الأول شافعي والثاني حنبلي.

    ونجد عقدة حسن الترابي الخوف من الإقتراب مما يسمى“الغرب” ماثلة للعيان، وإنه من الجبن المشين لا يستطيع مواجهة الخط الرسمي للوهابية في مركزها نجد. لوحوا له طويلا بأنه صنيعة الأفكار الغربية، فخنع، ثم لوحوا له بتكفيره، فركع. فما يسميه أـفراخ الوهابية بـ “الثقافة الغربية” ليس سوى خلاصة حكمة الفكر البشري في تطور مفهوم الحاكمية والعدالة، فالفصل ما بين السلطات الثلاثة يستقيم مع العدل ومنطق الأشياء، ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية في شيء. ولكن حكام الخليج يرغبونها هرقلية وإمتدادا للدولة الأموية والعباسية والعثمانية، والسبب الثروة البترولية.

    وفي التاريخ سابقة أو سوابق، فالخلفاء الثلاثة الأوائل قبضوا السلطات الثلاثة في يد واحدة، بينما في خلافة الإمام علي عليه السلام تجده فصل القضاء عن شخصه الحاكم وكان قاضيه القاضي شريح بن الحارث. وعندما تقرأ ترجمته، قد يصيبك بعض اللبس لسوء العرض. شريح القاضي هذا عينه الخليفة الثاني وأقره الثالث ولكن في الكوفة، وليس في المدينة. ولا يذكر التاريخ أنهما عينا قاضيا في حضرتهما حيث يقيمان. بينما الإمام علي عليه السلام أقره في معيته وفي عاصمته الكوفة، وكان يعلمه القضاء. تتخابث الويكيبيديا العربية، وهي سعودية، حين تدعي كذبا أن الإمام علي قال في شريح: “هو أقضى العرب!!“ ومِن مَن؟ نقلا عن الداعية المصري عمرو خالد. وماذا ترك خوارج العصر السعوديين للإمام علي؟

    يقول شيخهم ابن تيمية في منهاجه (ج7 /512 ):( وأما قوله: قال رسول الله "أقضاكم علي" والقضاء يستلزم العلم والدين، فهذا الحديث لم يثبت وليس له إسناد تقوم به الحجة..)؟! وهنا يخاطب ابن تيمية الحراني ابن المطهر الحلي صاحب كتاب: „منهاج الكرامة في إثبات الإمامة”. وهذه ليست الكذبة الوحيدة لشيخهم الخارجي، بل له مئات الكذبات وايضا يحقر نبينا (ص). فمن قوله لأحد تلاميذه مصوبا: “ﻻ ﺗﻘﻞ ﻳﺎ ﺟﺎﻩ ﳏﻤﺪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﻘﻲ ﻗﻔﺔ ﻋﻈﺎﻡ!!”، ولاحظ قول ابن تيمية في أمير المؤمنين“والقضاء يستلزم العلم والدين”، وقصد ابن تيمية إن “أمير المؤمنين” لا علم له ولا دين!! وهو نفسه ابن تيمية في “منهاجه” قد حكم على أمير المؤمنين بجلوسه مع فرعون في النار، لأنه قاتل شيخهم “معاوية” من أجل الرياسة (!) والعلو في الدنيا (!) وليس للديانة!!

    وهنا تجد ما يثبت لك أن ابن تيمية كذاب أشر حين ينكر قول رسول الله (ص) “أقضاكم علي”، ويوهم العامة بقوله “ليس له إسناد تقوم به الحجة..”، كعادته في كتبه التي جميعها تطفح ببغض محمد (ص) وآل بيته، وتوقر اللعينين معاوية وإبنه يزيد، وترفع من شأنهما وتبرر لهما كفرهما وجرائمهما.

    http://www.room-alghadeer.net/vb/showthread.php؟t=27386http://www.room-alghadeer.net/vb/showthread.php؟t=27386

    على “تجمع المهنيين” أن يولي مسألة فصل القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية إهتماما خاصا. قال العلامة السندي المتوفى: 1138هـ (قوله: (وأقضاهم) قيل: هذه منقبة عظيمة لأن القضاء بالحق والفبصل بينه وبين الباطل يقتضي علما كثيرا وقوة عظيمة في النفس). وبصدد “أقضاكم علي”، ماذا تقول كتب ومصادر الشيعة في إمامها؟

    إليك محاورة طريفة ما بين الإمام جعفر الصادق (80 هـ - 148 هـ) عليه السلام وبين إبن أبي ليلى (76 هـ - 148 هـ)، وهو محمد بن أبي ليلى، قاضي الأمويين في الكوفة، يشقشق به عصام أحمد البشير ديمة!!. (ولقد أجمعوا (أي الصحابة والتابعين) على أن النبي صلى الله عليه وآله قال: “أقضاكم علي”، ورُوِي عن سعيد بن أبي الخصيب وغيره أنه قال الصادق (ع) لابن أبي ليلى: أتقضي بين الناس يا عبد الرحمن؟ قال: نعم يا بن رسول الله، قال: بأي شيء تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فما لم تجد في كتاب الله؟ قال: من سنة رسول الله وما لم أجده فيهما أخذته عن الصحابة بما اجتمعوا عليه، قال: فإذا اختلفوا فبقول من تأخذ منهم؟ قال: بقول من أردت وأخالف الباقين، قال: فهل تخالف عليا فيما بلغك أنه قضى به؟ قال: ربما خالفته إلى غيره منهم، قال أبو عبدالله الطيب: ما تقول يوم القيامة إذا رسول الله قال أي رب إن هذا بلغه عني قول فخالفه؟ قال: وأين خالفت قوله يا ابن رسول الله؟ قال: فبلغك أن رسول الله قال أقضاكم علي؟ قال: نعم، قال: فإذا خالفت قوله ألم تخالف قول رسول الله؟ فاصفر وجه ابن أبي ليلى وسكت).

    هذه دعوة مفتوحة لكافة عناصر الإنتفاضة أن يفتحوا كل “الكتب” و “المصادر” الإسلامية التراثية، ولا فضل لكيزان السودان أبدا في أية مساهمة ثقافية إسلامية حقيقية، وما قدموه وهابية صافية. ويرجع الفضل للولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت من “الإسلام السعودي” حالة إسلامية إستفزازية عامة، بصفته “إرهابا”، ونشير بلطف أن جناحي الأمة الإسلامية هما “السنة الأشعرية” و “الشيعة الإمامية”، بقراءة كلاهما ستفهم ماذا حدث في الماضي، وإلا لن تفهم قط. بينما “العقيدة الوهابية”حالة شاذة لها نبتت في التاريخ الإسلامي في القرن الرابع الهجري على يد المجسمين ويسمون أيضا الحشويين وزعيمهم أبو يعلي الفراء الحنبلي (مولود 380هـ - 990م)، وأحيا الحشويين البريطانيون. نفخوا في المجسم الحشوي ابن تيمية (تــوفى 728 هـ - 1328م)، وأحيوه من قبره وركبوه في محمد عبد الوهاب (المولود 1703م).

    “ما الهدف من الدعوة الإسلامية”؟ “هل الشعب السوداني غير مسلم؟” تذكر عبد الرحمن سوار الذهب!!

    سعودة أو وهبنة السودان سلفيا، يعني دوران السودان “سياسيا” في فلك المملكة السعودية خاصة... ودول الخليج عامة (قطر وهابية قحة!!)، وبالتبعية لمؤسس الدول الخليجية يصبح دوران السودان في فلك بريطانيا والصهيونية اليهودية أمرا مفروغا منه (لاحظ توحد الوهابية والصهيونية!!). بريطانيا الآن نشطة جدا في دول الخليج، مع تباشير البريكستٍ، خاصة في دولة اليمن. بريطانيا تعود إلى أمجادها القديمة وتقود السعودية والإمارات لإبادة الشعب اليمني وتركيعه. بريطانيا عينها على عدن. فهل نتعظ؟ المطلوب أنبوب بترولي عبر حضرموت كي تملأ تناكر الزيت البترول السعودي من بحر العرب، وهكذا يصير مضيق هرمز لا قيمة إستراتيجية له، هل فهمت لم يبيدون الشعب اليمني؟

    شوقي إبراهيم عثمان























                  

03-09-2019, 05:41 AM

شوقي ابراهيم عثمان


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي: ذكر (Re: شوقي إبراهيم عثمان)

    حلقة من قناة الميادين تستحق المشاهدة والتأمل,,, حتى يفهم السودانيون ما ينتظرهم من جهد لفهم دينهم.. ولمواصلة محاربة "تجار الدين" .. وعلى فكرة تجار الدين ظاهرة نشأت وحتى في عهد نبيكم (ص)...

    https://www.youtube.com/watch؟v=gsJtWvHciYshttps://www.youtube.com/watch؟v=gsJtWvHciYs

    شوقي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de