سفينة بَوْح – صحيفة الجريدة بالأمس ورغم قِلة صبري في أمر التوقف مدة طويلة لمشاهدة قناة فضائية ، وعادتي المتأصلة هي التجوال السريع على القنوات إن سنحت لي فرصة التواجد أمام التلفاز ، إلا أنني إستطعت وبفضل الإنبهار والحسرة معاً أن أشاهد على قناة الفُجيرة الأماراتية فعاليات إفتتاح مهرجان الفُجيرة للثقافة والفنون ، فقد كان المشهد أمامي عبارة عن لوحة برَّاقة من الإبداع والإبهار والجمال وحسن الإدارة والتخطيط ، ثم الهيبة التي تُحيط بكل من يطلِّع على تلك الفعالية والتي مفادها الواضح (أن هناك دولةً تعمل وتُخطِّط) ، ولا يأتي أحد ليحدثني عن الإمكانيات والماديات ليضلِّل العامة بأن جُل أمر النجاح والإنجاز في الدنيا يتحكَّم فيه المال ، لأن المال بدون تخطيط وإدارة مصيره إلى تبديدٍ وزوال وكم من دولٍ حباها الله بالنفائس والثروات فبدَّد حكامها بسوء التخطيط والتخبُط مواردها في الفساد والحروب والسادية الفكرية والسياسية وأحياناً الشخصية ، وبدون ذكر أسماء لدولٍ بعينها يمكن للقاريء أن يُقارن تباين مستويات حركة التنمية من منظورها الشكلي وخصوصاً ذاك المُتعلِّق بالبِنى التحتية بين الدول التي إشتهرت بإمتلاكها للموارد والثورات ، أما نحن في هذا السودان الذي تضاهي ثرواته الثقافية والفكرية والتاريخية ما تمتلكه قارات ، وذلك وفقاً لتباين عرقي وثقافي لطالما نادينا ومعنا آخرون بأنه ثروة ومادةً خام لصناعة المهرجانات وتنشيط أمر السياحة ومردوداتها الإقتصادية ، هذا فضلاً عن رفع مكانة هذا الوطن وإنسانه وتعريف العالم به وبتاريخه وإمكانياته المهولة والمُهدرة في ذات الوقت ، إنهم يصنعون المهرجانات والأمجاد لأوطانهم من أبسط المكونات والموجودات ، ونحن نملك إرثاً ثقافياً متميَّزاً بحالة الإندماج والتمازج المتفرِّد بين الثقافة الإفريقية الأصلية والمداخلات الثقافية العربية المؤثرة التي تفاعلت معها ، وسيظل رأينا الذي طالما ما ردَّدناه هنا وفي كثيرٍ من المنابر بأن أمر الثقافة والسياحة في السودان ورغم توفر(الخام والموارد الطبيعية) لا يمكن تفعيله وبناءه والإستفادة من مردوداته فقط عبر مجهودات المنظمات المدنية ومؤسسات القطاع الخاص كما يعتقد القائمون على هذا الأمر على المستوى الرسمي ، فإن لم تقف الدولة بإمكانياتها وقبل ذلك قناعاتها وإيمانها (بجدوى) وأهمية المهرجانات الثقافية والإبداعية في رأب القطاع السياحي وتنميته لا مجال أبداً للحديث عن مدخولات سياحية مهمة أو متناسبة مع حجم الإمكانيات الطبيعية الموجودة في بلادنا ، فكيف لسياحة المهرجانات وغيرها من أصناف السياحة أن تنهض ، وآخر إهتمامات حكومتنا في لهثها وراء البقاء في السلطة أن تنظر بعين الإعتبار إلى أهمية تطوير البنى التحتية للبلاد لتكون قادرة على خدمة مثل هذه المشاريع الهامة ، فإنشاء الطرق وسُبل المواصلات وتوفير الأمن المدني والإستقرار الإقتصادي وإعداد المواقع الأثرية وتنظيم المهرجانات والمعارض المتخصصة وإنشاء المسارح والملاعب الرياضية بمواصفاتها الدولية هو من صميم إلتزامات الحكومة تجاه تنشيط وتفعيل العمل السياحي والثقافي بما يدفع القطاع الخاص إلى الإستثمار في المنشآت السياحية كالفنادق والمنتجعات وغيرها ، على ما يبدو أني قد أصابتني (الغيرة) في مقتل من ما شاهدته في مهرجان الفُجيرة للفنون ، للدرجة التي دفعتني لهذا الحلم الرومانسي الأليم ، أقول ذلك حين تذكرت أن حكومتنا ستظل في منأى عن رفد العمل السياحي والثقافي بإهتمامها ورعايتها ، طالما هي الآن واقفة على خط العجز عن رفد مواطنها المغلوب على أمره بما يعينه على مجرد البقاء حياً .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة