قانوني وباحث [email protected] 00249900988020 واتساب في البدء لابد من التأكيد على أن الإتفاق النووي الإيراني، أو إتفاق لوزان النووي، تنطبق عليه أحكام إتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969، لكونه إتفاق معقود بين الدول، في صيغة مكتوبة وينظمه القانون الدولي. سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميتها الخاصة. وذلك بمقتضى المادة الاولى من إتفاقية فينا لقانون المعاهدات، والتي اٌعتمدت من قبل المؤتمر الأمم المتحدة بشأن قانون المعاهدات في ديسمبر من عام 1966، وينطبق على الإتفاق المبادئ العامة بشأن تنفيذ المعاهدات، منها حرية الإرادة، وحسن النية، وقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، والحفاظ على العدالة واحترام الالتزامات الناشئة من المعاهدات. وقبل الخوض في تفاصيل الإتفاق يتعين علينا الإجابة على السؤال المُلح والمطروح بشدة وقلق هذه الأيام، وهو هل يحق للرئيس دونالت ترامب توقيع أمر تنفيذي an executive order لسحب بلاده من الإتفاق النووي المشار اليه؟ الإجابة على ذلك من منظور القانون الدولي تكون بنعم، فلا الإتفاق النووي يمنع ذلك ولا إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 التي تنظم المسألة على المستوى الدولي تقف حائلاً أمام أي دولة طرف في هذا الإتفاق أن تعلن إنسحابها من الإتفاقية لأن حق الانسحاب مفهوماً ضمناً من طبيعة الإتفاقية المشار اليه. أما من ناحية القانون الأمريكي فالسؤال هو هل يحتاج الرئيس دونالت ترامب إلى تفويض من الكونغرس بالانسحاب؟ رغم تباين الاَراء حول الأمر، فإن الرأي السائد أن النظام القانوني الأمريكي يسمح للرئيس بتوقيع أمر تنفيذي للإنسحاب من الإتفاقية، ذلك أن الكونغرس سبق له أن فوض الرئيس بالتوقيع على الإتفاقية، والتعامل مع الإتفاقية وتنفيذها، وإتخاذ كل ما يلزم سلامة التنفيذ الذي يحمى المصالح الأمريكية. وعلى هذا النهج سارت Iulia Padeanu الحاصلة على زمالة المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، في مقال لها في مجلة جامعة يال للقانون الدولي Yale Journal of International Law. حيث بررت رأيها بالقول أن "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 ،" القانون العام رقم 114-17 ، مقنن في 42 الولايات المتحدة. 2060 ، الذي أعطى السلطة التنفيذية سلطة إبرام الاتفاقية ، هو ذات التشريع الذي يعطي سلطة تقديرية لترك الإتفاق إن لزم الأمر، كما يمنح القانون للسلطة التنفيذية حق مراجعة الإتفاق مع القدرة على إعادة فرض العقوبات. وعلى النسق ذاته أصدرت مؤسسة The Cipher Brief العريقة، تحليلها في 11 مايو 2018 وإنتهت الى أن الرئيس الأمريكي يملك حق إعلان الإنسحاب الأُحادي من الإتفاقية دون الرجوع للكونغرس. ما هو الإتفاق وما هي طبيعته: الإتفاق المثير للجدل هو إتفاق متعدد الأطراف وله شركاء ومراقبين عدة، حيث عقدت جمهورية إيران الإسلامية والدول الست التي تشمل كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وفرنسا والمانيا وبريطانيا، سلسلة من الاجتماعات والمفاوضات العسيرة والمعقدة، عقدت في كل جنيف وفيينا ونيويورك وأُختمت بمدينة لوزان السويسرية في 14 يوليو 2015 بالتوقيع على الإتفاق المذكور. وكانت الإجتماعات على مستوى وزراء خارجية الدول المذكورة، وبحضور الممثلة العليا للإتحاد الأوربي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومراقبين عدة. ويطلق البعض على الإتفاق "خطة العمل المشتركة الشاملة" The Joint Comprehensive Plan of Action ( (JCPOA عرفت المجموعة التي تولت المفاوضات مع إيران منذ العام 2006 حتى تاريخ التوقيع عليه بمجموعة 5+1 وبالإنجليزية P5+1 وهي مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا،الصين بالإضافة إلى المانيا، التي تعتبر شريك صناعي رئيسي لإيران، فمعظم الأدوات المستخدمة في البرنامج النووي الإيراني هي المانية الصنع. وبموجب الإتفاق المذكور وافقت إيران على إزالة مخزونها من اليورانيوم المتوسط التخصيب، وخفض مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، وتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي الخاصة بها مقابل رفع عدد من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ، الاتحاد الأوروبي ، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما وافقت إيران على تقييد كمية الوقود النووي التي ستحتفظ بها خلال الخمسة عشر عامًا القادمة، وفق البنود التالية:- 1. زيادة مدة إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لتصنيع قنبلة نووية حتى عشر سنوات كحد أقصى بدلا من شهرين. 2. خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بنسبة الثلثين خلال عشر سنوات والسماح بتشغيل 5000 جهاز فقط لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز بنسبة 3,67 بالمئة خلال فترة 15 عاما. 3. خفض المخزون الإيراني من اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 آلاف كيلو غرام إلى 300 كيلو غرام على مدى 15 عاما. 4. عدم بناء أية منشآت نووية جديدة طيلة 15 عاما. 5. تكليف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة منتظمة لجميع المواقع النووية الإيرانية وكل الشبكة النووية بدءاً من استخراج اليورانيوم وصولاً إلى الأبحاث والتطوير مروراً بتحويل وتخصيب اليورانيوم. وتمكين مفتشي الوكالة من الوصول إلى مناجم اليورانيوم وإلى الأماكن التي تنتج فيها إيران "الكعكعة الصفراء" (مكثف اليورانيوم) طيلة 25 عاما. 6. تمكين مفتشي الوكالة من الوصول لمواقع عسكرية غير نووية بشكل محدود في حال ساورتهم شكوك في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي. 7. مفاعل المياه الثقيلة الذي هو قيد الإنشاء في آراك سيجري عليه تعديلات كي لا يتمكن من إنتاج البلوتونيوم من النوعية العسكرية. 8. العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على الأسلحة ستبقى خلال خمس سنوات لكن يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يمنح بعض الاستثناءات. وتبقى أي تجارة مرتبطة بصواريخ باليستية يمكن شحنها برؤوس نووية محظورة لفترة غير محددة. 9. رفع كل العقوبات الأمريكية والأوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني، والتي تستهدف القطاعات المالية والطاقة وخاصة الغاز والنفط والنقل. ما هي حجج الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الإنسحاب:- ترى الولايات المتحدة الامريكية ممثلة في رئيسها دونالت ترامب أن الاتفاق النووي مع إيران "سيء للغاية" وأن المفاوضين الأمريكيين لم يكونوا على مستوى المسؤولية الوطنية في الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة. وحدد أربعة أسباب جعلته ينسحب من الإتفاق بإجراء أحادي الجانب، والاسباب هي:- 1. أن الإتفاقية قد ضحت بمصالح الولايات المتحدة وغلبت مصالح إيران. 2. أن طهران استخدمت الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأمريكية والأوروبية منذ عقود في تمويل الإرهاب. 3. أن الاتفاق لا يوفر أية ضمانات لفترة ما بعد انتهاء مدة الاتفاق في العام 2025. وفي غضون سبعة أعوام سيصل الاتفاق لنهايته وستتحرر منه إيران ويكون بمقدورها إنتاج أسلحة نووية وهو أمر لا يمكن قبوله. 4. أن الاتفاق لا يحمل بعداً إقليميا ولا ينطوي على أية نقاط تكبح الطموح الإيراني للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، ورغم توقيع الاتفاق منذ ثلاث سنوات استمر النظام الإيراني في تغذية الصراعات والإرهاب في الشرق الأوسط، وذلك حسب الرئيس الأمريكي. وهو سلوك يوضح من وجهة نظره أن إيران لا تحترم روح الاتفاق، فما زالت تطور برنامجها للصواريخ الباليستية الموجهة طويلة الأمد وهو ما يهدد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، كما أن التدخل الإيراني في اليمن لصالح الحوثيين وسوريا لصالح نظام بشار الأسد يعد أمرا غير مقبول بالنسبة للولايات المتحدة. ودون الخوض في التحليلات السياسية، حيث لا صلة لي بذلك، يمكنني القول أن المعاهدة لازالت سارية المفعول بين إطرافها، ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية، هذا من الناحية القانونية، أما من حيث الواقع فإن الإتفاق سيعاني من متاعب جمة في ظل الإنسحاب الأمريكي منه، رغم تمسك الأطراف الأخرى به، بل وأعلنت عزمها للتعامل مع إيران حتى الإنفاذ الكامل للإتفاقية، حيث قال الاتحاد الأوروبي إنه سيلتزم بالاتفاق النووي، وصرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان مؤخراً بأن "الاتفاق لم يمت، هناك انسحاب أمريكي من الاتفاق لكن الإتفاق ما زال موجودا" وفي المقابل ليس لإيران من ملاذ اَخر سوى الإلتزام بالإتفاق، في ظل الازمات الداخلية التي تعيشها، وفي وقت أفادت فيه بعض التقارير أنها قامت بالفعل بردم الخرسانة على المنشاَت التي كان عليها الخروج والتوقف عن العمل بحسب الإتفاقية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمود ابكر دقدق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست