بالرغم أن مسألة (إسترخاص) الإنسان السوداني عند ولاة أمره في حياته ومماته ودمه المُهدر بلا ثمن ، أصبحت بالنسبة للمتابعين أمراً لا يحتاج إلى كثير إثبات ، إلا أنني مضطرٌ اليوم أن ألفت إنتباهككم لما حدث بالأمس الإثنين وبُعيد مجذرة أطفال مدينة الأبيض الباسلة بدقائق ، وفي قمة مثول المأساة في قلوب أهل الأبُيِّض وإنفراط أمر الجذع والشعور بالضيم في دواخلهم ، إنبرت إدارة الولاية لتُعلن للناس والعالم عن ما يُغالب دائرة إهتماماتها ومشغولياتها في تلك اللحظات العصيبة ، وذلك عبر خروج مصفحات وتاتشرات الجيش والقوات الأمنية والشرطية إلى الشوارع ، لماذا ؟ ، لتقوم بحراسة وتأمين البنوك والمنشآت الإقتصادية بسوق الأبيِّض ، ومتى ؟ بعد أن وقعت كارثة إغتيال الطلاب والتي هي بالنسبة لولاة أمر ولاية شمال كردفان مسألة (ثانوية) بالنسبة إلى أهمية تعرُّض أحد البنوك أو إحدى الصرافات الآلية للنهب أو التخريب .
إنه نوعٌ من الحلم الرومانسي إذا ما إفترضنا في والي شمال كردفان وأجهزته الأمنية ، أن يستصحبوا في دائرة توقعاتهم أن مثل هذا المواكب ولو كانت سلمية تحتاج إلى تواجد الشرطة والأمن ، من باب حمايتها من الفوضى والحوادث الطارئة أو حتى من (المندسين) كما يحلو لرئيس وأعضاء المجلس العسكرى في وصف ما لا يريدون الإعتراف به من مسئوليات مباشرة تجاه المجاذر التي حدثت في عهدهم الموبوء بكل ما هو قميء ومستهجن لدى المجتمع السوداني ، السؤال المطروح لوالي شمال كردفان : أين كانت هذه القوات (المُحايدة) و(المنضبطة) والتي على ما يبدو أوليتم فيها الثقة وحميتُم بها شواهق المصارف وأموالها ، عندما إستمر إغتيال وقنص الطلاب لما يزيد عن الساعة ونصف في قلب مدينة الأبُيِّض الباسلة ؟ ، الإجابة التي لا تقبل التأويل أنكم لم تجدوا في ما يتم فقده من أرواح (خسارةً) يمكن أن توازي أو ترتفع إلى مستوى خسران مرايا وزجاج البنوك وخدش جدرانها الملساء الناعمة .
وفي خضم أجواء الحزن والألم ومحاولة الإعتبار بما يحدث من توجهات صائبة أو خاطئة في مسيرة السجال السياسي الذي يحدث الآن في السودان ، وبالرغم من ما حملت خاصرتهُ من جراح وخسائر في الأرواح والأبدان والمعنويات ، نجد أنه ما زال هناك من يستجيب لنداءات ضميره الأسود المريض بداء صناعة الفتنة والإستمتاع بإشاعة فقه التفرقة بين المتحدين والمتآلفين ، وقد إستغل المنتمين بالتعصُب أو الإنتفاع للفئة الباغية وفلول الإسلامويين الذين يتمنون أن يصبحوا ليجدوا أن كل ما حدث لدولتهم البائدة مجرد كابوس أو حلم مزعج ، إثارة السؤال الآتي في خضم الحزن الأليم (ومن الذي دعا طلاب ثانويات الأبُيِّض للخروج إلى الشارع) ، وكأنهم يفتحون باباً بهذا السؤال (لتبرير) قتل المتظاهرين عبر جريرة خروجهم للشارع ثم عبر توجيه الإتهام لمن دعاهم للخروج عِوضاً عن من قام بقتلهم وتصفيتهم ، هذا السؤال كان يمكن أن يكوم مستساغاً لو كان أمر موكب طلاب الأبُيِّض قد مرَّ بسلام ، حينها كان لأولياء الأمور أن يسألوا إدارات المدارس والمعلمين عن مغبة السماح لأبنائهم بالخروج في المظاهرات ثم التساؤل عن الذين دعوهم لذلك ، أما الآن وبعد ما وقع من جُرمٍ مشين وقتلٌ لا تشوبه شبهةٌ في كونه كان مع سبق الإصرار والترصُّد ، يصبح السؤال المذكور أعلاه وتحت أيي طائلة يُطرح فيها مُجرَّد (مٌقدمة) لتحميل مسئولية إهدار أرواح طلابنا إلى طرفٍ آخر غير القاتل الحقيقي ، والذي عاجلاً أم آجلاً سيلقى جزاءه في الدنيا قبل الآخرة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست