هذا البلد ( المترامي الأطراف ) يتحول أحياناً في ناظريك إلى ركن ضيِّق يكاد يقضي على أنفاسك و يُحجِّم حركاتك وسكانتك ، وأحياناً يبدو ( نيلنا الدفَّاق من أقصى الجنوب و إلى تخوم الشمال ) مجرد إشاعة أو خيال أو رسمٌ على ورق ، ففي لحظةٍ ما و أنت في كنفه قد تستحيل عليك جرعة ماء تطفيء ظمأك أو مثقال ( جردل ) منه لتغسل يديك أوهدماً أبلاه الغُباروالعرق ، ومن ناحيةٍ أخرى فإن ما إستحوذنا عليه بكثير القول والتكرار من ( فضائل االتعاضد والتكافل الإجتماعي ) يبدو وكأنه ( كذبة ) كبرى ومهرجان إعلامي لا يستهدف إلا التبختر و( البوبار ) ، ذلك عندما تنظر إلى الشوارع والأسواق وإشارات المرور فتجد البؤس والشقاء والفقر والعوز ماثلاً بأبشع الصور لأطفال ونساء وعجزة يسألون الناس إلحافاً بالباطل أو بالحق ما لا يمكن أن يوصف بغير كونه وجعاً أليماً في خاصرة المجتمع ، وفي الصورة الأخرى تمُدُ القصورة الشاهقة أعناقها و هي تتزيَّن بكل ما إستفز وبهر من ألوان وأحجار وزخارف لايقل سعر المتر المربع منها من ما يوازي ( خَبز الملايين من عيش الرغيف الاسمر ) لملايين من الجوعى والمناضلين في حرب ضروس مع الحياة ومتطلباتها ، فارهات تسعى على أربع من كافة الأشكال والألوان والطرازات بين أجداث الضحايا من الذين إستسلموا لآفة التواجد في الحياة فقط من أجل ( ضمان ) ما يمكن أن يؤمن بقاءهم على قيد الحياة ، ولا أحد يسأل كيف صار الفقراء فقراءاً ولا كيف يصبح الأثرياء أكثر ثراءاً ، ليس عيباً أن ينظر الإنقاذيون بعين الرعاة في رعيتهم حول ما آل إليه أمر ( التفاوت ) الطبقي من مبالغات لا يختلف إثنان أنها مصنَّفة خارج إطار ( المنطقية ) ، و ليس في الإنتباه إلى ذلك ما يدعو ( للكفر ) أو الإخلال بقاعدة دينية مفادها أن أصل الحياة التفاوت في ما رزق الله العباد وفضَّلهم بعضاً على بعض ، ولا في ذلك ما يُشير إلى دعوة للإشتراكية والشيوعية التي أصبحت عند بعض الشموليين سُبةً و جُرم عظيم، وليكن منظورنا في ذلك متأطِّراً بالوسطية المُثلى في تقصي الأمور وسبرأغوار حقيقتها طالما أن الحكم والدين و إعمار الأرض مُستهدفٌ به الإنسان وحصوله على ( أبسط ) ما يمكن الحصول عليه من مقوِّمات البقاء ، أما الآليات والقوانين واللوائح التي أُنشئت لإعلاء فضيلة الأمانة والكسب المشروع وضمانات الحفاظ على المال العام وتوجيهة لصالح التنمية و المجتمع ، فلن تستقيم فعاليتها ولا الجدوى من وجودها بدون الإحساس والإطلاع والإيمان الحقيقي بما تعانيه الطبقات الدنيا من الفقراء والمحتاجين والمأزومين في هذه البلاد ، التي كانت ولم تزل تتطلع إلى متسع من ( الحريات ) حتى تسطع فيها الحقائق المغطاة برذائل الجور والإقصاء وإنعدام القيِّم الأخلاقية السامية وفي مقدمتها ( الحياء ) .. إنفضوا غبار الدنيا الزائل عن ناظريكم وإستجلوا حال المرضى المعوزين في المستشفيات والجوعى والمعدمين حتى تُجمِّلوا واقع ما تُبصرون يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة