ألـــم يـــــزرع الشعب في الماضي ليحصد في الحاضر ؟؟
من الطبيعي أن تحتج الشعوب في كل بلاد العالم حين تتردى أحوالها .. والشعب السوداني لا يشذ عن تلك القاعدة .. والعافية هي التدرج في النمو دون معيق أو عثرات .. والدول كالأطفال والزرع تتدرج في الخطوات والنماء .. ولكن ذلك السودان فهو لسبب من الأسباب أو لجملة من الأسباب قد عانى كثيراُ من حالات شلل الأطفال .. وقد تأخر كثيراُ عن ملاحقة الأقران في شتى مجالات التنمية والتكنولوجيا والنماء .. حيث نجده مازال يراوغ في المربع الأول منذ الاستقلال .. يخرج من محنة ليدخل في محنة أخرى !!.. ويخرج من مشكلة ليدخل في مشكلة أخرى !!.. يتعافى من أمراض ليعاني من أمراض جديدة !!.. يجتهد في إسكات الباكين والشاكين بالإرضاء والملاطفة فيبدأ آخرون في البكاء !!. دوامة من حالات الإخفاقات والفشل والكآبة والبؤس والمؤامرات تلاحق السودان لأكثر من ستين عاماُ .. وتعطل خطوات السودان .. ورغم ذلك يدعي البعض زيفاُ بأن السودان قد تقدم كثيراُ بعد الاستقلال !.. وهو يظن أن التقدم يتمثل في تلك المظاهر لبعض البنيان والعمارات الشاهقة في بعض المدن .. وتلك مجرد كتل من الجماد لا تعي ولا تفقه !! .. كما يظن البعض أن التقدم يتمثل في إيجاد طرق وشوارع متواضعة معبدة بالإسفلت هنا وهنالك !.. ويجهل كلياُ أن التقدم والتحضر لأية دولة من الدول يتمثل في ذات الإنسان !!.. وقياس التقدم يتجسد في مقدار المستويات الفكرية والعقلية والثقافية لإنسان الدولة .. وكذلك فإن التقدم الحقيقي لدولة من الدول يتجسد في مقدار الرفاهية والراحة والعيشة الكريمة الهنيئة التي يمارسها شعب تلك الدولة !.. وطبعاُ لا يحتاج الأمر إلى جدال فإن تلك المواصفات مفقودة كلياُ في هذا السودان جملة وتفصيلاُ .. ومنذ الاستقلال والأجيال السودانية تلو الأجيال تواجه تلك الويلات وتركض خلف المتاهات في الهجير لمواكبة الحياة .. وحين تبلغ القسوة ذروتها يشتكي ذلك الإنسان السوداني .. ولكن من العجيب فإن البعض من الناس لا يستسيغ تلك الشكاوي من الشعب !.. وهو ذلك البعض الذي لا يعجبه العجب ولا يعجبه الصيام في رجب !! .. وقد يتفلسف أحياناُ ويخاطب الشعب قائلاُ : ( لما لا تأتوا وتحكموا السودان بأنفسكم ثم تجتهدوا في إصلاح الأوضاع بدلاُ من تلك الثرثرة ؟؟ ) .. فيرد الشعب السوداني على أمثال هؤلاء قائلاُ : ( لو كنا نعلم تلك الكيفية في حكم البلاد وإصلاح الأحوال بأنفسنا ما كنا في حاجة لأهل الكفاءات والمهارات ) .. بل نحن الشعب الذي ضحى بالأنفس والأرواح والدماء الطاهرة كنا أولى ثم أولى بتلك الوزارات وبتلك المناصب العليا !. وهي تلك الحاجة الملحة الشديدة التي فرضت علينا الاعتصام في الساحات والميادين لأيام وأيام وليالي ثم مواجهة القتل والموت !.
ذلك التناقض العجيب في مواقف البعض يذكرنا بنكتة ظريفة .. يحكى أن رجلاُ أمياُ قد أشاع بين الناس بأنه تعلم الكتابة والقراءة في حلقات ( محو الأمية ) .. رغم أنه كان يجهل القراءة والكتابة كلياُ .. فجاءت إليه أمرآة عجوز وهي تحمل رسالةُ في يدها .. وقالت له : ( يا بني أقرأ لي هذه الرسالة !! ) .. فأمسك الرجل الأمي بالرسالة ثم نظر فيها ملياً لمدة نصف ساعة .. ثم سأل المرأة وهو يشير بأصبعه لحرف من الحروف قائلاُ : ( دحين يا عمتي دا مش هو الواو الضكر ؟؟؟ ) .. فردت عليه المرأة وهي منزعجة وقالت : ( سجمك وسجم عمتك ) ،، ( لو عمتك عارفة الفرق بين الواو الضكر والواو الإنتاية جايبة ليك الرسالة لى شــــنو ؟؟؟ ) .
والشعب السوداني لو كان يعرف الكيفية في حكم البلاد ويملك الحلول التي تخرج السودان من عنق الزجاج لما مكث في ذلك العذاب المهين لستين عاماُ ؟؟ .. ولما ناضل وصبر وتحمل وفقد تلك الأرواح البريئة الطاهرة في ساحات الاعتصام حتى يتم تمكين أصحاب الكفاءات والمهارات !.. ولما واكب تلك السجالات المؤلمة التي كادت أن تنهار بفعل الخلافات !!.. والسؤال الهام الذي يفرض نفسه هو : ( أين تلك التضحيات التي قدمها الشعب السوداني في تعليم الأبناء والبنات ؟؟ ) .. وأين ثمرات كفاح الشعب السوداني في تأهيل الأبناء والبنات في أرقى الجامعات والمعاهد ؟؟ .. وهو ذلك الشعب الذي عرف عبر التاريخ بتقديسه للعلم والتعليم والعلماء !.. والمعروف عن الشعب السوداني أنه شعب يقدم المقدور المستطاع وغير المقدور المستطاع لأجل تعليم الأبناء والبنات .. وذلك من أجل تأهيل وإيجاد أجيال مؤهلة بالكفاءات والمهارات وقادرة على قيادة البلاد .. ولكن طالت السنوات منذ الاستقلال والسودان مازال يعيش حالة الإخفاقات تلو الإخفاقات !.. ولسان حال الشعب السوداني يسأل في حيرة ويقول : ( لماذا تتجلى العبقرية والهمة والعزيمة والمهارات القيادية الفائقة في أبناء الشعوب الأخرى ثم لا تتجلى في أبناء السودان ؟؟؟ ) .
فهل بعد ذلك يستحق الشعب السوداني ذلك اللوم والعتاب ؟؟ .. وهو ذلك الشعب الذي ضاق ذرعاُ من تردي الأحوال ويتعجل الخروج من عنق الزجاج .. شعب لا يعاب إطلاقاُ بالتخاذل ومساندة النظم والحكومات .. فهو ذلك الشعب الذي صفق طويلاُ وهتف يوماُ للزعيم الأزهري ليتقدم بالبلاد نحو الأمام ويخرج الشعب من دائرة التخلف والمعاناة والشقاء .. وهو ذلك الشعب الذي صفق طويلاُ وهتف يوما لعبد الله بك خليل ليتقدم بالبلاد نحو الأمام ويخلص الشعب من قسوة الشقاء .. وهو ذلك الشعب الذي صفق طويلاُ وهتف يوما لمحمد أحمد محجوب ليتقدم بالبلاد .. وهو ذلك الشعب الذي صفق طويلاُ وهتف يوما للصادق المهدي ليتقدم بالسودان .. وهو ذلك الشعب الذي صفق طويلاُ وهتف يوماُ لجعفر النميري ليتقدم بالبلاد .. وهو ذلك الشعب الذي صفق طويلاُ وهتف يوما لعمر حسن البشير ليتقدم بالبلاد .. وفي كل تلك المراحل كان الشعب السوداني يعاني من الإهمال والتجاهل .. ورغم كل ذلك كان يضحي ويساند بمنتهى الوفاء والإخلاص .. وهو كل مرة كان يخرج خاسراُ يحصد الحسرات والآلام في نهاية المطاف !!.. والمؤلم الموجع في الأمر برمته أن دولة السودان بعد ستين عاماُ من الاستقلال مازال يقف في المربع الأول دون خطوة نحو الأمام !!.. ومع ذلك نجد اليوم بين أفراد الشعب السوداني ذلك البعض الذي يستنكر الشكوى من الشعب !!.. ( سبحان الله !! ) حتى مجرد الشكوى غير مسموح في حق الشعب السوداني !.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عمر عيسى محمد أحمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست