في 12 نوفمبر 1977 أزاح منقستو هايلي مريام أخر بيدق كان يعيق طريقه نحو السيطرة التامة على الحكم في إثيوبيا وذلك بعد أن تربص برفيق الأمس ولفق له العديد من التهم المختلقة.. فمن هو اتنافو اباتي الذي شغل في أخر حياته منصب وزير الدفاع والطيران ؟ ولد أتنافو أباتي الذي ينتمي إلى قبيلة (الأورومو) في أواخر ثلاثينات القرن الماضي في جوجام شمال غربي إثيوبيا وعندما بلغ مبلغ الشباب إلتحق بأكاديمية هوليتا العسكرية واحدة من أفضل الأكاديميات في البلاد. عند مخاض الثورة ضد الإمبراطور كان ضمن الفرقة الرابعة المتمركزة في أديس أبابا وكان وقتها برتبة رائد . في أبريل 1974 جرى ترقيته إلى رتبة مقدم وإنضم إلى مجموعة ضباط الجيش والشرطة المعارضة لحكم الإمبراطور هيلاسلاسي ولعب دورا ملحوظا في هذا التنظيم وأصبح شخصية معروفة بل ورمزا للثورة خاصة الفلاحين .
بعد نجاح الثورة أصبح عضوا في المجلس العسكري (الذي يعرف بالدرق كما ينطق باللغة الجئزية) . عدم تجانس أعضاء المجلس وإختلافهم حول قضايا الحكم ، بدأت الخلافات تطفوعلى السطح إلى أن بلغت ذروتها في نوفمبر 1974 حينما باغت منقستو هايلي مريام رئيسه وقدوته أمان عندوم (الذي كان قد أهلّه ورفّعه من رتبة عريف إلى ضابط ) باغته بهجوم بالدبابات في منزله فقضى عليه هو وأسرته ، فيما كان أشبه بجزاء سنمار . كان منقستو يومها أشبه بثعبان جامح لا تكفيه بيضة أو بيضتان ، فسارع كذلك إلى أعدام (69) وزيرا من حكومة هيلاسلاسي السابقة من دون أي محاكمة وكشف عن تعطشه للدماء وطبيعته الماكرة وسعيه للسلطة بأي ثمن .
يومها رحب (اتنافو اباتي) بالإطاحة بـ (امان عندوم) ، غير أنه لم يفطن إلى أن تساقط أحجار الدومينو الذي بدأ سيطاله في نهاية المطاف . بعدها عمد منقستو إلى إختيار شخصية تكون غير ذات نفوذ قوي أو على الأقل تكون محايدة فوقع إختياره على العميد (تيفري بينتي) المنحدر من قبيلة الأمهرا والذي كان قائدا للفرقة الثالثة التي كانت تتمركز في أسمرا . لم يك (بينتي) في الواقع يملك كاريزما (أمان عندوم) وحضوره المؤثر ، فقد بدا كشخصية باهتة لا تحسن حتى اللغة الثورية والخطابة الحماسية التي تثير الجماهير وهي الصفة التي يتميز بها القادة الثوريون ، غير أنه على الأرجح لبى مايريده منقستو في تلك المرحلة الذي رغب دائما أن يكون بعيدا عن الأضواء . بدأ (بينتي) متماشيا مع الوضع السائد ، غير أنه سرعان ما وقع في تأثير بعض الضباط المقربون منه الذين كانوا يزعجهم تمدد نفوذ منقستو . بدأ (بينتي) يلمح في خطاباته إلى ضرورة حل (حركة إثيوبيا الإشتراكية) وهي حركة ماركسية – لينينية كانت تدعم بقوة خط منقستو و(حزب الشعب الأثيوبي الثوري) بغرض إعادة بنائهما من جديد .. ثم أعاد ذلك المقترح في خطاب ثان ، مما أزعج منقستو فأخذ ينسج في خيوط مكيدة يتخلص بها من (بينتي) ورفاقه فدعاهم إلى إجتماع في 3 فبراير1977 بغرض مناقشة بعض القضايا العالقة فكان أن دعي (تيفري بينتي) ومن يشك في ولائه وإرتباطه بحزب الشعب الإثيوبي الثوري الخصم المنافس لحركة إثيوبيا الإشتراكية ، ويومها غاب (أتنافو أباتي) عن ذلك الإجتماع !! ليأتي الدور على الجنرال (دانيال اسفاو) الذي تولى الإشراف على العملية بدء بإعتقال الحضور ثم الدفع بهم إلى جراج مظلم ، ليواجهوا مصيرهم المحتوم ، إلى أن حانت لحظة الحقيقة حينما فتح الحراس أسلحتهم الألية على الضباط المحتجزين وحصدوا الجميع البالغ عددهم حوالي (11) شخصا من كبار الضباط من بينهم (تيفري بينتي) ليسدل الستار على سيرة القائد الثاني.
بعدها بدأ منقستو منتشيا بإنتصاره الثاني ولم يبق له سوى (أتنافو أباتي) الذي كان يخشاه ويضع له قدرا كبيرا من الحساب . كان أتنافو أباتي في ذلك الوقت مشغولا ومنخرطا في عمله في حشد الفلاحين والبسطاء في مليشبات ثورية كانت تقدم العون للجيش في كثير من الحالات ، لكن ما بدأ من ود بين الرجلين كذبّته الأيام ، فقد ظهر التلاسن والخلاف بينهما للدرجة التي قيل أنه في إحدى الأجتماعات أشهر كل واحد منهما سلاحه في وجه الأخر . كان (أباتي) شخصية قوية لكنه لم يكن يملك من الحيلة والدهاء مثل الذي يملكه منقستو فبدأ وكأنه قانعا بما وصل إليه في السلطة. كانت خشية منقستو من اباتي تصل حد التفتيش الدقيق بواسطة الحرس الخاص لمنقستو حينما يأتي لمقابلته. لقد بدأ (اباتي) الذي كان يظهر في ملصقات الثورة مبتسما ورافعا قبضة يده ، حكيما وهو يطرح خياراته لسياسة الثورة مثلما أورد ذلك أحد المراقبين (لقد دعا إلى المصالحة الداخلية وإنهاء الرعب الأبيض و الأحمر أي قوى اليسار المتصارعة فيما بينها ودعا إلى جعل العلاقات الخارجية أكثر توازنا ودعا إلى تهدئة الجيش من خلال تلبية مطالبه الرئيسية) ، لكن مثل هذه المطالب لم تجد آذانا صاغية لدى منقستو الذي رأى وقتها بأنه السيد والحاكم الأوحد لإثيوبيا ، خاصة بعد أن تمكن من الهيمنة على مفاصل الدولة . في النهاية حدث ما توقعه الناس ..أعتقل أتنافو أباتي وجرت محاكمته بتهم ملفقة . حضر منقستو الجلسة الأخيرة للمحكمة غير أنه غادر قبل إعلان الحكم . للأسف صدر الحكم بإعدامه وجرى تنفيذه في نفس اليوم أي في يوم 12 نوفمبر عام 1977 م . نعم نجح منقستو في الإطاحة بهؤلاء القادة سالكا في ذلك مبدأ الغاية تبرر الوسيلة الذي طالما سلكه الطغاة .. وكشف عن أسوأ مرحلة مرت بها أثيوبيا في عصرها الحديث .. نجح لكنه كان نجاحا قدره المحتوم أن يكون إلى حين !!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد السيد علي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست