إستكمالاً لما بدأناه في المقال السابق بعد ان أوضحنا مشروعية الحكم الذاتي بإعتباره حق أقرتهُ كل المواثيق الدولية وبعد كل المطالبات التاريخية لأهل شرق السودان للوصول الي خيار الحكم الذاتي فإن هذا لن يحدث مطلقا بشكله الصحيح في ظل الأنظمة الشمولية القابضة علي السلطة ولا تعترف بالتنوع الثقافي والديني والعرقي من الأساس وتستخدم كل آلياتها لإجهاض رغبات المواطنيين في إختيار نظام الحكم الأمثل لهم وهنا لابد من الاشاره ابتدأً بأن خيار الحكم الذاتي يمكن ان ينداح الي كل أقاليم السودان وهو ليس حقاً حصريا لشعب شرق السودان بل نحن نؤيد وندعم المطالبات المشابه في مناطق اخرى في السودان ولن يتأتى ذلك إلا علي قاعدة أساسية لحكم كل البلاد قوامها الديمقراطية والحرية ففشل كل التجارب السابقة في تأسيس نظام حكم لا مركزي يرجع في الأساس الي ان قاعدة الحكم الاساسية لم تكن مبنية علي مبادئ الديمقراطية وكل دساتير البلاد تمت صياغتها او تعديلها في ظل أنظمة شمولية كانت تهدف من تغيير نظام الحكم الاداري بغرض فرض هيمنتها وبسط سلطانها علي كل وحدات البلاد الإدارية فنظام الحكم الإقليمي في فترة حكم مايو فشل ولم يحقق طموحات شعب شرق السودان لانه لم يقم علي اعتاب نظام ديمقراطي وصل الي سدة الحكم عبر آلية ديمقراطية وكذلك الامر بالنسبة لفترة حكم الانقاذ فقد اعادة تجربة الحكم الاتحادي فقسمت البلاد الي ولايات ومحليات يصعب حفظ اسماء بعضها فلم يكن هدف هذا التقسيم الاداري توسيع قاعدة الحكم وإشراك المواطنيين في ادارة شؤون حكمهم بل كان الهدف هو فرض سيطرة حزب المؤتمر الوطني واجهزته الامنية علي مفاصل الحكم علي كل الولايات والمحليات بوسائل غير ديمقراطية تارةً بالتعيين السياسي إنفاذا لسياسة التمكين التي أتت بموظفين وقيادات للعمل الاداري والتنفيذي ذات مؤهلات متواضعة ليس لها دربه وخبرة بإدارة الشأن العام وتارةً اخري أتت بحكام عن انتخابات مزورة قامت علي تعداد سكاني مضروب واجراءات انتخابية تفتقر الي ابسط مقومات النزاهه و الحياد . فنتيجة تجربة النقاذ في تأسيس نظام حكم يُلبي طموحات الشعب السوداني كانت فشلا زريعاً فخلقت نظام حكم مشوه و مرقع فكان مع كل اتفاق سياسي يذداد الهيكل الاداري للدولة تشويها فمثلا اتفاق السلام الشامل CPA ووفقا للدستور الانتقالي لسنة ٢٠٠٥ حدد مستويات الحكم في شمال السودان بثلاث مستويات وهي المستوى الاتحادي والولائي والمحلي اما مستويات الحكم في جنوب السودان هي اربع مستويات مستوي إقليمي (حكومة جنوب السودان) واتحادي و ولائي ومحلي وتكرر مشهد التشويه لنظام الحكم في البلاد مع اتفاقية أبوجا لسلام دارفور التي ابتدعت مستوي إداري معلق بين الحكم الإقليمي والولائي وهي السلطة الانتقالية لدارفور وتوالى مسلسل الترقيع والتشويه في اتفاق سلام شرق السودان وذلك عندما نصت المادة ٥ الفقرة ١١ علي إنشاء مجلس تنسيق الولايات الشرقية وهو مستوي حكم اقل ما يوصف به انه هوائي معلق في فضاء الاستهبال السياسي فليس له سند قانوني ودستوري و ليس له قيمة ادارية تذكر ومن المضحكات والمبكيات في أنٍ واحد عندما تم الاعتراف في ذات الاتفاق بان نظام الحكم في البلاد يعاني من اختلالات جسيمة لابد من معالجتها وذلك بنص المادة ٥ الفقرة ١٢ التي دعت الي عقد مؤتمر قومي علي مستوي البلاد لمراجعة نظام الهيكل الاداري للدولة. كل هذا التخبط والفشل يعزى لغياب الديمقراطية واي نظام مهما كانت منطلقاته النظرية للحكم إسلامية او اشتراكية لن يحقق رغبات الشعب في تحقيق تطلعاتها في حكم نفسهم بنفسهم لذا لابد من اعادة هيكلة الدوله السودانية ليشمل مناحي الحكم اللامركزي علي جهه الخصوص لتأسيس دوله ديمقراطية تكون فيها الواجبات والحقوق علي أساس المواطنه المتساوية دون تمييز ديني او عرقي او ثقافي وكل الحريات مكفولة بعقد اجتماعي دائم اهم مبادئه ١/ الشعب مصدر السلطات ٢/ سيادة حكم القانون ٣/ استقلال القضاء ٤/ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ٥/ الهوية السودانية المستوعبة للتنوع والتعدد الثقافي والعرقي والديني وفي الجزء الثالث من المقال سوف نتناول مآلات عدم الاستجابة لرغبة شعب شرق السودان في تنفيذ رغبته الاصيله في الحكم الذاتي في إطار دولة سودانية مبنية علي أسس من التراضي قد تدفع بالاتجاه لاختيار حق تقرير المصير لشرق السودان الاستاذ اسامة سعيد نائب رئيس الجبهه الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة