بدأت القوات اليهودية المسلحة بمهاجمة الشطر الغربي من مدينة القدس في نيسان 1948 قبل انسحاب قوات الانتداب البريطاني، وقبل دخول القوات العربية فلسطين لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة والترحيل. وكانت مجزرة دير ياسين في التاسع من نيسان نقطة تحول في الصراع نظراً لموقعها الاستراتيجي الهام على مدخل القدس الغربية وللترحيل القسري للفلسطينيين الذي أحدثته المجزرة، حيث أباد المجرمون اليهود جميع الفلسطينيين الذين كانوا يتواجدون في القرية وبلغ عدد ضحايا المجزرة 276 فلسطينياً. استغلت العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة وأخذت تبث من مكبرات الصوت باتجاه الأحياء العربية في القدس. «إذا لم ترحلوا سيكون مصيركم كالمصير الذي آل إليه مصير قرية دير ياسين». «الطريق إلى أريحا مفتوحة أمامكم وسالكة، اهربوا من القدس قبل أن تقتلوا جميعكم». وشكل حي الشيخ بدر في القدس الغربية، حيث يقوم حالياً مبنى الكنيست، هدفاً رئيسياً للتهديد والتخويف والاعتداءات اليهودية على المقدسيين، وأخذ أعضاء عصابة الهاغاناه الإرهابية يتسللون ليلاً داخل الحي يوزعون المنشورات ويعلقون الملصقات التي تنصح العرب بالرحيل من أجل السلامة والمحافظة على حياتهم، ويقطعون خطوط الهاتف والكهرباء، ويلقون القنابل اليدوية، ويرشقون العلقات النارية، لخلق جو من الذعر والرعب لحمل سكان الحي على ترك منازلهم والرحيل من القدس، وبالفعل أجبروا سكان الحي على الرحيل، وركزت الهاغاناه اعتداءاتها على حي القطمون، لأنه يشكل موقعاً استراتيجياً لتأمين السيطرة الكاملة على الشطر الغربي من القدس، وفجرت فندق سمير أميس أهم المعالم البارزة في الحي، ووصل عدد ضحايا مجزرة الفندق الأربعين ضحية، وبررت الهاغاناه تفجير الفندق كعادتهم بالكذب بالقول إنه: «مكان يستعمل كقاعدة انطلاق للعصابات الإرهابية العربية، وكغرفة عمليات رئيسية لمنظمة الشباب العربي المسلح». لكن التحقيق الذي قامت به سلطة الانتداب البريطاني التي كانت لا تزال تحكم فلسطين أكد أنه لا صحة إطلاقاً لادعاء اليهود، ووصف التقرير البريطاني تفجير فندق سمير أميس بأنه «مجزرة بالجملة لأناس أبرياء». وأكد الكاتب المقدسي سامي هداوي أنه بينما كان عائداً إلى منزله في حي القطمون شاهد مدرعة يهودية تبث عبر مكبرات الصوت وباللغة العربية الطريق إلى جسر اللبني (على نهر الأردن) مفتوحة، اهربوا كي لا تلاقوا مصير أهالي دير ياسين، وبالفعل نجحت القوات اليهودية الإرهابية المسلحة من ترحيل الفلسطينيين من حي القطمون، ونهبوا منازل الحي وسرقوا ما فيها حتى من الطعام واللباس والأثاث. واستولت العصابات في شهر أيار 1948 على الشطر الغربي من القدس وعلى جميع الأحياء العربية فيه ومنها: حي الطوري، حي النبي داوود، حي القطمون، حي شنلر، حي الشيخ بدر، والبقعة التحتا والفوقا، وشردت حوالي (60ِ) ألف من سكان القدس الغربية العرب، وضمت إسرائيل بعد تأسيسها في 15 أيار 1948 العديد من القرى العربية إلى الشطر الغربي المحتل من القدس، ومنها قرى بيت صفافا، والمالحة، وشرفات، وعين الكرم وبتسير. وشيدت إسرائيل فوق أراضي قرية عين كارم مستشفى هداسا والنصب التذكاري لضحايا النازية (ياد فاشيم). فالوجود الإسرائيلي في الشطر الغربي من القدس قام على استخدام القوة وفرض الأمر الواقع وعلى الاحتلال والضم والتهويد ومصادرة المنازل والممتلكات والأراضي العربية خلافاً لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وجراء استخدام القوة العسكرية والمجازر الجماعية لترحيل الفلسطينيين وتهويد الشطر العربي المحتل من القدس العربية. اقترحت الأمم المتحدة إعلان منطقة القدس منزوعة السلاح فوافقت الحكومة الأردنية في أوائل آب 1948 على مبدأ تجريد القدس بشطريها من السلاح، ولكن إسرائيل رفضت الاقتراح الأممي. أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم (303 ـ 4) تاريخ 9/12/1949 عزمها على وضع منطقة القدس تحت الإدارة الدولية لضمان حماية الأماكن المقدسة، وعهدت إلى مجلس الوصاية تحقيق ذلك. إسرائيل تعلن القدس الغربية المحتلة عاصمة لها: رفضت إسرائيل الاقتراح الدولي وأصرت على التمسك باحتلال القدس الغربية وأعلنت رسمياً في 11/12/1949 نقل عاصمتها من تل أبيب على القدس الغربية المحتلة، ورفضت تدويل الأماكن المقدسة. وأعلنت الكنيست بياناً جاء فيه: «أن القدس جزء لا يتجزأ من إسرائيل»، ونقل رئيس الوزراء بن غوريون وعدد من الوزراء مكاتبهم في 14/12/1949 إلى الشطر الغربي المحتل، وانعقدت الكنيست فيها وأعلنت في 26/12/1949: «إن القدس عاصمة إسرائيل منذ إنشاء دولة إسرائيل في 14 أيار 1948». وأعلن بن غوريون مؤسس إسرائيل «أنه لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل». وقاد الانتصار العسكري الذي حققته إسرائيل في حربها العدوانية عام 1948، وسكوت الأمم المتحدة على تحدي إسرائيل للقرارات الدولية والقانون الدولي وتآمر بعض الحكام العرب مع الصهيونية إلى تشجيع إسرائيل في توطيد أقدامها في الشطر الغربي المحتل ونزع طابعه العربي الإسلامي والتخطيط لاحتلال الشطر الشرقي من المدينة. استنكرت معظم الدول التي اعترفت بإسرائيل نقل وزارة الخارجية من تل أبيب إلى الشطر الغربي المحتل، واحتج مجلس الوصاية الدولي على الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل واعتبرها غير شرعية. عززت إسرائيل مركزها غير القانوني في القدس الغربية المحتلة من خلال عقد جلسات الكنيست ولجانه، ونقل الوزارات والدوائر الحكومية، وإعطاء التسهيلات لنقل السفارات الأجنبية، وعقد المؤتمرات الدولية ومنح التسهيلات والامتيازات للمستثمرين الأجانب في المدينة المحتلة وللمستعمرين اليهود للسكن فيها. وبدأت في عام 1961 ببناء مقر الكنيست وانتهى بناء المقر عام 1966 على أرض تعود ملكيتها للوقف الإسلامي ولعائلات فلسطينية. واعتبرت جميع الدول العربية أن بناء المقر يؤدي إلى تثبيت وجود إسرائيل التوسعي والعدواني في مدينة الإسراء والمعراج العربية، بينما أعلنت الأوساط الإسرائيلية «أن تدشين الكنيست هو تدشين لرمز السيادة الإسرائيلية، ودليل على نجاحها في جعل القدس عاصمة لها». وأكدت جميع الدول العربية أن افتتاح مبنى الكنيست الجديد في القدس المحتلة إساءة للعرب (إهانة وإذلال واحتقار) وأن حضور ممثلي البرلمانات والدبلوماسيين تشجيع لإسرائيل على الاستمرار في تحدي قرارات لأمم المتحدة بشأن القدس وفلسطين. ضم الملك عبد الله في كانون الأول 1949 الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى الأردن، وأجرى انتخابات برلمانية في الضفتين، وصدر في 24 نيسان 1950 القرار الأردني بضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية واعترفت بريطانيا بالضم في 27 نيسان من نفس العام. وأعلن الأردن عام 1959 أن القدس الشرقية العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية. وأدى التخاذل العربي والتواطؤ الدولي إلى فتح شهية التوسع والاستعمار الاستيطاني اليهودي لدى حكام إسرائيل فأخذوا يسرعون في تهويد الشطر الغربي من المدينة المقدسة ويستعدون لاحتلال ما تبقى من المدينة العربية. حرب حزيران العدوانية واحتلال القدس الشرقية: أشعلت إسرائيل في الخامس من حزيران لعام 1967 حرب حزيران العدوانية، واتخذ مجلس الأمن الدولي في السادس من حزيران القرار رقم 233 طالب فيه بوقف إطلاق النار فوراً، ولكن إسرائيل لم تستجب لذلك لأنها لم تحقق بعد كامل أهدافها من إشعال الحرب العدوانية، فعاد مجلس الأمن واتخذ في اليوم التالي أي في السابع من حزيران القرار 234 وكرر مطالبته بوقف إطلاق النار، ولكن إسرائيل ردت على مجلس الأمن باحتلال الشطر الشرقي من القدس أي العاصمة الثانية للأردن في اليوم نفسه . واتخذ مجلس الأمن في 14 حزيران القرار رقم 237 طالب فيه «تسهيل عودة أولئك الذين فروا من المناطق التي جرت فيها العمليات العسكرية ومعاملة أسرى الحرب والمدنيين طبقاً لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949». عقدت الجمعية العامة الدورة الاستثنائية الطارئة ـ لبحث الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل واتخذت القرار 2253 بتاريخ 4 تموز 1967 يدعو إسرائيل لإلغاء التدابير التي اتخذتها لتغيير وضع مدينة القدس واعتبرتها غير صحيحة وطلبت من إسرائيل «إلغاء جميع التدابير التي صار اتخاذها والامتناع فوراً عن إتيان أي عمل من شأنه تغيير مركز المدينة». ووصلت وقاحة أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل حداً أعلن فيه أمام الأمم المتحدة أنه حتى لو صوتت جميع الدول الأعضاء ضد إجراءات ضم القدس العربية والقرى المحيطة بها إلى إسرائيل فإن إسرائيل لن تتزحزح عن قراراتها أو تلغي هذه الإجراءات. وأعلنت الحكومة الإسرائيلية بوقاحة منقطعة النظير أنها تقصد من توحيد المدينة تحقيق المساواة القانونية والإدارية بين السكان وتيسير الخدمات والمواصلات والاتصال بين الاقتصاد المتخلف في الشطر العربي بالاقتصاد الأكثر تطوراً في الشطر الإسرائيلي، ووعدت الأمم المتحدة بالعناية برفاهية السكان، ورفع مستوى حياتهم المعيشي إلى مستوى الحياة السائدة في إسرائيل ولكن الوقائع أثبّتت أن اليهود أساتذة كبار في فن الكذب، وأن الهدف الإسرائيلي من الاحتلال تهويد القدس بشطريها المحتلين. أصدرت الحكومة الإسرائيلية في 11/6/1967 قراراً ضمت فيه الضفة الغربية بما فيها القدس. وأصدرت الكنيست ووزير الداخلية في 27 و28 حزيران 1967 عدة قرارات جعلت القدس الشرقية جزءاً لا يتجزأ من القدس الغربية المحتلة عام 1948. وبدأت إسرائيل على الفور بتغيير معالم القدس العربية لتهويدها وخلق حقائق على الأرض بتدمير الأحياء العربية وبناء الأحياء والمستعمرات اليهودية وسلسلة من المستعمرات التي تحيط بها من جميع الجهات، وتحويل سكانها العرب إلى أقلية. وضحت صور باهر، والشيخ جراح، ومطار قلنديا، وجيل سكوبس ومنطقة شعفاط إلى القدس الغربية المحتلة. وأخذت تعمل على تغيير معالم المدينة العربية الإسلامية وتهويدها تحت شعار مضلل وخادع وكاذب وهو إعادة توحيدها. وبدأت إسرائيل منذ اليوم الأول لاحتلال القدس وحتى اليوم بالحفريات وبناء الأنفاق تحت أساسات المسجد الأقصى وحوله ووضع المواد الكيماوية على الصخور لتفتيتها على أمل أن ينهار المسجد الأقصى ويبنون الهيكل المزعوم على أنقاضه. تؤكد قرارات مجلس الأمن الدولي عدم شرعية الإجراءات الإسرائيلية التي غيرت الوضع الجغرافي والديمغرافي للمدينة العربية المحتلة وتطالب بإلغائها وتفكيك الأحياء والمستعمرات اليهودية، لذلك فالمطلوب من الدول العربية حمل مجلس الأمن على التزام إسرائيل بتطبيق قراراته وعدم وضع إسرائيل وضعها فوق الأمم المتحدة، والقانون الدولي والقرارات الدولية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة