اختلف العالم حول حقيقة السندباد، وانقسموا إلى رأي عربي تاريخي بأنه تاجر عماني من صحارى، ورأي فارسي بأنه التاجر سليمان الفارسي، ورأي أوروبي (متشوبر) يرده إلى شخصية موجودة في أسطورة الأوديسة، المتممة لملحمة الإلياذة في اليونان، ويبقى الرأي الأوسع انتشارا مع الدراما اليابانية المدبلجة أنه هو سندباد العربي القادم من بغداد.
واختلفوا بنفس الاختلاف حول حقيقة قصص ألف ليلة وليلة، ولكن ما اتفق عليه الجميع أن السندبادَ رجلٌ مِسفار ! دائم التنقل من مكان لآخر سواءً بالبواخر في البحار أو بوسائل المواصلات الحيوانية، أو بالسجادة الأسطورية !!
كانت سجادة السندباد السحرية تنقله فوق المدائن والبحار، حين تخذله العصفورة الأمنجية ياسمينة التي تخفي حقيقتها ! وكانت خير وسيلة (للرصد والمتابعة) والتحرك هي هذه السجادة التي يحتاج إليها المسؤولون والمواطنون في ولاية الخرطوم للانتقال بها في الخريف اتقاء الطين، وفي غير الخريف اتقاء الحفر !
الخرطوم عاصمة جميلة جدا جدا، حباها الله بواجهات مائية كثيرة تخترق نسيجها فتزينه بالتطريز الفضي، وهو ما لا يتوفر لعواصم كثيرة في العالم. ومما يدهش المقيم أن عاصمةً فيها المياه الجوفية وفيها الماء من السماء، وفيها المياه السطحية، وتجد مسؤوليها يعانون من انقطاع المياه في شبكاتها رغم الدفع المقدم !!!
ولكن الأكثر بؤسا أنه حين هطول الغيث من السماء، يتحول إلى عذاب وبلاء، وليس إلى رحمة أو ابتلاء ! مما يستدعي محاسبة العامل البشري المتدخل في تحويل مدخلات الرحمة إلى مخرجات عذاب !
ولا يحتاج المسؤولون في الولاية العاصمة لمعرفة ذلك إلى القيام بمغامرات السندباد ! ولا إلى تقارير العصفورة المغرورة، وإنما يحتاجون لحمل عصا السلطة ومسبحتها (كما اعتادوا)، والنزول للشارع مع المواطنين (كما لم يعتادوا) وركوب المواصلات العامة مثلنا والمشي بين الناس في الأسواق دون أبوات وأبواق وجلالات وكاميرات.
امتلأت العاصمة في لحيظاتٍ بالطين الذي يخفي تحته الحُفر، والناظر للخرطوم من طائرة عقب أي هطول لأمطار الخريف يظن أنه قد تم ضرب الخرطوم بقنبلة طينية !!!
ليس من المقبول أن تكون الولايةُ التي تحضن عاصمةَ البلاد فيها، هي الولاية الأقل في النظافة والأقل في الترتيب والأكثر في الحُفر والثغرات، فإذا كان يصعب على البعض إدارتها، فليتم تقسيم محلياتها الكبرى إلى ولايات، وتتم الاستعانة بالخبرات السودانية المهاجرة والتي ساهمت في تخطيط بعض مدن العالم، أو ساهمت في إدارة بلديات العواصم، هذا إذا كان الوضع المالي للولاية الكبيرة يسمح بتقسيمها إلى ثلاث ولايات.
وإذا كان بعض المسؤولين الآتين من الولايات للخرطوم، يرفض العودة -فوق بساط الريح- للولايات ليعينها بمقدراته الإدارية ومخزونه المعرفي، فإن هناك من المسؤولين الوطنيين على استعداد للعودة من الاغتراب في الدول المتقدمة ليعينوا بلادنا للنهوض من كبوتها في الحُفر ..
مِن رحمة الله علينا، أنه قد هطلت الأمطار ليوم واحد فقط في ولاية الخرطوم ففعلت كل هذه الأفاعيل بخلاف الولايات الأخرى التي احتاجت لهذه الرحمة، ولو كانت الأمطار تهطل في العاصمة مثلما يحدث في بقية ولايات السودان، لغرق 10 مليون نسمة في الطين، ولاحتجنا جميعا لسجادات السندباد ليتم توزيعها مع الخِيَم، هذا إنْ بقي فينا أحياء.
لا داعِ لوصف العاصمة في ولاية الخرطوم عقب كل نزول للبركات من السماء والأرض، سوى أنه قد حدث هجوم نووي بقنبلة طينية، وهذا لأنّ الخريفَ يفاجؤنا بزيارته مطلع كلِّ خريف ! فاللومُ على الزائر لا علينا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة