|
Re: حوار مع القاصَّـة المغربيـَّة منى وفيـق لمجلة أوراق جديدة (Re: منى أحمد)
|
نــص ( فرحــاً بالمــوت ) للقاصة منى وفيق ..
.. جزعة أنا .. مصدومة .. غارقة في حزني أيضا . أيُّ تفرّدٍ أحسّه . العالم القاسي المجوسيّ هذا يبدو صامتا و حزينا إلاّ من نعيق الغربان و البوم في الخرائب. و أنت الواقف هاهنالك مبتسم و ضاحك . تُرى من تكون؟! حتّى وقت قريب كنت أسخر من "عبدو" لأنّه كان يؤكّد لي أنّ أغلب الكتّاب لا يتفوّهون إلاّ بالكلمات الرنّانة الفضفاضة مع الكثير من الخزعبلات الأنيقة . و أنا اليوم أشدَّ ما أكون حاقدة على "لافونتين" القائل أنّ الموت لا يباغت الحكماء لأنّهم مستعدّون دوما للرّحيل . أبي كان حكيما و لم يباغته الموت .. كان ينتظره .. حتّى روحُه لم يَعزَّ عليها أن تفارق ذلك الجسد الّذي أمضت فيه عمرا بأكمله . للأسف لم يكن "لافونتين من الّذين ضحك من هذيانهم عبدو!" كلّ الوجوه مكفهرّة إلاّ وجهك أنت ضاحك و مشرق .. لماذا؟!! لا تدعني أفكّر أنّ "عبدو" أسرّ لك برغبته الكبيرة في رؤيتي أبكي بحرقة ليتلذّذ هو بساديّته.أجزم أنّه لو رأى عينيّ المتورّمتين لتخلّى عن رغبته تلك . بل لتمنّى أن تجفّ ينابيع مقلتيّ أبد الدّهر! إن لم يكن لهذا فلِم تضحك مبتسما؟! أُحسُّني طفلة بعد أن رحل والدي .. كثيرون يكبرون أضعاف عمرهم الحقيقيّ إذا فقدوا أقرب ذويهم . أنا عكسهم . أشعر أنّني طفلة صغيرة جدّا . منبوذة لا تريدهم أن يأخذوا أباها بعيدا عنها !! هل تكون علمتَ بحقدي على الطّفلة الصّهيونيّة الّتي تُعامَل كطفلة مدلّلة يُخشى أن ينهار توازن العالم إن هي تعرّضت للبكاء .. و لأجل هذا تبتسم؟!! يمنعني وقار الزّمان و المكان أن أصرخ فيك بصوت عال و أسألك عن سبب فرحك . تُراك تسخر من وعد "كوثر" لي بأنّ الزّمان بحنكته العجوز سيروّض شذوذي الحسّي ؟! أم لأنّ الزّمان أصبح جلاّدا يصرّ على أن يعلّمني كيف أمشي على جرحي؟! رجـــــــاءاً .. لماذا تبتسم في حين يدهسني أنا الحزن؟! يبدو أنّك أدركتَ أنّني وددت لو أنّ أبي غادرنا في فاتح أبريل ليكون موته مجرّد كذبة . ألهذا لم تمنع نفسك من الضّحك؟!! ممكنٌ أنّك مبتسم لفطريّة الجمال في قلبي و أبديّة العذاب في سليقتي؟! لا تقل أنّك تضحك لأنّ الآخرين يرقصون و يزنون و يعيثون في الأرض فساداً في حين أمارس أنا طقوس فجيعتي بعد فقدي لأبي .. يكملون حياتهم البذيئة .. لا يدرون أنّ والدي مات . لا يعلمون أنّه رحل تاركا لي آلاما حملتها أنا عنه!! آهٍ لو أنّك تضحك من أجل هذا!! هل حدث و علمتَ أنّني سألت" إلياس" إن كان الله يحبّني ؟هل سمعته حين قال لي أنّ الله يعشقني لأنّني أفكّر فيه و جادّة في البحث عنه؟!لعلّك تبتسم لإدراكك العميق أنّ "إلياس "ذو الفؤاد النّرجسيّ مفرطٌ في الجمال لذا يقول أيّ شيء من شأنه أن يُفرحني!! النّار في صدري مشتعلة . عانقني الكثيرون معزّين باكين . لكنّ النّار في صدري تتأجّج أكثر فأكثر . وحده حضن أبي كان سيطفؤها . لهذا تبتسم؟! أم لأنّني لم أفهم يوما أبي حين كان يساوي بين التّبر و التّراب ؟! بالله عليك ما سرّ وجهك الضّاحك ؟! أبِه سخريّة من مواساة "خالدَ" لي .. من قسمِه على كوني عنقاء أخرى ستولد من جديد من قلب اللّهب ؟! أم لعلّه تشفّ منك لأنّك كشفتني حين كنت أسأل القدَر متوسّلةً أن يبدأ لعبة النّسيان معي؟! ربّما في ابتسامتك شماتة لأنّني بتّ أقوم مفزوعة كلّما تحدّث أحدهم بصوت مرتفع حتّى أنّ ضلوعي تكاد تلفظ قلبي! لا تنظر إليّ مبتسما هكذا .. أتكون أحد تلامذتي الّذين أدرّسهم الفلسفة و الحبّ و الفنّ و الجمال .. همُ الّذين لا يفكّرون إلاّ في البطالة و سبل العيش و تمنعهم أحلامهم الصّغرى من الاقتراب من الأحلام الكبرى.يبدو أنّك باغتّني و أنا أكتب بالطّبشور في إحدى الحصص: " كاد المعلّم أن يصبح شيفونا "! هل تضحك مستسلما للهزيمة مثلي ؟ أنا أيضا فشلت في أن أحتفي بسموقي و أنيني .. في أن أرقص فرَحاً بالموت .. في أن أصل بفجائعي حدّ الرّقص! لو أنّك قرّرت أن تستقبل معي حياة الضّنك و المشقّة بابتسامة .. فلا تعليق لديّ! ابتسامتك أبشع من أن تكون للمواساة و التّعزية! ماذا لو أنّك تبتسم قائلا أنّ الموت هو من ضمن أشياء تحدث .. مجرّد أشياء تحدث!! لابتسامتك أن تكبر و تكبر و تكبر إذا كانت تهزأ من ضعفي أمام قوّة أبي ... أبي الحبيب حين كانت تشتدّ به آلامه كان يكابر حتّى لا تسقط و لو دمعة واحدة من عينيه .. أنا أضعَف من أن أحاكيه! هل ستمضي في ابتسامتك و ضحكك لو أخبرتك أنّ أبي علّمني و أختيَّ بفطرته أنّ الإبداع الحقيقيّ هو أن نتمدّد على الطّريق عُرايا إلاّ من أحلامنا .. أن نرفض الثّمالة المستوردة .. أن نحبّ و نحلم و نتمرّد و نكتب بالدّم سيرة فوق الحديد .. أن نرى الجمال في السّواد .. أن نحسّ لذّة الافتتان بالموت أيضا!! كاذبةٌ ابتسامتك و واهية لو أنّها تسعى لتُثبت لي أنّه ما من حزن سرمديّ و لا ليل سرمديّ.و أن لا وجود لليلة ليلاء يُفتقد فيها البدر!! أسمعهم يتداولون و يتّفقون حول أجرتك . ابتسامتك الخبيثة تجعلني أفكّر أنّك قد تكون أنت الآخر من بائعي الوهم في زمننا هذا!! أراهم يعطونك ملاليم تضعها في جيبك بفرح غير خافٍ .. ينادُونك بحفّار القبور .. هكذا إذن؟ أنت من سيحفر قبر أبي . تمضي و ابتسامةُ وجهك الشّاحب ثابثة .. ليس لأنّك ستدفن جزءا كبيرا منّي مع أبي .. بل فرَحاً بالموت تبتسم .. و انتظارا لكلّ موت ستظلّ تبتسم!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حوار مع القاصَّـة المغربيـَّة منى وفيـق لمجلة أوراق جديدة (Re: منى أحمد)
|
الفلسفة في توظيف المفارقة الساخرة في نص ( فرحاً بالموت ) للقاصة منى وفيق ..
تقترب القاصة من فكرة الموت بطريقة على الرغم من مباشرتها إلا أنها مختلفة في طبيعة التناول , فإذا صرفنا النظر قليلاً عن كون بطلة القصة هنا تحتج على ( فكرة الموت ) شأن كل البشر لحظة الفجيعة , و تأملنا دونما جهد يذكر نجدها تبرز ذلك باللجوء إلى فلسفة الحزن و محاولة منطقته عن طريق الهروب إلى الوجه الآخر للحدث . من هنا تقدم لنا ( منى وفيق ) البكائية المفترضة في قالب جديد هو الهجوم على المستفيد المنطقى من فجيعة البطلة ألا وهو المخاطب الذي يمثل الوجه الآخر للحدث
(( يمنعني وقار الزّمان و المكان أن أصرخ فيك بصوت عال و أسألك عن سبب فرحك )) .
لم تحاول منى أن تدهشنا بمعالجة فكرة الموت من خلال التركيز على خلق مناخ يستمرئ اللطم والرثاء أو من خلال ابتكار أجواء خيالية كالتخاطب مع الروح مثلاً , وإنما أ دهشتنا باختلافها في تصوير الوجه الآخر المغاير لفجيعة إنسانية لا تنفى مأساويتها حقيقة حدوثها كل يوم .
البطلة هنا في صراع مع الواقع رغم تسليمها به كحقيقة , وهنا تبرز المعاناة الإنسانية التقليدية لكن في ثوب أكثر قشابة هذه المرة , و ذلك بنجاحها في توظيف ظاهرة المفارقة الساخرة التى هى أبرز الأدوات الفنيّة في النص , وهو ما أحسست أنها تعول عليه في نهوضها بالسرد . وقد استطاعت - في تقديري - أن تصور بشكل جيد فكرة الوجه الآخر للفجيعة وكيف أنها قد تمثل حدثا روتينيا بالنسبه للآخر أو لعله مفرح - من زاوية مادية - كونه يمثل في نهاية الأمر لقمة عيش سائغة لأحدهم. على الرغم من طرافة التناول إلا أن القصة تظل مثقلة بواقع الحزن المسيطر كما تشتد فيها نزعة رفض الفجيعة أو ما يسمى في علم النفس بـ (مرحلة النكران ) ( dinial ) و التى تعقب الحدث المؤلم عادة
(( و أنا اليوم أشدَّ ما أكون حاقدة على "لافونتين" القائل أنّ الموت لا يباغت الحكماء لأنّهم مستعدّون دوما للرّحيل . أبي كان حكيما و لم يباغته الموت .. كان ينتظره .. ))
أما الإطار السردى هنا فيميل الى لغة المسرح ويتضح ذلك في الطبيعة المباشرة للسرد , وعلى الرغم من كون القصة يطغى عليها طابع المونولوج وتبتعد عن الطابع التعددى للحوار إلا أنها تبرز و تشرح الآخر بوضوح من منظور المتحدثة الوحيدة التى ترسم تفاصيله بكل وضوح . تُروى القصة بضمير المتكلم الذي يعكس تركيزاً قوياً على الحالة الوجدانية للمتحدثة
(( جزعة أنا .. مصدومة .. غارقة في حزني أيضا . أيُّ تفرّدٍ أحسّه . العالم القاسي المجوسيّ هذا يبدو صامتا و حزينا إلاّ من نعيق الغربان و البوم في الخرائب )) كما تحتل شخصية المخاطب معظم مساحة النص , ليس من خلال تواجد حوارى أصيل و إنما بين طيّات ردود أفعال المتحدثة التى تنقل لنا صورته مضمنة في انطباعاتها الشخصية الخالصة التى ساهمت الطبيعة المأساوية للحدث في تضخيمها
(( أسمعهم يتداولون و يتّفقون حول أجرتك . ابتسامتك الخبيثة تجعلني أفكّر أنّك قد تكون أنت الآخر من بائعي الوهم في زمننا هذا!! )) في حديث الشخصية عن ذاتها أو حديثها عن المخاطب وموقفه من الموت هنالك لمحات في تدفق السرد تلقى إضاءات خفيفة على أيدولوجية القاصة نفسها (( أنّ أبي علّمني و أختيَّ بفطرته أنّ الإبداع الحقيقيّ هو أن نتمدّد على الطّريق عُرايا إلاّ من أحلامنا .. أن نرفض الثّمالة المستوردة .. أن نحبّ و نحلم و نتمرّد و نكتب بالدّم سيرة فوق الحديد .. أن نرى الجمال في السّواد .. أن نحسّ لذّة الافتتان بالموت أيضا!! )) كما تعكس النهاية حتميّة الواقع على الرغم من قسوته
(( تمضي و ابتسامةُ وجهك الشّاحب ثابثة .. ليس لأنّك ستدفن جزءا كبيرا منّي مع أبي .. بل فرَحاً بالموت تبتسم .. و انتظارا لكلّ موت ستظلّ تبتسم!! ))
وأخيراً ربما يمكننى وصفها بأنها قصة نجحت في أن تجعلنا نعيشها كما ينبغى .
منى أحمد
| |
|
|
|
|
|
|
|