د.حامد البشير يفتح اربعة ملفات لقضايا جنوب كردفان ويدعوا الى مؤتمر جامع لابناء المنطقة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 10:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-03-2006, 11:52 PM

عبدالمنعم خيرالله
<aعبدالمنعم خيرالله
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 688

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د.حامد البشير يفتح اربعة ملفات لقضايا جنوب كردفان ويدعوا الى مؤتمر جامع لابناء المنطقة

    أربعة ملفات عاجلة أمام النخب في جنوب كردفان:

    نحو التأسيس لبرنامج الحد الأدنى



    د. حامد البشير
    [email protected]

    مدخل

    يجب أن يكون الوضع في جنوب كردفان (جبال النوبة) هاجساً لكل مدرك بصيرورات و مآلات الحرب الأهلية التي إجتاحت المنطقة خلال الفترة 1989 – 2002 و ما ترتب على ذلك من تخريب للعلاقات البينية بين القبائل العربية و النوبية من جهة و ما لازم ذلك من غرس و تنامي الوعي الإثني و الشعوبي ألإقصائي أحياناً عند الطرفين، وهما المؤتمر الوطني فارضا نفسه كممثل للقومية العربية و الحركة الشعبية كممثل للقبائل النوبية . وبالطبع فإن هذا التمييز غير دقيق وغير مطلق حيث في كثير من الأحيان تخطت المجموعات الاثنية الحدود المرسومة في أذهان السياسيين وإختارت الولاءت السياسية التي تتماشى مع واقعها ونظرتها للمستقبل. مضافاً إلى كل ذلك مشكلة أبيي التي أتت لجنوب كردفان مع التسوية الإدارية القاضية بإعادة الجزء الجنوبي من ولاية غرب كردفان إلى جنوب كردفان (الأم). و قرائن الأحوال و الدلائل تشير إلى أنّ شريكي الحكم ليسا على إنسجام مطلقا في الولاية وقد إنعكس ذلك على الأرض حيث تكوين حكومة الولاية قد أخذ شهوراً و عندما تمّ، لم يكن مرضياً لأحد الأطراف (الحركة الشعبية): الشريك الأضعف و المغلوب على أمره. و في هذا الجو السالب تواصل و تنامى الإستقطاب الإثني و ضخ العصبية القبلية في وعي الجماهير في محاولة للكسب من الدعم و التوالي الإثني مع كل من الشريكين الفرقاء. و في خضم هذا الصراع الذي يغلي على نار هادئة لم تتحرك الحكومة الولائية و لا الإتحادية قيد أنملة نحو المصالحة الإثنية في المنطقة و إعادة بناء النسيج الإجتماعي المتهتك و لا الإستجابة لأجندات التنمية المحلية المتعاظمة و العاجلة في هذه الولاية التي تستحق – بكل المقاييس – أن تُعلن فيها حالة الطوارئ التنموية.

    و أدناه، سأناقش بقليل من المؤشرات التي توفرت لدي عند زيارتي الأخيرة للسودان قبل بضع أسابيع، الملفات الأربعة التي يجب أن تتقاطر كل النخب من كل ألوان الطيف السياسي و الإثني من الولاية ومن الحكومة الاتحادية للالتفاف حولها كبرنامج حد أدنى و خطة عاجلة لهذه المرحلة. و في غياب الإجماع، فإنّ المسؤولية الأكبر في التعامل مع هذه الملفات ستكون على عاتق النخب الحاكمة و الدولة المركزية و الولاية و الملفات هي :



    الملف الأول : التعليم العام



    إنّ نسبة الانخراط في التعليم العام (الأساسي) في الولاية لا تتعدى 20% -حيث أنّ من كل مائة طفل في سن التمدرس الأساسي فقط عشرون طفلا يجدون حظهم في التعليم وتعتبر النسبة المتبقية( 80℅ )هدراً بشرياً يمثل عبئاً و عائقاً تنموياً في المستقبل.

    و في بعض الأحيان أضحت ظاهرة التسرب من المدارس أكثر وضوحاً للعين من ظاهرة الإنخراط في التعليم و كأنّ المدارس أنشأت ليتسرب منها التلاميذ لا لينخرطوا فيها – في دلالة واضحة لإنقلاب العملية التعليمية في الولاية رأساً عل عقب. و في كثير من االمدارس حتى في المناطق المستقرة و التي تأثرت بدرجة أقل بالحرب (مثل محليه الدبيبات في الجزء الشمالي من ولاية جنوب كردفان) فإنّ نسبة التسرب قد وصلت إلى 92 % بين الصّف الأول و الصّف الثامن (و هذا تماماً ما ينطبق على قريتي الحاجز و القرى المجاورة في محلية الدبيبات).

    90% من المدارس الريفية في الولاية ينعدم فيها الشباك و الباب و المقعد و "زير" الماء و المرحاض و حتى الشجرة الظليلة مما جعلها – عملياً – أن تكون بيئة طاردة ومنفرة للأطفال و مثبّطة للمعلم و فاقدة لإحترام و إهتمام المجتمع المحلي.

    زيادة على ذلك بُعد المدارس عن القرى و الذي يصل في بعض الأحيان إلى حوالي عشرة كيلومترات يقطعها الأطفال في أكثر من ساعتين يومياً جيئة و ذهاباً.

    إنعدام الوجبة المدرسية وإنعدام الكتاب المدرسي المجاني وعدم مقدرة الأسرة في الحصول على الكراس والقلم كلها عوامل قللت من إنخراط الأطفال في التعليم الأساسي في واقع إجتماعي تزيد فيه نسبة الفقر عن 90%.

    و في المناطق التي تأثرت بصورة مباشرة بالحرب في الأجزاء الوسطى والجنوبية والشرقية والغربية من الولاية فإنّ الوضع أسوأ من ذلك بكثير حيث أنّ المدارس ذاتها قد إختفت من الوجود و لم يبق منها إلاّ الأطلال بعد ان سرقها بعض صغار النفوس ممن أنيط بهم حراستها أيام الحرب الكالحة.

    في خلال الفترة 1989م – 2002م كان فهمنا لتدني واقع التعليم و إغلاق أكثر من 80 % من المدارس في الولاية كان القصد منه (ضمناً و صراحة) هو تفريخ فاقد تربوي جرار من الشباب ليكون وقوداً للحرب الأهلية في الولاية و أيضاً للإنخراط في القوات المسلحة "القومية "للحرب في الجنوب و التي صوًرها النظام حينها بأنها حرب مقدسة يمر عبرها الطريق إلى الجنة و إلى الحور العين. وتقديمنا لهذا الفاقد التربوي لخدمة الجندية القومية يكون ذلك مساهمتنا في المؤسسات التي أصبحت الإثنية و العنصرية هما سمتها الغالبة و أن بقيت كلمة القومية فيها للتزيين اللغوي و التدليس الاجتماعي من نوع اللعب على الدقون.

    لكن و من غير المعقول أن تستمر ذات السياسة الإنتقائية (المصادرة لوعي الناس) و القاضية بهدر الموارد البشرية و الإنسانية الغالية المتمثلة في فقدان عشرات الآلاف من الأطفال و البنات للتعليم في جنوب كردفان في ظل إتفاقية السلام وفي ظل حكم فدرالي تديره نخب محلية دون أن تثير فيهم هذه الحالة شعوراً بعدم الرضا و دون أن تدفعهم لتحرك عاجل يقضي على إعادة إنتاج التهميش و الحرمان السياسي وردم منابع الجهل و التخلف. لكن، على العموم، أن هذه الجيوش الجرارة من أطفال و شباب الفاقد التربوي والهدر البشرى إن لم نعلمهم اليوم في جنوب كردفان فإنهم سيصبحون جنوداً لحركات الإحتجاج والرفض القادمة في مقتبل الأيام ومن ظن غير ذلك فإنه واهمُُُ ُ وواهم.

    إنّ يوسف كوة الذي قاد حركة للتمرد بإسم النوبة لم يكن فرداً بل كان ظاهرة إجتماعية و سياسية لها منطلقاتها و دوافعها – رضينا أم أبينا. و فوق ذلك كانت وما زالت تلك الحركة تمثل احتجاجاً و رفضاً صارخاً للتهميش الذي طال أمده. و من غير المستبعد إنّ هذا الواقع الماثل الآن سيؤدي – إن لم يتم تداركه – إلى تكرار ظاهرة يوسف كوة وسط النوبة و وسط العرب أيضاً هذه المرة، و عندها سينقلب السحر على الساحر (النظام في الخرطوم) إذ سوف تنعدم الحيلة عنده التي يدير بها حرباً أهلية بالوكالة مبنية على الاختلافات الإثنية في المنطقة كما فعلها في الفترة الماضية، وربما مازال يفكر في فعلتها في واقع الولاية السائب و المفعم بكل الاحتمالات والاحتقانات ألان. و لا عجب لأن بعض هذه النخب المحلية خاصة التي تدور في فلك المؤتمر الوطني تحدها طبيعة توظيفها حيث هي تعمل بالوكالة وبالإنابة عن نخب في المركز لها أجندتها العنصرية و الجهوية الطاغية.

    و حتى لا يحدث كل ذلك، أوقفوا النزيف و الهدر المستمر للموارد البشرية في جنوب كردفان بسبب إهمال التعليم العام و بسبب تخريج المدارس – على قلتها و سوء إعدادها – لجيوش جرارة من الفاقد التربوي المُحبَط و الجاهز لأن تستوعبه حرب أهلية قادمة خاصة في ظل الإستقطاب الإثني الحاد الذي تبناه – كبرامج رسمية – شريكي الحكم في الولاية و بالأخص المؤتمر الوطني و الذي أعاد الوعي الإثني إلى ما قبل فترة التركية"السابقة".و على الذين يقومون بأمر الولاية من النخب المحلية أن يتحركوا وفق أجندات ومصالح أهليهم المحليين الذين كانوا حتى وقت قريب (برّازة شوك) يحاربون حرباً بالإنابة عن النخب القابعة في قصور الوهم الفكري في الخرطوم. و هؤلاء البسطاء ( في جنوب كردفان )لا يعنون لهذه النخب المتخمة في الخرطوم إلا ّ متحفاً كبيراً للأنثروبولوجيا الطبيعية يستمدون منه – أحياناً – مادة للحديث (عند القيلولة الباردة) عن أهم مزايا الإنسان الساذج النبيل (the noble savage) و الذي هو من بإسمه أنتم تحكمون.

    و قد لازم ذلك الانهيار المريع في بنيان التعليم الأساسي، الغياب التام لتدريب المعلمين و الذي توقف منذ عشرات السنين مضافاً إلى كل ذلك، إنعدام الحافز و الدافعية وسط المعلمين الذين تضاءلت القوة الشرائية لمرتباتهم إلى أقل من 10 % عن مستوى عام 1977 م و إلى 25 %فقط عن مستوى عام 1989 م. و أصبحت مجموعة المعلمين في الولاية تمثل "النُخَب" المستضعفة في الريف و الحضر إذ أنّ بريق التعليم و الوعي الذي تميزت به تاريخياً هذه الفئة المهنية أصبح لا يوازيه أيّ تميز إقتصادي إيجابي، بل على العكس لازمه تمييز إقتصادي سلبي أوصلهم إلى درجة الإستضعاف.

    إنّ دور المعلم في أيّ عملية تعليمية لا يقل أهمية عن دور الكتاب و الكراس و القلم و المقعد و المدرسة ذاتها. المعلم هو العنصر البشري الحاسم في إنجاح العملية التعليمية في أي مجتمع، وهكذا تقول التجربة و مسيرة الدول الناهضة و التي ما زالت تنهض. وللأسف فإن ذلك ليس هو الوضع في الولايات التي تنتمي إليها "الشلة الحاكمة" التي أزكمت الأنوف بنهجها العنصري و الذي شمل كل مناحي الحياة حتى مجال تعليم الأطفال الذين يعتبرون ذخيرة للوطن بأكمله وأن الاستثمار فيهم يعود مردوده إلى كل الوطن وكل المواطنين مشكلاً بذلك اللبنة الأساسية للنهضة القومية في السودان ولا سبيل للخروج من هذه الوهدة إلا بالرجوع إلى الدعم المركزي للتعليم الأساسي.

    أمّا الوضع في التعليم الثانوي فليس أحسن حالا ً البتة من التعليم الأساسي. إنّ النقصان الحاد في المعلمين و خاصة في معلمي الرياضيات والعلوم يجعلنا نجزم بأنه خلال الخمسة سنوات الأخيرة لم يدخل عشرة طلاب (من مدارس الولاية مباشرة) لأي من كليات الطب في أي جامعة من الجامعات ناهيك عن جامعة الخرطوم والجزيرة و جوبا و غيرها من تلك التي يتطلب الدخول إليها إحراز درجات عالية.

    أصبحت الظاهرة المألوفة هي الهجرة للدراسة خارج الولاية و الحضور في الشهور الأخيرة للإمتحان من الولاية بغية الإستفادة من الخصوصية المرتبطة بكونها من الولايات الأقل نمواً. إنّ وضع الولاية تحت هذه القائمة هو ذاته الذي يجب أن نستهدفه في الخطة التعليمية القادمة للخروج منه عاجلا ً لأنه على أقل تقدير مثبط للهمم. و إلا ّ فسيصبح حال الولاية كالذين يعيشون على إعانة الرعاية الإجتماعية إذ أنّ البقاء فيها طويلا ً غير محفز للخروج من إسارها، و عليه أقترح التالي في مجال إصلاح التعليم الأساسي و الثانوي في ولاية جنوب كرد فان وبالطبع في كل الولايات الشبيهة:



    أن تقوم الولاية بوضع خطة عشرية للنهوض بالتعليم في مرحلة الأساس تعتمد على تحقيق طفرة حقيقية كبيرة في رفع المستوى النوعي و الكمي للتعليم – أفقياً و رأسياً.

    إعادة تأهيل المدارس القائمة و فتح ما لا يقل عن 200 مدرسة جديدة لتصل نسبة الإنخراط في التعليم الأساسي إلى حوالي 90 % على الأقل و بحيث أنّ 40 % يواصلون مسيرتهم التعليمية إلى المرحلة الثانوية. و هذا بالطبع يتطلب الرجوع إلى أو إبتدار إستراتيجيات جديدة منها – على سبيل المثال :

    دعم نظام الداخليات على أسس موضوعية لإفادة الطلاب الأكثر حاجة و الأبعد مسافة عن محيط المدرسة الجغرافي.

    التوسع في تعليم البدو الرحل حتى الصف الرابع ثم يتبعه إنخراط الأطفال في مدارس (التجميع ذات الداخليات) من الصف الخامس حتى الصف الثامن و ذلك يشمل البنات أيضاً. و هذه المدارس تكون لكل الرعاة المتنقلين من العرب و النوبة و مجموعات الفولاني في الولاية.

    التوسع في فتح "مدارس المجتمع" ذات الفصول الأربعة و المعلم الواحد في القرى الصغيرة المعزولة جغرافياً عن محيط مدرسة الأساس التي غالباً ما تكون في القرى الكبيرة. و كما في حال مدرسة الرحل يتم إستيعاب أطفال "مدرسة المجتمع" في مدارس داخلية بعد الصف الرابع.

    تأسيس المدارس و صياغتها بصورة تليق بها كمؤسسات تربوية ذات رمزية دلالية كبرى في الريف و كحافز معنوي للتغيير الاجتماعي المنشود في المجتمعات المحلية.

    إصلاح البيئة التعليمية في المدارس و دعم الكتاب و الكراس المدرسي مع التشديد بقوة على مجانية التعليم.

    دعم كل الأطفال في مدارس الأساس بالولاية بوجبة صباحية خفيفة (snack) حيث كثيرون منهم يعانون مما يعرف بالجوع قصير المدى (short-term hunger) مما ثبت تأثيره السلبي على البناء الجسمي و على عملية التحصيل وسط التلاميذ. و هذا الدعم الغذائي ليس بالضرورة أن يكون في شكل وجبة متكاملة بل في شكل وجبة خفيفة ذات سعرات حرارية عالية مثل الفول السوداني أو البلح التي تقضي على الجوع و في ذات الوقت تكسب الأطفال طاقة تعينهم على التحصيل و تحفزهم على المواظبة على الحضور للمدرسة و توقف نزيف التسرب والفاقد التربوي. و بالطبع فمن الثابت أنّ أحد أسباب تسرب الأطفال من المدارس أحياناً يكون مرده لعدم وجود الطعام في المنزل و معاناة الجوع الناجمة عن ذلك يلازمها الأداء الضعيف في المدرسة والقابلية للمرض تضعف المقاومة ثم يتبعها السعي للهروب من هذه البيئة السالبة في المدرسة و أيضاً محاولة البحث عن غذاء و عمل في العمر المبكر و أخيراً التشرد الذي أصبح ملمحاً بارزاً في كل مدن و قرى الولاية مما يستوجب أيضاً تصميم البرامج الملائمة لإعادة صياغة هؤلاء الأطفال و إدماجهم من جديد في العملية التعليمية أو إعادة تأهيلهم بإكسابهم مهارات ضرورية تعينهم في مشوار حياتهم الطويل (second-chance education).

    ويجب أن ينصب جهد دواوين الزكاة وغيرها من ألمؤسسات الشبيهة في هذا المنحى الإستراتيجي لدعم التعليم و كذلك عن طريق تبني مشروع الكساء المدرسي خاصة للأطفال الذين تأثروا بالحرب بدلا ً من الصرف السخي على بند العاملين عليها وتحفيز الموالين وتأليف قلوب الفقراء المحتاجين.

    و من الضروري أن تقوم الولاية بوضع و تنفيذ برنامج لتدريب كل المعلمين في مدة لا تتعدى الخمسة سنوات و تشتمل على تدريب المدراء و الموجهين و المشرفين التربويين في إطار خطة ولائية مدروسة تعنى بإحداث نهضة تعليمية في خلال عشر سنوات.

    أما في مجال التعليم الثانوي فإن أولى خطوات الإصلاح تقتضي التعاقد مع معلمي الرياضيات و العلوم من خارج الولاية لمدد زمنية متفاوتة و يتبع ذلك إستحداث نظام من المنح الدراسية لبعض الطلاب من الولاية لدراسة الرياضيات و العلوم في كليات التربية على أن يعملوا (في إطار عقد مبرم) لمدد متفق عليها في الولاية حتى يستطيع التلاميذ الدخول لكليات علمية تخَرج كفاءات بتخصصات معينة تساهم في تحقيق تنمية مستدامة في مقتبل أيام الحكم الإتحادي الموسع في السودان و في جنوب كردفان.

    عقد مؤتمر قطاعي لمناقشة مشكلات وقضايا التعليم مع الاتفاق علي التصورات و الاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق النهضة في هذا المضمار.

    قضايا المناهج ستناقش بالضرورة مركزياً، لكن النشاط بعد المدرس والذى ربما شمل تدريس اللغات المحلية والتاريخ الشفاهي للمجموعات الأثنية المختلفة وأى انشطة اخرى من شانها ان تزكي في الصغار روح الانتماء لمجتمعاتهم ولثقافاتهم وللهجاتهم التي يتحدثون بها في البيت. كل هذه الانشطة والمناهج يتم حولها الاتفاق محلياً وتستنهض الهمم لتطبيقها بصورة خلاقة وإيجابية وتضمن تنشأة وتربية جيل متصالح مع الذات ومع الأخرين في الوطن الكبير.

    ربما لا يكون من المناسب هنا توجيه النقد بصورة تفصيلية لمحتويات العملية التعليمية كما عبرت عنها المناهج والتي حوّلت الصغار إلي ببغاوات تحفظ وتردد بلا تفكير. ومع القمع الكامل لطرائق ومنهجيات التفكر والتأمل وحل الاشكاليات و المقارنات العالمية في ذهنيه الأطفال، أصبح المنهج ومحتوياته أقرب الى تحديث الخلوة التقليدية حيث إنعدمت فيه المهارات الحياتية بشتى صورها. ربما كان هذا شأناً قومياً تناقشه الوزارة الاتحادية التي عليها الخروج من النظرة الاحادية التي لوﱠن الاسلاميون وبطريقة بائسه وفقيرة المناهج التربوية والعملية التربوية بمجملها في السودان.إن التلاميذ الذين يتخرجون من هذه المؤسسات التعليمية سيجدون صعوبة بالغة في ولوج سوق عمل أصبح متعولماً ومتطوراً ومتغيراً وتنافسي بشكل يومي. وسيجدون تحدياً كبيراً ليوفقوا أوضاعهم المعرفية حتي يتمكتوا من المنافسة في أسواق العمل الكونية والتي أضحت في داخل السودان حيث منطق الرأسمالية ينحاز بصورة تلقائية لكفاءة العامل دون هويته القومية. وهذا ما يفسر استجلاب العمالة من دول أسيا للسودان حتى لأعمال يمكن أن يُدرب عليها العامل السوداني. والتدريب ما هو الاﱠ التعليم في سبيل العمل.

    الملف الثاني: الخدمات الصحية

    - الصحة الأولية – خط الدفاع الأول (primary health care )

    إنّ انهيار الخدمات الصحية الريفية و الأولية قد تركت المواطن في ريف الولاية نهباً للمرض و أعادت من جديد إنتعاش الطب البلدي (قليل التكاليف) و بالطبع قليل الكفاءة بصورة تقهقرت معها الأمور إلى حوالي خمسة عقود خلت. و ليس من المعقول أو من الضمير أن يترك المواطنون في زمان العولمة و التواصل العلمي أن ينكفؤوا على موروثاتهم المعرفية التقليدية من طب و خلافة دون الإستنفاع من المعرفة الإنسانية العالمية خاصة في مجالات المضادات الحيوية و أدوية الملاريا و أمراض الجهاز الهضمي والتنفسي المنتشرة في الولاية. إنّ حمّى الضنك التي ضربت الولاية و مات من جرائها الآلاف قد كانت دليلا ً قاطعاً على إنهيار و عدم كفاءة الخدمات الصحية الأولية و التي تعتبر خط الدفاع (الصحي) الأول في بنية الخدمات الصحية.

    أن نسب وفيات الأطفال في الولاية تفوق المائة بالألف في العام و بذلك تفوق نظيراتها على المستوى القومي (ما عدا الجنوب) و كذلك الحال بالنسبة للمؤشرات الحيوية الأخرى مثل وفيات الأمهات أثناء الولادة (Maternal mortality) و معدلات المرض (morbidity) و معدلات الوفيات (mortality) و متوسط عمر الفرد (Life expectancy).

    و هناك نسبة عالية من النساء اللآئي يمتن عند الولادة (بالحبل) و التي غالباً ما تتم تحت إشراف القابلة التقليدية (إستمراراً لبرامج تأصيل الطب بالدرجة التي لا تدرب فيها حتى القابلات التقليديات ناهيك عن أن يتم استبدالهن بقابلات حديثات). ونسب الوفيات بسبب الملاريا تظل هي الأعلى على مستوى القطر بالإضافة لتلك المتلازمة مع سوء التغذية و الأنيميا. أمّا الخدمات الصحية في المدن فقد تعاظم عليها الطلب و الضغط رغم سعتها الإستيعابية المحدودة في خلال العشرين عاماً الأخيرة. و رغم ذلك فهي لم تشهد تطوراً نوعياً أو كمياً خلال العقدين الأخيرين. وعلى النقيض من ذلك لقد سيطر عليها الإستخصاص حيث العلاج الأحسن نسبياً هو ذلك الذي يجده المريض في العيادة الخاصة و التي لا يبلغها إلا ّ القليلون وبشق الأنفس. وذلك ضمنيا يعني حرمان الملايين من الفقراء من العلاج و هم الغالبية المطلقة من سكان المدن و الذين أغلبهم ممن نزحوا من ويلات الحرب في خلال العقدين الأخيرين وفقدوا كل شيء حتى القدرة على العودة إلى الريف نتيجة لعدم المقدرة على تغطية نفقات رحلة العودة وما يلزمها من ترتيبات و إجراءات ليس أقلها بناء المنزل و شراء أدوات الإنتاج وتجهيز الأرض و رأس المال المبدئ الضروري. كل ذلك المشوار يقتضي إحداث تحول جديد في نمط حياة ه}لاء النازحين من فقراء في المدن إلى فقراء في الريف و الإختلاف بين الإثنين إختلاف نوع و مقدار.

    و حتى ما عُرف تاريخياً بالطبقة الوسطى من الموظفين و صغار التجار في الولاية (كما هو الحال في كل السودان)، زالت عنها تلك الوسطية و إلتحمت تماماً مع الطبقة التي دونها، طبقة الفقراء النبلاء الذين (بدخولهم المحدودة) فقدوا القدرة على شراء أي شيء و لكن ظلوا رغم ذلك ممسكين بكل شيء : بالنبل و كريم الأخلاق و الصبر على مكاره أولي الأمر. أما أولي الأمر بدورهم فقدوا كل الحواس بما فيها حاسة النظر إلى ما آلت إليه الخدمات الإجتماعية الأساسية للإنسان في الولاية التي خرجت لتوها من حرب مفروضة عليها بواسطة النخب القابعة - في مساكن الزجاج بالخرطوم و المطلة من أحد جوانبها على النيل و من الجانب الآخر على السماء تأكيدا لإهتدائها بالمشروع الحضاري الذي لا ينظر إلاّ إلى أعلى - و يظل الفقراء يقبعون على الارض (قابضون على الجمر) و لا من يراهم أو(يعانيهم) من أصحاب ذلك المشروع الهلامي الذي أضحى مشروعاً لتفريخ الفساد و لإنتاج الطفيليين من القطط السمان .

    أن مشروع إعادة الحيوية إلى الخدمات الصحية الأولية في الريف يجب أن يبدأ بإعادة تأسيس و تفعيل كل نظام الشفخانات و نقاط الغيار والوحدة الصحية التي يديرها المعاون الصحي، على أن يشمل ذلك أيضاً وحدات علاجية متحركة للإنسان و للحيوان. هذا بالطبع يقتضي وجود خطة طموحة لتدريس و تطوير الكوادر الصحية المطلوبة لهذه الوثبة الكبيرة. وبذات القدرلابد من إبتداع نظام المرشد الصحي المتجول الذي يجوب القرى و الأرياف مبشراً بمفاهيم الصحة العامة (public health) ومكافحة الأمراض البيئية والمستوطنه و متفقداً مياه الشرب و غيرها من مكونات البيئة التي تنمو في ظلها بعض المهددات الصحية للإنسان في الولاية بما فيها الملاريا و غيرها.

    تفعيل نظام القابلة الريفية بحيث تغطى كل أرياف الولاية إيقافاً لضياع أرواح النساء أثناء الولادة. التي غالباً ما تتم على يد القابلة البلدية و التي لا بد من تحديثها و تدريبها و زيادة أعدادها ليشمل كل القرى وفرقان الرحل.





    الخدمات الصحية على المستوى الثاني (secondary health care):

    و في هذا المستوى لا بد من إنشاء مستشفيات ريفية على مستوى كل رئاسات المحليات بالولاية حتى تكون بكفاءة تمكنها من الاستجابة للحالات المحولة من المستوى الأول (الصحة الأولية) الذي يتعامل مباشرة مع الناس كخط أول للدفاع الصحي. ولكن واقع الحال في بعض المستشفيات الريفية مثل مستشفى الدبيبات يشير إلى أنها مؤسسات قصد منها التسويق و التكسب السياسي من خلال دغدغة مشاعر الناس دون الاستجابة لحاجياتهم الأساسية إذ تنعدم فيها كل الخدمات الأساسية. وقيمة المستشفى الحقيقية تكون في أنه مبنى قصد منه الحزب الحاكم أن يشير إليه في لائحة الإنجازات وبجوار حائط المستشفى يموت الأطفال و الشيوخ من مرض الملاريا الساحقة. ويظل همس المدينة يردد بأن هذا المستشفى سيظل هكذا طالما أن أهل هذه المنطقة لم يبايعوا المؤتمر الوطني على المكره و المنشط: دون ذلك الشرط فليمت الشيوخ و الأطفال و النساء.



    الخدمات الصحية على المستوى الثالث (tertiary health care)

    و في هذا المستوى لا بد من تحديث و إعادة تأهيل المستشفيات على مستوى المحافظات و رئاسة الولاية مع إنشاء مستشفيات متخصصة للإستجابة للحاجة المحلية.و يتبع كل ذلك عمليات واسعة لإستقطاب و تدريب الكوادر الصحية التي توفر العنصر البشري الحاسم لنجاح مثل هذه الطفرة.

    و على مستوى تقديم الخدمات و تحقيق هدف الحصول عليها بواسطة المواطن، لا بد من إتباع سياسة إستثنائيه (لمدة عشر سنوات على الأقل) تقضي بمجانية الصحة كجزء من برامج إعادة التأهيل (الاجتماعي) إلى حين أن تعود للمجتمع و للإقتصاد الريفي حيويته للدرجة التي يتمكن معها المزارع و الراعي من "إعادة إنتاج نفسه" كناية على مقدرته على الصرف على حاجياته الأساسية من صحة و تعليم و معيشة و الإستجابة بفعالية لحاجياته و إرتباطاته الإجتماعية حتى تعود لكل المجتمع عافيته و حراكه المتجدد. بعد انقضاء مدة العشر سنوات يمكن إتباع سياسة التأمين الصحي (في الريف و المدن). أما إذا أتبع نظام التأمين الصحي قبل ذلك فإنّ الغالبية العظمى من المواطنين الريفيين (خفيفي الوزن) سيتساقطون بين مسامات هذا "الغربال" ذو المسامات الكبيرة و حينها ستكون شريحة صغيرة من سكان المدن هم الذين ستشملهم مظلة التأمين الصحي.



    الملف الثالث : الإقتصاد و التنمية

    لقد إنهار بصورة شبه تامة الإقتصاد المحلى بشقيه الزراعي و الرعوي و كذلك الحديث و التقليدي، و لم تشهد الولاية تدخلا ً من قبل الدولة المركزية خلال العقدين الاخيرين غير تلك البعثات التي كانت تأتي عادة لتفويج" المجاهدين" من كتائب الدفاع الشعبي.

    في الاقتصاد الزراعي الحديث تقلصت المساحة المزروعة في مشاريع هبيلا و غيرها و التي وصلت في عصرها الذهبي إلى خمسة ملايين فدان في عام 1987 م، لقد تقلصت في عام 2005 م إلى أقل من 500 ألف فدان بكثير و التي تمثل حوالي 10 % من مساحة عام 1987 م. و قد خرج أكثر من 80 % من المزارعين من العملية الزراعية الإستثمارية برمتها مفضلين عليها قطاع التجارة و الخدمات (القطاع المحبب للإسلامويين حيث الفساد و المحسوبية فيه بلا حدود) و عائده الإقتصادي والتنموي على المجتمع و على الدولة غير ذو قيمة تذكر.

    لقد أعسرت الغالبية العظمى من مزارعي الزراعة الآلية في هبيلا وكرتالا وغيرها بسبب سياسات التمويل الزراعي التي تميزت بعدم الكفاءة زائداً النسبة العالية (وغير الحقيقية) لسعر الفائدة (الإسلامي)، كذلك لغياب كفاءة السياسات التسويقية للدولة و التي فشلت في المحافظة على أسواق المحصولات السودانية التقليدية ناهيك عن إكتشاف أسواق جديدة. و لكن إهمال الدولة لقطاع الزراعة الآلية ليس بمستغرب لأنّ الإسلامويون (و بطبيعة نشاطهم الإقتصادي الطفيلي) لا يستثمرون مطلقاٌ في القطاع الزراعي أو الصناعي و الذين تُرك أمرهما للرأسمالية المهمشة و المغضوب عليها وهذا بالطبع يشمل مزارعي الزراعة الإلية في جنوب كر دفان وغيرها ممن كان عليهم دفع فاتورة أعباء انتمائهم السياسي للأحزاب المعارضة. ولقد إحتكر المستثمرون الإسلاميون بالاستثمار في المجالات التي يتاح فيها الفساد و المحاباة مثل المضاربات والعطاءات و التجارة الخارجية حيث تتوافر الإعفاءات الضريبية و الجمركية بقصد "التمكين". وهذا بالطبع غير متاح في إطار الزراعة الآلية التي تعاني من الضمور المستمر في جنوب كردفان.

    إنّ إنعدام الأمن و النزوح كانت وراء التدهور الزراعي في الأجزاء الجنوبية من الولاية في حين أنّ تنامي زحف الصحراء و زيادة الضغط السكاني و الثروةالحيوانية (بسبب النزوح) على الموارد المحلية المحدودة على طول الشريط الرملي سببت التدهور في الأجزاء الشمالية من الولاية. و الطريف أنّ المجموعات الإثنية في شمال الولاية (من قبائل الحوازمة) قد رحبت بالنازحين من جنوب الولاية( من النوبة ) بصورة تحقق معها الإندماج الكامل في المجتمع المحلي مما كان دحضاً عملياً لعبثية سياسات الدولة التي ما زالت تدق على طبول الإختلافات الإثنية و القبلية في المنطقة و تبني على ذلك سياساتها و تدخلاتها الضارة بالنسيج الإجتماعي و بمقدرة المجتمع المحلي على إعادة إنتاج ذاته بوئام و بسلاسة.

    أما الزراعة التقليدية أضحت لا تفي بحاجات الإنسان المتعولم في جنوب كردفان و لا تستطيع (و إن أرادت) أن تستجيب لضرورات الإستخصاص التي فرضتها الدولة و إلتزاماتها النقدية على الأفراد والأسر لتغطية تكاليف المدرسة (إن وجدت) و حقنة الملاريا و كبسولة المضاد الحيوي بالإضافة إلى السكر و الشاي و البن "و الهدوم" و قائمة الالتزامات تطول على الزراعة التي تتقلص و تتناقص في المساحة و في الكفاءة مقاسة بالإنتاجية.

    و فقدت الزراعة التقليدية في جنوب كردفان خلال العقدين الأخيرين أهم ما يميزها وهو كونها زراعة معيشية إكتفائية تحقق للمزارع ولأسرته الأمن الغذائي المنشود و ما فاض عنها كان يغطي إحتياجات القطاع الرعوي و سكان الحضر أحياناً. لقد أصبح أكثر من 80 % من سكان الريف لا ينتجون غذاءهم من مزارعهم بل يعتمدون على شراء مؤنهم الغذائية من السوق. ومن نافلة القول أنّ الزراعة الآلية أضحت هي بدورها غير قادرة على الاستجابة لكل الطلب المحلي للحبوب الغذائية داخل الولاية.

    و في جنوب الولاية لقد فقد أغلب المزارعون وخاصة العائدون منهم أبسط مقومات الإستقرار و الإنخراط في النشاط الزراعي متمثلا ً في إنعدام وسائل الإنتاج.

    أما الرعاة فقد حاصرتهم الحرب جنوباً و زحفت نحوهم الصحراء من الشمال و كذلك الأبالة و من جراء ذلك نفقت أكثر من 50 % من الثروة الحيوانية(الأبقار) في الولاية في خلال العقدين الأخيرين و إرتبكت وتيرة الترحال و إنهارت الأعراف المنظمة للعلاقة التبادلية بين الرعاة و المزارعين و أصبح النزاع أكثر إنتشاراً من الوئام وكان أخرها ذلك الصدام المسلح الذي راح ضحيته العشرات بين النوبة (الصبى) وعرب المعاليا ( الابالة) في المنطقة شمال الدلنجَ خلال شهر يوليو. والدلائل تشير الي الدور البائس الذي لعبه المؤتمر الوطني في هذا الصراع، حسب الرواية الشائعة، حيث لزم التحيز بل و التحرش أحيانا بدلاً عن أن يلزم الحياد كحزب متماسك أخلاقياً ويتعامل مع مواطنيه – دون تمييز – وبمسؤولية الدولة المعهودة في كل التقاليد و الأعراف السياسية.

    هنالك ثمانية مقترحات يمكن أن تشكل – على الأقل – إطاراً عاماً للخروج بالاقتصاد الريفي المتكلس في جنوب كردفان إلى مرحلة الكفاية ثمّ الإنطلاق و التوثب.

    ضرورة الإهتداء بخطة ولائية متكاملة للتنمية الإقتصادية.

    تبني برنامج محدد الأهداف و الوسائل و الإطار الزمني لمحاربة الفقر على ضوء معطيات البيئة المحلية و على هدى البحوث العلمية و قواعد البيانات الحديثة.

    إعادة بناء و تأهيل الإقتصاد الريفي بكل جوانبه و مكوناته(الزراعة و الرعى) بعد أن دمرته الحرب الأهلية خلال العقدين الأخيرين. وذلك يشمل برامج التحديث والتسليف الزراعي وادخال تكنولوجيا وسيطة وتقاوي محسنة وغيرها من التدخلات التنموية في هذا المضمار.

    الزراعة الآلية في ولاية جنوب كردفان تمثل خيار إستراتيجي قومي وإقليمي حيث المساهم الأول في تحقيق الأمن الغذائي. بهذا الفهم يجب أن يتم تشجيع الاستثمار الزراعي الحديث شريطة أن يتبع الأسس التالية:

    العدالة في توزيع المشاريع الزراعية.

    التتاغم مع الزراعة التقليدية واقتصاديات القري البسيط.

    التتاغم مع حركة الرعي و الترحال.

    الحفاظ علي البيئة عن طريق إتباع نظام دورة زراعية يكون فيها الهشاب او الطلح جزءاً فاعلاً.

    التنوع المحصولى (عباد الشمس).

    توخي الكفاية الزراعية في الإنتاج عن طريق رفع إنتاجية الفدان.

    توفير المياه وفتح الطرق الزراعية المعاونة و الداعمة لعمليات التنمية الريفية الشاملة في الولاية.





    5-إتباع إستراتيجية المَزَارع الجماعية في القرى (في المناطق الجنوبية) مع إعطاء إعتبار كبير لضرورات الحفاظ على البيئة والتي هي خط الدفاع الأخير في تماسك و إنسجام المجتمعات المحلية.

    6-ضرورة تطوير القطاع الغابي من حجز للغابات ومحميات للحيوانات البرية و إستهداف زراعة الهشاب والطلح حفاظاً على البيئة و بقصد إنتاج الصمغ.

    7-التأسيس لسياسة رعوية نابعة من قيم المجتمعات المحلية و علاقاتهم التاريخية و مستجيبة لضرورات الحفاظ على البيئة و الإستغلال الأمثل للموارد بحيث يتقاسم الرعاة و المزارعون المساحة المتاحة في تناغم و تواؤم تامين. و يتبع ذلك ضرورة بذل الجهد على هدى خطة علمية (نابعة من أسفل لا مفروضة من أعلى) لتحديث القطاع الرعوي بإدخال عينات محسنة وفي ذات الوقت ترسيم المراعي والمراحيل وتحديد الاعراف المنظمة لذلك والدفع بإتجاه الإستقرارالتدريجي للبدو الرحل بدءاً بإستقرار الأسرة (لضرورات الصحة و التعليم) مع الإبقاء على الحركة البندولية للقطيع على ذات المنوال الموسمي من الجنوب للشمال و بالعكس.

    بما أن هنالك تزايد في نسب و وتائر التصحر في الأجزاء الشمالية من الولاية (مناطق القوز) فإنه من الضروري التقليل من الزراعة في بعض المناطق الشمالية لمدد زمنية متفاوتة حتى تستعيد فيها البيئة تجددها الذاتي محققة في ذات الوقت إعادة البناء و التوازن البيئي. و هذا الإجراء مفيد – على المدى الطويل – لكل أجزاء الولاية التي تعتبر إقليماً بيئياً واحداً ومتشابك وظيفياً بحيث أنّ الصحراء تزحف فيه من الشمال إلى الجنوب مما يسبب خللاً و إرتباكاً في التركيبة السكانية و الحراك السكاني الذي بدوره يؤدي إلى كل الإحتكاكات الأمنية في كل الولاية.

    في الأثناء التي يتم فيه التقليل من الزراعة في الأجزاء الشمالية في الولاية يتم فيه تأسيس مزارع جماعية في المناطق الجنوبية الغنية بيئياً لتفي بحاجة هؤلاء السكان من الأجزاء الشمالية بالغذاء. و بالطبع كل هذه التصورات والمقترحات يمكن أن يتم التعامل معها في إطار الفهم الذي يحكم عمل مفوضية الأرض التي تمّ إنشائها في جنوب كردفان وفقاً لإتفاقية السلام الموقعة بين الحركة الشعبية و حكومة السودان. و فوق كل ذلك لا بد من التأثير على السياسات المركزية التي تصنع القرارت الخاصة بالتمويل الزراعي والتسويق بحيث يكون الهدف تقوية ودعم القوة التنافسية للمزارع المحلي في الولاية و لمنتجاته الزراعية و الحيوانية في القطاعين التقليدي و الحديث على السواء.

    ألملف الرابع : الاستقطاب ألاثني وتهتك النسيج الاجتماعي في جنوب كردفان

    بدأت الحرب في جنوب كردفان بتمرد وإحتجاج سياسي قام به أبناء النوبة ضد العلاقات الغير متكافئه بين الاقليم والمركز تسعي من ورائه الحركة لأحداث نقلة نوعية تقضي بإستبدال علاقات التهميش بعلاقات إيجابية تتميز بالعدالة في تقسيم السلطة و الثروة التي ظل يسيطر عليها المركز و النخب ألمركزية. كانت تلك الاجندات لحركة جبال النوبة السياسية تمثل مصدر قلق للنظام في الخرطوم لأنها أظهرت قدراً كبيراً من التقارب و الترابط مع برنامج الحركة الشعبية. ولذلك بذل النظام جهداً في تحويلها لحرب اهلية إثنية بين النوبة و العرب حتى يمكن الإنقضاض عليها عن طريق الاستثمار في التناقضات الداخلية في المجتمع المحلي و أحياناً عن طريق تعميقها بالتعبئة أو بتصويرها الحرب بأنها حرب تستهدف القبائل العربية و الوجود العربي في المنطقة . أو عن طريق خلق وعي جديد بتسويق مبرر ديني جهادي للمواطنين يصورها بانها حرب مقدسة "وأن الجنه فيها تنتظر المجاهدين" و الذين هم شباب كلهم من الفاقد التربوى المغلوب علي أمره الذى لم تحسن الدولة تدريبه. أو في الحقيقه هو ما سعي النظام إلى تدريبه إلى ذلك الحد من التعليم المنقوص الذى تسهل فيه المقادة و الانقياد مما يجعله يستجيب عاجلا عندما ينفخ فيه بالشعارات الساذجة الجوفاء التي لا تحرك جناح بعوضة فى عقل شخص مستنير. لكن يبدو أن عدم الاستثمار التاريخى في التعليم في المنطقة هو في الحقيقه إستثمار بواسطة الدولة لمستقبل الأيام الذى تكون فيه الحاجة ماسة لأبنائنا (ناقصي التعليم و الوعي) ليكونوا فيها و قوداً لحرب بالوكاله القاتل فيها و المقتول(من النوبة و الحوازمة أو المسيرية والدينكا) مكتوب عليهما انه يتلظيا بنيرات التخلف و الحرمان وكل واحد منهما يستمد قيمتة الحقيقية فقط بقدر عدائه (وليس عطائه) للأخر. هكذا شكلت الإنقاذ فى سنوات حكمها الكالحة الواقع الإجتماعي بين النوبة و العرب كبلوكات سياسيه متنافرة إمعاناً فى التقسيم الجزافي في المنطقه و الذى إن قسمناه بصورة حادة إلى نوبه و عرب نكون قد ظلمنا التاريخ و الاجتماع في المنطقة. إذ أن المساكنة والمثاقفة و التلاحم و التواصل الثقافي كلها ديناميات شكلت وصقلت الواقع الاجتماعي المحلي وجعلت منه مزيجاً ليس من الدقة العلمية بمكان و صفه بملامح مكوناته الأساسيه (نوبه – عرب ). ان المزيج الناتج في جنوب كردفان يحمل ملامح كل النوبة و كل العرب و كل الإثنيات الأخرى و هى فى النهاية ملامح الإنسان المتصالح و المتفاعل مع الآخرين بعيداً عن مرض التعصب العنصرى الذي تسعى النخب المأزومة في الخرطوم لبث سمومه فى واقع اجتماعي كان معا في من قبل و صولهم (غير الميمون) إلى السلطة و التسلط فى عام 1989م. لقد حولت الإنقاذ الحرب فى جنوب كردفان من حرب تحركها دوافع وعلاقات الاقتصاد السياسي الغير متكافئة بين المركز و الاقليم حولتها بعمليه قيصريه شديدة المعاناة إلي حرب بين قوميتى النوبه و العرب حتى يسهل القضاء عليها بأقل التكاليف إمعانا في إستعمال نظريات الإدارة الغير مباشرة التي إتبعها الإنجليز من قبل والمعروفة في الأدبيات الاجتماعية والسياسية بسياسة فرق تسد. وكان دور حكومة الإنقاذ في كل ذلك أشبه بدور السمسار الذي تزيد نسبة عائداته كلما زادت تكاليف الحرب على العباد في جنوب كردفان محسوباً ذلك بعدد الموتى و الجرحى ودمار الزرع الضرع.



    لقد كان تنفيذ تلك السياسة و تنزيلها أكثر إيلاما على واقع إجتماعي متصالح لمدى خمسة قرون تربط فيه الناس أواصر التاريخ كما تترجمها علاقات الدم و الجوار و التحالف (بالكتاب) و المصاهرة و التبادل التجاري و الصداقات الإنسانية التي صهرتها القرية المشتركة والمدرسة والمزرعة المتجاورة ومن قبل قد صهرها المسجد و الإسلام الناهض الذى يعتنقه أكثر من 80 ℅ من سكان الجبال. وأيضاً صهرتها مراعى الماشية حيث أن بعض النوبة اصبحوا بقارة يحترفون رعى الماشية كما إحترف العرب نمط زراعة النوبة المتنقلة و تحدث النوبة العربيه بطلاقة كما تحدث العرب النوبيه بعفوية و سلاسة و تزاوج الطرفان و أنتجا إنساناً كان هو السودان فى ذلك الحيّز الجغرافي الذي عرف بجبال النوبة و جنوب كردفان والاثنان سيان: كانت تلك الصيروات الإجتماعية الإنسانية المعقدة فى التواصل الإنساني تستحق أن يطلق عليها ظاهرة ( تنوب العرب) "واستعراب النوبة " لكن يبدوا أن تلك الإنسيابيه الإنسانية في جبال النوبة كانت تمثل سيراً ضد مسار التاريخ الذى حددت النخب الإسلامية وجهته الحتمية في عام 1989 حيث تم الانقضاض على قيم وحيثيات المجتمع المحلى بتلقائيتة وعفويتة وديمقراطيته الأفريقية المعهودة في مثل هذه المجتمعات البسيطة.

    وتبع ذلك حملات التطهير الثقافي و ما لازمها من الحكم على الجميع بالدخول فى ماسورة الأحادية الثقافية التي تمثلها المدرسة الفكرية العنصرية للإنقاذ (الشعوبية العروبية) التي ما جلبت لنا فى السودان غير الخيبات السياسية و الإجتماعيه المتواترة و التي بعد خمسة عشرة عاماًَ حولت السودان إلى أكبر مشروع للفشل القومي حيث تنهار تدريجياً عرى المجتمع السياسية و الاجتماعية.

    و في محاولة للخروج من مأزق العلاقات الإجتماعيه المتداخلة إيجاباً بين النوبه و العرب و التى كانت عقبة في مشروع الإنقاذ العنصري والذي يقضى ببناء الحواجز الإثنية بين النوبة و العرب لجأت الدولة إلى استراتيجيه الخطاب الديني الديماجوجي الذى أقتضى الحكم على النوبة بالخروج عن ملة الإسلام و إستحقاقهم الحرابة. فكان إعلان كردفان فى العام 1991 م و الذى قضى بمجاهدة النوبة. وكان في ذلك الوقت ابن النوبه البار السيد إبراهيم نايل إيدام عصواً في المجلس العسكري الوهمي الذي يديره الإسلاميون بالرموت كونترول . وكان " شخوصه الفاعلين" فيه لم يتعد دورهم فيه دور شخصيتى" توم و جيرى " الفاعليين فى الدراما الإنجليزية.

    وكانت أيضاً الطبول و الموسيقى العسكرية تدق كل صباح في جنوب كردفان خلال التسعينيات و جيوش صلاح الدين الأيوبي تسير لتدك عروش الصليبيين فى القسطنطينيه (وتلشى) فى جبال النوبة، كان الواقع كله فى تلك اللحظات قد تحول إلى مماثله للتاريخ البعيد حيث لا يخرج الناس من إساره في جنوب كردفان إلا عند الثامنه مساء حينما تدق ساعة( بق بن ) معلنة ً نشرة الاخبار الرئيسية في لندن لذلك اليوم من العام 1991 م. و حينها فقط يدرك الناس انهم قد خرجوا لتوهم من رحم خمسمائة عام من التاريخ إلى الحاضر ليعاودوا الدخول فيه من جديد عند الصباح بسماع أهاريج الدفاع الشعبى و هكذا إستمرت عمليتي التجميد frost والتدفئة defrost للمجتمع و التى من جرائها اصيب الناس بالإعياء من جهاد لايرون فيه حمزة بن عبد المطلب ولا خالد بن الوليد. وقد غاب عن ذاكرة الإسلامويين الضحلة حينذاك التاريخ الناصع لحلقات الشيخ محمد الامين القرشى فى وديان ومرتفعات جبال النوبة حيث النوبة النيمانج كانوا فرادى و جماعات يؤمون مسجد القريه الصغير فى كرمتى و أطفالهم يجلسون القرفصاء يرددون نشيد طلع البدر علينا من ثنيات الوداع في كل صباح و عند الظهيرة. و فى المساء يقراء الاطفال فى كرمتى (من أمثال المرحوم الدكتور عباس شاشا) لشيخهم الوقور: " لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تاتيهم البينة" الآية".

    وكانت أيضاً الإضاءات و الإشراقات الراسخه في الوجدان المحلى عن الشيخ الصوفي الورع الشيخ البرناوى حيث طبول النوبات تشق عنان سماء الجبال وليلها الهادىء في أم حيطان و شيوخ وصبية النوبه يؤمون حلقات الذكر في نشوة أفريقية متفردة حباً فى الإسلام وعشقاً للمصطفى صلى الله عليه وسلم.

    كانت تلك النشوة نابعة من عمق الخطاب الدينى الصوفى المتصالح و المتسامح مع الذات و مع الاخرين ومع الله. كان الإسلام ينساب فى جبال النوبة كانسياب المياه في تلك الوديان متصالحاً مع الثقافة المحلية بعد حوارهادىِء ليس فيه نفى للأخر أو التقليل من شان ثقافتة ومعتقداته المحليه وكان ذلك الحوار يشمل أيضاً التلاقح الإثنى محدثاً بذلك نسيجاً اجتماعيا متصالحاً لا يعكر صفوه إلا مدافعات الحياة الإعتيادية بين الناس التى قد تحدث حتى فى مكان مثل مكه أو الفاتيكان.

    جاءت الإنقاذ و حقنت خلال سنوات حكمها شرايين المجتمع المحلي في جنوب كردفان بالعصبيه القبلية لتجعل حرب الوكالة أمر ممكناً و سهلاً و محققاً لأهدافها و الوكلاء هم من اختاروا لأنفسهم لعب ذلك الدور الذى باعوا فيه حاضر أهلهم ومستقبلهم حيث أكثر من عشرين ألف طفل فقدوا حقهم فى التعليم .وكذلك فقدوا حقهم في الحور العين حيث أن الشيخ الترابى أعلن ببطلان تلك الفرية و التى قصد منها إثارة الحمية القتالية في شباب كانوا يودون إكمال نصف دينهم أحياءاً أو أمواتاً، ومن قبل قد تساوى عندهم الموت و الحياة و لكن بقى الإختلاف فى إختيار شريكة الحياة أو الموت.

    وكما رجعت طالبان القهقرى إلى قبيلة البشتون بعد إنهيار المشروع الديني لقد عاودت الإنقاذ العودة إلى مشروع الإحياء القبلي في جنوب كردفان وفى كل السودان بعد ان تفرقت بمشروع الإحياء الإسلامى السبل و أصبحت تستحى منه فى وجود جيوش أجنبية فى جبال النوبة و في الجنوب وهى تستعد للقبول بها فى دارفور فى نهج ممانعة معهود عنها ومعروفة وتيرته لديها.

    ان ملف العلاقات الأثنية في جنوب كردفان هوالأخطر فى هذه اللحظة حيث أن هنالك عده تطورات وديناميات ستعكر صفو العلاقات بين النوبة و العرب قريباً إنه لم يتم

    تداركها.

    أولاً:

    أن الفراغ السياسي الكبير الذى يميز كل الحراك السياسى فى السودان و خاصة فى اطرافه مثل جنوب كردفان يجعل التمدد فى الفضاءات القبيلة أمراً محتوما في واقع تنعدم فيه الطبقة الوسطى أو تضاءل دورها.ومع تلاشى منظمات المجتمع المدني الفاعلة تكون البوصلة كلها في يد القبيلة وحينها سيتم الاتجاه نحو الحريق الكبير تماماً كالذي حدث في دار فور. ويغززهذا الإتجاه، تطورات الأحداث وسياسات المؤتمر الوطني الرامية إلى دق طبول الحرب الإثنية مضافاً إليها أخطاء الحركة الشعبية التي فقدت في الكثير من الأحيان السيطرة على كوادرها الذين ما زالوا تحت تأثير تعبئة التسعينات.

    ثانياً:

    إن مسألة أبيي والتي تتبع الان عملياً لجنوب كردفان تسير فى إتجاه التعقيد الذى يسبب حرجاً كبيراً للدوله فى الخرطوم و لأجهزتها المحليه التى غالباً ما تتلقى هى الصدمات الأولية نتيجة لأخطاء المركز. و الحرج الأكبر للدولة فى مسألة أبيي هو ان (الدولة) قد باعت حلفاء الامس (المسيريه) بقبولها بالتسويه بشكلها الحالى الذى فوضَ تفويضاً كاملاً الوسطاء الأجانب الذين أتوا بحكم لم يكن مرضياً للدولة ولا للمسيريه بل وربما يرى ألمسيريه أن الخطأ الأساسى هو موافقة الإنقاذ دخول أبيي إلى طاولة المفاوضات دون الرجوع إلى الاليات المحلية التى تضمن مشاركة كل فعاليات المسيرية والدينكا فى استنباط حل محلي نابع من أسفل لا مفروضاً من أعلى. إن خيار الحكومة الوحيد أمام الحرج الذي أفرزه مأزق أبيي هو اللجوء الى إشاعة الفوضى فى المنطقه لإستدرار عطف المجتمع الدولى ليعيد قراءة الأوضاع فى أبيي فى وجود التقرير الذي رفعته اللجنة المحايدة التى وافقت الحكومة على أن قرارها ملزم للطرفين. هذه الفوضى( المتوقعة) المدعومة من الدولة في جنوب كردفان هى أيظاً تمثل الاعتذار من جانب الدولة وعلى طريقتها للمسرية وللحوازمة المخدوعين الذين حاربوا بالوكالة حرباً طويلة في شمال بحر الغزال وجنوب كردفان (علي التوالي) وحرسوا لها ثغوراً كان يمكن أن ياتي منها الاختراق الكبير و التمدد شمالاً للحرب الأهلية حتى تصل إلى مشارف الخرطوم. ولكن هذا جزاء سنمار، وطاحونة الاستغلال ستستمر تلتهم البسطاء من المسيرية والحوازمة طالما أن هناك دولة فاقدة للأمانة ونخب محلية فاقدة الضمير والمصداقية وتجيد بيع أهلها بطريقة ( السلم ) للشلة في الخرطوم.

    ثالثاً:

    أن أقليم أبيي الغنى بالموارد البتروليه يمثل إحدى منابع ضخ النفط فى الإقتصاد السوداني الذى أصبح وبصورة متعاظمة يعتمد على عائدات البترول بنسبة 80℅ لتسيير عمليات الصرف الواضح منها و المستتر وخاصة تلك التى تصب لصالح التنظيم السياسي و النافذين فيه وللترتيب للإنتخابات القادمة ولحرب دار فور التي ما زالت تستعر نيرانها ولشراء ( النخب القاصية) و التى أكل منها الذئب ومابرح.

    رابعاً:

    جبال النوبة مرشحة للدخول فى دوامة من التيه السياسى فى حالة أن أختار الجنوب الإنفضال وهوالإحتمال الأرجح فى الوقت الراهن. وذلك لأنه خلال العقدين الاخيرين قد تطورت حميميه سياسيه بين بعض النخب الفاعلة فى جبال النوبه وبين الحركة السياسية الفاعلة فى جنوب السودان ( الحركة الشعبية لتحرير السودان) بحيث لا يمكن التسليم بنهاية هذه العلاقة بجرة قلم عندما يختار الجنوب الإنفصال عن الشمال والذي هو واقع لا محالة والمسؤول الأخير عن ذلك هو المؤتمر الوطني بسياساتة الطاردة حتى لاجزاء من الشمال والذي من قبل قد أعاد النظام تعريفه بصورة ضيقة احتوت فقط على الشمال الجغرافي الذي تنمو فيه أشجار النخيل ويتغنى به المرحوم النعام أدم.

    والحق يقال أن هذه الحميميه لم تكن فقط بين النخب النوبية و الجنوبية بل لازمها تنامى الشعور القومى النوبي المستشعر بصورة كبيرة للهوية الأفريقانيه و التى ربما كانت على حساب الإنتماء القومي للسودان الذي ظللته الإنقاذ بظلال الشعوبيه العروبيه المستفز للكيانات و القوميات الأخرى و التى فى رأيها قد أصبح وطناً طارداً ومنفراً فى ظل السياسات الرسمية التى أفلست من كل شىْ إلا من تأجيج المشاعر العنصرية القبلية. بمعنى أخر إن التقارب بين جبال النوبة و الجنوب أصبح له أبعاد ثقافيه و قوميه (افريقانيه) بالاضافة إلى التقارب و التنسيق السياسي و(ربما الاستراتيجى) . مضافاً إلى كل ذلك أن الممثل الشرعى ( سياسياً) للنوبه الان هو الحركة الشعبيه لتحرير السودان. ومما لا شك فيه أن الجنوب فى حال الإنفصال سيوظف كثيراً من عائدات النفط للإستقطاب السياسى من الجارة المجاورة ( السودان الشمالي ) وعندئذ ستكون جبال النوبة هى الأقرب إلى ذلك الاستقطاب وحينها أيضاً ستعاود طاحونة الموت والحرب بين النوبة والعرب عمليات الإفناء السرمدي نسفاً لأسس التعايش بين إثنيات ألمنطقه ووقتها ربما أصبحت جبال النوبة هي كشمير أو البوسنة.

    خامساً:

    الحركة الشعبية فى جبال النوبة كان يسير خلفها جيش جرار من الشباب و الرجال الذين عاشوا فى الغابة كمقاتلين مؤدلجين لمدى عشرين عاماً تكونت فى دواخلهم جدارات عازلة من العمل المدنى وتضخمت ذواتهم القومية و الأثنية بالصورة التى لا تطيق النظرة الموضوعية للأخر الإثنى. كجزء من استراتيجيات التحريك لهذه المجموعات من الشباب من عضوية الحركه فى جبال النوبه لقد بيعت لهم أحلام كبيرة وبالجمله خلال سنوات الحرب للحفاظ على جمرة القضية متقدة في دواخلهم.لكن العائد الحقيقى على الأرض لهؤلاء الشباب ألان لم يكن بقدر الأحلام إن لم يكن فى خانة العدم. بعد صراع وإستنزاف داما لعقدين من الزمان ماذا جنى المحاربون من النوبة الذين مازالت الدماء تخضب سيوفهم و مدافعهم وكذلك الحال ينطبق تماماً على عشرات الآلاف من شباب الحوازمه والمسيريه الذين دفعت بهم نخبهم لقبولها السياسي عندالنخب الاسلاموية ولتسويق ذاتها في سوق ليس البائع فيه بأفضل من المشترى. وأخيراً تركت هذه النخب هؤلاء الشباب في الصقيع بعد إنجلاء الحرب و بعد أن فقدوا أنضر سنوات عمرهم بعيداً عن التعليم وعن العمل المنتج. نعم تركتهم الإنقاذ ليلعقوا جراحات الحرمان و الجهل والتهميش ولتأكل الحسرة قلوبهم. وما زال المحاربون العائدون من الطرفين ينتظرون عائدات النفط وعائدات النضال وإستحقاقاته التى ربما ضاعت مع إستحقاقات وفروقات المعلمين التى طال عليها الإنتظار. إن الشباب من الطرفين قد أصابهم الإحباط من الأحلام التي لم تتحقق وربما لا تتحقق، ومن وعود لاتحترم وأخل بها جميع الأطراف. لقد غاب وضوح الرؤيا عن أعين المجاهدين العائدين الذين ألقوا السلاح و فى إنتظار برامج الدمج فى المجتمع حيث فقدوا كل شىء إلا الإرادة و التي حتماً ستلين فى غياب البرامج و الجدية و الإعتبار من جانب الدولة فى جنوب كردفان. إن عشرات الآلاف من شباب النوبة و المسيريه و الحوازمة قضوا أنضر سنوات العمر فى الغابة وبعيداً عن فصول الدراسه يتحاربون من اجل الأرض والهوية و الثقافة و القضاء على التهميش. وعاد الطرفان من جديد يقتسمان ذات الأرض التى طالما أقتسمها الأجداد لخمسة قرون خلت. لكن عاد الطرفان المتقاتلان هذه المرة ليجدان أن التهميش مازال موجوداً بل زاد، وأن حرب الوكالة مازالت تتجدد وتلبس كل مرة لبوساً جديداً وتتمظهر بمظهر جديد هو القبلية التي يشعل أوارها ذوي الشالات الصفراء واللحى التى ليتها أصبحت حشيشاً ترعاه خيول الأمريكان. هذه الشريحة من الشباب المغلوب على امره و المخدوع و فى ظل ظروف الإفقار الجماعي الذي إجتاج سكان الولاية و الإحباط وغياب الهدف والرؤية وغياب القيادة الراشدة الملهمة ذات الكاريزما الباعثة لطاقات كل الناس، حتماً في ظل هذه المعطيات والظروف سيعيد هؤلاء الشباب المنسيون إنتاج دارفور فى جبال النوبه و جنوب كردفان وربما في كل كردفان إذا لم تستجيب سلطات الولاية و الحكومة المركزية لقضاياهم العادلة و العاجلة وأهمها الدمج، إعادة التأهيل وكسر دائرة الحرمان والفقر التي وجدوا أنفسهم أسرى لها لا يقوون على الفكاك منها. وإذا أرادوا ذلك ربما لا يكون لهم وسيلة إلاّ علي طريقة منى أركو مناوي الذي دخل القصر من بوابة الغابة الغربية.

    هذه الافكار تمثل دعوة للتفكر والمدارسة حول صناعة المستقبل في جزء صغير من الوطن مربوطاً عضويأ وجدلياً مع اجزائة الاخرى.إنها ليست تهويمات أكاديمية نخبوية لا تصل الى أحد ولا هي هرطقات سلطوية لا تقنع احداً، بل هي قراءات مستمدة من الواقع البسيط الذي لم أنقطع منه يوماً الاّ لأعود إليه، ملماً به ومهموماً به ومشفقاً عليه هذه المرة.

    وأنا أكتب هذه الكلمات تجول بخاطرى بعض أسماء الكبار من مختلف الاثنيات و الذين عبرهم يمكن ان يتم التنادي لهذا المؤتمر الجامع العاجل بين النوبة و العرب منعاً للخراب والدمار ورسماً لخطى العمار والتعايش:

    البروفسير الأمين حمودة والبروفسير كبشور كوكو و البروفسير التجاني حسن الأمين والسيد حبيب سرنوب الضو والسيد محمد شاشا موسى والاستاذ عبد الله التوم الإمام والاستاذعبدالجليل الباشا والسيدة رجبية بشرية والاستاذ أمين بشير فلين والاستاذ أمين زكريا إسماعيل والاستاذ أزرق زكريا والاستاذ جقدول كوكو والاستاذ احمد أبوهم العشا و السيد محمد ابراهيم حماد و البروفسير حماد عمر بقادي والسيد مهدى بابو نمر والاستاذ الصادق بابو والسيد الحريكة عزالدين حميدة والناظر على نمر و السيد حسن صباحي والسيد عزاز محمد الامام والسيد حسن جديد كباشي والأستاذة البهرة نوار والسيد الأب فيليب عباس غبوس والسيد أبراهيم نايل إيدام والبروفسير القوني عبد الرحيم راضي والسيد النذير جبريل القوني والسيد عبد الرسول النور إسماعيل والاستاذ عبدالعزيز أدم الحلو وألاستاذ أحمد البشير إبراهيم وألاستاذ محمد فرح جبريل والسيد محمد الزاكي الفكى على والسيد بقادى محمد حماد والسيد البشرى سومى تاور والسيد عبد الرحمن أبو البشر والسيد أحمد الشين الوالي والدكتور عيسى بشرى والبروفسير خميس كجو والسيد على جماع عبد الله والدكتور عبد الله أدم حمدوك والدكتورة تابيتا بطرس والاستاذة أنتصار إبراهيم عبدالصادق والاستاذة محاسن نسيم حربة والسيد موسي داؤد والسيد تاج الدين العالم والسيد فضل أحمد خيار والسيد إسماعيل محد الفضل والسيد رحمة عزاز والسيد أحمد على سبيل والسيد باب الله بريمة والسيد محي الدين التوم والسيد عبد القادر سالم والدكتور الشفيع محمد المكي والسيد عبد الرحمن النور مورو والسيد محمد على جيلي والدكتور عبد الباسط سعيد.
                  

11-04-2006, 00:07 AM

عبدالمنعم خيرالله
<aعبدالمنعم خيرالله
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 688

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.حامد البشير يفتح اربعة ملفات لقضايا جنوب كردفان ويدعوا الى مؤتمر جامع لابناء المنطقة (Re: عبدالمنعم خيرالله)

    حقيققة لقد شدنى الموضوع للقراءة بامعان لمرات عديدة والسبب فى ذلك هو خطورة الموقف القابل للاشتعال فى تلكم المناطق ,اضافة الى ان جميع اقاليم السودان متماثله فى واقعها فالعدوى تنتقل بسرعة هنا وهناك فالتحية لكل من يتنباون بالاحداث قبل حدوثها ويدقون ناقوس الخطر فى اذان الناس للحيلولة دون وقوعها والتحيبة بصفة خاصة للحبيب د.حامد البشير الذى ظل يناقش قضايا كردفان من نواحى شتى (سياسية واقتصادية واجتماعية) وحقيقة هذه دعوة مفتوحة للحوار حول الاربعة ملفات اضافة الى الدعوة الى المؤتمر الجامع لابناء جنوب كردفان لتدارك الموقف قبل فوات الاوان لان المشروع الحضارى للجبهة الاسلامية لا يبقى ولا يزر وهو عبارة عن استراتيجية متبعة من النظام لتفيك المجتمع وتحطيم النسيج الاجتماعى له فاذ لم يعطى هذا الطرح الاهتمام الكافى فماسات دارفور متكررة لا محالة فى جنوب كردفان
                  

11-04-2006, 00:09 AM

عبدالمنعم خيرالله
<aعبدالمنعم خيرالله
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 688

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د.حامد البشير يفتح اربعة ملفات لقضايا جنوب كردفان ويدعوا الى مؤتمر جامع لابناء المنطقة (Re: عبدالمنعم خيرالله)

    ز
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de