دارفور وأولويات البيت الأبيض.. (هل صاحب بالين؟)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 02:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-03-2006, 01:25 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دارفور وأولويات البيت الأبيض.. (هل صاحب بالين؟)

    دارفور وأولويات البيت الأبيض
    هل صاحب بالين؟

    تظهر اليوم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في واجهة المشغولين بقضية دارفور، وهو انشغال غير مصطنع، غير أن مسبباته المبطنة ليست بالضرورة ذات المستعلنة.. يهدف هذا المقال لمراجعة هذا الوضع بشيء من التحليل المنهجي..

    البيت الأبيض وورطة العراق

    في أمسية الثامن عشر من ديسمبر العام الماضي، قام جورج بوش بإلقاء خطاب تلفزيوني مباشر للشعب الأمريكي، موضوعه الرئيس عن الوضع في العراق، ومسؤولية الحكومة الأمريكية تجاه قرارها في احتلال العراق وتبعات ذلك القرار.. وبصورة أوضح من أي وقت مضى، أعلن بوش على الهواء مباشرة للشعب الأمريكي عن "خطأ بعض المعلومات" التي قدمتها أجهزة المخابرات الأمريكية عن حيازة صدام حسين على أسلحة دمار شامل (وهو السبب الأول التي تعذرت به الحكومة الأمريكية لاحتلال العراق)، وأعلن أيضا، في تحصيل حاصل، حجم المسؤولية والصعوبة التي "لم تكن متوقعة" في التعامل مع الوضع الحالي في العراق.. كان هذا في جملة ما يريد أن يقوله للشعب الأمريكي من أن "الورطة" في العراق لا يمكن التملص منها بسهولة الآن (طبعا عن طريق حديث دبلوماسي أكثر تنميقا)، وأن أمريكا الآن لا تملك أن تنسحب من العراق، مخلفة ورائها الوضع المؤسف الذي سببته عملية الاحتلال، فالانسحاب الآن سيحمل رسالة أشد فجيعة للحكومة الأمريكية إلى أعدائها و"أعداء الديموقراطية" من الإرهابيين والأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط وفي العالم، من أن الولايات المتحدة قد فشلت في حربها على الإرهاب والشمولية، مما سيزيد جرأة أعدائها عليها واستهانتهم بها في هذا الميدان وميادين أخرى.. قال بوش أيضا في ذلك الخطاب أن الأوضاع سايرة في اتجاه كسب الحرب لصالح أمريكا، وليس العكس، على الرغم من الخسارات البشعة التي يتلقى الشعب الأمريكي أخبارها يوميا في النشرة المسائية.. ببساطة، بوش كان يستجدي الشعب الأمريكي في هذا الخطاب من أجل أن يصبروا عليه أكثر قليلا لكي يجد وسيلة للخروج من هذه الورطة التي ورط نفسه فيها، بالدعاوي التي لم تصمد أمام امتحان الواقع..

    في كتابه الأخير الذي صدر في نهاية سبتمبر الماضي بعنوان "حالة إنكار" (State of Denial)، يضع بوب وودوارد (Bob Woodward) حقائقا جديدة للقارئ، أخفتها الحكومة الأمريكية عن الشعب الأمريكي، وعن الكونجرس الأمريكي، وأحيانا فضلت عنها الكذب حتى على نفسها، رغم المعلومات والدلائل التي كانت متوفرة لها من أن الوضع في العراق يعبر عن إخفاق عظيم لها، وورطة لا تدري كيف الخروج منها.. ولا عجب أن استقبل الشعب الأمريكي هذا الكتاب بنهم كبير، فور خروجه للسوق، وكثير من الارتياح، حيث عبر بعض النقاد الصحفيين عن أن الكتاب "يوثق ويؤكد لنا الأمر الذي كنا نعرفه طيلة هذا الوقت: بوش أخفى الحقيقة في ما يتعلق بالعراق"(Walter Shapiro – Salon Review)..

    لهذا، وكما هو واضح، فإن قضية البيت الأبيض الأساسية اليوم هي العراق، والدوامة التي تعيش فيها الإدارة الأمريكية اليوم هي بين مطامع لا يسهل تجاهلها في العراق، وورطة لا يسهل الانفلات من عواقبها المتتابعة إلى الآن، وفي الأيام المقبلة.. وهذه القضية هي التي تستهلك الوقت والطاقة العظميين للبيت الأبيض، وإن أشارت التصريحات الصحفية الرخيصة إلى "الاهتمام البالغ" الذي تبذله الإدارة الأمريكية لقضية دارفور..

    البيت الأبيض والضغط الشعبي

    ومن ضمن الضغوط التي تواجه الإدارة الأمريكية في قضاياها الخارجية الضغط الشعبي، أو ضغط الرأي العام للمواطن الأمريكي.. والإدارة الأمريكية دوما تحاول فتح متنفس لشعبها لكي يعتقد أنه مشارك بحيوية في تشكيل سياسة بلاده الخارجية.. وبما أن الوضع في العراق خارج عن السيطرة ومسبب للإحراج بالنسبة لهذه الإدارة أمام شعبها، فلا أقل من أن تصرف اتجاه الشعب إلى قضية إنسانية عاجلة أخرى، تستطيع أن تلعب فيها دور الإدارة الممثلة لإرداة شعبها، المتضامنة معه، والداعية المنفذة للسياسات التي تحوز على رضاه.. لقد أصبحت قضية دارفور هي مصب الإعلام الأمريكي عند الحديث عن المشكل الإنساني العالمي، وأصبحت التصريحات الصحفية، من جانب مسؤولي الحكومة، التي تندد بالوضع في دارفور وتحرض على سرعة العمل في هذا الجانب، تقليعة دبلوماسية رائجة.. والمشكلة لا تكمن في أن يكون نصيب دارفور من الإعلام الأمريكي بهذا الحجم، فقضية دارفور تستحق ذلك، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة الأمريكية، بأجهزة إعلامها، جادة في اهتمامها بهذه القضية، إنما هي تستخدمها كملهى للشعب الأمريكي - وللشعوب الأخرى أيضا - عن زيادة الضغط عليها في جانب قضية العراق.. ونفس الأمر تظهر رائحته اليوم في الساحة في الدعاية الإعلامية الموجهة ضد كوريا الشمالية وتجاربها النووية..

    وحين يتجاوب الشعب الأمريكي بصدق كبير - في معظمه - مع قضية دارفور، عبر منظماته الغير حكومية وبعض النبلاء في الحقل السياسي، ولأسباب إنسانية بحتة، تستغل حكومته هذه النزعة النبيلة لتلهيه عن النظر إلى فعايلها في السياسة الخارجية.. ليظن المواطن الأمريكي المتوسط (the average American) أن الحكومة تمثله وتطبق رؤاه في سياستها الخارجية عندما يراها مهتمة بقضية دارفور، وهكذا تشترى الحكومة هدنة معه، تجعله يتغاضى عن قضية العراق قليلا، وكأن القضية الإنسانية قابلة للتجزئة، وكأن نفس الإدارة التي جلبت الويل لإنسان العراق قادرة على أن تنقذ إنسان دارفور.. وكأن فاقد الشيء يمكن أن يعطيه!

    دليلنا على هذا الأمر من أفعال الحكومة الأمريكية، لا من أقوالها، إذ ليس للقول وحده هنا قيمة.. فعندما يتحدث بوش للجمعية العمومية الحادية والستين للأمم المتحدة، ويقول أنه إذا ما لم تتوقف الحكومة السودانية عن ممانعة دخول جنود الأمم المتحدة للسودان "فلا بد للأمم المتحدة أن تفعل شيئا" دون أن يعين ما هو هذا الشيء، لا يكون مثل هذه الحديث سوى شراءا للوقت، ودفعا لأجندة الأمم المتحدة في اتجاه التنازل قليلا عن التكثف الإعلامي الذي يحيط بقضية العراق..

    وفي نفس زمان هذه الجمعية العمومية، أرسل بوش مبعوثا خاصا من الإدارة الأمريكية للسودان، هو أندرو ناسيوس (Andrew Natsios)، من أجل قضية دارفور.. وعندما تظهر هذه البادرة كخطوة عملية من جانب بوش لموضوع دارفور، نستدرك بالتنويه إلى أن منصب ناسيوس هذا كان شاغرا لثلاثة أشهر بعد روبرت زوليك (Robert Zoellick) الذي كان المبعوث الأمريكي للسودان إلى أن حزم أمتعته ورحل في مايو الماضي.. يصعب النظر لهذه البادرة الأمريكية بحسن الظن عندما ننظر لتوقيتها، وعندما ننظر لأن ناسيوس لم يفعل شيئا ذا أثر في السودان حتى الآن، رغم خبرته السابقة مع قضية دارفور (وهي خبرة في مجال الإغاثة والتنمية، وليست خبرة سياسية).. وكون أن يبقى هذا المنصب شاغرا طيلة هذه الفترة، رغم التصاريح الإعلامية الكثيرة الداوية، الشبه يومية، من الحكومة الأمريكية عن قضية دارفور وإلحاحها وأهميتها، هو من الإشارات إلى أن البيت الأبيض ليس جادا بشكل كاف في موضوع دارفور، وليست دارفور من أولوياته، كما يدعي، وهو رأي قد قال به أيضا محللون سياسيون متابعون (راجع مجلة الإيكونومست (The Economist)، العدد 8496، صفحة 41)..

    البيت الأبيض والأمم المتحدة

    أما العلاقة السياسية/اقتصادية المتشابكة المتعبة بين البيت الأبيض والأمم المتحدة فهي ليست بجديدة، وليس تجليها في قضية دارفور بأول التجليات الكبرى..

    الأمم المتحدة اليوم ليست محايدة، بالمعنى الأصيل لمفهوم الحياد (وهو معاملة الجميع بالمثل، وبمقتضى الحقوق واللوائح فقط)، وذلك لأنها مقيدة بواسطة زعامات أقطاب القوى السياسية العالمية، وهي نفسها أقطاب القوى الاقتصادية - النيولبرالية - العالمية، وخصوصا حكومة الولايات المتحدة.. ولكن الأمم المتحدة، بفضل التغيرات المستمرة والحديثة في المشهد العالمي (ومنها تغير موازين القوى مع صعود السطوة الاقتصادية للصين والهند والنمور الآسيوية)، في طريقها لتصبح مسيطرة على قراراتها بشكل أكبر بكثير مما هي عليه الآن، مما سيتيح لها أداء مهامها - الإنسانية والسياسية - بحرية أكبر ستولد كفاءة أكبر.. وما نراه اليوم من النزاع المستمر، في صعود وهبوط، بين البيت الأبيض والأمم المتحدة في دارفور والعراق هو من حلقات سلسلة طويلة من التفاعلات التي تسوق لهذا الأمر..

    عندما وقفت الأمم المتحدة موقفا قويا ضد الحكومة الأمريكية في قضية العراق، ابان تهديدات بوش لصدام حسين والبدايات الأولى للغزو، وبصورة لم يعهدها البيت الأبيض من الأمم المتحدة من قبل، كانت تلك نقطة من نقاط التطور التاريخية للأمم المتحدة وهي تسعى للخروج من سيطرة الحكومة الأمريكية، قدر طاقتها (حين صرح كوفي عنان لوكالات الأنباء العالمية بأن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق عمل "غير مشروع" يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة).. لم تستقبل الإدارة الأمريكية هذه المعارضة، التي كان وجهها كوفي عنان، استقبالا دبلوماسيا معتدلا، وإنما سارعت في استهداف عنان، عن طريق توريطه في تهم لا علاقة مباشرة له بها، للحط من مصداقيته الدولية ومصداقية الأمم المتحدة عموما، بشكل مؤقت (حين طالب الكونجرس الأمريكي عنان بالاستقالة بسبب كشوفات الفساد التي ظهرت في اتفاقية "النفط مقابل الغذاء" مع العراق تحت رقابة الأمم المتحدة، وأيضا حين كاد أن يتم زجه قسرا في علاقة فساد تورط فيها ابنه، كوجوعنان، من ناحية أخرى) (راجع موقع البي بي سي العربي، تاريخ 1/12/2004، بعنوان "مطالبة عنان بالاستقالة بسبب النفط مقابل الغذاء").. نقول "بشكل مؤقت" لأن الحكومة الأمريكية لا تستطيع، وليس من مصلحتها، الحط من مصداقية الأمم المتحدة بشكل دائم، فالأمم المتحدة ليست بهذه الرخاوة، كما أنها أيضا تشكل للحكومة الأمريكية معبرا دبلوماسيا آمنا في مناطق وقضايا عالمية كثيرة أخرى، لا يستطيع البيت الأبيض فيها التدخل بشكل مباشر.. وبنفس المنطق، لم تكن من مصلحة الأمم المتحدة أن تصعد مواجهتها ومعارضتها لاحتلال العراق، حيث هي ما زالت بحاجة لأن تحافط على مستوى مطلوب من العلاقة مع الحكومة الأمريكية، حفظا لهيبتها ولشرعيتها أمام المجتمع الدولي، والتي يستطيع البيت الأبيض أن يؤثر فيها إذا أراد، بفعل سطوته العالمية وبفعل حظوته المالية والعسكرية على هيئة الأمم المتحدة..

    واليوم، فإن صاحبة القضية الإنسانية في دارفور هي الأمم المتحدة، وليست الحكومة الأمريكية، ولكن حيثما كانت الأمم المتحدة فإن هناك تواجد للحكومة الأمريكية، بصورة من الصور، وبنسبة ما، وليس هذا برغبة الأمم المتحدة كما ذكرنا من قبل، ولكنه واقع لا بد من التعامل معه لأقصى الحدود الممكنة لمصلحة القضايا العليا التي تخدمها الأمم المتحدة.. وقد قيض موضوع دارفور للحكومة الأمريكية فرصة أخرى لتخفيف الضغط عليها من جانب الأمم المتحدة - كما كان من جانب الشعب الأمريكي - بحيث تستطيع أن تتضامن مع أهداف الأمم المتحدة في المنطقة، ولو صوريا، وأن توجه إعلامها حيث تظهر هي والأمم المتحدة على وفاق.. الحكومة الأمريكية هنا تشترى هدنة مع الأمم المتحدة، كما فعلت مع الشعب الأمريكي، إذ أن كاهلها مثقل بورطتها في العراق، وكل ما يساعد في صرف نظرالمجتمع الدولي عن موضوع العراق هو في مصلحة الحكومة الأمريكية هذه الأيام..

    والأمم المتحدة معذورة في قبول هذه الهدنة، فهي لا تقوى كثيرا على أفضل من هذا في الوضع الحالي، ريثما تنمي قوتها لتصاقب شرعيتها الدولية وتتخلص من سيطرة البيت الأبيض، شيئا فشيئا، وهو أمر، كما ذكرنا، جار على قدم وساق (راجع موقع البي بي سي، تاريخ 23/9/2004، بعنوان "تنامي التأييد لإصلاح الأمم المتحدة").. لهذا فإن تأييد قرار الأمم المتحدة رقم 1706 هو من صميم العمل التأييدي لإصلاحها، ومن صميم دعم شرعيتها الدولية ودعم عملية خلاصها من قيود الحكومة الأمريكية، وإن تراءى للبعض غير ذلك..

    البيت الأبيض وجماعة الإنقاذ

    أما علاقة البيت الأبيض مع جماعة المؤتمر الوطني الحاكمة في السودان، فهي من أكبر المشيرات إلى عدم جدية الحكومة الأمريكية في قضية دارفور، وعدم كون القضية من أولوياتها حقا..

    دوما عندما تشير الأمور على السطح إلى أن العلاقة بين البيت الأبيض والقصر الجمهوري تكاد تنفجر، لا تلبث أن تأتي حادثة دبلوماسية تسعف هذه العلاقة وتسترها، لبعض الوقت.. ظهرت تارة في تسليم كارلوس إلى السلطات الفرنسية (وهو مطلوب عالميا، مما يرفع أسهم القبول الأمريكي لجماعة الإنقاذ)، وتارة عند طرد أسامة بن لادن من الخرطوم، ومن ثم أتت إلى بداية الحوارات والاتفاقيات مع الحركة الشعبية بفعل الضغط الأمريكي والدولي على حكومة الإنقاذ.. ورغم أن موت الدكتور جون قرنق لم يحظ بأي تسليط إعلامي أمريكي لائق بمستوى الحدث (رغم العلاقة المزعومة التي طالت واستطالت في انتشارها عن خضوع قرنق للحكومة الأمريكية)، إلا أن العملية بأسرها خففت من وطيس العلاقة بين البيت الأبيض والقصر الجمهوري، ولأسباب سنأتي في ذكرها بعد قليل، بغض النظر عن التهديدات التي كانت لكبار قادة المؤتمر الوطني - في موضوع تورطهم في جرائم ضد الإنسانية في دارفور - والتي لا تحسب، في التكتيك السياسي، سوى كتعبير عن الطرف الآخر من سياسة "العصا والجزرة" التي تتبعها الحكومة الأمريكية مع الأنظمة الشمولية في أفريقيا والعالم الثالث عموما، حيث أن التلويح بالعصا يجعل هذه الأنظمة تسارع إلى التقاط الجزرة، حيث تكمن مصلحتها في البقاء أوالسلامة (أو كليهما)، ومصلحة الحكومة الأمريكية في السيطرة على الوضع من خلف الستار..

    أدركت الإدارة الأمريكية أن الدكتور جون قرنق ليس هو الحليف المناسب لها، إذ أنه، على خلاف جماعة المؤتمر الوطني، رجل ذو قضية وذو مبادئ، ومثل هذا لا يصلح لمفاوضته في قضية تتعلق بمطامع أمريكية "بترولية" وغيرها في أرض السودان.. هذا وقد ذهب الآن الرجل ذو المبادئ، لأسباب مستعلنة وأخرى مستخفية (ولم يزل في النفس من ذهابه "شيء من حتى"، رغم تقارير "الخبراء").. هكذا صارت الساحة خالية للحديث مع طرف واحد من القادرين على تقرير مصير البترول السوداني، إذ أين هي الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد موت قرنق؟ وما هي أولوياتها بعد اختفاء قائدها الأصيل من الساحة؟ (وهنا كم نرجو أن نكون مخطئين).. وأصبحت الإدارة الأمريكية تنتظر أن تعرف جماعة المؤتمر الوطني مصلحتها، إذا أرادت البقاء أو السلامة، وأن تذعن لإرادة البيت الأبيض، وإلا..

    كما أن البيت الأبيض في حالة حنق لاضطراره إلى المنافسة على خيرات السودان مع الصين وماليزيا (وخصوصا الصين).. أحد أسباب ذلك أن العملاق الصيني، بشكل خاص، قد أصبح يشكل تهديدا واضحا للرأسمال الأمريكي، لدرجة أن الصين أصبحت تشتري معاقل الرأسمال الأمريكي (راجع موقع البي بي سي، تاريخ 8/12/2004، بعنوان "شركة صينية تشتري قسم الحواسب في شركة آي بي إم")، ولدرجة أن أمريكا وأوروبا صارتا بحاجة إلى إعادة نظر مستمرة لقوانين التجارة مع الصين (كإجراءات أوروبا وأمريكا الأخيرة للحد من واردات المنسوجات الصينية)، ورغم هذا فإن الصين ما زالت تسجل نموا اقتصاديا هائلا، فاق التوقعات، وزاد من قلق الرأسمال الأمريكي والغربي عموما.. لهذا فإن مضايقة الصين في نصيبها البترولي في السودان، عن طريق تخريب الوضع السياسي - ومن ثم الاقتصادي - المريح للصين هذه الأيام، هو من المستحسنات لمصلحة القوى الاقتصادية الأمريكية، ولو حتى لم تجد لها في بترول السودان حصة كحصة الصين فيه (فهي على العموم مستأثرة بحصة الأسد في بترول العراق)..

    وهناك أمر آخر يجعل الحكومة الأمريكية لا تريد المضي قدما في تنفيذ فعلي لتوصيات القرار 1706 (إضافة إلى أن مجرد الوضع الغير مستقر في السودان اليوم يكاد يكون في مصلحتها كما هو).. هذا الأمر يعود لتجربة أمريكا في العراق.. البيت الأبيض، بكل تأكيد، لا يريد أن يصنع لنفسه ورطة أخرى كتلك التي صنعها في العراق.. إن دخول القوات الأجنبية للسودان هو من المحفزات القوية لتصاعد شعور الغضب تجاه أمريكا والغرب في المنطقة، ومن ثم لنمو شعبية الإرهابيين وجماعات الهوس الديني بين المسلمين، في العالم الإسلامي عموما، وفي منطقة أفريقيا والشرق الأوسط خصوصا (والسودان يمكن أن يجد دعما إرهابيا أكثر من ذلك الذي في العراق اليوم، لأنه سيأتي من جهة أفريقيا ومن الجهة العربية معا)، وكل هذا، بالتأكيد، ليس من مصلحة الحكومة الأمريكية، بوجهيها السياسي والاقتصادي.. من البديهي أن التجربة المريرة للحكومة الأمريكية في العراق تجعلها اليوم تفكر ألف مرة قبل أن تقوم بدعم فعلي - عدا التصريحات الإعلامية الرخيصة - لدخول قوات الأمم المتحدة لأرض السودان..

    وعليه فإن دوامة الكوارث، والشد والجذب، واللعب على الحبلين، هي حيلة سياسية قديمة ومتكررة للقوى النيولبرالية العالمية، والمتمثلة اليوم في البيت الأبيض.. إن حالة عدم الاستقرار السياسي/اقتصادي في دول العالم الثالث هي من دواعي الارتياح لرأسمالية أمريكا، في كثير من الأحيان، إذ أن ازدهارها واستقرارها مرهون بعدم استقرار هؤلاء، حتى يبقى سوق السلاح نشطا (ولسوق السلاح مكاسب تصل لعشرات بلايين الدولارات في العام الواحد)، وحتى يبقى سوق اللعب السياسي في شراء الوقت وصرف الأنظار نشطا أيضا (وليست حادثة مصنع الشفاء منا ببعيد).. لدينا في السودان مثل يقول: "صاحب بالين كضاب".. من المؤكد أن البيت الأبيض ليس "صاحب بالين" فيما يتعلق بمصالحه السياسية/اقتصادية حول العالم، ولكن هذا لا يعني أيضا أنه غير "كضاب"، فتضليل الرأي العام هو صرف من صروف الكذب التي ما فتئ البيت الأبيض يتحراها في سياسته الخارجية منذ زمن طويل..

    إنسان دارفور وسط الزخم

    وبعد كل هذا، لنا أن نتسائل: أين هو إنسان دارفور من كل هذا الزخم؟ وأين فكاكه؟ وفي يد من يوجد الخلاص وحل هذه الأزمة؟ هل في يد أمريكا، أم في يد الأمم المتحدة، أم في يد السودانيين؟

    حسب المعطيات، نرى أن الحل يوجد في يد الحركة السودانية الوطنية عموما (وهذه تحتاج لتعريف وتمحيص أكبر من شأو هذا المقال، ولكن ربما في سانحة أخرى) من المعنيين بقضية الحقوق الأساسية للمواطن السوداني، أينما كان وكيفما كان، وبعون الأمم المتحدة.. هؤلاء هم المهتمون حقا بقضية دارفور.. ونرى أن تأييد القرار 1706 هو أول خطوة في الاتجاه الصحيح.. ولعل قضيتي السيادة الوطنية واستقلالية الأمم المتحدة هما اللتان تقفزان للمسائلة أمام هذا الاتجاه.. أما عن استقلالية الأمم المتحدة، فإن تأييد مثل قراراتها هذه، ودعمها بصورتها الرسمية الحالية، قدر الطاقة، والمشاركة بفعالية في أنشطتها والأنشطة المترتبة على قراراتها، هو من العمل الإيجابي المعين على عملية استقلالها وتقوية مصداقيتها وشرعيتها الدولية بصورة مستقلة، كما ذكرنا بتحليل أكثر أعلاه.. وأما عن قضية السيادة الوطنية، فإن شرعية المجتمع الدولي، المتمثل في الأمم المتحدة، لا تقارن بشرعية نظام الإنقاذ القابض على زمام الحكم عنوة في السودان اليوم.. فالحديث عن السيادة الوطنية في مثل هذا الوضع هو استهلاك للشعارات الخاوية وزعيق في غير محله، إذ أن الشعب السوداني مسلوب السيادة الوطنية اليوم أساسا، وبادئ ذي بدء، وإنما يكمن الأمل في استعادته لها عن طريق القوى الوطنية المتعاونة مع الأمم المتحدة، لا عن طريق إضفاء أي شرعية للنظام الحالي وتركه ليستغل مفهوما نبيلا كمفهوم السيادة الوطنية لصالحه، فالسيادة الوطنية هي سيادة الشعب الذي سلبته جماعة الإنقاذ هذا الحق الدستوري.. إن كان هناك أي خطر على السيادة الوطنية، فهو لن يكون متجسدا، في أي صورة أخرى، أكثر من تجسده في الحكم الراهن لجماعة الإنقاذ..

    قصي همرور
    نوفمبر 2006
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de