|
|
 مهازل ماتسمى بصورة التعليم العالي في عهد الإنقاذ
|
مسارب الضي
يخربون الحاضر والمستقبل! (4/4)
الحاج وراق
* ومن المعلومات المهمة التي تكشف عنها دراسة البروفيسور محمد الامين التوم الانحياز الاجتماعي لنظام القبول في التعليم العالي، وهو انحياز كأنما يتهكم على الحركة الشعبية! فوزير التعليم العالي من وزرائها ـ بروفيسور بيتر نيوت ـ وقد ظلت الحركة الشعبية تقاتل لاكثر من عقدين تحت شعار انصاف المهمشين، ولكنها الآن (تحرس) بوزيرها، ودون ادنى نأمة نقد او خطوة في اتجاه الاصلاح، آلية من آليات استدامة التهميش، وذلك لان التعليم المتاح والمفتوح لغالبية المجتمع يشكل أحد أهم وسائل تجاوز التهميش الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولكن، وكما تبين الاحصاءات، فإن التعليم العالي يتجه وباستمرار نحو الانغلاق، ليتضافر ويتساوق مع انغلاق النظام الاقتصادي الاجتماعي، وللمفارقة فإن هذا التهميش يستمر بحراسة أحد وزراء الحركة الشعبية!
* في العام الدراسي 2005/ 2006م كانت نسبة 1،33% من الطلاب الجدد في الجامعات السودانية من ولاية الخرطوم، ونسبة 5.20% من ولاية الجزيرة! اما نسبة الطلاب المقبولين من 12 ولاية اخرى فتتراوح بين اعلى نسبة 4.5% لولاية النيل الابيض و1.1% لولاية جنوب كردفان! وكان مجموع المقبولين من 11 ولاية لا يتعدى نسبة 1.7%!! وكانت أدنى نسبة من نصيب ولاية شمال بحر الغزال وهي .1 % أي حوالى صفر%!!
* ويتضح عدم العدالة أكثر حين نأخذ جامعة الخرطوم كأنموذج، خصوصا كلياتها الاكثر طلبا، ففي العام الدراسي 2004/ 2005م كان عدد الطلاب الجدد في كلية الطب من ولاية الخرطوم 278 طالبا، ومن الاقليم الاوسط 44، بينما من دارفور (صفر)! ومن الجنوب (صفر)! ومن كردفان (2) والشمالية (3) والشرق (13)! وأما في كلية الصيدلة فكان 105 من ولاية الخرطوم، و22 طالبا من الاقليم الأوسط، ومن الجنوب طالب واحد! ومن دارفور طالب واحد! ومن الشرق (5) طلاب وكردفان طالب واحد والشمالية (10) طلاب.
ولتبيان المفارقة يجدر تذكر حقيقة ان سكان ولاية الخرطوم يشكلون حوالى 16% من مجموع السكان في البلاد بينما سكان دارفور حوالى 19% بحسب الارقام الحكومية الرسمية لعام 2003م!
* وسواء بالنسبة للخرطوم أو للجزيرة فإن النسب المشار اليها انما من نصيب الأثرياء، وذلك ما تلاحظه دراسة البروفيسور محمد الأمين التوم، حيث تشير الى تفاقم الانحياز ضد الفقراء الموروث منذ العهد الاستعماري والذي استمر على تعاقب الانظمة الوطنية، فقد ازدادت نسبة الطلاب المقبولين من الأسر عالية الدخل في جامعة الخرطوم من نسبة 5.19% في عام 1985م الى نسبة 60% في عام 1990م!! ولا تتوفر في الدراسة احصاءات عن السنوات اللاحقة، ولكن الواقع الحالي في الكليات الاكثر طلباً كالطب والهندسة لا يحتاج سوى الى الملاحظة العادية لتأكيد استمرار وتفاقم هذه الظاهرة.
* وهنا يثور السؤال المنطقي: لماذا يجلس وزير من الحركة الشعبية على مثل هذا الركام الهائل من الخراب والتخريب في لامبالاة؟!
وهذا السؤال لا يحيل الى أزمة التعليم العالي وحسب، وانما كذلك الى أزمة الشراكة (الاوانطة) مع المؤتمر الوطني، وفي التخيل النهائي الى أزمة الحركة الشعبية نفسها!
* ووزير التعليم العالي ـ البروفيسور بيتر نيوت ـ أكاديمي بارز، ظل يحظى باحترام واسع وسط اساتذة وطلاب جامعة الخرطوم، ولكن فرق كبير بين المواصفات المطلوبة لاستاذ جامعي ناجح وتلك المطلوبة لوزير ناجح! خصوصاً وزير ضمن (غابة) المؤتمر الوطني الحالية المسماة حكومة الوحدة الوطنية! مثل هذه (الغابة) تتطلب أناسا سبق واختبروا (غابة) الكفاح السابقة، أي الى مقاتلين لأجل الحرية، ولكن بروفيسور بيتر نيوت ظل طيلة السنوات السابقة للكفاح استاذاً جامعياً (متوائماً) ، ومعنيا بحدود حديقته الخاصة، أي بحدود وظيفته التقنية، ولذا لم يختبر لا السياسة ولا الكفاح، فما السياسة والكفاح سوى الهم بالمزرعة (العامة)! ولولا استشهاد قرنق، والارباك القيادي في الحركة الشعبية، بما في ذلك الارتباك المؤقت للفريق سلفاكير الذي صور له الاعداء كنصراء، والنصراء كأعداء !وهو ارتباك يبدو ان الفريق سلفا قد تخطاه الآن، الا ان نتائجه الكارثية على الحركة وعلى الجنوب وعلى البلاد لاتزال قائمة، فلولا ذاك الارتباك لما تسلل الى ماكينة القيادة العديد من المتوائمين، ومن الذين كانوا طوال سنوات الكفاح يسبحون عكس اتجاه التاريخ!!
* والآن، فان كارثة الحركة الشعبية بوزراء من هذه الشاكلة، في الصحة والتعليم والخارجية، انها لا تخذل الآمال التي علقها عليها اهل السودان عامة، وحسب، وانما كذلك تخون وعودها لقواعدها من المهمشين، سواء في الجنوب او في مناطق البلاد الأخرى!.
* والخراب الذي أحدثته الانقاذ في التعليم العالي خراب هائل وفظيع، يشهد عليه كل اكاديمي شريف، بما في ذلك عدد من الاسلاميين الاكاديميين من ذوي الضمائر الحية، من مثل بروفيسور مامون حميدة حين صدع بآرائه الناقدة والمتأسية على اوضاع التعليم الطبي في البلاد، ولذا كان المأمول من أي اكاديمي شريف، دع عنك اكاديمي على تذكرة الحركة الشعبية ان يعبيء المجتمع الاكاديمي باتجاه برنامج للمعافاة والاصلاح، ولم يكن مطلوبا ولا متوقعاً ان يغير وزير التعليم العالي الجديد الواقع بعصا سحرية، بين ليلة وضحاها، ولكن ادنى درجات الوفاء للتضحيات التي صعد بها الى منصبه كانت تستوجب التشاور مع الاكاديميين السودانيين،، ومن ثم بلورة خطة للاصلاح، يشرع في تنفيذها، ولو خطوة اثر خطوة، ولكن كما هو واضح الآن، فلا خطوة واحدة نحو الاصلاح، وانما حراسة الركام (الانقاذي) كما هو! ولم يعد التحجج بهيمنة المؤتمر الوطني مقبولاً ، لا سياسياً ولا اخلاقيا، سياسيا يثبت السيد دينق الور كل يوم الفضاءات الممكنة لوزير في (غابة) المؤتمر الوطني، واخلاقيا اثبتت وزيرة الصحة الولائية للحركة الشعبية في سنار بأنه اما ان تكون وزيرا بحق وحقيقة او تبريء ساحتك امام جماهيرك فتركل الشراكة (الأوانطة)! ولذا فالسبل عديدة امام بيتر نيوت ليحافظ على احترامه الذي كان يحظى به!!
نقلا عن جريدة الصحافة - الصادرة 01/11/2006م
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست