|
Re: الدكتور جون أوكيج: سفير السودان القديم أم الجديد? (Re: A/Magid Bob)
|
الأخ بوب ... كل سنة وإنت طيب
كنت وإلى حين قريب ... أستعصم بحبل السودان الجديد فى جدلية إنفضاضه عنوة عن القديم ... بإعتبارات ذات طابع ثوري أكثر من كونه عقلاني ... وبدوافع أخلاقية وسياسية تقدح فى السودان القديم وتحمله مسئولية الفشل والضياع الراهنين ... وأخال أن هذا صحيح بمقدار وافر ... وبالتالي كانت صحة مشروع { البديل } ... المسمى السودان الجديد ... الذي إجترحته الحركة الشعبية وإقتفى أثرها آخرون ... لكن تعال معي لنرى ما الذي حدث بعد إنبثاق الفكرة وإحتلالها لمواقع متقدمة فى إطروحات العديد من التيارات السياسية والحركات العسكرية ... فقد كانت الحركة الشعبية أول من أدارت ظهرها لمشروعها حول السودان الجديد , وقد حدث ذلك مرتين والثالثة قادمة , كانت المرة الأولى عندما تحالفت مع قوى السودان القديم فى إطار التجمع الوطني الديمقراطي , وقد أورثها هذا الموقف من أمراض السودان القديم ما جعلها تنؤ بذات أحماله التاريخية , ومن نافلة القول أن صب ماء باردا على إرادتها الثورية وأضفي على تاكتيكاتها من التغيير ما لامس إستراتيجيتها الأم , فتنازلت عن المانيفستو الخاص بها لصالح مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية ... وهو للعلم ذات المؤتمر الذي أقر مبدأ تقرير المصير , كأول ضربة على جدار الدولة السودانية وكتنازل بين من الرؤى القومية التى ظلت الحركة الشعبية تروج لها ردحا من الزمن ... وقد كان هذه البوابة التي ولجت من خلالها القوى الإنفصالية وبأوزان راجحة إلى صفوف الحركة الشعبية ... وأظنهم الآن أهل غلبة داخلها .
المرة الثانية التى قضمت فيها الحركة الشعبية متن السودان الجديد ... كانت فى نيفاشا حيث إختارت من قوى السودان القديم أشدهم غلوا ... وعقدت مع الإنقاذ صفقة نيفاشا المعلومة , وتكون بهذا قد وضعت حدا { عمليا } لفكرة السودان الجديد وأفرغتها من كل محتوى , طالما أن نيفاشا تكرمت على الإنقاذ { بمشروعية } وجودها وحتى إنقلابها العسكري , بل منحتها نيفاشا اليد العليا فى تقرير مصير السودان وفى تفريز سلطته وثروته , فخلعت بهذا الحركة الشعبية شعار السودان الجديد من دائرة الفعل والنشاط السياسي والعسكري إلى خانة الأحلام ... حيث كان .
المرة الثالثة سوف تكون فى المستقبل القريب { لا قدر الله } بإنفصال الجنوب تحت قيادة الحركة الشعبية عن بقية السودان ... والشاهد أن توازن القوى يعضد هذا الإتجاه للأسف ... وعندما يحدث هذا يكون مشروع السودان الجديد قد توارى حتى عن كونه حلم ... ولما تتوارى أشد قواه وأكثرها ترويجا له ... ليس هناك الكثير الذي يمكن فعله حتى لا يحدث هذا ... لأن العقلاء يقولون بأن جعل شعار الوحدة جذابا هو الحل , وهذه الجاذبية لن تتأتى إلا بعمل على الأرض يقنع الناس أن فى الإمكان تجاوز المظالم التاريخية , وأن فى الإمكان التصدي للمعيقات التاريخية لوحدة ونهضة السودان ... وقد كان هذا يتطلب وجود قوى وطنية فى السلطة ... لأنها الأفضل فى تحقيق مهام المرحلة ... أما الإنقاذ فهي غير مؤتمنة على ذلك البتة ... فلها أجندتها المعلومة والتي ليس من بينها وحدة السودان , إن كانت هذه الوحدة تعني زوال سلطة الإنقاذ أو حتى ضمورها . ولعل الآن هو الزمن الصعب الذي كان ينبغي تسخيره لصالح البناء وترميم الجسور , لكن لاحظوا كيف يضيع هذا الزمن الغالي ويتسرب من بين الأصابع , وكيف أن كل يوم يأتي هو أسوأ من سابقه وليس العكس ... فنحن الآن نسمع مسبحة العد التنازلي تكر ... بينما لا حياة لمن تنادي ... حتى نصحو على شمس ما بعد الإفتراق ... لنعيش مسلسلا جديدا ليس فى خيالنا ثمة تصور متماسك عن تداعياته .
أعيب على دعاة مشروع السودان الجديد كذلك عدم الوضوح فى الرؤيا ... فقد ظل هذا الشعار معلقا على الهواء دون شرح وتوصيف ودون تفاصيل ترفده بالحيوية والنمو ودون وشائج له بالأرض ... فصار هذا المشروع حاضنة الخيال الشخصي والتأمل الذاتي , صار يتناوله كل حسب هواه ... ويفصله قدر قامته ورغائبه ... فالسودان الجديد تارة هو سودان قوى الهامش وهي تحاصر المركز وتدكه أرضا , وهو تارة السودان الثوري الذي يقوض أركان القديم مركزا وهامشا ويبني على أنقاضه دولته التي لا رابط لها بالماضي , وتارة هو السودان الديمقراطي الذي يكفل التعددية ويبني دولة المؤسسات , وتارة هو مشروع لتصفية الخصومات الثقافية والإثنية ولإستبدال مركزية بأخرى , وتارة هو المدخل لتأجيج النوازع الإقليمية والجهوية والقبلية بإعتبار المظالم التاريخية , لم يلتحق المشروع منذ بدايته بمعامل الفكر ومسارب التداول , لم تتوفر له فرضيات الحد الأدنى لتميز ملامحه ولتنقله برنامجا بديلا فى الشارع السياسي ... وليت فى الزمن متسع لان هذا يكون .
فى غمرة هذه التداعيات أخي بوب ... لم تعد هناك ثمة حماسة لتمايز لم يتم ولم تحسن معاول صرفه , لم يتبقى فى دواخلي غير أن يكون السودان , وإن كان القديم , فهذا أفضل من ألا يكون هناك سودان .
سأمر على الجوانب الأخرى من مداخلتك لاحقا .
مع تحياتي
| |
|
|
|
|