فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-15-2024, 04:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-16-2006, 04:18 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير

    ( دراسة منقولة تستحق الوقوف عندها بالقراءة المتأنية )
    ***

    لأديب كمال الدين واثق الدايني:

    1 – مدخل

    يحمل علم الدلالة Semantics من بين علوم اللغة الانكليزية مشكلة اسمها ( معنى المعنى ) meaning of the meaning اذ يقف ازاء حل هذه المشكلة كبار فقهاء اللغة الانكليزية المحدثين من العاملين في حقل علم الدلالة والنحو على وجه خاص . ولقد ( كان ) للعرب وقفة مماثلة لهذا الموقف ، تماماً ، ازاء المشكلة نفسها ، وما في تماثل هذين الموقفين ، رغم القرون الواقعة بينهما ، من غرابة ومافيهما من عجب ، فضلا عن ذلك ، فإن الموقفين يدخلان معا نهج التنظير العلمي- الموضوعي من أصعب مداخله اللغوية لمعالجة مشكلة ليس لها حل كما يبدو ، أو حتى الان في الأقل ، منذ أكثر من ألفي سنة على رأي جون لاينزJohn Lyons ( 1 ) .من هنا يحق لنا أن نجعل منها ( قضية ) فلسفية قائمة حتى اذا أصابها حل حاسم بتعريف يتفق عليه ( الجميع ) أو قانون شامل لمعنى المعنى صارت علما يُدرس ويُتابع بعيدا عن الفلسفة أو أطرافها ، ولما كانت الفلسفة لاتبدأ أو لاتتعامل بالمسلمات كشرط أساس لصيرورة موضوع البحث من موضوعات الفلسفة فلقد وجدنا ذلك متاحاً أيضا .
    - الجديد في مواجهة هذه المشكلة ، على وفق هذا البحث ، أن يصار الى تناولها بإطار النظم الشعري المتنوع وعلى نحو يكتنفه الغموض الرامز Symbolic Ambiguity بتعدد فرص التأويل في معنى المعنى والبراعة في البناء على وجهي الاثبات والنفي ليمنحنا أبعادا دلالية مميزة في الاستعمال المفضي الى الغنائية التأملية المركبة . ولقد قدم الشاعر العراقي أديب كمال الدين ديوانه الشعري (أخبارالمعنى-1996) في هذا السياق اطلاقا ، بوصفه واحدا من مبدعي ما بعد الحداثة في البنية ، اذ هو متفلسف بالمعنى وفي المعنى معا.
    - لن يتعامل هذا البحث مع هذا النظم المنتقى بمنظور نقدي أدبي - شعري (جمالي) أو (بنيوي) أو (بلاغي) على نحو محدود فحسب بل سيسعى الى معالجته بمنظور (شكل) المعنى ومعنى المعنى ومدلول اللامعنى أساساً عبر أطار نظري تاريخي (عربي – انكليزي) وتحليل متعدد الانواع على منهجي الاستقراء والاستدلال الفلسفيين مع الاستعانة بشيء من الرياضيات البيانية لتأكد بعض المدلولات أو الاستنتاجات ومن ثم التوصل الى حالة استنباط نراها صحيحة وعلى شكل فرضية مقبولة نظرياً ، بل تعطينا ، وقد فعلت ، أحكاماً لامجال الى نقضها بحدود فضائها ولاتسمح باغفال أهميتها في العلاقة بين النظم الحديث ، المبحوث هنا ، والتنظير الموثق بصدد (المعنى) و ( معنى المعنى) ومدلول (اللامعنى) على وجهي الاستعمال الوظيفي في اللغة الانكليزية : ( non-meaning + meaningless ) في سبيل أثبات فرضية البحث القائم على وجود توجه جديد في استعمال لفظة ( المعنى ) و(معنى المعنى ) غير مسبوق أو مكرور ويمكن توصيفه بصيغة جديدة ربما على شكل "أبعاد" مستوياتية.
    - انطلق الباحث في عرض مادة هذا البحث من طريقة التسلسل الرقمي المقترن مع العنوان الرئيسي أو الفرعي ، على نهج الكتابة الحديثة (الأمريكية و البريطانية) لتسهيل الاشارة والاسترجاع مع الاحتفاظ (بروح) التبويب التقليدي ظاهرة للعيان.
                  

10-16-2006, 04:22 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير (Re: ابو جهينة)

    2 – في معنى المعنى
    2-1 المعنى كما يراه فقهاء اللغة الأجانب :
    توزعت دراسة ( المعنى ) على أكثر من فرع لغوي أو علم من علوم اللغة واللسانيات في المدارس الأمريكية والبريطانية على نحو خاص ، وحسب طبيعة هذا المبحث يمكن عرض آراء (العلماء ) في هذا الصدد على نحو موجز كما يأتي :
    ( أ ) تحت عنوان اختلاف المعنى diversity of meaning كتب جون لاينز مايأتي مترجما الى العربية : ( يعنى علم الدلالة بدراسة المعنى ، ولكن ماهو المعنى ؟ لقد ناقش الفلاسفة هذه المسألة مع رجعة مخصوصة صوب اللغة كما يزيد على ألفي سنة مضت ، لكن لم يستطع أحد منهم حتى الآن تقديم اجابة مقنعة على هذا السؤال .اذ ان أحد أسباب ذلك قد يكمن في طبيعة السؤال ، على النحو الذي يطرح به ، ومن غير الممكن الاجابة عليه ) (2 )
    ( ب ) ذهب عالم ( علم اللغة الاجتماعي ) الدكتور هدسن Hudson الى القول : ( ربما يكون التعميم الوحيد الصحيح الذي نستطيع أن نطلقه على المعنى هو أنه كيان ذهني وأنه قد يكون مفهوما Concept أو اجراءً Procedure ) ( 3 )
    ( ج ) أما عالم علم الدلالة اف . آر . بالمر F. R. Palmer فيقف موقفا متحفظا من هذه المشكلة اذ يقول : ( وطبيعي ان لفظة المعنى أكثر إلفةً لنا جميعا ، غير ان القاموس سيقترح عددا من المعاني المختلفة لكلمة معنى أو بعبارة أدق للفعل " يعني " ) ( 4 ) ثم يذكر : ( واستطاع أوغدن و ريتشاردز أن يدرجا ما لايقل عن ستة عشر معنى مختلفا يحبذّها باحثون معروفون وليس من أهداف هذا الكتاب – يقصد: علم الدلالة- أن يفحص كل التعاريف الشائعة والعلمية لهذه اللفظة ولا حتى التعرّف على ما اذا كان لكل معاني " يعني " و"المعنى" شيء مشترك ).
    ( د ) في تفسير ملاحظة بالمر عن أوغدن وريتشاردز في الفقرة ( ج ) السابقة نعود الى جون لاينز (الفقرة أ ) لنجده يوضح لنا هذه الاشارة كما يأتي : (يذكر أوغدن و ريتشاردز في كتابهما " معنى المعنى " مالايقل عن ستة عشر معنى للفظة " معنى " سواءً أكانت اسما أم فعلا ، مما يجعل هذه المعاني المتعددة في مستويات مختلفة حسب أهميتها اللغوية ) ( 5 )
    ( ه ) ينقل بالمر أيضا رأي ليونارد بلومفيلد ( السلوكي ) ويتحفظ عليها كما يأتي : ( يتألف المعنى حسب رأي بلومفيلد من العلاقة بين الكلام ( المبين في رد فعل لغوي " رل" يعمل عمل منبه لغوي " مل " ) ( والحدثين العمليين : المنبه " م " الذي يسبق الكلام ٍStimulus ورد الفعل " ر " Reaction ( اللفظة Response ) بمعنى استجابة وهي أكثر استعمالا حاليا من Reaction ( 6 )
    ( و ) يتحفظ جون لاينز من جانبه على نظرية بلومفيليد فيقول : ( إن جوهر مناقشتنا العامة للسلوكية هو انها فشلت حتى الآن في تقديم نظرية عامة مُرضية للمعنى . ولايعنى ذلك ، وهذا مايجب تأكيده ، الأهمية أو الفائدة من صيغة ( المنبه – الاستجابة ) للسلوك اللغوي لكنه يعني فقط ضرورة الاقرار بمحدوديتها ، وضرورة قصر لفظتي " الاستجابة " والمزاج يستجيب " على ردود فعل محددة ، وتحت ظروف يمكن تحديدها ) ( 7 )


    .... يتبع ...
                  

10-16-2006, 04:37 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير (Re: ابو جهينة)

    ( ز) في العلاقة بين النحو والمعنى يذهب جومسكي الى القول : (لقد دخلنا أرضا وعرة حين قلنا ان البنية النحوية يمكن أن تزودنا ببعض المعرفة عن مسائل المعنى والفهم . اذ ما في الدراسة اللغوية من جانب عانى من الارباك وهو بحاجة الى التوضيح والصياغة الدقيقة أكثر من ذلك الذي يعالج مسائل الربط بين النحو والدلالة . ان السؤال المهم الذي يسأل هو : كيف تستخدم الوسائل النحوية المتوفرة في لغة معينة في الاستعمال الحقيقي لتلك اللغة ) و ( لايمكن تشخيص مفهوم " القواعدية " بأنه كل " ماله معنى " أو كل ما "هو ذو مغزى " وفق أي مفهوم دلالي فالجملتان الاولى والثانية أدناه لامعنى لهما ولكن أي متكلم باللغة الانكليزية يعرف ان الجملة الاولى فقط هي قواعدية :

    Colorless green ideas sleep furiously.

    الأفكار الخضر التي لالون لها تنام بشدة

    Furiously sleep ideas green colorless.
    بشدة تنام الخضر التي لا لون لها الأفكار ) ( 8 )
    - ينطبق قول جومسكي عن قواعدية الجملة ( 1 ) ولاقواعدية الجملة ( 2 ) على العربية أيضا.
    ورغم ان جومسكي معني بالنظريات اللغوية النحوية التوليدية " معارضا لها " والتحويلية " مبتدعا لها " والتفكيكية " مناقشا لها " فانه يفرد للعلاقة بين المعنى ، عبر تعبير الدلالة ، والنحو فصولا متميزة كما في ملخصه الآتي : (9-2-2 ، حيث ذكر هنا بعض الأقوال الشائعة التي تردد لتأييد اعتماد نظام القواعد على المعنى وهي :
    (1 ) لاتتمايز قولتان فوينميا الا اذا اختلفتا في المعنى.( الفوينم Phoneme هو أصغر وحدة صوتية ) .
    ( 2 ) المورفيمات أصغر العناصر التي لها معنى . ( المورفيم morpheme هو أصغر وحدة صرفية ) .
    ( 3) الجملة القواعدية هي الجملة التي لها محتوى دلالي .
    ( 4 ) إن العلاقة القواعدية : فاعل- فعل ( أي :عبارة اسمية – عبارة فعلية في تحليل الجملة ) تطابق " المعنى البنيوي " العام ، العامل – الحدث
    ( 5 ) إن العلاقة القواعدية : فعل – مفعول به ( أي: فعل – عبارة اسمية في تحليل العبارة الفعلية ) تطابق المعنىالمُبني للحدث وهو : الحدث- الهدف أو الحدث – المفعول به
    ( 6 ) إن جملة المبني للمعلوم وجملة المبني للمجهول التي تقابلها هما مترادفتان ) ( 9 )
    - على ان جومسكي فنّد هذه (الأقوال ) الواحد بعد الآخرعلى حساب نظام اللغة الانكليزية
    ( ومايقرب من نظام اللغة العربية أيضا ) – حسب مايراه – بأن يأتي بأدلة لغوية تناقض هذه الاقوال أو تؤيد نقيضها ثم يقول : ( ومن الغريب ان أولئك الذين اعترضوا على بناء النظرية اللغوية على اقوال كتلك التي في ( 117- 1 ) أعلاه – قد أتهموا بأنهم يهملون المعنى – والصحيح عكس ذلك ، فالذين يقترحون شيئا يشبه ماجاء في ( 117 – 1 ) انما يفسرون " المعنى " تفسيرا واسعا ، على مايبدو ، حتى ان أية استجابة للغة تسمى " معنى ". واذا قبلنا بهذا الرأي جردنا " المعنى " من اية أهمية أو مضمون. انني أرى ان المرء اذا أراد أن يبقي على عبارة " دراسة المعنى " باعتبارها تصف جانبا من البحث اللغوي عليه أن يرفض هذا الخلط بين ( المعنى ) و ( الاستجابة للغة ) ويرفض معه ماورد في ( 177- 1 )) ( 10 )


    ... يتبع ...
                  

10-16-2006, 04:38 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير (Re: ابو جهينة)

    - من الواضح ان جومسكي هنا يشارك بالمر ( الدلالي ) في نسف نظرية بلومفيلد السلوكية ( راجع 2- 1- ه ) وفي الوقت نفسه يحاول تقويض الآراء التقليدية ازاء العلاقة بين المعنى والنحو ويحل محلها علاقة جديدة من وجهة نظره .
    - نكتفي بهذا القدر من الاطار النظري ( العام – الحديث ) لنترك ماتبقى منه ( حسب حاجة هذا البحث ) الى سياقات التحليل القادمة. ولنا ان نشير الى آراء ( روجر سيمون ) في ( 4- 2- 3 ) عن العلاقة بين التفسير والمعنى وآراء (إي . دي . هرش ) في آخر ( 4 – 2 – 3 ) نفسها عن (سياسات التأويل ) . وفي جميع هذه العروض والإقتباسات فإن هدفنا لن يكون مقصورا على ايجاد العلاقة بين ماقدمه أديب كمال الدين في نظمه الشعري وتوظيفه كلمة
    ( المعنى ) وماقدمته هذه الآراء فحسب بل ايجاد المنافذ الجديدة التي أطلقها نظم أديب كمال الدين ازاء ( المعنى ) بوصفه لفظة ً تمتعت بأكبر قدر من الاتجاهات والابعاد الدلالية في التطبيق ومن دون تنظير مسبق في الواقع . اذ ان نظم الشعرلايعتمد منهجا خارج الفروض في كثير من الاحيان ، ولايمنع هذا النظم ان يدخل في صلب النظريات من خلال التطبيق والممارسة الجميلة المباشرة تلقائيا ،لأن النظم ابداع والنظرية اشتقاق والجمع بينهما ممكن والفرقة بينهما ممكنة وحاصلة أيضا في نسبة كبيرة من النظم الشعري العربي والاجنبي . اما اخضاع ( كل ) النظريات النقدية فمستحيل ، من هنا فإن تلاقي ( بعض ) النظم مع ( بعض ) النظريات مسألة متحققة وجائزة بل أكيدة .
    2- 2 " المعنى " عند فقهاء اللغة العرب :
    ( المعاني في اللغة : المعاني جمع المعنى ، والمعنى في أصله اللغوي كما عند الفراهيدي مانصه : " ومعنى كلّ شيء محنته وحاله الذي يصير اليه . وعنه نقل ابن منظور وروى الأزهري عن أبي العباس ، أحمد بن يحيى ، ثعلب قال : " المعنى والتفسير والتأويل واحد . ومعنى كل كلام مقصده . وعند الراغب : المعنى اظهار ماتضمنه اللفظ وهو يقارب التفسير وان كان بينهما فرق . وعند الطريحي : معنى الشيء ومحتواه ومضمونه كلّ مايدل عليه اللفظ . وقولهم هذا بمعنى هذا ، وفي معنى هذا : أي مماثل له ومشابه ) ( 11 )
    - على ان المحدثين يفرقون بشدة بين المعنى Meaning والتفسير Exegesis والتأويل Interpretation ازاء اللفظ ( الواحد ) والجملة ( الواحدة ) بل الموضوع المتكامل مما يدخل في علم التأويل فتتحول الملهاة الكوميدية في ظاهرها الى مضمون فكري سياسي مؤولا ويتضح مما سبق ان للمعنى عدة مؤشرات : الأول : يعني بمصير الشيء وحاله ومحنته ولاعلاقة لهذا بمعنى اللفظ أو القول أو الكلام الاّ على جهة المجاز ، بلحاظ ان معنى اللفظ هو حاله التي يصير اليها على سبيل التجوّز كما أسلفنا ، وذلك اذا أريد من الحال مايؤول اليه .
    الثاني : ان المعنى يعنى بالبيان والاظهار والكشف والرجوع- وهو رأي ثعلب – وهو يلتقي بمضمونه بالمؤشر الثالث .


    ... يتبع ...
                  

10-16-2006, 04:41 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير (Re: ابو جهينة)

    الثالث : يعني بدلالة اللفظ على المضمون والمحتوى واظهار ماتضمنه اللفظ من مراد ، وهو رأي الراغب وابن منظور وفخر الدين الطريحي وهو مانأنس اليه في تحديد المعنى لغة . وعلى هذا فالمعاني لغة تعني بدلالة الألفاظ على مضامينها ومقاصدها، وما يظهر منها لغة عند التبادر في الاطلاق لدى العرْف العربي العام . وهو أجنبي عن المصطلح الفني " للمعاني " التي يعرف بها حال اللفظ العربي في مطابقته لمقتضى الحال لا في دلالته على معنى معين .. ) ( 12 ) وفي مذهب آخر للعلاقة بين النحو والمعاني نتمعن في هذه الاشارات : (السيرافي اذ قال : معاني النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته ، وبين وضع الحروف في مواضعها ، وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير ) ( 13 ) ثم وفي الموضع نفسه نقرأ : ( ويستوقفنا حقا ما أفاده أحمد بن فارس حينما عقد بابا وسماه ( معاني الكلام ) وهي : عند أهل العلم عشرة : خبر واستخبار ، واصرار ونهي ، ودعاء وطلب ، وعرض وتحضيض ، وتمنٍ وتعجب ) ( 14 ) ( وهنا يجب التنبه ان نظرية " النظم " عند الجرجاني تنظر الى النحو نظرة نظرة خاصة ومتطورة ، تتعدى حدوده التعريفية وعلاماته الاعرابية الى خصائصه الفنية ولايقصد بالنحو معناه الضيق الذي فهمه المتأخرون وانما يريد المعاني الاضافية التي يصورها النحو . وبذلك رسم في " دلائل الاعجاز " طريقا جديدا للبحث النحوي تجاوز أواخر الكلمة وعلامات الاعراب ، وبين ان للكلام نظما وان رعاية هذا النظم واتباع قوانينه هي السبيل الى الابانة والافهام ) ( 15 )
    - من الواضح تماما وقوف الجرجاني في مواجهة جومسكي ( راجع 2 – 1 – ز ) ان لم يكن على النقيض منه ! في ( مستوى ) العلاقة بين النحو والمعنى ، فبين ان يكون ( النحو أساس المعاني ) أو أن ( تكون المعاني قاعدة النحو ) بون شاسع في البنية وما يتفرع منها وفي الدلالة وما يرتبط بها ، ولكن عندما يتوقف العمل بأيّ من ( النظريتين ) منهجيا ويبدأ النظم شعرا وتبدأ الكتابة تأليفاً على قاعدة ( جعل ) لكل جملة معنى ، تركيبيا ومفرداتيا معا فإن (مستوى ) ( المعنى ) يصبح معلّقا بين الوضوح والغموض ، أي التقليدي والبلاغي ،وليس ثمة نظم أو تأليف من غير معنى في آخر الآمر ، فماذا يرى جمع المثقفين في هذا الوضع حديثا ؟
                  

10-16-2006, 04:42 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير (Re: ابو جهينة)

    -3 في المعنى والشكل ، رأي عربي معاصر في القديم والجديد
    (( يكاد النقاد والبلاغيون العرب القدامى يجمعون على أن الشأن في الشعر – أي شكل من الشعر – ليس في إبداء المعاني ، فالمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي وانما هو جودة اللفظ وصفائه ، وحسنه وبهائه ، ونزاهته ونقائه ، وكثرة طلاوته ومائه ، صحة السبك والتركيب ، والخلو من أوَد النظم والتأليف .ويتفق هذا مع رأي الجرجاني في أن العبرة في ترتيب الكلمات في بيت شعر أو فصل خطاب هو ( ترتيبها على طريقة معلومة ، وحصولها على صورة من التأليف مخصوصة ) ولاأجد في هذا الفهم
    ( للأدبية ) اختلافا جوهريا عما يقوله الاسلوبيون المعاصرون بشأن الخطاب الادبي في أنه
    ( خلق لغة من لغة ) أي أن ينطلق صانع الأدب من لغة موجودة فيبعث فيها لغة وليدة هي لغة الأثر الأدبي )) ( 16 )
    ولقد يمثل هذا المذهب توجه هذا البحث نفسه وبنسبة كبيرة .
    3 – موقف
    بهذا التلخيص الدال نستطيع تحديد ( موقف ) ما ازاء ( المعنى ) و ( معنى المعنى ) في ديوان شاعرنا أديب كمال الدين : ( أخبار المعنى ) ، ولكن من دون محاولة ( فكّ ) رموز الغموض أو تفسير المضمون بل الكشف عن الكوامن النفسية في ( أبعاد المعنى ) وتوجهات المعنى المستنبطة ) ولابد للوصول الى هاتين النتيجتين من عرض كل ماسبق في ( 2- 1 )
    و ( 2-2 ) من غير أن نحدد موقفا فكريا ازاء أيّ ( رأي ) أو ( مذهب ) أجنبي أو عربي ، ومع كون هذا ممكن ومتاح ، الا أن ترك الأمر ( للقارىء ) غاية ساحبة في سياق ( حرية ) الأختيار . اما نحن ، في هذا الصدد ، فسنعالج النظم الشعري المعروض للبحث في ضوء المعطيات التي نراها مساعدة أو مفيدة لتحقيق النتيجة المطلوبة واثبات فرضية هذا البحث بوجود توجه جديد ازاء استعمال لفظة ( المعنى ) يمكن تحويله الى صيغة موصّفة بقدر مقبول ومعقول . أما صيغة ( اللامعنى ) وتعبير ( لامعنى ) يفرضان حالة تأملية ( خارج ) كل ماتقدم ( داخل ) شعرأديب كمال الدين ! لأنّ التنظير لم يتعرض لأيّ من صيغ النفي رغم عمقها وفحواها وأثرها في تحديد معنى الجملة الكامل Total Meaning وفي سبيل التذكير والاستذكار نضع الاستدراكات الآتية : في القول : ( اللامعنى معنى )
    The non- meaning is meaning
    انتماء نحو البلاغة في تحديد مغزى القول كما يقال : ( اللاالتزام التزام ) وعندما يتدارك الشاعر تعبير (اللامعنى ) فإنه يعني شيئا بهذا النفي المعرّف.
    ( ب ) في القول ( معنى اللامعنى )
    Meaning of the non-meaning
    محاولة تفسيرية لتحديد مغزى ( اللامعنى ) اطلاقا ، وليس مجرد حصر النفي بحالة معينة .
    (ج ) (اللامعنى لامعنى )
    The non-meaning is meaningless
    أي نفي أيّ معنى للاّمعنى ، لغة ، تأكيد لفظي .
    ( د ) ( لامعنى اللامعنى )
    Meaningless of the non-meaning
    اتخاذ جانب التفسير بالنفي نحو التعبير المنفي : اللامعنى.
    - في التعبير ( ج ) (اللامعنى لامعنى ) نفي مزدوج اذ يصير اعادة التركيب مثبتاً : ( المعنى معنى ) مع التباين في المضمون ، في ( معنى المعنى ) أو ( معنى اللامعنى ) حسب غاية الباحث أو المؤلف أو الشاعر في نظمه.
    - ثمة مشكلة مرتبطة بلاغيا بهذه الصيغ ، اذ هي نفي الضد ( غير يسير= عسير )، فإذا كان للمعنى رديف Synonym كالتفسير والتوضيح على المحمل العام فإنّ نقيضه أو مضاده ِAntonym ليس واضحا أو مؤكداً في السياق المبحوث هنا لأن كلمة " معنى " من " يعني " لاتقدم في كل متضمناتها الدلالية مايبعث النقيض شاخصاً بوضوح ، أي ان ( اللامعنى ) ليست نفيا للضد بل هي نفي عادي ، كذلك الحال مع ( لامعنى ) اذ لامعنى ( له ) حالاMeaningless ليست كاللامعنى اسما Non-meaning وعندما يوظف كمال الدين في ديوان ( اللامعنى ) ( اسماً ) فإنه يرقى الى بلاغة التورية والاستعارة والكتابة الرمزية الا انه عندما يلجأ الى ال (لامعنى ) فإنه يتعامل بالنفي التقليدي الفصيح أي ( لامغزى ولامقصد له )
    في ديوان " أخبار المعنى "
    المكونات العامة والمداخلات النظرية الحديثة
    4-1 المكونات العامة
    - تسعة وثلاثون نظما موزعة على احدى وثمانين صفحة متوسطة ، كل نظم يحمل عنوانا تدخل في كلمة ( المعنى ) من دون أي أستثناء ، أمام متن كل نظم ( النص ) . فقد يخلو من كلمة ( المعنى ) وقد يتضمن عددا يبدو ( كبيرا ) نسبة الى حجم النظم نفسه وما من معيار لتحديد ( الكم ) المستعمل من هذه اللفظة على صيغة مفردة أو بصيغة الجمع أو بتركيب ( معنى المعنى ) أو على هيئة النفي ( اللامعنى ) سوى السياق الشعري واختيار الشاعر أو احساسه بالضرورة أو الحاجة الى اللجوء الى أي منها ، حتى وصل الرقم الاحصائي ( في حالتي الاثبات والنفي ) الى 75 إستعمالا منها 61 إستعمالا مثبتا و 14 إستعمالا منفيا .
    - من النظم الذي خلا متنه من كلمة المعنى نقرأ :
    ( أ ) صورة المعنى
    سقط َ الساحرُ في كأسي ..
    فبكيتُ على نفسي . ص 56
    ( ب ) مخاطبة المعنى
    من أنت ؟
    وعلامَ أخاطبكَ ، اللحظة ، مجنوناً ؟ ص 56
    ( ج ) طيران المعنى
    وأصيـّرُ جوعي حرفا ًورمادي حرفا ً..
    وأنيني حرفا ً..
    أركبها و أطيرُ الى الموت . ص 56
    ( د ) الـه المعنى
    دع لي الباءَ ولاتأخذ ْها
    فلعلّي ألقى نقطتها
    ذات صباح أو ذات مساء
    فأقومُ من القبر إلها ً
    أبعث في جسدي الروح ! ص 56
    - أما النظم الذي يحمل متنه أكثر من استعمال ( للمعنى ) فنقرأ :
    بيت المعنى
    - ( للمعنى ) بيت خـَر ِب .
    - ( للمعنى ) باب أدخله ، بهـدوءأسطوري ، أخرج من
    بين ثيابي سكيناً غامضة ً وأفتشُُ عن لحم عذابي وأقطـّعه
    بحروفي المرّة وسط هدوءٍ أعمى لأدندن في كأسي : للمعنى
    بيت ، سكين ، لحم ألـِـق.
    للمعنى ) قمر ، موت . ) _
    للمعنى ) أعداء شرسـون، ) _
    و ( للمعنى ) ربّ و ملائكة و نجوم . ص 68
    - وقد يتضمن النظم صيغا بين الصيغتين السابقتين.
    4- 2 ملاحظات في بنية النظم قيد البحث
    4- 2- 1 مشكلة ( مفاهيمية ) النص والنص الشعري ومابينهما ( المعنى )
    في معنى النص التقليدي Text هو (( أ – الكلمات المطبوعة أو المخطوطة التي يتألف منها الأثر الأدبي . ب - إقتباس أجزاء من الكتب المقدسة والتليق عليها في الوعظ . ج – الاقتباس الذي يعتبر نقطة انطلاق لبحث أو خطبة )) أما بمعنى المتن فهو(( الجزء الرئيس من المؤلف مستقلا عن شروحه وحواشيه )). اذن ثمة فروق بينه وبين القصيدة Poem اذ هي نص شعري Poetic Text (( أو منظومة : قطعة من الكلام الموزون المقفى تمثل وحدة مكتملة ، أو القطعةٍStanza وهي عند العرب مازاد على اثنين الى ستة من الأبيات ( Lines (وقد اختلف في عدد أبيات القصيدة العربية والرأي السائد أنها تتكون من سبعة أبيات فأكثر وهي عند البعض عبارة عن غزل يزيد عن اثني عشر بيتا وليس لها حد معين عند آخرين )) ( 17 ) وفي اللغة الانكليزية ازاء نظم الشعر الانكليزي وحسب بن جونسون Ben Jonson فإن القصيدة قد تتكون من بيت واحد فقط ( 18 ) . هنا نستطيع القول ان هذا الوصف قد ينطبق على شاعرنا أديب كمال الدين عبر الأمثلة التي عرضناها في ( 4- 1 ) السابقة وفي غيرها ضمن الديوان .
    4-2-2 في مفهوم النص الحديث
    يذكر روجر سيمون Roger Simon (( هناك استعمالان رئيسان للمصطلح ( النص ) مشتقان بصورة تقريبية من التمييز بين التأويلي والعلمي .ففي التأويل الأدبي يعني النص مجموعة الكلمات التي تحتاج الى تفسير مهما كانت المبادىء المستعملة لتحقيق ذلك . وهذا الكيان يسميه رولان بارت " العمل " . أما في النقد العلمي فالنص يقابل مايعرف في العلوم الأنسانية والطبيعية كالسانيات وعلم الحياة التطوري وهو حقل للدراسة ....
    4- 2- 3 أما بصدد العلاقة بين التفسير والمعنى فلقد يفيدنا أن نقرأ للمنظّر بول دومان
    Paul Deman مايأتي : (( إن التفسير من حيث التعريف عملية موجهة نحو تحديد المعنى .. النظرية الشعرية من الناحية الأخرى هي فرع من المعرفة وصفي أو ارشادي ( فوق لغوي ) ويدعي بتمتعه بتجانس علمي ، وله علاقة بالتحليل الشكلي للكيانات اللغوية بغض النظر عن المعنى .. وبخلاف النظرية الشعرية التي تهتم بالتصنيف وعلاقة الهياكل الشعرية وتداخلها ببعضها فإن الدراسة التفسيرية تهتم بمعاني نصوص معينة )) ( 20 ) ولغرض الكشف عن (المواقف ) النقدية في بحثنا هذا فإن قراءة ( النص 4- 1 – أ )
    ( أ ) صورة المعنى
    سقط الساحر في كأسي
    فبكيتُ على نفسي
    لاتتيح فرصة للفصل بين ( الشكل ) في (صورة المعنى ) نصاً وبين مدلول ( البيت ) المرتبط به أو التابع له أو أن البحث في معنى (المعنى ) ضمن عبارة (صورة المعنى ) لايمكن فصله في الواقع عن ( شكل ) البيت اللاحق بها . واذا اختلف التفسير بين الفرد ( س ) والفرد ( ص ) فان سمة ( التأويل ) تحضر فورا بمعنى منح الشكل تفسيرا ( مختلفا ) اذ ان منح الشكل تفسيرا ( واحدا ) ( سيف = مهند ) لايعني الاّ ترسيخ المعنى بعبارة أخرى وان ( السيف = سلاح حرب ورمز شجاعة وكناية فروسية ) يصير تفسيرا على نهج الأيضاح Explanation أما ان نمنح ( المعنى ) ( معنى ) غير متفق عليه تفسيرا ، فإنه يصير بالتأكيد تأويلا ( يحق ) بموجبه لكل قارىء ( فرض ) ما يشاء على مدركاته بمدركاته هو نفسه فيمتنع بها ويدافع عنها اذ يصير أوتوقراطيا في الأوتوقراطية ( Autocracy = المستبد أو الذاتي الحكم ) ، واذا ماقارن حكم التفسيري هنا بما يذهب اليه ( الآخرون ) ليكونوا معا مجموعة ( آراء ) ازاء معنى (المعنى ) في هذا النظم فإنه – القارىء – يصير ألوكراطياAllocracy ( أي يحكمه الآخرون ) ، الا ان القارىء – الناقد قد يعتمد على المعرفة المتحصلة قبل التجربة ، اي قبل التقائه هذا النظم لأول مرة فيعيد خزينه عن ( معنى المعنى ) ليوظفه في فهم هذا النص ، فهو اذن قبلي Apriority ويتبع القبيلة smِApriori ولايسمح لتغيير حكمه الذي اقتنع به . اما اذا لجأ الى الآخرين ليكونوا فريقا جماعيا ألوكراطيا فإن فرصة التغيير في الأحكام ستبدو متوفرة تماما . اي ان التوجه الألوقراطي يعتمد على الخبرة المتحصلة بعد التجربة وانه قابل للتغيير والتعديل مادام القرار الجماعي لم يتحقق بعد وانه في صيرورة معينة لتحقيق ( معنى المعنى ) في نظم البيت والقصيدة معا !
    (( دعنا نلخص التحليلات التي قمنا بها حتى الآن . فأولا تكمن سياسات التأويل في الاختيار مابين المعيار الأوتوقراطي والمعيار الألوقراطي . ففي المعيار الأوتوقراطي تكمن السلطة بيد القارىء في حين ان هذا القارىء يولي السلطة للفعل التأريخي المعاد ، بناه شخص آخر أو جماعة أخرى في المعيار الألوقراطي ،وثانيا لايمكن تعديل التأويل الأوتوقراطي مبدئيا الا بتغيير عرض التفصيلات . في حين ان يمكن تعديل التأويل الألوقراطي بمفعول رجعي على أساس من النظريات والأدلة المتغيرة عن الحدث التأريخي الحاكم ومن هنا فإن المعيار الأوتوقراطي قبليا Apriority وغيرقابل للتغيير ، والمعيار الألوقراطي بعدياAposteriori وقابل للتعديل . والقدرة على اختيار أي من هذين المعيارين في يد القارىء ، وهذا الأختيار الحر هو اختيار اخلاقي أو سياسي في طبيعته )) ( 21 ) اما العبارة الملحقة بهذا التحليل ( انه غير محدد اطلاقا بالاعتبارات الأبستمولوجية ) فلقد تبعد عن القارىء جانب ( الوعي ) لتنقله الى جانب ( اللاوعي ) في منح صيغة التأويل شكلها ومضمونها . أما نحن ، في هذا البحث ، فإننا نرى أهمية الألوقراطية في التعامل مع ديوان أديب كمال الدين لأنه جعل من كلمة المعنى ( تجربة ) تمتد بين القبلية والبعدية عند كثير من الأدباء والشعراء. أي أن كل نظمه الشعري يخضع لمفهوم الأوتوقراطية والألوقراطية معا وللتجربة القبلية والبعدية سويا طبقا لمحتوى المادة ( 2 ) والمادة ( 3 ) من هذا البحث بفروعهما كافة وعلاقتهما بالقارىء المعاصر حصرا كما سنرى في كل تحليلاتنا القادمة .
                  

10-16-2006, 04:44 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير (Re: ابو جهينة)

    4 -3 الغموض أو الألتباس تأويلا
    4- 3- 1 الغموض الدلالي في الديوان
    عندما نقرأ بيتا من مثل ما في قصيدة (أخطاء المعنى ):
    (( كنت ُ أوزّع ُخطأً مضغوطَ الشفتين ومرتجفَ المعنى )) ص 10 الديوان.. فإننا نصطدم بالغموض لامحالة ، بل اننا قد نقع تحت تأثير مثال ( جومسكي ) في ( 2-1- و) عن الجملة القواعدية الخالية من المعنى ! الا ان الحقيقة هنا ان الجملة قواعدية وموزونة شعرا الا ان مدلولها العام ومضمونها الخاص ليس في متناول اليدين ( فورا ) وهما في الوقت نفسه ليسا متماثلين عند كل من يقرأ هذا البيت وما على نسجه، بل ليسا متماثلين عند القارىء الواحد في وقتين مختلفين حتى لوكان ناقدا اكاديميا أو ناقدا جماهيريا! وان نحن (حاولنا) وضع تفسير لهذا البيت اتجهنا الى الاوتوقراطية طوعا لاكرها ، سواء استعنا بالقبلية أم بالبعدية ، اذ أن اختيار الكلمات هنا ،و في غير هذا البيت أيضا ، يجاوز حالة الإقتران أوالتلازم collocation في اللغة العربية بين الالفاظ (أنف مستدق وعيون حوراء وليس: أنفا أحور وعيونا مستدقة) وبتجاوز شرطية التلازم التقليدية ، يدخل النظم فضاء (البلاغة) الفسيح ، ثنائي التركيب في بعض الاحيان ، اي انه يجمع سمتين بلاغتين في وقت واحد كجمع التشخيص personification - الى الاستعارة أو الكناية metaphor and metonymy في تعبير: (أوزّع خطأ) في صدر البيت الا أن المعنى يبقى عصيا على المستمع أو القارىء اذا أرادا (الاصل) الذي يريده الشاعر نفسه . أما المعنى الذي يريده القارىء فلقد يقدره كما يشاء فيلتقي مع الشاعر(احتمال ضئيل ) أو يفترق عنه (احتمال كبير) و((بجمع)) تأويلات (القراء) نحصل على مجموعة سلّمية من الموضوعات التفسيرية: اجتماعية وسياسية ، قبل غيرها ، في مثالنا هذا . واذا انتقلنا الى جملة الوصف اللاحقة بالموصوف (خطأ) وهي: (مضغوط الشفتنين) أضفنا حالة جديدة من مظاهر البلاغة ونمطا جديدا من التأويل وهكذا مع جملة الوصف الثانية: (ومرتجف المعنى) التي تضيف الغموض الأكثر صعوبة باحتضانها كلمة ( المعنى ) محور (البيت) هنا ومحور بحثنا هذا كله! اذ بعودة (المعنى) الى (الخطأ ) تتضاعف درجة الغموض تماما ومن ثم تتضاعف نسبه التأويلات حتما . ولكن ماهو الغموض على حقيقته المعرفية والمنهجية معا ؟!
    - للاجابة على هذا السؤال نرجع الى محتوى Ambiguity نفسه في معجم Oxford فنراه ouble meaning expression capable of more than meaning )) ))
    وترجمته : ( معنى مزدوج ، تعبير له القدرة على اعطاء معنى واحد أو أكثر ).
    - إذن الغموض ، او اللبس كما هو متداول بعض الأحيان ، ليس نقيض الوضوح فحسب ، بل هو حالة بلاغية شاملة تضم بين طياتها مظاهر بلاغية معروفة من بينها التورية pun اذ هي معنيان قريب ظاهر وبعيد مستتر. وفي المعاجم المتخصصة نقرأ : احتمال امتلاك اللفظ أو العبارة لأكثر من معنى . وقد يكون اللبس نتيجة للتعقيد اللفظي كقول المتنبي :
    أنّى يكون أبا البرية آدم وأبوك والثقلان أنتَ محمد
    وفي النقد الأدبي الانكليزي الحديث أعتبر اللبس سمة لامفر منها بل جوهرية في الكلام .وأتى الناقد الانكليزي الحديث أي أي ريشاردز Richards في كتابه ( فلسفة البلاغة ) بنظرية في الدلالة اللفظية مبنية على هذا الاعتقاد .ولعل أهم كتاب في تطبيق اللبس أو ازدواج الدلالة على نظريات النقد الأدبي هو كتاب الناقد الانكليزي ويليام إمبسون المسمى سبعة أنواع من ازدواج الدلالة ) Seven Types of Ambiguity ويقصد المؤلف باللبس او ازدواج الدلالة على حد قوله (( أي أثر يتركه الكلام قد يضيف معنى او ظلا لمعنى يستخلص مباشرة من صريح العبارة )) فيقترح اذن أبوابا سبعة لأنواع اللبس الممكنة في الكلام ، ولو انه يعترف في الوقت نفسه باحتمال تداخل كل نوع مع الأنواع الأخرى :
    1- قد تكون الكلمة أو التركيب اللفظي ذا أثر فعال في اتجاهات مختلفة في آن واحد .
    2 – قد تتألف دلالة النص من دلالتين أو أكثر.
    3 – وفي التورية توجد دلالتان في آن واحد .
    4 – ان المعاني المختلفة للكلام قد تتحد لا لتزيد معنى جديدا بل للكشف عن الحالة المعقدة لعقل الكاتب .
    5 _ قد يستقيم المجاز أو الصورة البلاغية في مكان ذهني يقع في منتصف الطريق بين فكرتين .
    6 – قد يضطر القارىء الى ابتداع تأويلات شخصية كما في الكلام جراء تناقض او تضاد ظاهري .
    7 _ قد يكون للكلام معنيان متناقضان فعلا ، فيكشفان عن انفصام جوهري في ذهن المؤلف .
    - وقد طبقت هذه النظرية على الاعمال الادبية في كثير من الكتابات النقدية الحديثة)) (22)
    - اذا استبدلنا كلمه كاتب في النوع (4) وكلمة المؤلف في النوع (7) بكلمة (شاعر) صح تطبيق هذه الانواع على النظم الشعري تماما ويخاصة النظم الحديث على أي نوع كان من أنوع الشعر ( الشعر المرسل blank verse) أو (الشعرالحر free verse ) أو ( النثر الشعري poetry prose) أو ( قصيدة النثر أو غير ذلك ما نجده فعلا في ديوان شاعرنا :
    ( أخبار المعنى) أو في غيره من دواوين الشعر الحديث .
                  

10-16-2006, 04:49 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فلسفة " المعنى" بين النظم والتنظير (Re: ابو جهينة)

    -3-2 الغموض النحوي ( في الديوان) :
    في العبارة التي تحتمل اكثر من معنى بسبب تركيبها النحوي فإنه قليل التداول في الشعر و لايقال عنه انه غير موجود أو غائب لانه كما يبدو أصعب صياغة من الغموض الدلالي Ambiguity Semantic الذي يرادف ماذهبنا اليه في اعلاه كما في قوله تعالى : ( تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) الفرقان 1 فإنّ عودة ( ليكون) تصير اما ( للفرقان ) أو ( لعبده) من حيث البنية النحوية ، ولكن بالعودة الى التفسير Commentary تجد المفسرين يميلون الى ترجيح الفرقان . مع ذلك أخذ بعض كبار المترجمين بعودة (ليكون ) الى عبده وما أخطأوا .
    نقرأ ترجمة العالم الكبير عبد الله يوسف ونلاحظ عودة الضمير (it) الى الفرقان Criterion
    1) p 889: Blessed is He who sent down the Criterion to his Servant, that (it) may be admonition to all creatures.
    - ثم نقرأ ترجمة أرثر جي اربري Arther J. Arberry ونلاحظ عودة الضمير (he) الى عبده servant:
    2) P.362: Blessed be he who has sent down the Salvation upon his servant, that (he) may be a warner to all beings.
    - ولقد أكد المترجم الاول عودة الضمير (it) الى الفرقان بملاحظة هامشية بوصفه (نوراً) يفرق بين الحق والباطل ، ثمة أربعة مترجمين آخرين أعادوا ليكون الى عبده بالضمير (he)
    ( 23 )
    - في شعركمال الدين غموض نحوي محدود ومثلهُ قوله في منظومة (أخطاء المعنى ):
    (أ) (( كانت أرض الله تغرّد فيك
    وأنا أعتذر اليوم اليك : الى
    خطأ في اللهجة من خطأ في المعنى ...
    خطأ في البهجة أو خطأ في الدمعة
    خطأ في خطأ في خطأ الرأس ...)) (ص 12)
    - اذ بين تذكير أو تأنيث (فيك) و (اليك) جواز مباح الا أن تمثل (اليك ) (معنى) (الى خطأ في اللهجة) أو انفصاله عنه مسألة متعلقة بنية الشاعر نفسه ، بعدها تأتي (خطأ في خطأ في خطأ الرأس) لتجعل الغموض النحوي عاملاً قوياً في غموض المعنى لأن الجملة لم تسبقها (من) كما في جملة (من خطأ في المعنى) ولم تسبقها (أو) كما في جملة (أو خطأ في الدمعة ) وبذلك صارت على محملي (الاستقلال في المعنى) (او) عطفاً على كل ماقبلها وكلاهما صحيح وجميل.
    - نقرأ المثال الثاني ، من غير استزادة ، في منظومة (نسيان المعنى):
    (ب) (( وبقيتِ أمامي جسداً حياً يتبعني في موتي
    يكتب سفسطتي وعنائي...
    ويناقشُ دولاب الفجر، سرير اللذة ، باب المعنى
    قرب فراشي ، ويربّت فوق الكتفين )) (ص55)
    - فهل دولاب مرفوع أو منصوب ؟ فاذا نصب فانه (مفعول به) للفاعل (جسداً حياً ) واذا رفع فإنه فاعلُ مرفوع مفعوله ٌ (سرير اللذة) منصوباً وكلاهما ، أيضاً ، صحيح وجميل ، والحكم الفصل في ذلك تحريك الشاعر لكلمات شعره كاملة للافصاح عما غمض واستتر من الأعراب الذي يريد! الا انه ، ربما رأى هذه الصياغة اكثر امتاعاً وجمالاً . وهو كذلك !
    - بملاحظة جملتي (من خطأ في المعنى) في النظم الأول ( أ ) و (باب المعنى) في النظم الثاني (ب) نجد الأولى تخضع ، تماماً لمفهوم الغموض الدلالي ( ازدواج المعنى ) اي ان جملة (خطأ المعنى) تحمل معيني (التورية): المستتر البعيد والظاهر القريب ، الا أن تعبير (باب المعنى) تعبير مجازي بلاغي في الكتابة عن شيء يقصده الشاعر وأخفاه، وعلى القارئ (الاوتوقراطي) ان يتوصل الى (معنى المعنى) هنا ، وفي كل مجال نظمي بلاغي في هذا السفر الشعري ، بنفسه ، لأن اشتقاق المعنى بتأويل الباحث هنا ، ليس من مهمة البحث أو منهجه، انما تدارك هذه السياقات وأمثلتها يقدم بعض الملامح التأويلية ( الحرة ) كما قدمنا في المادة ( 3 ): ( الموقف ) هذا من جهة ومن جهة ثانية ، فإن تحديد ( معنى المعنى) في كل النظم الذي يقدمه الديوان انما هو متعذر تماما اذا أردنا التطابق مع الشاعر نفسه ! أما اذا أردنا الأقتناع بتفسير تأويلي يخص مداركنا وتجاربنا ( القبيلة ) أو البعدية فهو الصحيح والمفترض . ولما كان الغموض النحوي يلفّ هذه ( المقاطع ) الشعرية فإن الصعوبة ترتفع جمالا وغبطة في تأويل معنى النص صوب السياسة أو الاجتماع أو الفكر أو الوجدان والعاطفة لتقصي جذور ( المعنى ) في وجدان الشاعر.
    4- 3- 3 الحروف الرامزة والغموض
    - في الديوان عشرات الأبيات التي تطلق أو تتضمن ( أحرفاً ) عربية سليمة تبوأت مواقعها لترمز ، من غير وضوح ، الى ( شيء ) ما ، فهي واقعة أمام الغموضين السابقين ان شئت أو قبلهما أو بعدهما أيضا . المهم هنا ان ما ترمز اليه الحروف قد يبقي على ( مستويات ) من الغموض ، وليس غموضا واحدا أو عاما مماجعله يتميز عن الغموض الدلالي والغموض النحوي . نقرأ هذا المقطع من منظومة ( نون المعنى ) :
    ( أ ) ((والألف : أنا : مجهول في هيئة شاعر
    وإله في هيئة مجهول
    والباء حبيبة قلبي ضاعت في دائرة الحوت
    والحاء أبي
    والعين عيون من جدي
    والهاء هم موتاي الأحياء اخرسوا وقت النطق وضاقوا
    بالساعة ، والساعة قائمة )) ( ص 32 )
    - هنا نستطيع عدّ هذه الحروف مختصرات للكلمات التي ارتبطت بها بوضوح. (ألف ) في أنا وفي ( إله ) ، والعين في ( عيون ) والهاء من ( هم ) وعندما يعرّف الشاعر ( أنا ) و
    ( العيون) و ( الهمّ ) فإن نسبة الغموض تقل الى مالم نستطيع معه القول بوضوح كل شيء لئلا يفقد النظم قوته الجمالية الرامزة ومتانته البنائية معا . نقرأ مثل هذا الترميز Symbolization في منظومة ( ماضي المعنى ) كما في المقطع ( 7 ) منها بتسلسل ( ب ) هنا :
    ( ب ) (( مَن يفتح ميمَ الماضي ؟
    مَن يفتح راءَ الرغباتِ و شينَ الشمس ِ المبقورة
    والقمر المقطوع الرأس ؟
    مَن يفتح سينَ سريراللذ ّةْ
    وعيون الخوف ِ، صرير الدم
    من يفتح ميمَ الدم ؟ )) ( ص 73 – 74 )
    - رغم ان ( ميم الماضي ) و ( راء الرغبات ) و( شين الشمس ) و ( سين سريراللذّة ) قدمت الحرف الأول رمزا دالا لما يليه الا ان كل حرف يشير الى ( شيء ) ما يتعلق بهذا الذي يدلّ اليه ويرتبط به وانسلخ منه . إن ( تأويل ) هذه الحروف وغيرها يأخذ أكثر من صورة معرفية وسلوكية ولغوية ، وعلى نحو خاص التورية البلاغية . وتقترن الصورة المعرفية بالفلسفة والصورة السلوكية بالتصوف والبلاغية بالتورية ، حسب محتوى النظم في الديوان كله وسياقاته العامة . ففي قول الشاعر : ( مَن يفتح ميمَ الماضي ؟) يمكن تأويل حرف ( الميم ) فيه فلسفيا ب ( المثال والمثالية ) ، ( الميتافيزيقيا ) ، ( المدلول ) ، ( الماهيّة) ، ( المطلق ) ، ولكن بلغة التصوف تصير: ( مجاهدة ) ، اما بلاغة التورية فتجعل منها : ( الموت ، المجهول ، المعجزة ) واما حرف الراء في قول الشاعر فيمكن تأويله الى الفلسفة مذاهب ( الرمزية ) و ( الرومانسية ) ولكن بلغة التصوف يصير ( الروح ) وبلغة التورية ( رهاب ) ، ( رحيل ) ، ( رأي ) . ثم تأتي عبارة : (سين سريراللذّة ) وتأويل الحرف فيها فلسفيا يمكن ارجاعه الى ( سيرورة ) ، ( سبب ) ، ( سببية ) وفي لغة التصوف يتحول الى كلمة ( سر ) و ( قدس الله سرّه ) وتورية ينقلب الى ( سلام ) و (سقوط ) . واما في جملة ( شين الشمس ) فإن حرفها الأول يتبع في الفلسفة مذهب ( الشك ) وفي التصوف ( شهادة وشهيد ) وفي التورية ( شرق ومشرق ) . لم يخرج عن قاعدة المختصر بالحرف الأول الا ( الميم ) في جملة ( مَن يفتح ميمَ الدم ؟ ) الا ان تغير موقعه لايؤثر في رمزية الحرف نفسه بقدر ما يخرجه عن قاعدة الأختصار( الانكليزية ) جزئيا . ولاضير في هذا التغيير ، بل انه عكس مسحة جمال صياغية تضاف الى المسحة العامة التي تتسم بها الأبيات كلها في هذا المقطع الا ان ثمة ترجيح للتورية على الفلسفة والتصوف في ( ميم الدم ) بتأويله الى ( الموت ) أو ( المجهول ) أو ( المعجزة ) . اذ ان ( فتح ميم الدم ) بوصفه ( موتا ) يصير وقاية منه ودفعا له ، وبوصفه ( مجهولا ) يصبح : سبر أغواره والكشف عن خباياه ، وبوصفه معجزة يتحول الى محاولة الايقاف بها وتحقيقها رغم كل شيء وأي ثمن بما في ذلك الدم !
    - يتحول الشاعر ( على نطاق محدود ، تلقائي أو مقصود ) الى استعمال الحروف الرامزة استعمالا رمزيا دالا كما في ( ب ) أعلاه الا انه يمنح هذا الاستعمال بعدا ( شكليا ) رائعا بوضع الحروف الرامزة امام القارىء طالبا منه ( التصرف بها ) خارج تأويلها أو معه ، فاذا جمعت هذه الحروف بعضها الى بعض منحتك كلمة ( دالة ورامزة ) بقوة لتضيف الى النظم غموضا جديدا غاية في الجمال . نقرأ في منظومة حوارية المعنى ) المقطع الآتي لهذه الغاية :
    ( ح ) (( سأكون قريبا ًمن ايقاعكَ يا فجرا ً
    يُحْملُ فوق الرمح
    سأكونُ الراء ، أنا الراء
    منذ طفولة أمطار المعنى في قلبي
    و أكونُ الألف ، أنا الألف
    منذ شروق الشمس الى غيبوبتها المرّة ..
    وسط الامطار ..
    سأكون ُالسين ، أنا السين
    منذ مجيء الهدهد من سبأ الناس )) ( ص 39 )
    - لاحظ الحروف : ( الراء ) و ( الألف ) و ( السين ) وجمعها : رأس ، ودلالته الشهادة والحقيقة والقمة ، وكأن هذا ( التأويل ) يشرح محتوى المقطع كاملا ! الا ان هذا التأويل لايمنع التعامل مع ( النص ) بصيغ - وليس بصيغة واحدة – أخرى فنتعامل مع الحروف واحدا فواحدا : (فلسفيا ) و ( صوفيا ) و ( تورية ) ونتعامل مع نظم كل بيت بما يناسب : جماليا قد يرى القارىء نفسه ( أسير ) قول الشاعر ( منذ مجيء الهدهد من سبأ الناس ) فيحار في معناه المدهش الغامض ! واذا عاد الى مادة بحثنا الأساسية : كلمة ( المعنى ) فقد يعاني من تأويل ( أوتوقراطي ) وحتى ( ألوقراطي ) ازاء عبارة ( أمطار المعنى ) وما يزخر به هذا النظم من مجازات واستعارات .
    _ في تطبيق أخير ، نقرأ حرف ( النون ) في بيت من منظومة ( نون المعنى ) . اذ يقول الشاعر :
    ( د ) (( انتبهوا
    إذ تسرقني ( النون ُ) الى عريي اليومي ، أضيع و أفنى
    انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحثُ عن معنى ! )) ( ص 33 )
    _ في التأويل الفلسفي يبدو( النون ) ناموسا وفي التصوف يمكن ارجاعه الى النهاية السرمدية : الخلود وفي التورية يمكن اعادته الى المرأة أو النوم والأولى أكثر رجحانا ، ثم نلاحظ (الرأس ) وقد وضِعَ على الرمح مما يؤول كما ذهبنا اليه في مثال ( ح ) أعلاه : الشهادة والحقيقة والقمة وجميعها يكمن في ( اله ) التي تبحث عن معنى ونسمح لأنفسنا القول هنا : يبحث عن سبب لما يجري ويسأل عن غاية له بتأويل سياسي – مجتمعي – انساني عام .
    التأثير الأسلوبي في النظم المبحوث 4 – 4
    - مهما تكن درجة " استقلالية " النظم المبحوث وابداعه ثمة تأثر واضح بما هو أكثر فصاحة وأعمق بلاغة في بناء الجملة واعلان مضمونها أو اخفائه ، ولايشكل هذا التأثر مثلبة ، هنا ، بقدر ما يؤكد النجاح في التفاعل مع أنماط اسلوبية ( خالدة ) بتكوينها الجُملي . الا اننا نعترف ان هذا التأثير أخذ شكل المحاكاة في عدد من المواقف ازاء عدد من الآيات القرآنية ، أي انه تأثر بالنظم القرآني العظيم فهو تأثر خاص جدا رغم انه محدود الأبعاد .
    - ربما يأتي التأثر بالاسلوب القرآني من طريقي الوعي والاختيار المسبق فيبدو واضحا عبر ( مايجري مجرى المثل ) على لسان المتأدبين من الشعراء والمرهفين من الأدباء ، وربما يأتي عفويا تلقائيا ومتناثرا في القصيدة الواحدة أو بين القصائد المتعددة بسبب ( تعمق ) الشاعر في متابعة المحتوى القرآني وأسلوبه الاعجازي الخارق . يمتع نظم أديب كمال الدين في سياق هذا المبحث بالخصيصة الثانية تماما مع انه قادر على ان يطلق الخصيصة الأولى على هيئة نظم مدروس وممنهج من غير عفوية أو تلقائية فضلا عن النظم الشعري بالنهج الحديث .
    - تبدو نسبة التأثر الأسلوبي محدودة طبقا لما أوضحنا أعلاه في نظم اديب كمال الدين في ( أخبار المعنى ) الا ان هذه ( المحدودية ) تعكس جمالا تميزه القلة . اذ أن المحاكاة الشكلية تصحب معها تغايراً دلالياً أراده الشاعر لنفسه من خلال الأسلوب القرآني العظيم ، فهو مثلا ، في قوله :
    (( وابيضّت عيناي من الذل )) ( أخطاء المعنى ص 12 )
    انما يحاكي قوله تعالى في وصفه النبي يعقوب عليه السلام :
    (( وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم )) ( يوسف 84 )
    الا ان مدلول الشاعر في نظمه ليس علاقة مضامينية بالآية الكريمة ، انما يفترق عن الآية في الموضوع والغاية معا . بيد ان الشكل المقتبس منح النص الشعري روحا جديدة في المحتوى فضلا عن الشكل ( فالعمى الأبيض ) يأتي من هول الاستجابة الانفعالية أحيانا ، وهذه الاستجابة تقرّب المنظوم الشعري في نسج الآية الكريمة من دون ان نشعر بالاختلاس أو السرقة ! هنا في الواقع يكمن جمال التعبير أنْ تحاكي ولايبدو عليك أنك تحاكي فتبدو متأصلا في رصف الكلمات وتحديد غائيتها .
    - مع المحاكاة تظهرسمة الاستعانة بالمفردات العربية ( القديمة ) أو ( المهجورة) كزهرات تتوزع على نوافذ النظم في الديوان كله ، قليلة متباعدة ، جميلة وملفتة للنظر ، دافعة الى التقصي والعودة الى الأصول ومعجماتها ، للتذكير: إفرنقع ، إحرنجم ، تعتع ، العرجون ... الخ . فليس كل قديم مندرس في ( نظر) الديوان ! وان احياءه ليس متعذرا ولو بين الشعراء.
    - فيما يأتي خلاصة ( مفيدة ) مما تيسر استخلاصه من الديوان مكملا ما مضى من المكونات قبل الدخول في مادة التحليل وأشكاله ونتائجه :
    ( أولا ) المحاكاة القرآنية في النظم المبحوث
    1- أخطاء المعنى ص 12
    ( أ ) كانت أرضُ اللهِ تغرّد فيك
    (( قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها )) ( النساء 4- 97 )
    ( ب ) وابيضّت عيناي من الذل
    ((وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم )) ( يوسف 12- 84 )
    2- أنثى المعنى ص 21
    ( أ ) لاتأتمري أيتها النخلة
    (( قال ياموسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك )) ( القصص 28- 20 )
    3- ميم المعنى
    ( أ ) غلّقت الأبواب وهيأت له سرّ المعنى
    (( وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك )) ( يوسف 12- 23 )
    4- راء المعنى ص 35 و 36
    ( أ ) فاستقم أيها الموت
    ( ب) فاستقم ياحنيني الطفولي
    (ج ) فاستقم أيها السيف
    ((فاستقم كما أمرت ومن تاب معك )) ( هود 11- 112 )
    5- دال المعنى ص 46
    ( أ ) اشتذّ رمادي واشتعل الرأس جنونا
    (( قال رب اني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا )) ( مريم 19 – 4 )
    ( ب ) قمتُ أهشّ على كلماتي
    (( قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهشّ بها على غنمي )) ( طه 20- 8 )
    ( ج ) فار الحرف كما التنور
    (( فاذا جاء أمرنا وفار التنور )) ( المؤمنون 23- 27 )
    6- شمس المعنى ص 62
    ( أ ) زلزلت الريح على بابي مطراً وحشيا
    (( إذا زلزلت الأرض زلزالها )) ( الزلزلة 99 – 1 )
    7 – أغنية المعنى ص 68
    ( أ ) يزرع أشجار الظلمة وسط الأمطار وزلزلة الماء
    (( إذا زلزلت الأرض زلزالها )) ( الزلزلة 99 – 1 )
    ( ثانيا ) كلمات قديمة ومهجورة
    1- أنا وأبي والمعنى . ص 14
    ( أ ) افرنقع غيم شتاء الروح
    2- أنثى المعنى . ص 23
    ( أ ) واحرنجم فيها فعلُ الجزم ، صفاتُ العاشق
    3 – نون المعنى . ص 31
    ( أ ) وانتبهت ْ لعذابِ العرجون
    4- دال المعنى . ص 46
    ( أ ) افرنقعت الساعات
    5 – نسيان المعنى . ص 54
    ( ا ) وشربت ُالخمرة حتى تعتني الكأس
    6 – ضحك المعنى . ص 74
    ( أ ) لاجدوى هربت سيدة الجسد الطافح بالحب
    نحو المدن المؤودة باللامعنى
    5 – المعنى عرضا وتحليلا
    5 – 1 العرض نظما : حمل ديوان أديب كمال الدين " أخبار المعنى " ضمن قصائده الأبيات والمقاطع الآتية التي احتضنت كلمة ( المعنى ) اثباتا ونفيا وتركيبا . نعرضها مع ذكر اسم النظم المستلة منه ورقم الصفحة كما يأتي للأهمية :
    1- موت المعنى
    وأختار لموتي معنى ، وأضمّخه بالطيب وأنشره في السرّعلى أكتافي . ص 5
    2- أخبار المعنى
    ومرّت ْسبع لاهية لاتعرف بيتا أو عنوانا ًأومعنى ،..
    أشكو معناي المقتول الى الكلماتِ الفضّةِ : لاجدوى .
    يبقى الجسدُ المدهوشُ عنيفا ً لايعرف للموت طريقا أومعنى .
    عذبني المعنى .قاد المعنى بيتي نحوالمنفى ،
    ألقى القبض على أسئلتي ، أودعني حجرات المنسيين. ص 8
    فأشيخ سريعا ًوأنا بين طفولة اسماء صباي ، ويدعوني
    تفاحا ًمرا ً، يدعوني فأجوس المنفى : منفى الرمل و منفى القبـر
    ومنفى المدن الموءودة باللامعنى حتى أصل الغيمات . ص 9
    3 - أخطاء المعنى
    وارتحتُ الى ميسمكِ المفتوح كشقّ التفاح
    كنتُ أوزع خطأ مضغوط الشفتين ومرتجف المعنى . ص 10
    ونبوخذ نصر يرسم روح المعنى في قلبي
    صرخات الجدّ المحمول على رمح المعنى ص 11
    كانت أرضُ اللهِ تغرّد فيك
    وأنا أعتذراليوم اليك : الى
    خطأ في اللهجة من خطأ في المعنى ..
    خطأ في البهجة أو خطأ في الدمعة
    خطأ في خطأ في خطأ الرأس
    خطأ في خطأ الرمح الداخل في الرأس . ص 12
    4 – أنا وأبي والمعنى
    الغيمُ يجيء و يذهــبُ
    والفجرُ يطرز حرف الدهر فلا معنى أبداً .
    لامعنى لاعادة مشهد حب مكرور ملتهب ، لا معنـى . ص 13
    قام الساحرُ بالرقص ، اختط ّ لنا أرضا ً تكفي لكلينا قـال:
    هنا نرقص ـ واختطّ بجانبها أرضا ً أصغرَ - وهنا سنموت
    علينا بالرقص لأنّ المرأة شيء باطل
    والطفل كذلك ، والسيف قويّ ، والمعنى مكتنز في الرقـص
    فارقص ! ص 14
    5 – أنثى المعنى
    الباء ُ جمال وحشيّ
    الباءُ : الليلُ بلا أحداق و نجوم
    الباء ُ : فراش مكتظ ّبالمعنى . ص 21
    6 – ميم المعنى
    فلماذا ارسلتَ الليلة في طلبِ الشاعر فيك
    ـ والشاعر مجنون مثـلك بالنار ـ
    غلـّقتَ الابواب وهيأت له سرّ المعنى ؟
    الالف تحطّمَ والنون غموض
    والعين انتبهت للاشيء
    لم يبق سوى الميم
    ميم الغابات المنسية في المنفى ..
    ميم المشهد ..
    ميم المطرالزائف في لغة ِالأنثى
    ميم المطرالحق على صدأ الكمثرى
    ميم المعنى . ص 26
    أنّ اللذة َسيدة المبنى
    العصفورُ يقوم و يدخل في هدهدها
    ويقبّل أغصانَ الحنطة غصنا ًغصنا ً
    يتفلسف بالمعنى الضيق
    ويثرثر كالاطفال
    يتجمع كالعين
    يطلق سهمَ الحب وحيدا ً منتشيا ً كالصياد
    العصفورُ يحلـّق شيئا شيئا ً
    ويقبّل تجويفَ المعنى مسحورا ًمن حلم ص 27
    7 – غين المعنى
    قومي ، لامعنى للهاثِ الخوف ، نياط ِالممنوع ص 29
    8 – نون المعنى
    لامعنى لي إلاّ في حرفي
    انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحثُ عن معنى ! ص 33
    9 – حوارية المعنى
    لا معنى يولد إلاّ من موتي
    لامعنى يزهو إلاّ في قتلاي . ص 38 .
    سأكون قريبا ًمن ايقاعكَ يا فجرا ً
    يُحْملُ فوق الرمح
    سأكونُ الراء ، أنا الراء
    منذ طفولة أمطار المعنى في قلبي . ص 39
    10 - صراخ المعنى
    أبكي ، أتدثر بالصمت وأغفو
    وأقومُ وأدعو وأصومُ ، أناشد باب المعنى
    بكلام اللامعنى . ص 44
    11- دال المعنى
    أقفرتُ من المعنى ، وزّعتُ ثيابي للفقراء . ص 46
    12 – باء المعنى
    واقول الألف ولا معنى .. ص 50
    فأرى في منتصف الليل
    كلكامش يسأل كالأعمى عن معنى الباء
    أنكيدو يبكي بدموع من طين . ص 52
    13 – نسيان المعنى
    يانون
    ياسين القسوة ، ياء اليم
    * قال الاول ُ: يسألُ أحد عن معنى النسيان ؟! لماذا ؟!
    * قال الثاني : عبث عبث .
    * قال الثالث : هي ذي ... الكأس .
    * قال الرابع : كن فيكون .
    * قال الخامس : معناه الدهر. ص 54
    وبقيت ِأمامي جسدا ًحياً يتبعني في موتي ..
    يكتبُ سفسطتي وعنائي ..
    ويناقش دولاب َالفجر، سرير اللذّة ِ، باب المعنى .. ص 55
    14 – ارتباك المعنى
    مرتبكا ًمذعورا ً
    كان المعنى قدّامي و ورائي
    يبحثُ عن معنى لطلاسمي العظمى ! ص 57
    15- خيانة المعنى
    حاصرني المعنى باللامعنى ...
    أجلسني في تاء الموت قليلا ..
    اطفأ نوري مرتبكا ً، قال بأن العين
    سقطتْ في نكد ِالدنيا ..
    فهلمّ الساعة نخرجُ ، نخفي موتا ًمن نور
    فخرجنا في الظلمة . أعطاني المعنى سيفا ً..
    قال : اقطعْ رأسك !
    ففعلت !
    وضع المعنى الرأسَ على الرمح
    ومضى يحمله في الطرقات
    وسط صهيل الناس . ص 58
    16 - ايقاع المعنى
    وامتدّ الجسدان بنا أخذانا للاّمعنى
    غمرانا في إيقاع الحاء
    تركانا نُذبح نُؤسر ، نُـقتـَلُ من فرط اللذ ّة
    فتساءلتُ كدرويشٍ أعمى عن معنى المعنى
    وتساءلت كطفل ٍعن معنى الماء ! ص 59
    17 – رومانسية المعنى
    ويخلط أقواس َالحبّ بثوب مسرّتها ،
    يشعلُ نهديها كي يخطفها للأعلى ويحلّق مذهولا ثملا ًو شـديد
    المعنى . أنتِ معي ، كفّك كفّي ، عيناك بعيني والليل يموء ويفتح
    عينيه بعيدا ً نحو الأقصى . يالطفولة أعضائي ونعومة أغنيتي حد
    دخول المعنى في اللامعنى .. ص 60
    18 – شمس المعنى
    وعلى باب الشمس ِ
    أبيعُ ثيابي مبتهجا ًو ثياب َالطفل ِالنائم ِ في أعضائي
    أمضي مستترا ً يتبعني المعنى . ص 60
    19 – زمن المعنى
    زمن كالقاربِ يسقط ُ من أعلى الشـلال
    ويمضي من يوم ٍحتى يوم ٍ ، من سنة ٍ حتى سنة ٍ ، من
    قرن ٍ حتى قرن ٍ ، يتجلّى بوذيا ً في الأدنى ، صوفيّـا ً
    في الأعلى ، ملكا ًفي المعنى ، رأسا ً يُحْمَلُ فوق الرمح
    الى أقصى الاقصى . ص 64
    20 - نص المعنى
    كان المعنى يرقصُ مدهوشا ًمـن عري الحرف ِ و عري
    الجسد ِ الطالـع منك فقمتِ الـى أحرفـه بنجـوم ٍ من
    جمـروسيوف من نار ٍ. حاصرتِ خطاه بقاع المسرح حتى
    ضحك المعنى
    ............ ......... ..
    كيف يصير ُالطارىء ملكا ًوالقاتلُ سيّدَ لعبة ِ أطفال ٍ فرحوا
    بشموس طفولتهم ياسيدة ًقتلتْ نونا تبحثُ عن صاد المعنى .. ص 66
    21 – اضاءة المعنى
    سأضيء المعنى : أتقمّصُ في السر ّ دما ً ســـيقود
    ظلامي و مُحبّاً أفنى العمر بدولاب الموتى ينتظرُ الطيرَ
    يجيء من الأقصى بأناشيد النون . أضيء المعنى كافـاً
    في هيئة ساحرة ٍ تستحضرُ هيبةَ خيباتٍ و جلالة قتلــى
    ووساوس أرملةٍ و ظنون حروف ٍ وجرارا ً من طـين
    كـُسِرتْ في عيد طفولتي القصوى قرب دماء الأجــداد .
    أضيء المعنى فجرا ً من فتنة ِ ميسمكِ الغامض في شفتي
    وسط رمالٍ عارية ٍ . سأضيء المعنى أحشاء غامضــة
    التكوين و وهما ً يتجلّى . سأضيء المعنى قصةََ سـيدةٍ
    تنمو وسط صحار ٍ و سيوف ٍ و فرات ٍ قادتني للحــبّ
    وقادت جسدي للحب ّ فأمسى لدهور فوق البحر يجـيء
    ويمضي ، يمسكُ كلّ شموس الدنيا تشــرقُ ليلا ً
    وتذوب دما ً ونجوم الكون تغور ترابا ً ، يخفي ســفنَ
    الناس بأزرقنا العالي و سواد التالي تمخر مأسـاة سـلام
    الموتى . سأضيء المعنى نونا ً لاتفنى ، تــاءً تتجلّى ،
    ظاءا ً من رمل ٍ ، ألفا ً من نور ، راء ً من حبّ همجيّ
    عذّبني فوق الجمر طويلا ًفيكون المعنى أن أنتظرالمعنى . ص 67
    22 – بيت المعنى
    للمعنى بيت خـَر ِب . للمعنى باب أدخلهُ ، بهـدوء
    أسطوري ، أخرج من بين ثيابي سكيناً غامضة ً وأفتشُُ
    عن لحم عذابي وأقطـّعه بحروفي المرّة وسط هدوءٍ أعمى
    لأدندن في كأسي : للمعنى بيت ، سكين ، لحم ألـِـق.
    للمعنى قمر ، موت . للمعنى أعداء شرسون ، وللمعنى
    ربّ و ملائكة و نجوم . ص 68
    23 - أسماء المعنى
    الجمع ُ يصفــّق سخفا ً، فأنا لمأعلن أبدا ًعن
    أسماء دمي ، لم أعلن عن أسماء المعنى. ص 69
    24 – عري المعنى
    أولمـتُ لأعضائي فاكهة َ لفجر فجاء الموتُ سريعا ًوانقلب المعنى
    في فنجان لغاتي .
    الشِعْرُ يغنّي في فرح اسطوري خيبتـَهُ و يقوم يقبّل
    دمعي كي نقتـــل شيئا ً يدعى المعنى . ص 70
    25 - ماضي المعنى
    خلفي المعنى ، قدّامي المعنى . ص 73
    26 – ضحك المعنى
    لاجدوى ...
    هربتْ سيدة ُ الجسد الطافح بالحبّ ْ
    نحو البحر العاري بفحيح الاجساد ، أنين الرغبات .
    نحو المدن الموءودة باللامعنى ... ص 74
    27 – كاف المعنى
    قال الأخضرُ حين تقبـّل موتي اليومي ّ ..
    وحرماني الأزلي ومقتلَ شمس طفولتي الذهبيّة ..
    في باب المعنى :
    خذ ْ من كافي حائي .
    فإن شئتَ الكاف إليك َ تكون دليلا
    لتقودكَ نحو الأخضر : نحْوي يا أعمى
    نحْوي فالكاف تجلـّتْ و بدتْ ثاقبة المعنى . ص 78
    28 – وصول المعنى
    ووصلت ُ إليك أخيراً يا معناي .
    صاح فراتُ الأجدادِ
    المكتهلين بموت اللا معنى : انتبهِ اليوم لسر ّالحـرفِ
    بموضعها وتموضعْ فيها واثمرْ فالعمرُ حديث خرف
    يهذي . يهبط ُ فجرّ من قلبي . أهبط ُ حتى الشــارع ،
    في بيت القبلاتِ الثكلـى أودع معناي وأصعد ُحتــى
    دجلة ذات الجسد العذب الشفتين فلا تعطينـي إلاّ مـا
    تعطي سيّدة للبعل ِ ، فماذا أفعل ؟ دوّخها من يملـــك
    سارية َ الأسمنت و سارية الدينار فلا تخفي وجـع الضائع
    مثلي . أمسكتُ بأنهاركِ مستترا ً فرأيتُ بعيدا ً أبعـــد
    منكِ و أقرب منّي نهرا ً أسود يصفرّ عليه الناسُ مــن
    الخوفِ طويلا ً ، نهرا ً أبيض يسودّ عليه الناس ُ مــن
    الصحراء ، ونهرا ً عذبا ً شاهدتك ِ فيه بلا ثوب ٍ نائمـة ً
    منتصف الليل تئنّين الى المعنى
    قام بأمطارك ِ حتـى شفيتْ صحراؤك ِ من أمراض ِ الدنيا ،
    قام الرأس ُ إلـيّ
    أخيرا ً ، قبّلني ، صاح َ بأعضائي فتنبّهتُ من المــوتِ
    إليك ، وجدتُـكِ عارية ً قربي . رجــع َ الرأسُ الـى
    جــسدي ، قـال أنـا المعنـى . فبكيـت . ص 81
    استقراءات المعنى ومعنى الاستقراءات في النظم المبحوث 2 – 5
    - تظهر النصوص المعنية في 5 – 1 بصفتها ( نظما موحدّا ) أو قصيدة متصلة ( توليفية ) ان استعمال كلمة ( المعنى ) حمل معه صيغا كثيرة من الاشكال والمضامين ومن ثم الغايات . لذلك فان استقراء كلمات ( المعنى ) يقود الى معرفة معنى الاستقراء الذي يفرضه النص الشعري علينا هاهنا ليس في اختيار هذه القاعدة مايثير التساؤل اذا ماقرأنا أول ( بيت ) يتضمن كلمة ( المعنى ) اذ هو :
    (( وأختار لموتي معنى ، وأضمّخه بالطيب وأنشره في السرّعلى أكتافي ))
    ( موت المعنى ص 5)
    ثم انتبهنا الى آخر ( بيت ) يحتوى الكلمة ، اياها ، اذ هو :
    ( أ ) (( رجع الرأس ُ الى جسدي ، قال : أنا المعنى . فبكيت )) ( وصول المعنى ص 81 )
    - أن يبدأ الشاعر نظمه بالموت وينتهي بعودة الحياة نقض لقانون بيولوجيا الحياة وبعث لقانون فلسفة الحياة ازاء الحياة نفسها من حيث هي : انسان وعلاقات وحقوق وغايات وآمال وتضحية وثورة ، ومن حيث هي وعي الوجود وكينونة الانسان في ذاته الصغرى صوب الحقيقة العظمى .
    - بين الموت بداية ، والحياة نهاية تستقر صفوف من معاني ( المعنى ) الرامزة على نحو خاص : الرامزة أدبا وفكرا ، والرامزة تقليدا ، والرامزة غموضا مزدوجا ، والرامزة غاية وتقديرا ، والرامزة تصوفا ، والرامزة بلاغة . بل ان ستة من انواع ( الغموض ) التي ذكرها (وليام ايمبسون ) وعددها سبعة ( راجع 4- 3- 1 ) تجدها في هذا النص المتصل مكرورة على غير انتظام ، أي عشوائية ( تلقائية ) غاية في الانسياب والبساطة ، غاية في الغموض معا . اما استثناء النوع السابع من الغموض (( قد يكون للكلام معنيان متناقضان فعلا فيكشفان عن انفصام جوهري في ذهن المؤلف )) فما وجدنا ذلك في الشعر موضع بحثنا ، بل حتى البدء بالموت والانتهاء بالحياة ليس تناقضا ، بل نقض للمألوف ورفض له في سبيل البحث عن لماذا الحياة وكيف نحيا .
    - ان تأكيد الغموض في ( النص المتصل ) لاينفي الوضوح الشامل ، كما ان الجمع بين ( الغموض ) و ( الوضوح ) أي ( ازدواج المعنى ) الى ( فردية المعنى ) يلقي ضوءا على جمال الأسلوب الشعري وغائيته كما في قول الشاعر أديب كمال الدين :
    ( ب ) ((الغيمُ يجيء و يذهــبُ والفجرُ يطرز حرف الدهر فلا معنى أبداً .
    لامعنى لاعادة مشهد حب مكرور ملتهب ، لا معنـى. )) ( أنا وأبي والمعنى ص 13 )
    - في البيت الأول احتمالات متعددة في ( المعنى ) : الغيمُ يجيء و يذهـبُ ! من هو الغيم هذا فضلا عن السحاب ؟ والفجرُ يطرز حرف الدهر ! أيّ فجر هذا ؟ فجر اليوم أم فجر الحياة والانسان ؟ ثم ماهو ( حرف الدهر ) هذا ؟ انه تسامٍ وتصاعد في التأويل (الأوتوقراطي ) : ( القبلي أو البعدي ) وعندما ينفي الشاعر هذه المتضمنات: ( فلا معنى أبدا) يعود ( ليوضح ) الغامض و (يبسّط ) المعقّد بنفي مشهد الحب المكرور من حيث خلوه من المعنى ، معنى التكرار، وليس نفي الظاهرة نفسها ، والظاهرة هنا ( ليست غير مقبولة ) انسانيا ففاقد الشيء لايعطيه، الا ان من يملكه يستزيد منه ويستزيد ! بيد ان شاعرنا ألغى صفة ( المعنى ) الدال من ( تكرار ) الظاهرة لأنه يدرك عبر تجربة او علم ان ( الملل ) قادم والضجر مقبل قطعا حتى في الحب ان صار رتيبا ومكرورا .
    - في هذين البيتين وغيرهما تظهرملكة العقل على كامل هيئتها ، اذ يغيب ( اللاوعي ) تماما ويحل محله ( الوعي ) اطلاقا ويلتقي شاعرنا كمال الدين مع الدكتور هدسن ( راجع 2- 1- ب ) لأنه جعل من ( المعنى ) كيانا ذهنيا مرئيا وملموسا ، ثم يلتقي معه في جعله مفهوما Concept عندما يقول شعرا :
    (ج ) (( يشعلُ نهديها كي يخطفها للأعلى ويحلّق مذهولا ثملا ًو شديد المعنى ))
    ( رومانسية المعنى ص 60 )
    اذ رغم أنها حالة تأويلية صحيحة الا انها تمثل معنى محددا على شكل مصطلح مفاهيمي تماما . ثم يلتقي معه عندما جعل ( المعنى ) اجراءً بقوله شعرا :
    ( د ) ((فإن شئتَ الكاف إليك َ تكون دليلا
    لتقودكَ نحو الأخضر : نحْوي يا أعمى
    نحْوي فالكاف تجلـّتْ و بدتْ ثاقبة المعنى )) ( كاف المعنى ص 77 )
    - هنا أيضا لايتقاطع مفهوم الاجراء مع التأويل ( الأوتوقراطي أو الأقراطي ) ( لمعنى المعنى اجراء ) الا ان تحديد شكله البنيوي انطبق على تعريف هدسن او مفهومه للمعنى في تعبير ( ثاقب المعنى ) كما ان التقاء هدسن جعل له موضعا بين منظري العرب فاذا كان ثمة تأمّل ازاء ماذهب اليه ثعلب (راجع ( 2- 2 )) من ان ( المعنى والتفسير والتأويل واحد ) فانما هو بصدد الكلمات والتعبيرات الدالة من غير كلمة ( المعنى ) نفسها ، وان أي معنى او تفسير أو تأويل انما هو ( أللوقراطي ) بالضرورة مما يقال عنه ( مااصطلح الناس عليه ) وليس مايراه او يصفه شخص لنفسه ( أوتوقراطي ) . فالنحاس ما صار معدنا مرة ونارا بلا دخان مرة الا بما اصطلحت عليه العرب . اذن هما معنيان ، ولكل منهما تفسير ، ولكل ( منّا) ان يؤول على اي معنى يريد كلمة النحاس عندما تأتي في شعر او نثر ان لم يقف السياق في صف الباحث لتحديد المعنى المباشر ! و ( اجتهاد ) الشاعر في منح الكلمة المعنى الذي يريد : مسألة فيها موقف قبل ان تكون مسألة فيها نظر !
    نقرأ أبيات كمال الدين الآتية ونتابع معنى النسيان على انه الدهر :
    ( ه ) (( يانون ، ياسيف القسوة ، ياء اليمّ
    قال الأول: يسأل أحد عن معنى النسيان ؟! لماذا ؟!
    ............ ......... ........
    قال الخامس : معناه الدهر )) ( نسيان المعنى ص 54 )
    - ربما تقول انه ليس ( المعنى ) القاموسي الموثق بل هو معنى مجازي رامز وهذا صحيح ولكن المعالجة ( اللغوية – التاريخية ) تثبت ان النسيان سمة انسانية ، بل ان الانسان كلمة مشتقة من النسيان ! وان النسيان يحدث بعد تذكر واستذكار ، وان الاستذكار والنسيان ( موطنهما ) الزمان بصفة الدهر وان الدهر محيط بالاحداث ، جديدها وقديمها وكل قديم معرض للنسيان وكل جديد مؤهل ليحل محله حتى يحل جديد آخر فيصير نسيانا ! لذلك فالدهر نسيان والدهر ذاكرة وذكرى واستذكار أيضا ! ولكن ليس بارادة الشاعر أديب كمال الدين بل بفطنته وابداعه في ربط ( الاشياء ) فيما بينه حدثيا وعضويا سويا ، أي انه يمنح ( المعنى ) بعده الحياتي العضوي بإتقانه المناورة باطار ( معنى المعنى ) عمليا ومن غير تنظير . من هنا فإنه يضيف جديدا بحق الى دراسة المعنى ومعنى المعنى بإسلوبه الشعري وكفى به اسلوبا ! كما ان هذا الجديد انطلق من التطبيق قبل التنظير ، لأن الأخير يمدنا بالرأي الآتي على لسان اي . دي هيدسن : (( ان اؤلئك الذين يهاجمون معيار المؤلف ( في تحديد المعنى ) أو أيا من أشكال التأويل الفردية الأخرى يلاحظون – بحق – انه ليس بوسع أحد فرض معيار لغوي اعتباطي للتأويل . فلا أحد يمكنه ان يفعل ما فعله
    Humpty – Dumpty
    حين أخبر " أليس " ان بوسعه ان يجعل الكلمة – اي كلمة – تعني مايريده لها ان تعنيه )).
    ولكن في النص المقتبس السابق نجد ( المؤلف ) ( شاعرا ) ونجد فرصة تحليل العلاقة بين المعنى الذي أراده الشاعر والكلمة المفسرة متاحة كما فعلنا . اي ان الشاعر لم يفرض معيارا لغويا اعتباطيا للتأويل من هنا صار ممكنا : وضْع المعنى الذي أراده للنسيان من حيث هو الدهر!
    - بوصف المعنى ( موصوفا ) تحيط به عشرات ( الصفات ) لتحدد للمعنى ( وظيفة ) في متن كل صفة مما توثقه المعجمات المتخصصة نستبين ( المعنى الضمني ) أو ( ظل المعنى ) أي المعنى الاضافي الذي توحي به كلمة المعنى أو شبه جملة ( اللامعنى) في الابيات الآتية :
    ( و ) (( لامعنى لي الا في حرفي ))
    (( انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحث عن معنى )) ( نون المعنى ص 33 )
    ( ز ) (( لامعنى يولد الا من موتي
    (( لامعنى يزهو الا في قتلاي )) ( حوارية المعنى ص 38 )
    - ولقد نتفق في تأويل ( و ) : (( لامعنى لي الا في حرفي )) ببساطة ،بل قد نتفق جزئيا ونختلف جزئيا ازاء ( و ) (( انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحث عن معنى )) الا اننا نقف حائرين ازاء النظم في ( ز ) (( لامعنى يزهو الا من موتي )) فقابل المضمون الآخر في التالي له ، على محمل نفسي واجتماعي (( لامعنى يزهو الا في قتلاي )) بأن يكون الشاعر مقتولا وقاتلا للحياة . ان ( المعنى الوجداني او العاطفي ) عند القارىء لن يكون واحدا ، فالموقف الانفعالي من كلمة ( الموت ) المقترنة باللامعنى قبلها يبعث احساسا متغيرا عند ( الناس ) اذ أن هذا التخصيص او الاستثناء ( بنفي وجود المعنى الا مع الموت ) في الحالتين سويا يدفعنا الى تقصي المعنى الذي سيولد ويزهو بهذه الوسيلة شديدة الغرابة ، شديدة التراجيديا بل ان احساس ( الباحث ) يذهب الى تحويل ( قتلاي ) الى ( قتلاه ) في ( ز) فيصير موت الشاعر ثمنا لظهور ( المعنى ) فضلا عن قتلى ( المعنى ) هذا ، وهذا منطق مألوف في التضحية الفردية والجماعية من أجل ( قضية ) . الا ان اشكالية الجمع بين ( التضحية ) و ( الجرم ) مسألة شائكة في الحياة والتاريخ ، ثم ان ( ظل المعنى ) الذي يتعين البحث عنه يجعل من موت الشاعر ( تضحية ) ومن ( قتلاه ) الذين يقفون في طريق ( الغاية – القضية ) الساحبة ، حتى يظهر المعنى ، ثمنا أو وقودا أو شرطا لزهو المعنى هنا ، يصح القول اننا كنا نبحث في المعنى اللغوي للجمل من حاصل جمع ( المعنى القواعدي ) و (المعنى المفرداتي ) المرتبط به . اما تحويل هذا السياق الى البحث عن ( معنى المعنى ) في هذين النظمين فاننا ندخل في المعنى المفرداتي عن طريق فك الرمز البلاغي وتأويلاته ( الاوتوقراطية ) أو ( الأللوقراطية ) وهو ليس من مهمتنا في هذا البحث حسب منهجه .الا ان الوصول اليه يعني اننا حققنا ( المعنى الكامل ) للأبيات بإضافة المضمون الاجتماعي الى التفسير اللغوي . مع هذه الومضة السريعة نشير الى موقف ( جومسكي ) من العلاقة بين النحو و ( المعنى والدلالة ) في ( 2- 1- ز ) . اذ ان البيت ( و ) في الاقتباس السابق :
    (( انتبهوا رأسي فوق الرمح إله يبحث عن معنى )) يمثل حالة قواعدية صحيحة الا ان المعنى الذي يحاور فيه جومسكي ضمن السياق العام غير موجود هنا الا اذا انتقلنا الى ( البلاغة ) فالسياق البيولوجي العام لايسمح ( للرأس المقطوع ) ان يبحث عن شيء ما في ( المعنى ) أو في غيره ! وهكذا تبدأ رحلة المعنى المجازي وتبدأ بحل لغة التشبيه في كلمة (إله ) ثم حل مشكلة الاله الذي ( يبحث ) ولايستطيع ايجاد مايبحث عنه ومن بعد ذلك نستقرعلى كشف سر المبحوث عنه : المعنى ، كناية عن ( ؟ ) حيث ينطلق التأويل ( الاوتوقراطي ) بقوة بل يتجه الى اتجاهات كثيرة ، في الوقت نفسه نستذكر الثمن لايجاد هذا المستتر أو الكشف عنه : الموت على جوانبه التي عرضناها في أعلاه . ان مايذهب اليه جومسكي وآخرون في ذكر البنية العميقة Deep Structure ضمن البنية الظاهرة سواء في حالتي المبني للمجهول ازاء المبني للمعلوم ام في حالة التلاعب بالكلمات ( بلاغة ) Words play يتوافق تماما مع هذا النص بل يمد جسورا نادرة بين البنية والدلالة لاتخفى .
    - ينقلب ( المعنى ) الى فاعل قوي مهيمن أداته ( اللامعنى ) ليجلس الشاعر في ( تاء الموت ) قليلا فيقول :
    ( ح ) (( حاصرني المعنى باللامعنى
    أجلسني في تاء الموت قليلا .... )) ( خيانة المعنى ص 58 )
    - هنا يظهر ( المعنى ) سطوةً وقوة وأداته عاتية وقاتلة . اذ هي ( اللامعنى ) بينما في المثال ( و ) كان الرأس يبحث عن معنى ( مفعول به ) منفذاً ! فهل في ذلك مفارقة أو تناقض مما ذكره ( وليام امبسون ) في نوع الغموض رقم ( 7 ) ( راجع 4- 3 – 1 ) في الواقع ليس ثمة ( تشويش أو تناقض ، لأن الشاعر كمال الدين جعل من المعنى في طول الديوان وعرضه كلمة متعددة المعاني على نحو شامل وعلى نحو محدود معا ، أي ان كلمة ( معنى ) واحدة تحمل أكثر من معنى في الوقت نفسه اما ( تورية ) بلاغية أو احتمالات تأويلية وكذلك مجموع كلمات ( معنى ) في المنظومات كلها اذ لابد ان يعطي معاني متعددة . وقد يؤيد التحليل ذلك تماما كما فعل حتى الآن . فقد يتضمن البيتان هنا معنى أساسيا ومعنى ثانويا الا ان ( نسبية ) الأساسي الى الثانوي متغيرة ! وماذلك الا بسبب كلمة ( الموت ) في الشطر الثاني ، فالقارىء ( المقاتل ) في السياسة والحرب تؤثر فيه كلمة ( حاصرني ) وهي كلمة ذات طبيعة ( عسكرية ) وبفعل الايحاء الذاتي لها تجعل من الموقف عسكريا او قتاليا . ومن الطبيعي ان يكون الموت أحد احتمالاته ! اما ( تاء ) الموت هذا فتخضع للتأويل الرمزي الموضح في ( 4- 3 – 3 الجدول ) . ولما كان التعبير( أجلسني ) يحدد حيزا فإنه ( تابوت )على الأرجح ليذيق شاعرنا هول العذاب النفسي قبل الخاتمة ! وبإنتقالة ( انقلابية ) تخضع للمعنى الثانوي ، فلقد يصير الحب والكراهية سببا وأداة هنا ويصبح ( التاء ) ( تحتا ) أي : تحت الموت ، وهو قريب من التابوت في المضمون الا انه من غير تابوت ! ولو قرأ هذه الأبيات ( عاشق رومانسي ) لبدأ بالحب والبغض معنى أساسيا ثم يجعل من الحرب والقتال معنى ثانويا ومافي ذلك خطأ ! ورغم أننا انتقلنا عبر الاستقراء الذي يبدو سليما في ترابطه الى مبدأ سايكولوجية المعنى او الدلالة اذ (( يكثر الجدل حول سايكولوجية المعنى بسبب اتساع مجال استعمال الكلمة ولها عنصران هما النية والمغزى ، تختلف حولهما نظريات المعنى عن بعضها البعض . لكن المشاكل المتعلقة بعلم النفس تدور في معظمها " حول المغزى دون النية " وفي هذه الحالة يدور الجدل الرئيسي بين من يعدون المعنى مسألة ادراكية في الأصل وبين من يعدونه مسألة انفعالية أولا )).
    - سواءً أكان التعبير " حول المغزى دون النية " مقصودا أم كان ( من دون النية ) وهو المرجح حسب السياق ، فإن محاولة بلومفيلد تدخل في هذا النوع من علم النفس السلوكي ، اذ لاسبيل للتوصل الى الإستجابات ( الصحيحة ) من غير ( معرفة ) المغزى فضلا عن النية لأن الألفاظ قد ( تتراصف ) في الحديث أو الكتابة لتعكس المعنى غير المقصود أصلا بسبب
    ( فقر ) الخبرة في التعامل القواعدي – النحوي الصحيح .
    - في تركيبة ( إضاءة المعنى ) الشعرية نقرأ هذا النظم المركّب الجميل للبحث في ( فارق المعنى ):
    ( ط ) * (( سأضيء المعنى ... ))
    ** ((أضيء المعنى كافـا في هيئة ساحرة..... ))
    أضيء المعنى فجرا ًمن فتنة ِ ميسمكِ الغامض في شفتي
    وسط رمالٍ عارية
    سأضيء المعنى أحشاء غامضة التكوين و وهما ً يتجلّى .
    سأضيء المعنى قصةََ سـيدةٍ تنمو وسط صحار ٍو سيوف ٍ و فرات))
    *** (( سأضيء المعنى نونا ً لاتفنى
    فيكون المعنى أن أنتظرالمعنى )) ( إضاءة المعنى ) ص 67
    - من المكن معالجة أيّ من الاقتباسات (* ) أو ( ** ) أو (*** ) على نحو منفصل ، بعضها عن البعض الآخر الا ان معالجتها مجتمعة يوفر لنا غاية جديدة تماما هي الكشف عن صيغ مايسمى فارق المعنى أو مانسميه بالتمايز بين الجمل المتناظرة والكشف عن الكلمة التي تسبب الفرق بين كل معنيين .
    - ان الكشف عن سبب الاختلاف هنا يقود الى ( تفحص ) موضع كلمة ( المعنى ) التركيبي و البلاغي ، ففي جملة ( سأضيء المعنى ) وحدها حصر لمعنى ( المعنى ) على نحو مفتوح مطلق ولكن في جملة ( أضيء المعنى كافا ) وجملة ( أضيء المعنى فجرا..) تجعل من المعنى مشبها بوصفه ( كافا ) و ( فجرا ) و( أحشاءً ) و( قصة سيدة ) واخيرا ( نونا ) مع الصفات الملحقة بكل موصوف من ( المعنى ) المشبه به . هنا علينا البحث في ( رمزية ) الحروف الملحقة بكلمات (المعنى ) فضلا عن كلمات ( المعنى ) نفسها . وعندما ( ندخل ) البيت الأخير : ( فيكون المعنى أن أنتظر المعنى ) عدنا الى ( المطلق المفتوح ) في ( المعنى ) ( الثانية ) . أما الأولى فمن خيارات الكلام الواضح التقليدي : ( فيكون المعنى ) بخلاف ( أن أنتظر المعنى ) القريب من انتظار( غودو ) في المسرحية الشهيرة !
    لنقرأ النص مختصرا الى مايسميه جومسكي الجملة النواة او الأساس ثم نرى :
    ( ي ) (( سأضي المعنى ....
    فيكون المعنى ان أنتظر المعنى ))
    هنا اخترنا الشطر الأول (عنوانا في أصل النص ) مع الشطر الأخير ( خاتمة الموضوع ) ومركزا لمعناه فظهر لنا ( نص جديد ) هو في الحقيقة مكمن ( المعنى) المستهدف، واذا حذفنا ( جوازا ) جملة ( فيكون المعنى أن .....) مع اضافة حرف واحد فاننا نقرأ :
    ( ك ) ( سأضيء المعنى ... وأنتظر المعنى )
    أو ( سأضيء المعنى ...لأنتظر المعنى )
    فإن ( فارق المعنى ) يبدو شديد الوضوح نسبة الى النص الأصل ، أي ان ( المعنى ) المضُاء ليس ( المعنى ) المنتظر ، فما هما اذن ؟ في هذا الاختزال توافق مع بعض منطلقات جومسكي في ( النظرية التحويلية) في ( النحو ) على نحوٍ لفظي غير رمزي . هنا تبدأ مشكلة تحديد المعنى حسب سياق بحثنا هذا مع رحلة التأويل الممتعة بالعودة الى اصل النص كاملا والافادة من سياقاته الرمزية ( الفلسفية ) و ( الدلالية ) معا ، الا ان ( الأوتوقراطية ) المجددة او لوحدها لاتستطيع ان تقدر كل المعاني التأويلية لكل كلمة ( معنى ) وردت في المقطع المقتبس ، وسواء أكان القارىء من المحيطين بنظرية جومسكي أم لا فإن ( فارق المعنى ) يجعل دلالة كل ( معنى ) مختلفة عند ( س ) من الناس و( ص ) منهم ... الخ ، بل لو حاولنا ( ترجمة ) المقطع ( ط ) الى الوضوح الدال ، مستعينين باعطاء كل حرف رامز دلالته (الفلسفية أو الصوفية أو البلاغية ) حسب التقدير الذي يراه القارىء طبقا لسياق البيت ، وفي الوقت نفسه وبمطابقة مدلول ( المعنى ) للسياق نفسه يقترح القارىء مقابلات تعويضية ( تأويلية ) يراها مناسبة فإن صورا كثيرة وصيغا عديدة لهذا المقطع تفرض وجودها بصفتها نظما شعرية مستقل بعضها عن بعض بدرجات متفاوتة أي ان المقارنة لدرجة التناظر أو التماثل تمثل الحد الأعلى والأختلاف درجة التناقض يمثل الحد الأدنى . ولكن ايّ من الحدين يُعدّ العامل المحدد لصحة التأويل ؟
    في الواقع يتعين اللجوء الى قبول جميع التأويلات الأوتوقراطية من غيرتحفظ حتى يصار الى تأويل أللوقراطي ( جمعي – موحد ) يمثل المجموع كله قيرفض التأويلات الأوتوقراطية قبله – التأويل الآني ، اذن ، هو تأويل أوتوقراطي للباحث بوصفه قارئا حسب تتقلب قي جنباته نوازع مشتركة أو متناقضة بإزاء الشاعر او نظمه في الأصح ويتأثر بتجربته القبلية والبعدية معا حيال ( المعنى ) بحكم التخصص بالثقافة والمتابعة ، وبمحاذاة ( التأويل ) بأثر النص فرضا وكما يأتي :
    (( سأضيء الكمال ... ( تصوف صرف )
    أضيء الكمال كينونةً في هيئة ساحرة تستحضر هيبة خيبات ( تصوف – فلسفي )
    أضيء الكمال فجراً من فتنة ميسمك الغامض في شفتي وسط رمال عارية ( تصوف )
    سأضيء الكينونة أحشاءً غامضة التكوين ووهما يتجلّى .... ( بلاغة كناية )
    سأضيء الكينونة قصة سيدة تنمو وسط صحارٍ وسيوف وفرات ( بلاغة استعارة )
    سأضيء الكمال ناموساً لايفنى ... ( تصوف – فلسفي )
    فتكون الكينونة أن أنتظر الكمال )) ( فلسفة – صوفية )
    - اذا كان ( لناقد ما ) أن يستدرك أو يتحفظ على مثل هذا التأويل ، بإطار منهج هذا البحث ، فإن استدراكه وتحفظه لايسريان قط على تأويل البيت الأخير : (( فيكون المعنى أن أنتظر المعنى ( تطابق ) فتكون الكينونة أن أنتظر الكمال ))
    - أي ان ( التطابق ) في الجملتين نبع من صميم مقومات الفلسفة الصوفية والتصوف الفلسفي وان محتوى جملة التأويل : ( فتكون الكينونة أن أنتظر الكمال ) غاية في التناغم والانسجام مع توجه كل محبّ لله بصفاء النفس وزهدها وورعها ، اذ بتوحّد جسمه وروحه ونفسه يبلغ اقصى درجات الحب والوجد والعشق في الكمال ، في العبودية المطلقة لله وحده والفوقية المطلقة على سائر المخلوقات دون البشر على نحو خاص .
    - أما معالجة ( سأضيء المعنى ) بتأويلها الى ( سأضيء الكمال ) من دون تأويلها ب ( سأضيء الكينونة ) فإن لنا مذهبا بلاغيا في ذلك وأيّ مذهب ! بدءا ليس في تأويل النظم هذا الى ( سأضيء الكينونة ) خطأ ما أو انحراف عن دليل فكّ الغموض الذي تتوسل به عبر هذا البحث : ( 4 – 3 ) بكل فروعها ، الا ان السمو البلاغي غائب اطلاقا عن هذا النحو وبلجوئنا الى : ( سأضيء الكمال ) جاوزنا قدرة البشر العادية في الواقع لأن الكمال ( مستوى غائي ) لايدركه الا قديس أو وليّ صالح تماما وان جمعتنا المؤوَّلة لاتمنح البشر هذه السلطة الخارقة لذلك فإن وضعها في صدر النظم لذو مغزى بلاغي عظيم اذ هو ايجاز الحذف ، فإضاءة المعنى اصلا واضاءة الكمال تأويلا تخضع لإرادة الله بتقديرها جملة محذوفة من النص بتقدير : (سأضيء الكمال ...بإذن الله ) أو مايناظر ذلك وتلك احدى مشاكل التصوف والمتصوفين ( المتفلسفين ) بما لايدركه العادي من الناس بل الخاصة منهم حسب ! وفي الوقت نفسه اذا انتقلنا بالتأويل الى القول : ( سأضيء المعنى ( يطابق ) سأضيء الكينونة ) فإن ايّ مدلول ذي مغزى لن يقع بين أصابعنا ! من هنا فإن فلسفة هذا المقطع تكمن في ( توجهه ) الرمزي الصوفي التام ( راجع 6 – 2 ) وبُعده اللانهائي المطلق ( راجع 6 – 3 ) وبجمع ( التوجه ) اياه الى ( البعد ) اياه نحصل على فلسفة المعنى التي نجادل فيها ومن اجلها في ( 6 – 4 )
    6- من الاستقراءات الى الاستنباطات
    6 – 1 الاستنباطات العامة خلاصة :
    - قدمنا في المعالجات الاستقرائية في ( 5- 2 ) عروضا تحليلية ارتبطت ( بنوع المعنى ) في الغالب الأعم مستفيدين في ذلك من النهجين القبلي والبعدي في الاستدلال المنطقي حتى صار كل شيء واضحا ومعدا لنوع آخر من الدراسة اذ هو ( الاستنباط ) الاسنباط المستند الى كل نص شعري مهما كان طول مقطعه الشعري مع احتضانه كلمة ( المعنى ) على أي تصريف أو صيغة جاءت ضمن مادة العرض نظما ( 5 – 1 ) حتى ظهر أمامنا جليا السؤال المتوقع الذي ( يلح ) في تحديد الجواب اتماما لعلمية البحث وموضوعيته ، اذ هو : هل يمكن استنباط ثوابت أو حقائق أو تصنيفات غير مكررة من كل ما تقدم من عروض وتحليلات ( نظرية ) و ( تطبيقية ) ؟ وسرعان ما كشف لنا سياق العمل المنجز في هذا البحث ان الجواب الأكيد : نعم ، اما الاستنباطات ( العامة ) فيمكن جعلها خلاصة ( لنتائج البحث ) وليس خلاصة البحث نفسه ، لأنّ البحث قدم نفسه بإيجاز ولاضرورة لخلاصة له اما النتائج فإنها من الأهمية ما يتعين تبويبها بالنظام العلمي الموضوعي الذي تستحق ، واما ( تفاصيل ) الاستنباطات عالية الأهمية فلها عرض منفصل او مستقل لاحقا ، لنبدأ بعرض الاستنباطات العامة كما يأتي :
    ( أ ) قدم المبحوث صيغا شعرية حديثة تعتمد على متضمنات " المعنى " أو" ظلال المعنى " غير المعروفة أو غير المعلنة أساساً ، وعلى نحو تلقائي غير خاضع لمنهجية حسابية ، ولقد يتفق ذلك مع طبع الشاعر وطبيعة الشعر الحديث على أيّ نوع كان ، مما لم يقدم عليه شاعر من قبل *
    ( ب ) كشف التحليل المقدم في هذا البحث وبخاصة في ( 5 – 2 ) عن النزعة الفلسفية في تناول " مشكلة " دلالة كلمة " المعنى " وذلك بإخضاعها الى "اللامسلّمات " من طريقي الغموض المتنوع والتأويل المتعدد فضلا عن الأفتراق عن المألوف المعروف .
    ( ج ) تكشف النزعة الفلسفية الموضحة في ( ب ) ان للمعنى ( توجهات ) معينة أو مجموعة من الصيغ الوظيفية الدالة وفي الوقت نفسه تكشف ان للمعنى ( سعة ) محدودة أو مجموعة أبعاد دالة يمكن التعبير عنها رياضيا:
    Deuced meaning Capacity. Dimensions of the meaning
    ( د ) يمكن التعبير عن ( ج ) أعلاه بالنماذج المصنفة حسب طبيعة الغاية أو الاستنباط المثبت بل يمكن اشتقاق العلاقة بين ( توجهات ) المعنى و ( سعة ) المعنى تحت سقف ( فلسفة ) المعنى حسابيا ونظما معا .
    ( ه ) ان طبيعة النتائج المتحققة عبر هذه الاستنباطات لم تكن لتأتي من الاعتماد على المنظور العربي فقط للمعنى ومعنى المعنى ، ولم تكن لتتحقق أيضا بالمنظور الانكليزي فقط ، الا ان اخضاع النص المبحوث للمنظورين العربي والانكليزي أي القديم والحديث ، رغم تعذر حسم مفهوم ( معنى المعنى ) حتى الآن ، سهّل ايجاد هذه النتائج الوصفية الخارجية من دون الاخلال بالأهمية النسبية العالية للنتائج المتحققة نفسها على طريق انواع المعنى بإضافة مصطلحي : توجّه المعنى وسعة المعنى :
    Meaning orientation and meaning capacity
    6 – 2 توجهات المعنى المستنبطة أو مجموع الصيغ الوظيفية الدالة لكلمة المعنى
    - في الاشارة التي وردت في ( 6 – 1 – ج ) و ( 6 – 1 – د ) مايصير سببا لإفراد هذه المادة لتكتسب درجة الوضوح المناسبة في حقل الاستنباط الذي نبحث ، اذ ان هذه التوجهات ليست ( لامسلمات ) أو ( قضايا ) فلسفية تولّى النظم المبحوث محاولة تصويرها قبل معالجة مشكلة حلها فحسب ، بل هي ( جميع ) القواعد أو المبادىء الفلسفية التي تركت آثارها في
    ( كل ) مقطع شعري تضمن أو احتوى كلمة ( المعنى ) حتى لو لم يكن مقصودا به المعالجة الفلسفية أساسا ، أي ان النظم الشعري الحديث في ديوان كمال الدين قد استطاع ان ( يوظف ) كلمة (المعنى ) ( بمنحها وظيفة ) على مسارات عدة تنتهي الى الفلسفة تماما ، حتى صار ( للمعنى ) ، بوصفه كلمة دالة ، صيغ دالة وظيفية يمكن تصنيفها وتعزيزها بالأمثلة النظمية المطابقة ، ومن البدهي ان لاتكون كلمة ( المعنى ) بمعناها التفسيري التقليدي اثباتا أو نفيا موضع احصاء أو تصنيف في هذا الصدد لأنها لاتمثل نهجا فلسفيا بل لغويا حسب ، وخارج السلّم التصنيفي المستنبط . اما فرص ( تحليل ) أي نظم أو مقطع شعري ، على اختلاف أنواع التحليل ، مع تشخيص الصيغ الوظيفية الدالة فلسفيا فإنه يسري على النظم الشعري الخاضع لها كما حصل في جميع المناقشات السابقة تماما ، أي أنها تخضع لمعالجات التأويل وفك الغموض ( الدلالي والنحوي والحرفي الرامز ... الخ ) فضلا عن تحديد المعنى الرئيسي ( المعنى الأهم لكلمة ذات معنيين أو قريبا من ذلك ) والمعنى المزدوج ( في الكلمة أو الجملة التي تحتمل تأويلين أحدهما فقط هو المقصود من المتكلم أو الكاتب او الشاعر) تمييزا عن التورية مما هو معروف بلاغيا وتفريقا عن ( المعنى ) المزدوج في أصل تعريف الغموض مما سبق مناقشته في ( 4 – 3 – 1 )
    - يمكن اجمال التوجهات أو الصيغ الوظيفية الدالة ( للمعنى ) بما يأتي من الأدنى الى الأعلى غموضا :
    ( أ ) المناورة اللفظية بالفلسفة مقترنةً بالمعنى رمزا
    كما في قول أديب :
    (( انّ اللذة َسيدة المبنى
    العصفورُ يقوم و يدخل في هدهدها
    ويقبّل أغصانَ الحنطة غصنا ًغصنا ً
    يتفلسفُ بالمعنى الضيق
    ويثرثر كالأطفال )) ( ميم المعنى ص 27 )
    - مع وضوح الكنايات والاستعارات في هذا المقطع فإن جملة ( يتفلسف بالمعنى ) ليست كذلك ، فالتفلسف هنا ( برمز ) المعنى أو مدلوله يتطلب تحديد ( محتوى ) التفلسف ومدلول ( المعنى ) معا لأن المعنى الحرفي للفلسفة هو ( حب الحكمة ) والمعنى الحرفي للمعنى تفسير أو توضيح مما قبل التأويل عن الغموض، أما المعنى المجازي للمعنى فهو المستهدف في هذا المقطع .
    - يبدو تحديد معنى ( يتفلسف بالمعنى ) اذن كعملية ربط الحقيقي بالمجاز بالعودة الى أول المقطع ( انّ اللذة َ سيدة المبنى ) ، على كل حال ، لم يرد هذا التعبير باستعمال الفلسفة مقترنة بلفظة المعنى الا مرة واحدة ، مع ذلك صيّر لنفسه اتجاها متفردا بنقل التفلسف الذي طرقه علماء اللغة وعلماء الدلالة الى التفلسف ( بالمعنى ) رمزا عن شيء محدود حيث يكمن جمال التوظيف حقا في المناورة اللفظية الفلسفية.
    ( ب ) الغموض المزدوج والغموض = معنى مزدوج )
    ( كان المعنى قدّامي وورائي
    يبحث عن معنى لطلاسمي العظمى ) ( ارتباك المعنى ص 57 )
    - في هذا التوجه يمنح الشاعرمعنى ( للمعنى ) الأولى غيره في معنى ( المعنى ) الثانية اطلاقا ، فالتشخيص المعطى للمعنى الأول يجعله يحمل صفة العاقل ويقبل التأويل على أكثر من وجه ليس من بينها الوجه التقليدي : القصد أو التفسير ، اما المعنى الثانية فتحمل معنى القصد والتفسير حصرا الا انه تفسير ما هو مجهول ومغلق : الطلاسم العظمى ، فالمجهول الذي يؤدي الى معلوم ليس كالمعلوم الذي يفضي الى مجهول ! والجمع بين الاثنين في نظم واحد لاشك توجه فلسفي لايثبت ولايستقر بإطار غموضه المزدوج ، أي الغموض رباعي المدلول !
    ( ج ) الغائية التقديرية
    (( يبقى الجسد المدهوشُ عنيفاً لايعرف للموتِ طريقاً أو معنى )) ( أخبار المعنى ص 8 )
    - في المألوف ان طرائق الموت وأسبابه معروفة تماما، وان تفسير الموت مباح على أكثر من صورة بيولوجية وفيزيائية وروحية ( نفسية ) واجتماعية وتاريخية ... الخ ، الا ان ( قلب ) هذه المعايير المطروحة من معلوم الى مجهول يفصح عن غائيّة تقديرية لقلب المسلّمة الى لامسلّمة وتحويلها الى مشكلة من جديد! اذ تربط الموت مشكلة بما يليه من حياة آخريّة وان طريق الموت امام ( جسد مدهوش وعنيف ) حالة فيزيائية غير متاحة في الطبيعة فالمدهوش لايصيرعنيفا لأنه ينتهي بالتفكك والاندثار والفناء وهو الموت ، فكيف لايعرف له طريقا ؟! انه العذاب المقيم ، الكبت والحرمان والاحباط بوصفها جميعا : عنفا داخليا في جسد مهزوم في واقع الحياة ، من هنا فإن مضمون الغائيّة التقديرية في هذا التوجه ماهو الا تحويل المألوف الى ( لامألوف ) وتقويض المسلّمات واعادتها الى لامسلّمات فلسفيا .
    ( د ) الرمزية الأدبية والفكرية
    ((و دمي يهذي : كيف يصير ُالطارىء ملكاً والقاتلُ سيّدَ
    لعبة ِأطفال ٍ فرحوا بشموس طفولتهم ياسيدة ً قتلتْ نوناً
    تبحثُ عن صاد المعنى ؟ )) ( نص المعنى ص 66 )
    - يبدأ النظم بسؤال انكاري وينتهي برمزين حرفين في ( ياسيدة ً قتلتْ نونا ً
    تبحثُ عن صاد المعنى ) اما ( النون ) فحرف رامز مستقل هنا وللقارىء ان يضيف الى معناه ما يشاء ! واما ( الصاد ) المقترن بالمعنى فلقد يدفعنا التأويل المجدول وقد يتوجب الاضافة ، الا اننا نريد ان نضيف هنا المعنى المرتبط بالصفة أو مايطلق عليه المعنى الوصفي : معنى يدل على صفة ولايدل على موصوف ، اي ان تعبير ( صاد المعنى ) يصير فيه ( الصاد ) موصوفا و( المعنى ) ( رمزاً ) : صفة دالة فيتألق التأويل من زوايا كثيرة رغم بنية التعبير القواعدية العادية . نريد القول ان الرمز الأدبي أو الفكري قد لايأخذ طريقا سهلة واضحة ، انما يتضاعف الغموض في بنيته العميقة فيتحول الى نهج فلسفي وقضية يصعب حلها فعلا ، لأنّ ( النون ) رمز أدبي – فكري على طريق الفلسفة فهي عندما تبحث عن ( صاد ) مقترن ( بالمعنى ) فإنما تزيد الغموض دخانا على دخان كلما حاولنا فك أسراره ! هنا نستذكر ان الرمز الأدبي أو الفكري ( السياسي أخيراً ) ليس ابتداعاً ابتدعه شاعرنا ، بيد ان مضاعفة الترميز هو من استعمالاته المبدعة بحق حتى ليمكن القول ان الرمز صار مربعا أو مكعبا !
    ( ه ) التصوف فلسفة ( الرمزية الصوفية ) او ( الصوفية الرمزية )
    (( قال الأخضرُ حين تقبـّل موتي اليوميّ ..
    وحرماني الأزلي ومقتلَ شمس طفولتي الذهبيّة ..
    في باب المعنى :
    خذ ْ من كافي حائي
    خذ ْ منها قافي ..
    وتأمّلْ فيها لامي ، ألفي لامي ..)) ( كاف المعنى ص 77 )
    - في لغة التصوف رموز خاصة محدودة التداول صعبة المحاكاة عصية الممارسة ! الا ان تقريبها للذهن ليس متعذرا في النظم على نحو خاص . أحسب ان كمال الدين اختار في نظم ديوانه هذا السبيل ، الا ان هذا الاختيار لايعني ( الوضوح ) نقيض ( الغموض ) : مزدوج المعنى! فمن الصحيح ان يكون الرمز هنا كناية بلاغية محددة ، الا ان الصحيح أكثر هو الترميز الصوفي ( بالأخضر ) و( باب ) ( المعنى ) تليهما الحروف الرامزة على ثلاثة محاور تأويلية : فلسفية وصوفية وبلاغية ( راجع 5 – 2 – ط للمقارنة ).
    - يقول الشاعر في موضع آخر من القصيدة ( الأخضر ينبوعي ، أتجلّى فيه ولايتجلّى في أعضائي ) والتجلّي لايحصل الا مع المتصوفة الزاهدين العابدين . وبالمثل ، فإن مفردة ( الباب ) معبّرة عن كل مصير أوابتداء في العبادة ، باب : مكان العبادة ، باب : الجنة وأبوابها ، باب : مراقد الأئمة والأولياء الصالحين مهما كانت قدسية أسرارهم غامضة أو واضحة للناس . والمعنى اذن من هؤلاء حصراً ! اما معنى ( المعنى ) في جملة ( في باب المعنى ) فيحمل مشكلة حرف الجر ( في ) ليزيد التأويل حرجا ولانصيب لنا هنا في محاولة فكّ هذا الرمز لأنه لايدخل في منهجنا ، بل يمكن الاشارة الى آخر القصيدة اذ يقول شاعرنا :
    (( فإن شئتَ الكاف إليك َ تكون دليلا
    لتقودكَ نحو الأخضر: نحْوي يا أعمى
    نحْوي فالكاف تجلـّتْ و بدتْ ثاقبة المعنى )) ( ص 78 )
    فإذا كان الأخضر هو الشاعر نفسه فإن الأخضر في أول القصيدة ( أعلاه ) ليس هو ! والا أصبح فاعل (تقبّل) مستترا ويتوجب تقديره ، وهذا مذهب صحيح أيضا الا ان الغموض الدلالي يزداد بسبب الغموض النحوي في بنية ( صدر ) القصيدة و ( عجزها ) ، وهو جميل عندنا : في الوقت نفسه نرى كلمة التجلّي في تعبير ( فالكاف تجلّتْ ) ، و( الكمال ) أحد التأويلات الصوفية الكريمة لهذا الحرف حتى ليُقال عن أحد الصالحين ( عاش في عشق ومات في كمال ). وفي الواقع ان ( صوفية ) المقطع لاجدال فيها أو مناقشة الا ان ( بنيته ) تقود من غموض الى غموض وهذا هو سرّ التصوف في استعمال اللغة حتى ليخيّل لنا الزلل والخطل في هذا الاستعمال عند مَن لايعلم ما التصوف فيحصل مايحصل من قطع الأعناق !
    ( و ) البلاغة فلسفة
    (( وضع المعنى الرأسَ على الرمح
    ومضى يحمله في الطرقات
    وسط صهيل الناس . )) ( خيانة المعنى ص 58 )
    - من بين عشرات الصيغ التعبيرية البلاغية التي هي سمة الديوان موضع البحث ، انسحب الاختيار على هذا المثال الجميل الذي يفتح أبواب التغيير والمساجلة في اعادة الصياغة ومحاورة السبب والنتيجة في المغزى والنية معاً ! ففي الشطر الأول من هذا المقطع : ( وضع المعنى الرأسَ على الرمح ) ، اذ ( المعنى ) فاعل و ( الرأسَ ) مفعول به وشبه الجملة ( على الرمح ) حدث تاريخي ، بل أحداث تاريخية مكرورة ، وقطع الرؤوس مكرور ، ووضعها على الرماح مكرور والدوران أو التجوال بها في الطرقات مكروران ، في الصين وفرنسا القرن السادس عشر ومادون ، والعرب قبل الاسلام وبعده ، الا ان قطع الرأس ، أي رأس ، ليس بمكافىء لأيّ قطع رأس آخر غاية وسببا ً ! تلك هي المسألة في هذا النظم ، فالصيغة الفصيحة التي قدمت ( المعنى ) فاعلا ورأس ( الشهيد ) ( على الرمح ) مفعولين لاتحمل ( استثناءً ) في الصيغة أو ابتداعا في التعبير . اذ ثمة صيغة أكثر بلاغة ، بل تجعلها في عمق الفلسفة بحق ! فلو قلنا :
    ( وضع الرأسُ المعنى على الرمح )
    لتبدل موضع الشهيد من معرّف بالرأس المألوف الى معرّف بالمعنى السامي المكنون ! أما الرأس فسيعود الى ( القاتل ) تصغيراً بلاغياً غير محبوب ! وحتى لو قرأنا الشطر مع تغيير التحريك هكذا : (وضع المعنى الرأسَ على الرمح ) ( من غير النظر الى ناحية الوزن مجازاً ) لحصلنا على المضمون البلاغي السابق زائداً حسنة بلاغية أخرى بتقديم المفعول به وتأخير الفاعل ، اي تقديم ماحقه التأخير . وفي تسويغ لاختيار الشاعر : نحسب انه ارتأى مضاعفة الغموض في تأويل ( المعنى ) فاعلا ، ذلك على تعريف ( الرأس ) مفعولا ، أي أن ( التركيز ) وقع على المجرم وليس على الضحية ،تحذيرأ من تكرار مماثل ومستتر جداً ! ولما لم يفصح عن ( الرأس والمعنى ) : أين ومتى ، وذلك من طبيعة هذا النظم حتماً ، فإن الرأس هو : رؤوس ، وأن المعنى معان على مرّ العصور والأجيال ،وهكذا يذهب بنا النظم الى ( وسط صهيل الناس ) حيث كلمات ليس بينها اقتران تقليدي ( أنف مستدق وعيون حوراء ) اذ التقليدي : ( صهيل الخيل أو عويل الناس ) فإن نحن جعلنا منه سخرية فإن الحظّ لايحالفنا على نحو مناسب ، وان جعلناه في موضع ( تبادل الحواس ) أو تحت ( الحس المتزامن ) ( نسمع ألواناً ونرى أصواتاً ) أصبنا قليلاً من الصواب لا كلّه ، وفي الحالتين حيرة أمام جمال التعبير: صهيل الناس ، اذ في اعادة الصهيل الى الخيل مغزى آخر( فروسي ) اذ لم تحمل ( الخيل ) ولم يحمل الحصان يوما صفة سيئة بل العكس صحيح حقا ، وان تحويل ( عويل الناس ) الى ( صهيل ) تورية متقدمة عن حال الناس ازاء هذا المشهد الرهيب بتحويل الحزن المكتوم الى فرح معلن يوماً ما ، ولكن في مدلول جملة : ( ومضى يحمله في الطرقات) معنى الارهاب المفضي الى الحزن المكتوم والفرح المؤجّل والذي اختفى في السلوك الفردي وحلتّ محله أشكال اخرى من قطع الرؤوس الجمعي .
    - أين تكمن الفلسفة في هذه البلاغة ؟ انها تكمن في ( الموقف من الموقف ) اياه ، اذ ليس ثمة ندب أو تحريض أو تضرّع ! انما ( قضية ) الانسان يقطع رأس الانسان ، الباطل يذبح الحق ، القوة تصرع الأعزل ، والسبب هو الفكر ، المبدأ ، الغاية ، من سقراط الأول حتى آخر سقراط قبل يوم الدين : هذه هي فلسفة البلاغة ، وبلاغة الفلسفة في آخر كل مطاف في نظم كمال الدين ، ولكن في تسمية مباشرة ( لجد ) الانسانية ، ونحن اذن أحفاده ! يذكر الشاعر ترميزاً :
    ونبوخذنصر يرسم روح المعنى في قلبي ))
    ويعاشر أفخاذ النسوة مجنوناً مثلي ..
    قومِي ، أثلجني موتُ أبي ، عذبني دهري الأعمى ..
    صرخات ُالجدّ المحمول على رمح المعنى )) ( أخطاء المعنى ص 11 )
    لم يرد ( المعنى ) هنا فاعلا بل مضاف الى الرمح وفاعل في العمق ( البنية العميقة – جومسكي ) اي ان يناظر (وضع المعنى الرأسَ على الرمح ) في المعنى ويختلف عنه في القواعد وبعض المفردات ( جد = رأس ) أما (نبوخذنصر يرسم روح المعنى في قلبي ) فيمكن اختزالها الى الجملة النواة ( هو: يرسم روح المعنى : في قلبي ) اذ بزيادة ( في قلبي ) وتقليص نبوخذنصر تبقى جملة ( يرسم روح المعنى ) وتبدأ البلاغة دورها ! نبوخذ نصر كناية عن ( ؟ ) أو ( استعارة ) ( ؟ ) و ( يرسم روح المعنى ) بتحويل الروح الى ملموس ومرئي وذي أبعاد ، والا فإنه لوحة بيضاء خالية أو سوداء معتمة ! وعودة الروح الى ( المعنى ) المجهول يجعل الغموض مضاعفا والتأويل مثلثا أو مربعا . وتستمر( معركة ) التأويل داخل المجاز والاستعارة من غير أن نصل الى مايريد الشاعر ، بل قد نصل الى مانريد نحن ( أوتوقراطيا ) فقط !
    : مجموع أبعاد المعنى الدّالة 3 – 6
    يمكن ادراج الأمثلة الشعرية المطابقة الآتية :
    ( أ ) اللامعنى الشامل ( المطلق )
    Absolute non - meaning
    (( لاجدوى ...
    هربتْ سيدة ُالجسد الطافح بالحبّ ْ
    نحو البحر العاري بفحيحِ الاجسادِ ، أنينِ الرغبات
    نحو المدن الموءودة باللامعنى ... )) ( ضحك المعنى ص 74 )
    ( ب ) اللامعنى المتعدد
    Poly non - meaning
    (( وامتدّ الجسدان بنا ، أخذانا للاّمعنى )) ( ايقاع المعنى ص 59 )
    ((أبكي ، أتدثر بالصمت وأغفو
    وأقومُ وأدعو و أصومُ ، أناشد باب المعنى
    بكلام اللامعنى )) ( صراخ المعنى ص 44 )
    ( ج ) اللامعنى المحدود
    Limited non – meaning or meaningless
    (( قومِي ، لامعنى للهاث الخوف ، نياط الممنوع )) ( غين المعنى ص 29 )
    صاح فراتُ الأجداد المكتهلين بموت اللامعنى )) ( وصول المعنى ص 79 ) ))
    - في اللامعنى المطلق ينفتح التأويل على مصراعيه ثم يتقيّد قليلا في اللامعنى المتعدد حتى يبدو ضيقا في اللامعنى المحدود ، وذلك هو معيار التصنيف في النظم المبحوث ، كما يسري هذا الاستدراك على ( المعنى ) المطلق والمتعدد والمحدود ايضا في الاقتباسات الآتية :
    ( د ) المعنى المحدود ( الغائي )
    (( علينا بالرقص لأنّ المرأة شيء باطل
    والطفل كذلك ، والسيف قويّ ، والمعنى مكتنز في الرقـص
    فارقص ! )) ( أنا وأبي والمعنى ص 14)
    ( ه ) المعنى المتعدد
    Poly - meaning
    (( الجمعُ يصفّق ُسخفاً ، فأنا لم أعلن أبداً عن أسماء دمي
    لم أعلن عن أسماء المعنى )) ( أسماء المعنى ص 69 )
    ( و ) المعنى الشامل ( المطلق )
    Absolute - meaning
    ((زمن كالقارب يسقط ُ من أعلى الشـلال ويمضي من يوم ٍ
    حتى يوم ٍ ، من سنة ٍ حتى سنة ٍ، منقرن ٍ حتى قرن ٍ ، يتجلّى
    بوذيا ً في الأدنى ، صوفيّا ًفي الأعلى ، ملكا ً في المعنى ،
    رأسا ً يُحْمَلُ فوق الرمح الى أقصى الاقصى . )) ( زمن المعنى ص 64 )
    (( تركانا نُذبح نُؤسر ، نُـقتـَلُ من فرط اللذ ّة
    فتساءلتُ كدرويشٍ أعمى عن معنى المعنى
    وتساءلت كطفل ٍ عن معنى الماء ! )) ( ايقاع المعنى ص 59 )
    ( ز ) التقابل أو التموضع المشترك
    Interchange
    وعلامته اللجوء الى التعبيرين : المعنى واللامعنى معا بما يجعل التأويل ( صفرا ) رغم تعدد فرصه لأن التقابل يزيل بعضه أثر بعض كما في قول شاعرنا :
    (( يالطفولة أعضائي ونعومة أغنيتي حدّ دخول المعنى في اللامعنى ))
    (رومانسية المعنى ص 60 )
    واذ هو تقابلُ كل نقيضين في الواقع ، الا ان المعنى يأخذ هيئة ( الخير – الموجب ) واللامعنى يأخذ هيئة ( الشر- السالب ) وان الانتقال ( من – الى ) يخضع لصفة ( الداخل ) أولا : المعنى أو اللامعنى ، في اللامعنى أو المعنى على التوالي ! ومن الطبيعي ترجيح دخول اللامعنى في المعنى في هذا السياق ، اذ بهذا التوجّه ( الدخول ) تحوّل من السالب الى الموجب تحت أي تأويل كان .
    - ان التقابل أو التموضع لايتبع ( سعة المعنى ) على الوجه الأكمل انما يجمع بين ( سعة المعنى ) و ( توجه المعنى ) في مقوماته وبنيته ودلالته معا .
    6 – 4 فلسفة المعنى ثنائية وقانونا
    - يتضح لنا في ( 6 – 2 ) و ( 6 – 3 ) ان معالجة ( توجهات المعنى ) جاءت منفصلة عن ( سعة المعنى ) تأكيداً لأهمية كل منهما وتأثيرهما في الاستنتاج العام المنتظر ، ومن الواضح أيضا أن تطبيق المذهبين التحليليين معا على النص الواحد ممكن وملزم معا ! اذ لايمكن لأيّ من المذهبين ( بلورة ) تعريف ( لفلسفة المعنى ) بمعزل عن الآخر بين أمواج بحر هذا الديوان الثر .
    - للتدليل على صحة هذه العلاقة وسلامة هذا الترابط يمكن معالجة اي نص من الاستشهادات في ( 6 – 2 ) في ضوء المعطيات ( 6 – 3 ) أو بالعكس ! فالمعنى المطلق في تعبير ( ملكاً في المعنى ) المذكور في النص ( 6- 3- و )
    (( زمن كالقارب يسقط ُ من أعلى الشـلال ويمضي من يوم ٍحتى يوم ٍ ، من سنة ٍ حتى سنة ، من قرن ٍ حتى قرن ٍ ، يتجلّى بوذياً في الأدنى ، صوفيّا ًفي الأعلى ، ملكا ً في المعنى ، رأسا ً يُحْمَلُ فوق الرمح الى أقصى الاقصى )) ( زمن المعنى ص 64 )
    لايمنع أبدا تحديد ( توجه ) المعنى ( العام ) في اثبات نص الاستشهاد بيتاً بيتاً ، فالأول أحدث صيغة وظيفية بلاغية – فلسفية باللجوء الى الزمن وتشبيهه بالقارب فالسقوط ... الخ ، اذ كيف يتم التشبيه الثاني المستتر ( لسقوط الزمن ) بمعنى زيادة نوائبه وكوارثه أو بمعنى تواليه على شكل وحدات من الأيام والسنوات والأجيال والقرون بسقوط القارب من أعلى الشلال ؟ انها بلاغة محفّزة على التأمل والتدبّر اطلاقا ! وفي البيت الثاني ( يتجلّى بوذيا في الأدنى ) وهو يضمر معنى اجتماعيا يخص حضارة جنوب شرقي آسيا حصرا ، ( صوفياً في الأعلى )
    بمعنى اجتماعي نظير للمعنى الثقافي عن الواقع الديني الأسلامي المتميز في جميع أنحاء العالم حتى اذا وصلنا الى ( ملكاً في المعنى ) انطلقت الرمزية ( الأدبية ) الى ذروتها عبر صلاحيات الملك الدستورية ( فوق الجميع ) ليقترن مع المعنى ( الشامل أو المطلق ) بقوة ثم ينحدر الى المعنى المتعدد في ( رأساً يُحمل فوق الرمح الى أقصى الأقصى ) حيث الرمزية السياسية المنبثقة من الرمزية الأدبية الفكرية نفسها .
    - ويعكس الاقتباس ، بالعودة الى ( 6 – 2 – ج )نجد ان البيت : (( يبقى الجسد المدهوشُ عنيفاً لايعرف للموتِ طريقاً أو معنى )) يؤكد ( مطلق ) المعنى من خلال النفي المزدوج ، المعرفة طريق الموت ثم معنى الموت نفسه ، فلقد اقترنت ( الغائيّة التقديرية ) ب ( اللامعنى المطلق أو الشامل ) تماماً ، فالجهل بطريق الموت ومعناه يعنى ( اللامعنى ) ازاء وجوده وكينونته بإرادة الفاعل ووعيه : الانسان .
    - من هنا نستخلص ان ( فلسفة المعنى ) عبارة عن ( توجّه المعنى + سعة المعنى ) في النص الواحد بيتاً أو مقطعاً ، اما اشتقاق صيغة ( قانون ) لهذه العلاقة على وفق الاحتمالات المتاحة : ( ستة احتمالات في توجه المعنى وستة احتمالات في سعة المعنى ) فيمكن وصفها على النحو الآتي :
    ( أ ) فلسفة المعنى ( تطابق ) ( سعة المعنى + توجهات المعنى )
    إذن : سعة المعنى = ستة احتمالات ( مجموع أبعاد المعنى الدالة )
    توجهات المعنى = ستة احتمالات ( مجموع الصيغ الوظيفية الدالة )
    إذن : فلسفة المعنى = ( سعة المعنى × توجّه المعنى )
    اذن : فلسفة المعنى تظهر على : 6 × 6 = 36 احتمالا
    ( ب ) سعة المعنى ≠ توجّه المعنى ( ≠ : لاتساوي )
    إذن : فلسفة المعنى ≠ سعة المعنى ( أو ) توجّه المعنى
    توجّه المعنى ( كل يؤدي الى ) سعة المعنى ( ج )
    إذن : فلسفة المعنى (تعطينا ) ( سعة المعنى + توجّه المعنى )
    ( سعة المعنى + توجّه المعنى ) ( تعطينا ) فلسفة المعنى . اذن :
    - لم يقدم الديوان جميع الاحتمالات منظومة شعراً ، ولو فعل ذلك لخرج من رائدة شعر الالهام والتلقائية الى دائرة المنهج والتأليف ! فلقد قدم الأسس والمبادىء وترك التفاصيل للباحثين والمتخصصين ليستخلصوا منها منهجا جديداً ومبادىء جديدة تصلح للدراسة والمناقشة المنهجية من غير حرج وهذا ماتحقق في هذا البحث كما تظن إن صحّ ماتظن.
    " الهوامش "
    ( 1 ) أصل التعبير بالانكليزية ضمن الفصل الخامس من كتاب جون لاينز نفسه
    Language and linguistics, an Introduction – Cambridge University Press – 1982 –P: 3 (5 – 1)
    ( 2 ) السابق : ص 136
    ( 3 ) انظر علم اللغة الاجتماعي – الدكتور هدسن – ترجمة د . محمود عبد الغني عياد ومراجعة د. عبد الامير الأعسم – اصدار دار الشؤون الثقافية – بغداد- 1987 - ص 145
    ( 4 ) راجع علم الدلالة : أف . آر . بالمر وترجمة أ. مجيد الماشطة – اصدار الجامعة المستنصرية – بغداد 1985 – ص 5
    ( 5 ) انظر : علم الدلالة السلوكي لمؤلفه جون لاينز( فصلا في ( 1 ) أعلاه ) ترجمة أ. مجيد الماشطة- اصدار دار الشؤون الثقافية – 1985 – الموسوعة الصغيرة 179- ص 8
    ( 6 ) انظر ( 4 ) أعلاه ص 67
    ) انظر( 5 ) أعلاه ص 887 )
    ( 8 ) راجع البنى النحوية لمؤلفه جومسكي وترجمة د .يوئيل عزيز بمراجعة أ. مجيد الماشطة - اصدار دار الشؤون الثقافية – 1987 – ص 123
    ( 9 ) السابق ( ص 124- 125 ) في النحو والدلالة .
    ( 10 ) السابق ( ص 129 ) في النحو والدلالة .
    ( 11 ) راجع البحث القيّم : علم المعاني بين الأصل النحوي والموروث البلاغي – د . محمد حسين علي الصغير - اصدار دار الشؤون الثقافية – الموسوعة الصغيرة 335 – ص 19- 20
    ( 12 ) السابق ص ( 20 – 21 )
    ( 13 ) السابق ص ( 55 )
    ( 14 ) السابق ص ( 55 )
    ( 15 ) السابق ص ( 65 )
    ( 16 ) انظر بحث محاولات التجديد في الشعر العربي المعاصر – طراد الكبيسي - اصدار دار الشؤون الثقافية – الموسوعة الصغيرة 318- 1989 – ص ( 66 ) الخاتمة.
    ( 17 ) راجع معجم مصطلحات الأدب – مجدي وهبة – انكليزي – فرنسي – عربي – المصطلح Qasida والمصطلح Text
    ( 18 ) السابق : مصطلح poem اذ يقول ( بن ) مانصه بترجمة الباحث ليست القصيدة مجرد أيّ عمل أو تأليف يعدّه الشعراء بأبيات كثيرة كانت أم قليلة ، انما هو بيت واحد في بعض الأحيان الا انه يجعل من نفسه قصيدة تامة ).
    ( 19 ) راجع : روجر سيمون في مقالته البحثية الممتازة : في التحطيم الذاتي للنقد العلمي الحديث – مجلة الثقافة الأجنبية - اصدار دار الشؤون الثقافية – بغداد ع1 – 1990 – ص 24 – هامش ( 3 ) ترجمة : كوثر الجزائري .
    ( 20 ) السابق : ص ( 14 )
    ( 21 ) انظر : إي . دي . هيرش في مقالته البحثية الممتازة : سياسة نظريات التأويل – مجلة الثقافة الاجنبية - اصدار دار الشؤون الثقافية – بغداد – ع1 – 1993- ص 9 -
    ترجمة : د. مرتضى جواد باقر.
    ( 22 ) راجع ( 17 ) اعلاه المصطلح Ambiguity
    ( 23 ) المترجمون هم : جورج سيل ( و ) بكثال (و) ظفر الله خان و ( أم . أج شاكر – الةلايات المتحدة ) . ومن الطريف ان تأويل غموض الضمير ( he ) في ترجماتهم ( قد ) يأتي على أيّ من كلمتيّ ( الفرقان أو عبد ) لأن الفرقان كريم وعظيم مما يجعل معاملته معاملة العاقل ( الشخص الثالث ) جائزة أيضا على سبيل المدح ، وذلك ينقل الغموض النحوي الى الانكليزية عبر الترجمة !!
    ( 24 ) انظر ( 21 ) اعلاه ( ص 8 )
    ( 25 ) اعتمدنا هنا على : معجم مصطلحات علم اللغة النظري – د. محمد علي الخولي – مكتبة لبنان – ط1 – 1982 –في تناول المصطلحات المتعلقة بأنواع المعنى .
    ( 26 ) راجع : موسوعة علم النفس والتحليل النفسي – انكليزي – عربي – د . محمد علي الحنفي- اصدار دار العودة – بيروت – 1978 – مادة meaning psychology
    ( 27 ) انظر : ( 25 ) أعلاه
    ( 28 ) انظر : ( 25 ) السابق


    ** انتهى **
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de