الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
|
سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى //الحلقة الأولى: "البداية
|
هذا المقال هو بداية مسلسل من المقالات عن سعيد أبو المعاطى، ولم أفعل هذا للمشاركة فى حمى المسلسلات الرمضانية، ولكن التوقيت جاء مصادفة، ومين عارف يمكن ربنا يفتح علينا ويقتبس أحد كتاب السيناريو فكرة تلك المقالات ويصنع منها مسلسل لرمضان العام القادم!!
سعيد أبو المعاطى هو مواطن بسيط ولد وترعرع فى قرية صغيرة بالقرب من مدينة رشيد وليس بعيدا عن مصب نهر النيل فى البحر المتوسط، وهو ولد وحيد على خمس بنات، وقد مات والده وهو فى نهاية المرحلة الثانوية، وكان سعيد يعد من المتفوقين فى مدرسة رشيد الثانوية والتى كان يسافر لها يوميا أكثر من ساعة ذهابا وإيابا، حيث كانت المدرسة الثانوية الوحيدة فى المنطقة. وكان أمل حياة سعيد أن يذهب إلى جامعة الإسكنرية، ويدخل هذا المبنى الفخم والذى يبدو وكأنه أحد المعابد الرومانية القديمة لكى يصبح مهندسا (قد الدنيا)، ولكن وفاة والده المفاجئ بالسكتة القلبية جاءت فى أسوأ توقيت وأسكتت آماله بعد أن أسكتت قلب أبيه، وكان هو أكبر أخوته البنات والولد الوحيد، لذلك وجد نفسه وبدون أى إختيار من جانبه وقد أصبح (رجل البيت) بما ما عليه من مسئوليات وبما له من صلاحيات، وهو لم يعبأ كثيرا بالصلاحيات، فقد كان كل همه كيف يتصرف فى المسئوليات.
.... وبعد مرور فترة الحداد على والده، واجه الحياة بقسوتها، فما لديهم من مال يكفى لبضعة أيام، ووالده كان فلاحا بسيطا لا يملك من متاع الدنيا سوى البيت الطينى والذين يتكسدون فيه مع بضعة بهائم، وكان هناك غرفتان، غرفه لأمه وأبيه، وغرفة للبنات الخمس يفترشن الأرض والحصير، أما هو فلم يكن له أى مكان خاص به، فقد كان ينام فى (الجاعة) وهى بمثابة صالة توزيع بين غرفتى النوم وزريبة البهائم والتى كان لها باب من خارج البيت وباب آخر يفتح على (الجاعة)، وكان سعيد ينام على كنبة خشبية عليها مرتبة من قش القمح. وعندما مات والده لم يكن يبقى على نهاية مرحلة دراسته الثانوية سوى بضعة أشهر، لذلك حاول أن يقوم بعمل والده فى الفلاحة والزراعة حيث كان يستيقظ ويصلى الفجر ويذهب إلى الغيط لمدة ساعة ويهرول بعدها حتى يلحق بالقطار المتجه إلى رشيد، وعندما يعود من المدرسة كان يتجه مباشرة للعمل فى الحقل حتى غروب الشمس، ثم يذهب لصلاة المغرب ويتناول طعام العشاء مع شقيقاته وأمه ويستذكر قليلا وينام محطما، وعرضت عليه والدته أن ينام فى حجرتها وتنام هى على الكنبة القش ولكنه رفض بشدة، وكان سعيد (سعيدا) بتضحياته من أجل أمه وأخوته رغم أنه كان يفتقد والده، ولم يدر مدى أهمية والده حتى فقده.
..... وحصل سعيد على الثانوية العامة وإن كانت درجاته قد تأثرت كثيرا بسبب قيامه بأعمال والده، ولكن هذا لا يهم لأنه كان قد فقد أمل حياته فى دخول ذلك المعبد الرومانى بالأسكنرية ويصبح مهندسا، وبواسطة والد أحد أصدقائه فى مدرسة رشيد الثانوية، وكان يعمل ظابط بوليس برتبة محترمة فى مديرية الأمن، تمكن من مساعدته فى الحصول على وظيفة كاتب حسابات فى قصر الثقافة فى مدينة رشيد، وقد فكر كثيرا فى أن يستمر فى الإستمرار فى تأدية وظيفة والده كفلاح ولكنه وجد أنها مهنة لا تفتح بيتا إلا بالكاد، وهو يريد أن ينشأ أخوته أفضل تنشئة، ويمكن أن يبتسم له الحظ مرة أخرى ويتمكن من تحقيق حلمه بالإلتحاق فى المستقبل بجامعة الأسكندرية.
.... وقد أقبل على عمله بهمة ونشاط، وهو عمل فى الحقيقة لم يأخذ الكثير من وقته، وكان يقضى معظم وقته فى قراءة الجرائد اليومية وشرب الشاى والقهوة، وقيد بعض حسابات قصر الثقافة فى دفتر اليومية الحسابى.
... وقصر الثقافة لم يكن قصرا بأى حال من الأحوال، ولكن بعد بحث بدأب إكتشف سعيد أن تسمية قصور الثقافة جاءت أثناء العهد الإشتراكى حيث إقتبست تلك التسمية مع غيرها من الشعارات من الدول الشيوعية فى روسيا والصين، وحيث كان يطلق أسم القصور على المراكز الثقافية وذلك لكى تعطى للناس أهمية ذلك المركز الثقافى، وكانت بعض قصور الثقافة فى مصر هى قصورا بالفعل وكانت قد تمت مصادرتها من أصحابها أثناء فترة الستينييات، وكانت الميزة الكبرى لوجود سعيد داخل قصر الثقافة هو وجود تلك المكتبة الكبيرة فى قصر الثقافة والتى كان يقضى وقتا كبيرا بين كتبها، وكان يهتم كثيرا بقراءة كتب السياسة والتاريخ، وكان سعيد ينعى حظه دائما بأنه لولا وفاة والده لكان الآن مهندسا محترما بعيدا عن هؤلاء الموظفين الكسالى والذين حتى لا يعرفون مضمون كلمة الثقافة وهم داخل قصر الثقافة الذى يأويهم، وكلهم (بما فيهم سعيد) قد تم تعينهم إما بالواسطةأوبالرشوة، وقصر الثقافة بإمكانه الإستغناء عن ثلاثة أرباع العاملين فيه (مثله مثل معظم الدوائر الحكومية) وسوف تسير دفة العمل أفضل كثيرا، ولكنها (تكية الحكومة).
....... إهتم سعيد أبو المعاطى بالسياسة كثيرا وكان دائما يتكلم عن التغيير وعن أن الديموقراطية هى السبيل الوحيد للتغيير، لذلك أطلق عليه زملاؤه فى العمل :" سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى"، وقد سعد (سعيد) كثيرا بهذا اللقب كثيرا، وأشعره بالتمييز عن أقرانه ممن يعتبرهم فى عداد الأميين رغم معرفتهم القراءة والكتابة
سامي البحيري
--------------------------------------------------------------------------------
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى //الحلقة الأولى: "البداية (Re: Sabri Elshareef)
|
الحلقة الثانية: "أخواته البنات"
كان (سعيد أبو المعاطى) ولد على خمس بنات، وبرغم أن أمه وأبيه كانا يعتبران فى عداد الأميين إلا أنه كانت لهما أحلاما وتطلعات قد فشلا فى تحقيقها فى ذواتهما، فوضعا الحلقة الأولى همهما فى أولادهما، فصمما على أن يدخلاهم المدارس، ومنذ البداية حرصت والدة سعيد (أم سعيد) على أن تتشبه بزوجة العمدة والتى أطلقت على أولادها وبناتها أسماء كلها تبدأ بحرف الميم (مثل محمد ومحمود ومريم ومهجة)، لذلك قررت أم سعيد أن تطلق على أولادها وبناتها أسماء تبدأ بحرف واحد هو حرف السين (مثل إسمها سنية)، فأطلقت أسماء : سعيد وسعاد وسعدية وسعيدة وسناء وآخر العنقود سلوى وكادت تغلط وتطلق على آخر العنقود أسم صفية لولا إبنها سعيد والذى كان قد دخل المدرسة وأجاد القراءة والكتابة وقال لها :"يأمة حتفضحينا مش عارفة تستهجى صفية بتبتدى بحرف الصاد مش بحرف السين "، فقالت له: "وأنا إيش عرفنى يإبنى ماإنت عارف أمك جاهلة عمرها ما دخلت مدارس"، فضحك سعيد بوجهه الصبوح وقال لها : "ده إنتى الخير والبركة ياإمة، على النعمة إنتى أجدع من ميت مدرسة ده حتى الشاعر قال: الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق" فترد عليه "والنبى يإبنى ما أنا فاهمة حاجة، لكن باين عليه كلام حلو زيك ".
..... ولنبدأ بآخر العنقود وأقربها إلى نفس (سعيد) وهى (سلوى)، وكان عمرها خمس سنوات عندما مات أبوه، وقد أخذت من أبيها لون عينيه العسلتين وكذلك شعره الأشقر، وكان الكثير من عيال القرية الأشقياء يعايرون (سعيد) بأن أبيه هو من مخلفات الإنجليز عندما نزلوا مصر فى أوائل القرن التاسع عشر، حيث هزم المصريون جيش الجنرال الإنجليزى( فريزر) فى موقعة رشيد فى 19 سبتمبر 1807 وتم أسر 120 من الإنجليز فى تلك الموقعة، ولابد أن بعضهم تخلف فى رشيد، ومن هنا جاءت العيون العسلية والشعر الأشقر لسلوى، وكان (سعيد) لا يتألم كثيرا لتلك الإتهامات، بل كان فى داخله يشعر بالفخر لإحتمال إنتمائه للجنس الأبيض (الخواجة)، وما أدراك ما عقدة الخواجة!!
و(سلوى) لم تفهم كثيرا ماحدث، لماذا إختفى والدها فجأة وكانت يوميا تنتظره بقدميها الحافيتين وشعرها المنكوش عند غروب الشمس عندما يعود من الغيط، فيأخذها من ذراعيها ويدفعها إلى الهواء عاليا وتحس أنها تطير مثل العصفورة وان قلبها قد أصبح فى رجليها، وكانت (سلوى) تعتبر هذه اللحظات أجمل لحظات اليوم وتنتظرها بفارغ الصبر، وكان أبو سعيد لا يخشى (مثل معظم الأباء فى القرية) فى إبداء مشاعر العطف والحب والحنان تجاه أهل بيته، فقد كان معظمهم "يتمنظر" بإظهار جانب القسوة والعنف والضرب لأهل بيته أمام الجميع، ويعتبرون أن هذا هو مظهر من مظاهر الرجولة، ولكن أبو سعيد كان مختلفا فى كل شئ، حتى إعتبره العديد من رجال القرية أنه مش راجل"حمش" وأنه ماشى ورا مراته أم سعيد. أخذ (سعيد) على عاتقه "تدليع" (سلوى) كما كان يدلعها أبوه، فكان عندما يعود من المدرسة يبحث عنها ويأخذها خارج البيت ويحملها عاليا إلى عنان السماء كما كان يفعل أبوه، وبالتدريج تعلقت (سلوى) بأخيها (سعيد) وعوضها حنان الأب المفقود، وكانت تحبه حتى أكثر من أمها أحيانا. .... أما الكبرى (سعاد) فكانت حكايتها حكاية، فكانت أجمل البنات، وكعادة أجمل الجميلات فى معظم الأسر تعتبر نفسها (برنسيسة) وعلى الكل أن يقوم بخدمتها، وقد ساعدتها أمها (بدون أن تدرى) على ذلك مما أدى إلى نشوء غيرة شديدة من باقى أخواتها، وكان (سعيد) دائما يحاول التدخل لفك الإشتباك الأخوى والذى كان يحدث بصفة شبه يومية، وكانت (سعاد) جميلة بكل المقاييس بشعرها الأسود الناعم ووجها ذو الملامح المصرية الأصيلة والذى يذكرك بوجه (سعاد حسنى) والذى يجمع بين براءة وشقاوة الأطفال وأنوثة المرأة وإحترامها فى نفس الوقت، وكانت (سعاد) تحاول أن تتشبه كثيرا (بسعاد حسنى) فقد كانت تلبس جلاليب ضيقة تبرز جمالها النافر من كل إتجاه وكذلك كانت تتعمد أن"تزحلق" منديل رأسها لكى تبرز شعرها الناعم النظيف والجميل، وكانت تحاول تقليد مشية (سعاد حسنى) فى فيلم حسن ونعيمة أو فى فيلم الزوجة الثانية، وكانت أمها تشخط فيها وهى تحاول أن تخبئ فرحتها الداخلية بجمال إبنتها، وكانت تقول لها :"تكونشى يابت فاكرة نفسك سعاد حسنى!!"، وكانت ترد عليها بجرأة وهى تضحك :"وليه لأ، لا أنا أقل منها إيد ولا رجل، ده حتى فيه ناس بتقوللى إنى أحلى منها". وكان (سعيد) يخشى كثيرا من جمال أخته أن يجلب لهم المشاكل، فمثل هذا الجمال النادر مثل الشهب، أما ترفعك للسماء أو أن تحرقك، وكان يدعو لها كثير فى صلاته بالتوفيق، وكان يحضر لها خطاب كثيرون يطلبون يدها، ولكن (سعيد) وأمه كانا يرفضان بحجة أنها لا بد أن تكمل تعليمها، وكانت (سعاد) ترفض وتقول بتعالى:"بقى سعاد "حسنى" ما لقتش تتجوز إلا من عزبة الهم والنكد دى، ده حتى العرسان إللى جم كلهم "مقشفين"، وريحتهم والعياذ بالله زى ما يكونوا ما إستحموش من العيد إللى فات!!"، "أنا منتظرة عريس قيمة وسيما من الناس المتعلمين بتوع الإسكندرية، لما أدخل جامعة الإسكندرية". ويتألم سعيد حين يسمع جامعة الإسكنرية ويتذكر حلمه المدفون مع أبيه، والمعبد الرومانى وكلية الهندسة، ولكنه يصمم أن يحقق لسعاد أملها فى دخول جامعة الإسكنرية، ومما كان يشجع أنها كانت متفوقة فى دراستها، وأن إهتمامها بجمالها وإنفاقها الساعات أمام المرآة المكسورة، لم يمنعها من أن تهتم بدراستها.
....... أما (سعدية وسعيدة) فكانتا توأم (متطابق)، ولم يحظيا بجمال (سعاد) الفتان ولكنهما كانتا على قدر من الجمال والذى يماثل جمال ربات البيوت، هذا الجمال الهادئ (إللى ما يوديش فى داهية)، وكانتا تصغران سعيد بأربع سنوات، وتشاجرت(سعدية) مع (سعيدة)، طوال الوقت، أما حين يحين الوقت فى التشاجر مع باقى الإخوات فكانتا تتحالفان فى حلف قوى مؤقت لا يدوم سوى ساعة الخناقة، وحدث بعد عام ونصف من وفاة الأب المفاجئ أن فاجأ الموت بإطلالته البغيضة تلك الأسرة التى تصمم على مواجهة أعباء الحياة بالحب والمرح وكان تفاؤل تلك الأسرة مصدر حسد العديد من سكان القرية والذين إحترفوا الهم والكآبة مهنة لهم. ففى يوم من الأيام خرجت (سعيدة) بعد صلاة العشاء (وبعد أن نام الجميع) فى ليلة صيف حارة، وصممت أن تنزل للسباحة فى فرع النيل (فرع رشيد) والذى لم يكن يبعد سوى كيلومتر واحد من قريتهم، وذهبت وبدون أن يشعر بها أحد، ومشت للنهر حتى وجدت مكانا خاليا، وخلعت جلابيتها ووضعتها تحت الشجرة ووضعت فوقها صخرة صغيرة، وكان كل ماتأمل فيه هو أن تخفف مياه النيل من شدة الحر، ونزلت إلى النهر بملابسها الداخلية، وهى لا تدرى مدى عمق المياه فى تلك المنطقة، وتستيقظ أسرة (سعيد) على صوات الجيران ويعلو صراخهم بعد أن وجدوا جثة (سعيدة) عند الهويس... وكانت صدمة هائلة للأسرة، وكانت صدمة أكبر لتوأمها (سعدية)، والتى شعرت أنها قد فقدت نصف روحها، وراحت تؤنب نفسها باقى حياتها كيف لم تذهب معها، لقد حضرا سويا إلى هذه الدنيا، وكان من الطبيعى أن يذهبها سويا...
........
أما (سناء) فكانت تعيسة الحظ فلم تحظ بأى جمال يذكر، وكانت تصغر (سعيد) بخمس سنوات، وبرغم "وحاشتها" إلا أنها قد تمتعت بقدر لا بأس به من الدلع حين كانت آخر العنقود، حتى أتت "المفعوصة" (سلوى) بعد زمن طويل، لذلك حقدت كثيرا على المولودة (سلوى)، وبقدر ماأحبتها عندما كانت فى "اللفة"، إلا أنها كانت لا تخفى حقدها عليها، فقد كانت دائما تقول لها :"أنت إيه أللى جابك، كلنا كنا منتظرين ولد، إحنا ناقصين بنات". وكانت (سناء) تعتبر نفسها خادمة الأسرة، وكانت تلبى طلبات الكل، وكان الكل يحبها لأنها الأخت الحنون من جهة، ومن جهة نفعية أخرى كان الكل يحتاجها. "الله يخليكى ياسناء إغسلى لى الجلابية بتاعتى علشان معزومة فى فرح "، " والنبى ياسناء تسخنى لى الأكل بتاع إمبارح، علشان حأموت من الجوع"، "ربنا يسعدك ياسناء تحلبى الجاموسة علشان عاوزة لبن لأختك سلوى "، وكنت إجابة (سناء) الدائمة: "حاضر من عينية". وكانت قد قرأت حكاية (سندريلا) وكيف كانت تخدم أمرأة أبيها وبنتيها، وشعرت بأنها (سندريلا المصرية من رشيد)، وكانت تعرف يقينا أنها ليست فى جمال سندريلا فى الحدوتة إلا أنها كانت متأكدة أن هناك أميرا على فرس ابيض سوف يأتى يوما لإنتزاعها من شقائها الإختيارى، وربما يجرى لها عملية تجميل لكى تصبح أقرب الشبه بسندريلا الحقيقية!!
| |

|
|
|
|
|
|
Re: سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى //الحلقة الأولى: "البداية (Re: Sabri Elshareef)
|
الحلقة الثالثة "أبو المعاطى فى قبضة البوليس" .........
- إنت سعيد أبو المعاطى؟ اقرأ الحلقة
الأولى
الثانية - أيوه يأفندم أنا هو بنفسه. - طيب ممكن تيجى معانا مشوار بسيط؟ - إيه مشوار إيه يأفندم ومين حضرتك بالضبط؟ - مش مهم تعرف بس تعالى معانا. - مش أعرف الأول عاوزنى أروح فين. - حتوصل معانا لغاية المركز. - مركز العناية المركزة يأفندم!! - إنت بتهزر ولا بتستعبط و لا إيه حكايتك؟! - طيب ليه الغلط ده يابيه؟ إنما سيادتك مين بالضبط؟ - حتعرف لما تيجى معانا مركز الشرطة. - شرطة يانهار أسود !! إيه إللى حصل؟ - لأ ما فيش حاجة.. حناخد منك بس كلمتين وترجع على طول. - أنا عارف حكاية "ترجع على طول" عمرها ما بتحصل،" ده إنتو سكة إللى يروح ما يرجعش"، طيب أوصل البيت بس أبلغهم. - الحكاية مش مستاهلة ‘ إنت حترجع على طول. ... وسلم (سعيد) أمره لله، وقفل مكتبه ودفتر حساباته، ووقف على قدمين لا تقويان على حمله، وسار وراء هذا الشخص المجهول الهوية، وخشى أن يسأله عن إثبات تحقيق الشخصية وذلك حتى لا يحدث ما لاتحمد عقباه، وإقتنع بأنه ليس هناك ما يدعو لأن يسأله عن إثبات تحقيق الشخصية لأنه حتى على أسوأ الفروض وطلع هذا الشخص الطويل العريض أمامه "حرامى" فلن يصيبه أذى لأنه لا يملك أى شئ يمكن أن يطمع فيه أى حرامى عاقل. ومشى وراءه وهو يضرب أخماسا فى أسداس، ماذا بينه وبين الحكومة حتى "ينجر" على مركز الشرطة، هل لسمعته أنه " سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى"،" إذا كان كده يبقى ملعون أبو الديموقراطية تغور فى ستين داهية"، "يكونشى حد من الزملاء الأفاضل فى قصر الثقافة بلغ عنه وأراد أن يلبسه تهمة، إذا هناك أى حد تبقى أكيد الآنسة (مديحة) موظفة الأرشيف، لأنه طلع عليها أسم دلع "مديحة سد الحنك"،" مش ممكن يكون تشابه أسماء لأننا فى البلد الناس كلها تعرف بعض ". وركب الشخص المجهول المهم بجوار السائق، وركب (سعيد) فى صندوق سيارة الشرطة وسط ذهول الناس والموظفين وبين نظرات شماتة ونظرات أسى وتعاطف وسمع بإذنيه بعض التعليقات: - خليه يستاهل، مش عامل لى ديموقراطى. - لا والنبى ده جدع غلبان. - ده شكله طيب وباين عليه إبن ناس. - تلاقيه مقبوض عليه فى قضية إختلاس، ماهو موظف حسابات. .... وتساوت لديه عبارات الأسى والتعاطف مع عبارات الإتهام والتشفى، لأن الكلام لن يخرجه من تلك السيارة الكئيبة، ويبعده عن هذا الشخص الذى يجلس إلى جواره والذى بدا له فى ثيابه المهلهله، ورائحته "إللى تطفش العفريت" ونحول جسده أقرب إلى المتسولين، ولكنه إكتشف فيما بعد أنه أحد مخبرى البوليس. وكان يرغب فى أن تطول رحلة سيارة البوليس أطول فترة ممكنة، لأنه يعرف بحسه الشعبى الأصيل بأن ما سوف يلاقيه فى "المركز" لن يرضيه بأى حال من الأحوال، وأنه على وشك أن يفقد البقية الباقية من كرامته "كمواطن"، ناهيك عن كونه "مواطن ديموقراطى" وأنه يعرف جيدا أن الداخل إلى "المركز" مفقود، والخارج منه مولود. ولم تدم رحلة سيارة البوليس سوى بضعة دقائق. وأخذه هذا الشخص المهم إلى داخل المركز إلى شخص يبدو أكثر أهمية، (والغريب أنه لم يشاهد أى شخص حتى الآن يرتدى بدلة بوليس رسمية) ، وبعد أن أدى له التحية العسكرية: - أيوه يافندم ده سعيد أبو المعاطى. - ده بتاع إيه ده كمان. - ده يافندم بتاع قضية إرهاب سيدى جابر. كاد أن يغمى على سعيد عندما سمع كلمة "إرهاب"وحاول أن يتماسك، فلم يستطع، وإنهار على المقعد أمام البيه المهم، والذى شخط فيه بقسوة: - قم أوقف، أنت حتصاحبنى علشان تقعد قدامى كمان. - لا مؤاخذة ياسعادة البيه، أنا أول مرة فى حياتى أدخل مركز بوليس. - ده إنت باين عليك رد سجون، خده يارؤوف أفندى وإثبته فى محضر الأحوال، قضية رقم 3057 وصرخ سعيد بدون أن يشعر - قضية يانهار اسود. وفوجئ بيد غليظه تصفعة على قفاه، مما جعل عينيه تبرق وتظلم: - جرى إيه ما تخليك راجل ياوله، أنت لسه شفت حاجة. ... وبعد أن تم إثبات إسمه فى محضر الأحوال، تم أخذ بصماته، ثم إلقى به فى غرفة صغيرة ضيقة مكتوب عليها بخط ركيك (غرفة الحجز). وحمد الله على أنه أصبح وحيدا حيث (لأجل حظه) لم يشاركه أحد فى غرفة الحجز، وهذه نعمة فى معظم الأحيان، وخاصة بالنسبة للمستجدين أمثال سعيد. و فكر فى أسرته فى أمه وفى سلوى والتى تنتظره كل يوم حتى يقذفها عاليا إلى السماء وفى باقى أخواته ومن سيعولهم إذا حدث الأسوأ. وأخذ يتمنى فى أعماق قلبه أنه يحلم وأن ما حدث ومايزال يحدث إنما هو كابوس وسوف توقظه أمه بعد قليل، وإستيقظ من هلوساته على الباب يفتح بقوة ويدخل شخصان يبدو من عضلاتهما أنهما من رافعى الأثقال (وذكراه بمشهد المخبرين مع عادل إمام فى مسرحية شاهد ما شافش حاجة)، وتبعهما شخص آخر يبدو عليه الأكثر أهمية فى هذا اليوم (إللى مش فايت)، وأغلق الباب، وأصبح وحده مع هذين العملاقين والبيه المهم، وخطر بباله أن لقاء يوم القيامة، وما قرأه عن عذاب القبر، ربما يكون أهون مما يمر به الآن، ولما هوعلى وشك الحدوث. وفتح البيه المهم ملفا يحوى بعض القصاصات: - أسمك إيه ياوله؟ - خدامك سعيد أبو المعاطى، لكن بس عاوز أعرف أنا هنا ليه ياسعادة الباشا؟ وفوجئ (بمرزبة) تهوى على قفاه وأفقدته توازنه ومصحوبة بشتيمة غليظة مثل المرزبة : - إنت تجاوب على أد السؤال ياإبن.... ويعود البيه المهم يسأل: - إنت كنت بتعمل إيه فى محطة القطر بتاعة سيدى جابر فى الإسكندرية يوم 4 إكتوبر إللى فات. - أنا كنت فى مأمورية فى الإسكنرية - مأمورية إيه ياروح أمك، إتكلم بسرعة أنا مش فاضى لك. وفوجئ (بمرزبة) أخرى تطرقع على قفاه من أحد العملاقين الواقفين خلفه: - جاوب بسرعة على سعادة الباشا ياإبن.... - إنا كنت واخد معايا أوراق من قصر ثقافة رشيد علشان أسلمها إلى مكتب الإسكنرية، ودى أوراق تتعلق بميزانية السنة الجديدة. - إنت بتشتغل إيه فى قصر الثقافة - ده أنا كاتب حسابات غلبان ياسعادة البيه - إنت كان معاك لفة مشبوهة فى جورنال، اللفة دى كان فيها إيه؟ - ده إنا إشتريت كيلو ونص موز (فضلة خيرك) علشان أرجع بيهم لأمى وإخواتى. - موز برضة، ده إنت حتتزحلق زحلقة هنا يضحك سعيد بإفتعال على نكتة البيه المهم، ويكون جزاؤه طرقعة أخرى على قفاه - وليك نفس تضحك يا... ويعود البيه المهم قائلا: - إنت بتصلى فى جامع إيه؟ - أنا بأروح أصلى الجمعة بس فى جامع الشيخ عطوان عندنا فى العزبة، إنما باقى الأوقات بأصلى فى البيت (وحتى مش بإنتظام وربنا يسامحنى) - إيه علاقتك بالشيخ عطوان - ما فيش أى علاقة بينى وبينه - بص ياسعيد يإبنى، ضرورى تبطل لؤم الفلاحين ده، وتخليك دوغرى معايا وإلا قسما بالله، الأقلام إللى نازلة على قفاك حتعتبر زغزغة بالنسبة للى حتشوفه بعد كده، فخليك حلو معانا كده وإعترف بكل حاجة وإحنا حنساعدك. - أعترف بإيه ياسعادة الباشا، ده أنا أكثر واحد بأحب الحكومة ورجال الحكومة، الشيخ عطوان مرة واحدة رحت سلمت عليه بعد صلاة الجمعة علشان أتبارك بيه. - ده بركته حلت عليك تمام، إنت تعرف إن الشيخ عطوان ده أمير ومفتى الجماعات الإرهابية فى المحافظة كلها. - يانهار أسود، يابيه أنا راجل غلبان فى حالى، ده أنا حتى من كتر كرهى للإرهاب طلعوا على : " سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى" - موضوع المواطن الديموقراطى دى قضية ثانية، خلينا فى قضية الإرهاب، الشيخ عطوان كان باعتك إسكنرية تعمل إيه بالضبط، وحلقت ذقنك ومربى شنبك عامل لى راجل ياإبن الأ...، طيب الجماعة إللى وراك دول حيعملوك "مرة" دلوقت لو ماإعترفتش بكل حاجة. - يابيه أنا عمرى ماربيت ذقنى، وطول عمرى ضد الإرهاب، والشيخ عطوان ده كنت بأشوفه كل يوم جمعة بس. - إنت ليك إخت إسمها (سناء)؟ - أيوه يابيه خير؟ - مش إنت إللى ضغطت عليها علشان تلبس النقاب بناء على تعليمات الشيخ عطوان - يابيه أنا ما ليش أى علاقة بالشيخ عطوان وعمرى ما إتكلمت معاه إلا أنى سلمت عليه وقلت له "بركاتك ياسيدنا الشيخ"، وبعدين إختى سناء مخها طق فجأة ولقيناها لابسة النقاب، وبعدين إتهيأ لى موضوع النقاب حرية شخصية وفوجئ بأقوى طرقعة على قفاه : - حرية شخصية ياروح أمك، تكونش فاكر نفسك مواطن ديموقراطى بصحيح، أنا حأبعث أجيب أختك سناء هنا وأمك وأشوف حتعترف ولا.. لأ. وإنهار سعيد تماما عندما سمع أسم أخته وأمه - بص ياسعادة البيه ما فيش داعى لبهدلة أمى واختى فى الموضوع ده، أنا حأعترف بأى حاجة إنتو عاوزينها منى، أنا مستعد أمضى ورقة على بياض. - ايوه كده عالم تخاف ولا تختشي، أنا حأسيبك دلوقتى علشان تفكر كويس فى إعترافاتك، هات له سندويتش فول وكباية مية يامرسى - بلاش فول ياسعادة الباشا، أنا عندى حساسية ضد الفول وأكرمه سعادة البيه المهم بصفعة مجاملة خفيفة على وجهه، وقال : - إمال عاوز نجيب لك إيه (سيمون فيميه) - لا بيه أنا ما باكلش خنزير!!، أى حاجة غير الفول. ويخرج الجميع وهم يضحكون ضحكات فاجرة. ..... وجلس سعيد يفكر فى الإعترافات التى سوف ينقذ بها إمه وإخته من براثن هؤلاء الوحوش. ... ومن فرط الإجهاد والتعب نام على الأرض الخرسانية الرطبة. ... ولم يدر كم مر من الوقت حتى سمع الباب يفتح مرة أخرى ويدخل سعادة البيه المهم (بدون العمالقة) وفوجئ معه الشيخ عطوان شخصيا مكبل بالكلبشات فى يديه. وسأله سعادة البيه : - إنت تعرف الواد ده ياشيخ عطوان - أنا عمرى ما شفته قبل كده (وتشاهد سعيد) وقال: - مش قلت لك ياسعادة الباشا .... ويخرج الجميع ويتركون سعيد وحيدا فى غرفة الحجز. ... ويفكر سعيد بأن القبض عليه مؤكد كان خطأ، وأنه ربما على وشك أن يخرج إلى الحياة مرة أخرى. وتمر ثلاث ساعات وكأنما دهرا، ويفتح الباب ويلقى إليه بسنتدويتش فول "وكوز" مياه، و يشرب ولا يأكل الفول، وتمضى ساعات أخرى وهو يجلس محاولا أن يفكر تفكيرا إيجابيا، ويفتح الباب مرة أخرى، ويتقدم شخص يبدو عليه أن أكثر تهذيبا من الآخرين، ويقول له: - تعالى معايا، البيه المأمور طالب يشوفك. ودخل إلى مكتب فسيح وأخيرا يشاهد شخصا برتبة عسكرية جالسا خلف المكتب وتبدو على وجهه علامات الصرامة، ورأى أمامه الأشخاص الذين إستقبلوه من قبل، وشعر بإرتياح عندما لم يجد "فرقة رافعى الأثقال" موجودة بالمكتب، وبدون أن يشعر وجد نفسه يؤدى التحية العسكرية لسعادة البيه المأمور. ووجه البيه المأمور كلاما بهدوء: - أيوه ياسعيد، إحنا بعد التحقيق مع الشيخ عطوان، ثبت لنا أنه مايعرفكش، وكمان عملنا تحريات عن أختك (سناء) المنقبة ولقينا إن برضه ما لهاش علاقة بجماعة الشيخ رضوان، وبعدبن قل لأختك ما فيش داعى للنقاب ده.. لأنه ممكن يحطكم فى موقع شبهات. - ياسعادة البيه أنا من بكرة خأخللى البت (سناء) دى تروح تشتغل رقاصة، علشان إبعاد اى شبهة إرهاب تماما!!. - باين عليك دمك خفيف ياسعيد، ويوجه المأمور كلامه إلى أحد البهوات أمامه على المكتب : - خده بقى وإعمل له إجراءات إفراج وخد عليه التعهد المعتاد. ويرد أحد مساعدي المأمور وهو يحاول أن يكتم ضحكة: - أيوه ياسعادة الباشا، بس لسه عنده تهمة "المواطن الديموقراطى دى" تذوب فرحة سعيد بالإفراج ويهتف من أعماق قلبه: - تسقط الديموقراطية!! ويضحك الجميع بنشوة، ثم يتحدث البيه المأمور إلى معاونيه: - سعيد باين عليه واد إبن بلد ودمه خفيف، إيه رأيكم نطلب منه يقول لنا نكتة، وإذا عجبتنا تفرجوا عنه، وإلا تحولوه للتحقيق بتهمة "الديموقراطية". - فكرة هايلة ياسعادة الباشا، يلا ياسعيد أهو سعادة الباشا لقى لك مخرج قانونى ‘ قصدى مخرج فكاهى. وإستجمع سعيد كل نكته القديمة والجديدة، ثم قال : - أنا حأقولكم نكتة عن أيام عبد الناصر، وبمناسبة إستضافتكم لى النهاردة: إتصل جمال عبد الناصر بوزير الداخلية شعراوى جمعة وقال له:" ياشعراوى أنا مش لاقى الساعة الرولكس بتاعتى، مش معقول فى عهد عبد الناصر يتجرأ أى حد ويسرق ساعتى من بيتى، إمال إنتو شغلتكم إيه"، وبعد ثلاث ساعات عبد الناصر وجد الساعة الرولكس تحت المخدة، فإتصل عبد الناصر بشعراوى وقال له خلاص ياشعراوى، ما تتعبش نفسك لقينا الساعة، فرد شعراوى عليه وقال له: أيوه يا أفندم بس نعمل إيه فى العشرين مواطن إللى قبضنا عليهم وكلهم إعترفوا إنهم سرقوا الساعة!! - الله يجازيك ياسعيد، نكتة زى دى زمان...كانت توديك وراء الشمس، إحمد ربنا إنك عايش فى العصر الحالى. - الحمد لله ياسعادة الباشا، ويحيا العدل!!
| |

|
|
|
|
|
|
|