مدخل لدراسة تجربة السرد في القصة القصيرة والرواية السودانية // احمد ضحية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 07:59 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-03-2006, 11:58 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مدخل لدراسة تجربة السرد في القصة القصيرة والرواية السودانية // احمد ضحية

    اهداء ..

    أجمل أطفالنا لم يولدوا بعد, أجمل الايام لم تأت بعد ..الي زوجتى وهي تكابد مرارة الفقد , لذلك الجنين الذي لم يكتمل..

    أحمد



    مقدمة:



    عندما كتبت قرائتين نقديتين لروايتى الاستاذ محمود محمد مدني ( جابر الطوربيد - والدم في نخاع الوردة ) , وقراءة ثالثة لرواية بذرة الخلاص ل ( دكتور فرانسيس دينق ) , لم تكن بعد قد تبلورت لدي , فكرة اصدار هذه القراءات في كتاب .. فقد كتبت القراءات الثلاث , في الفترة بين عامي 2000 - 2002 . وكان الدافع الاساس لكتابتها, الاحتفاء بكتاب لم يحظوا سوى بالاهمال والتجاهل. أو القراءات الملتوية . ولذلك بدأت في قراءة عدد من النصوص الروائية - وأيضا القصصية بعد ذلك _ من موقع القاريء . وكنت قد قدمت بعض هذه القراءات, في فعاليات مختلفة , فقد قدمت القراءة في رواية ( الدم في نخاع الوردة ) في منتدى بيت الثقافة الذي كنت مشرفا عليه في العام 2001.

    وقدمت القراءة في رواية ( بذرة الخلاص ) ضمن فعاليات ندوات مركز الدراسات السودانية, احتفاء بدكتور فرانسيس دينق كرمز فكري وأدبي , بقاعة اتحاد المصارف - الخرطوم . في العام 2002.

    ثم رأيت فترة اقامتي في القاهرة , في منتصف العام 2004 ان اصدر هذه المجموعة, من القراءات في كتاب _ على الرغم من كونها تعد ناقصة , اذ ان القراءات التي قدمتها في الفترة من 2000- 2002 في فعاليات مختلفة في منتدى المحامين بام درمان, ومركز الدراسات السودانية, ومنتدى بيت الثقافة : حول الطريق الى المدن المستحيلة لابكرادم. والزندية لابراهيم بشير. والطواحين لبركة ساكن. وعصافير اخر ايام الخريف لحمد الملك الى جانب ورقة نظرية عن الرواية والتاريخ , نشرت اسوة بهذه القراءات في الصحافة, والصحافي الدولي والايام وصحف اخرى : كل هذه القراءات لم اضمنها هذا الكتاب _ ولشعوري بأن ما اقتصر عليه هذا الكتاب, من قراءاءت حول السرد الروائي , سيكون جهدا غير كاف , لضرورة القاء الضؤ على التجربة السردية ككل" في السودان" . من خلال رموز او كتاب ينتمون لاجيال مختلفة في القصة القصيرة , تضاف الى ما أنجزته من قراءات في الرواية كما اشرت سابقا.

    وهكذا ضممت الى ما تجمع لدي, قراءة كنت قد أجريتها في العالم القصصي للاستاذ عثمان علي نور : رائد القصة القصيرة في السودان , قدمتها للمرة الاولى في ندوة مركز الدراسات السودانية 2002 , احتفاء ببلوغه سن التاسعة والسبعين . الى جانب دراسة نظرية كنت قد كتبتها عن السرد في السودان , قدمتها في منتدى مجلة ( أدب ونقد ) في مستهل العام 2004. بالاشتراك مع الصديق الناقد المصري أحمد الشريف .الذي تولى الجانب التطبيقي بينما توليت الجانب النظري . أضفت الى هذه القراءة , قراءة اخرى كنت قد قدمتها في ورشة الزيتون, حول اعمال دكتور طارق الطيب السردية والشعرية , بمشاركة الصديق الشاعر عفيف اسماعيل والصديق الناقد المصري شعبان يوسف و وآخرين من النقاد والكتاب المصريين الاشقاء في خواتيم العام2003..

    والى جانب ما تقدم من قراءات , قمت باجراء قراءات نقدية جديدة , لنصوص قصصية قصيرة اتخذت من الاستاذ عيسى الحلو - علي المك - محمد ابراهيم الشوش - مختار عجوبة - زهاء الطاهر - عادل القصاص - احمد الجعلي " ابو حازم " - صديق الحلو - ارثر غابريال - اغنيس لوكودو - استيلا قاتيانو - منال حمد النيل , نماذجا لها . كقراءات تطبيقية , تعطي فكرة محدودة ,- متصلة بما قالته القراءة المتعلقة بعثمان علي نور - ولكن عامة وواضحة , عن القص في السودان .خلال من اشرت اليهم بانتمائهم لاجيال مختلفة( من الستينيات مثل عيسى الحلو مرورا بالسبعينيات مثل زهاء الطاهر وانتهاء باواخر القرن الماضي مثل استيلا ومنال حمد النيل ) . وذلك لشعوري ان واحدة من مشكلات القصة القصيرة في السودان , انها لم تحظى سوى بالتجاهل النقدي . وهو ذات الاحساس الذي جعلني اشعر, بضرورة نشر هذه القراءات , في كل من أدب ونقد والثقافة الجديدة وفصول للنقد الادبي والمحيط الثقافي . اذ وجدت ترحيبا حارا من قبل هذه المجلات . وكان بعضها قد نشر في كتابات سودانية وبعض المواقع الثقافية في الشبكة الدولية . كما ان صحيفة الصحافة السودانية - وانا اشارف على انهاء الفصل الاخير من هذا الكتاب -قامت بنشر بعضالقراءات الواردة بهذا الكتاب في ملفاتها الثقافية , واسعدني هذا الاهتمام والمتابعة , لفصول كتاب نقدي لم ترى كل اجزاءه النور بعد ..

    من هنا تحاول هذه الدراسة ان تضيف الى الخط البياني الاولي الذي رسمه د. مختار عجوبة و الاستاذ معاوية البلال لمسيرة السرد في السودان , فهذه القراءات , تتصل بما سبقها - أعني تحديدا هنا الدراسة القيمة لدكتور مختار عجوبة " القصة الحديثة في السودان ودراستي المركز الاعلامي السوداني اللتين اشرف عليهما الاستاذ معاوية البلال " كتابة الجنوب / جنوب الكتابة و الانثى كذات كاتبة وكموضوع للكتابة ", وقبل كل ذلك كتابه القيم الشكل والمأساة . فقد افدت من هذه الدراسات كثيرا خاصة في الفصل الاول . كما افدت من دراسة دكتور عجوبة بوجه خاص في الفصل الثاني - في سبيل الكشف عن الانحناءات والمنعطفات في تجربة السرد في السودان .

    ولذلك تظل هذه الدراسة مجرد مقدمة اولية, لابد من متابعتها, من خلال الممارسة النظرية. للنقاد والمبدعين السودانيين , في سبيل تشكيل حركة نقدية فاعلة , عبر التراكم الكمي فالنوعي - للنقد والابداع معا - لتنطلق من هذا التراكم , بوصفه ممارسة تنجز رسم خط تطوره - الابداع والنقد معا - وانعطافاته وانقطاعاته, من خلال القدرة على التحرر, من سلطة السائد ..

    وهنا لابد لنا من ادراك الفضاء العام الذي يتحرك فيه السرد في السودان لزمان طويل . فالسودان عبارة عن افريقيا المصغرة .. افريقيا التي تقاطع عندها كل المحمول الحضاري الثقافي العربي الوافد , مع ثقافات وحضارات افريقيا العريقة.. واذا كان السرد العربي الحديث , منذ بداياته , يسعى في اصرار لا يلين , لان يكون مرآة المجتمع المدني الصاعد وسلاحه الابداعي , في مواجهة نقائضه , التي لا تزال الى اليوم مقترنة بتخلف التعصب والتسلط والتطرف , متواصلة مع تراثها السردي العربي في ابعاده المناقضة للاتباع والنقل , محاورة غيرها من روايات الدنيا العريضة التي قاسمتها الهموم (1).. فان السرد الافريقي هو الشكل الفني الادبي الوحيد , الذي دخل عن طريق الاستعارة الخالصة وفرض - فوق هذا - على تطور النموذج المحلي , ونهض في التأسيس لارضية ذات اتصال واستجابة شخصيين , بصورة ملموسة .

    وقد قام السرد في افريقيا بتكملة الرؤية الفنية للعالم , بل ادمج هذه الرؤية - بمعنى اكبر واهم - جماليات التقاليد الشفاهية , التي لم تنتم اليها اطلاقا . ونتج عن التفسير الاوروبي لها بعد ان طوره التفسير الافريقي المحلي , مايسمى اليوم باسم السرد الافريقي , والذي كان تطوره عن طريق الممارسة , ابتداء من التعبير المباشر , المسطح الفج , الى التجربة المتقنة (2)..

    وبلادنا - السودان - بحكم انها الملتقى لثقافة العرب وافريقيا . نجد ان السرد فيها حمل ما حمل من سمات الثقافتين . كما يعكس تطوره منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى الان . شيئا من منعطفات ومنعرجات السرد في بلاد العرب وافريقيا .. في مسيرته بين نتوءاتهما , وعلى تضاريسهما الاجتماعية والثقافية .. ليتخلق كسرد سوداني له قوامه الخاص , الذي يحمل ما يحمل من جرح السودان وهمومه ..

    ثمة مقولة ل " طراد الكبيسي " في كتابه " شجر الغابة الحجري " . لا يزال سياقها العام - ومنذ وقت بعيد - يحاصر فضاء ذاكرتي . اذ لا تربط بين الابداع العظيم والتمزقات الكبيرة , التي تحدث في المجتمعات فحسب , بل تتسامى حتى بهذه التمزقات . مما يقترح اسئلة محددة , بخصوص الكتابة في شروط مثل شروط السودان ؟!.. هل هي كتابة معاناة .. ام كتابة تنفذ الى الجوهر الاشكالي الانساني .. وهل ترتقي - او تتضاءل - الحالة الابداعية , في مثل هذه الشروط , وهذا المناخ .. ام تتجاوز الحالة الابداعية كل ذلك , اذ لا يمثل احد شروطها ؟!!.. بمعنى ان تكون المعاناة ذهنية ومعنوية لا ترتبط بمحفز , اجتماعي او قيمي او ثقافي .. وبالتالي مفتوحة على الانسان , تحقق منه وفيه حضورا انسانيا وجماليا عاليا - لكن كيف يمكن لذلك ان يتم بمعزل عن شرط الثقافي الاجتماعي ؟!- دون أن تؤطره جغرافيا , او حدود حضارية لهذه الجغرافيا ...

    لكن يبقى ما ارتبط بالتاريخ الانساني كعلامات بارزة , ربما تضيء لنا التعرف على بعض ما يحيط بالكتابة .. وبتركيز خاص: السرد . واكثر خصوصية : الرواية . وبتعبير بارت " انها موت ( " اذ " تصنع من الحياة معبرا . ومن الذكرى فعلا مفيدا . ومن الديمومة زمنا موجها .ودالا . لكن هذا التحويل لا يمكن ان ينجز الا في عيون المجتمع , فالمجتمع هو الذي يفرض الرواية . اى يفرض مجموعة من الاشارات (3) ولأن الابداع عموما ينهض في الخيال , فالحيوات التي تتخلق في الرواية , هي في الواقع تتخلق من سقط الافكار وركام الحياة . فمن بين كل انواع التشظي هذه , تتخلق البنى الحكائية لتبني عالما شاسعا , داخل الفضاء العام للحياة الواقعية . عالما ينتمي لهذا الفضاء ولا ينتمي اليه في آن !! .. فبين انتمائه للواقع ونهوضه في الخيال , خط وهمي رفيع لا نستطيع الامساك به او تحديده . مهما قلنا بالتقنيات والنظريات . و .. و... لأن لحظة التجلي التي تمظهرت عنها هذه الرواية او تلك , هي القانون الاساسي الذي من خلاله يمكننا العبور الى واقعية هذا النص . لكنها - ويا للسخرية - اللحظة ذاتها هي القانون ايضا , الذي يؤكد نهوض هذا النص في الخيال !!.. اذن من هنا تمثل محاولة التفسير او التاويل , المأزق ذاته !!..

    تأثر مجالنا الثقافي السردي ب" الواقعية الاشتراكية " لوقت طويل ,- كما تأثر بالوجودية ايضا ولكن بعد ان تمت معادلتها في هذا المناخ الاستوائي - كان ذاك من الاوقات الخصبة لجنس الرواية . وكذلك في الاوقات التي بدأت فيها الرواية في السودان تدخل في مأزق الواقعية الاشتراكية , كغيرها من روايات العالم الثالث . وهو يستقبل جنسا اوروبيا لم ينتجه تطوره الحضاري , ويتاثر بالتطورات التي تطاله كل يوم..

    اذن ما هو مأزق الواقعية الاشتراكية ؟!.. اذا غضضنا النظر عن تحويلها للشخصيات الى محض رموز ايديولوجية , بما ينعكس على مفهوم الشخصية " الانسان " , بصرف النظر عن وضعه الاجتماعي او الطبقي .. اذا صرفنا النظر عن ذلك يمكننا التوقف عند جملة المفاهيم الشمولية الاممية البائدة , التي حملتها هذه الرواية . اذ حاولت الغاء ذلك الخط الوهمي الفاصل بين المستوى الواقعي والمستوى الخيالي في النص المكتوب . هذا الجدل بين الواقعي والوهمي استحوذ على الاهتمام عند النظر للواقعية السحرية .. هذا الجدل المفقود فيما انتجته السوفياتية باستبدادها وصلفها - يتغنى الان البعض بالتقاليد الديموقراطية القديمة لروسيا القيصرية - بما عبرت عنه - الكتابات المنتجة : غوركي - تشيخوف - من تمزقات كبيرة , وبما اشبعت في وجدان الامة الروسية . لما حملته هذه الكتابات من احزان وهموم ومآس ..

    صحيح ان الثورة البلشفية لم تنتج غوركي وتشيخوف , لكن بمجايلتهم لها حاولوا - مع اقرانهم - التعبير عن حلم منخفض الكلفة الانسانية , ولا يمت لمدنية الدم والحضارة العسكرية بصلة . . وكانت تلك واحدة من لحظات التمزق الكبرى في مسيرة الكتابة السردية . التي يتحاور فيها الواقعي / الوهمي ليعبر عن الانسان المحض دون ان يحوله الى رمز ايديولوجي , او يضع له مصيرا مسبقا ..

    لحظة التمزق هذه على مستوى الكتابة , هي تجل لتمزق اكبر على مستوى المجتمع . فاعظم مبدعي فرنسا - في وقت ما - مالارميه , شاتوبريان بلزاك , الخ .. انتجتهم تناقضات مجتمعاتهم , وتمزقات المجتمع الفرنسي بالدرجة الاولى . فعندما كتب ريجيس دوبريه (غير المرغوب فيه ) - في العقود الاخيرة للقرن الماضي - كان ذلك بمثابة خروج عن التناقضات التي اثقلت التاريخ الفرنسي بعد الثورة التي التهمت ابناءها . كذلك هي الميثولوجيا الخاصة بدوبريه , وعالمه السري واحباطاته . وتمزقه الفكري وذكرياته اليسارية وقلقه الغارودي . لذلك مثلت " غير المرغوب فيه " علامة مهمة على مستوى الواقع , وفارقة جديرة بالتوقف عندها , باعتبارها مرآة عكست التمزق الثوري في " فرنسا الحرة " وتقلصات وتداعيات الخط الديجولي رغم كل شيء . وهزيمة التطبيق امام النظرية , والطموح لجيل عنيد حمل حلم فرنسا الشعارات الانسانية النبيلة . لكنها تنهض على مستوى الخيال , بكل أسى الغربة وجمال الحزن , ولوعة الاحلام الكبيرة لعاشقين , مطاردين , راحلين في الابدية - النضال - في سبيل زمن خاص وأجمل ومكان خاص وأجمل ..

    وكانت التمزقات الانجليزية , والامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس , تتداعى الى محض جزر في الارخبيل العريض , احد دواعي الشعور بالانتماء الذي عبرت عنه , الوجودية الجديدة واليسار الجديد , وتجلى لدى كولن ويلسن في " ضياع في سوهو " كتطبيق للا منتم , بمعضلاته النفسية ومشكلاته المعقدة , ازاء حياة واقعية قاسية لحد التفاهة , حيث الاشياء اكثر انسانية من الانسان !!..

    وعندما اخل النفط بقوانين البنى الاجتماعية , واحدث اختراقات ثقافية عميقة في الفضاء الاسلامو - عربي . واهتز الواقع الافتراضي / الماضي .. الراهن .. الذي ظل يعيشه العرب والمسلمين . في العالم الثالث . ونقلهم - العرب - بذات الوقت بمنجزاته - النفط - الى حدود ارخبيل كوني , لا يرغبون بالغوص فيه , ويريدون - مع ذلك - الاستمتاع بمنجزاته , لضغوط البنى الاجتماعية - الهشة مع ذلك - والمعبأة بالمتناقضات , والمقيدة بالتقاليد السحيقة .. هكذا اذن اضحى الواقع مزيجا من الواقع والمتخيل , وما بينهما معنى التحول : ممزقا التاريخ والناس والاشياء . وجابهت تصورات الواقع الافتراضي .. الواقع الفعلي , بتصوراته المختلفة للحياة والعالم والكون . فتوترت المفاهيم وتساقطت الرؤى . فكان التحفز السري للجنس , والالحاد والقلق الوجودي للانسان . فكان عبد الرحمن منيف , والابداع المغاربي بعد طول كمون وصمت على التواطؤ السافر للداخل والخارج والحرمان من الحقوق الاساسية والحريات المشروعة كما في (مدن الملح) .. والبحث عن يوتوبيا في الصحراء كما عند الكوني في (نداء الوقوق والمجوس ونزيف الحجر ): انه الحلم المشروع والمتضاءل بالمشرق الكبير والمغرب الكبير .. وتلاقي الاطراف . لكنها الهزيمة امام مهام ما بعد الاستقلال , بما مثلته: نزيف الحجر للكوني و نوار اللوز لواسيني واللاز لوطار والمنعرج للفاسي .. وما حملته من تأزمات المثقفين والطلائع الثورية المزعومة , والكادحين وجماهير الشغيلة الذين بلا هوية محددة , في جهاز القيم الهرمي - في عالم الزيني بركات الذي يتهاوى للغيطاني - سوى التوصيف لاوضاعهم الاجتماعية الرثة التي تتناقض ووعيهم .. وادمان الفشل الكبير والبحث عن الذات كما في " ايام من عدس لبهوش يسين " والف وعام من الحنين لبوجدرة كقضية مطلوبة على المستوى الواقعي , ومزعومة على المستوى الخيالي , بابطال مزعومين..

    ورغم الفارق الزمني بين هذا السرد وذاك , الا انها ك " سرديات " ( اعادة تكوين - وفق تزامن الاحداث - لزمن وبعد ) وتجانس هو زمن السارد الذي يربك صوته الخصوصي الاحداث بحوادث سهل التعرف عليها . عملية الكشف عن التاريخ بواسطة وحدة طفيلية . ويعطي للرواية التباس شهادة قد تكون مزيفة (4).. تظل عالقة اقصى حدود فراغاتنا , فتساؤلات محمد عديم اللقب في الف وعام من الحنين , هي شيء من احزان تلك البيوت الواطئة لمحمد زفزاف وهي ذاتها تداعيات العم صالح الزوفري في البراريك , وبعيدا عنها حيث التهريب والاخطار . انها كتابة بين المتوهم والمزعوم والحقيقي والواقعي ..

    ولذلك أصر على ان هذه الدراسة, لهي مجرد مدخل. لقراءة تجربة السرد في السودان - ضمن الفضاء السردي الذي اشرنا اليه سلفا , فاى نص هو نتاج حوارات مع نصوص اخرى من مختلف انحاء العالم -. ولذلك حين اصر على كونها مقدمة , فذلك لانها لا تتصف بصفة الشمولية, لكل المنجز السردي , وانما تكتفي بنماذج سودانية متفاوتة, في مستوى جودتها الادبية والابداعية , في ازمان مختلفة . وهي نماذج يسيرة , لاتعكس كم المنجز , ولكن تعبر_ مع ذلك_ عن المناخ العام وفضاءات هذا المنجز السردي وموقعه من منجز العالم والاقليم _ تعبر عن السودان بمجاله الافريقي والعربي - ..

    خاصة أن المنجز المنشور قليل ولا يتناسب مع الانتاج الفعلي , وفي معرض ذلك يقول الروائي ابراهيم اسحق " الادب العربي الآخر ليست لديه هذه الاشكالات التي نتحدث عنها , مثلا الكتاب العرب يكون البعض منهم ليست لديه فكرة عن كتابة الرواية ولا خلفية عن ذلك , وفجأة ينشر ثلاث روايات او رواية من ثلاثة اجزاء , لكن بقوة الدفع الثقافي لبلده , وانتماء القطر الثقافي في الساحة , يعطيه الدفع ويجد التقدير حتى لو كان هذا العمل متواضعا , لكن الكتاب السودانيون يحتاجون لأن يقيموا أعمال بعضهم العض"..

    وهي لحظة مناسبة للبدء في هذا المشروع. اذ ان النقد في السودان لا يزال في مراحل تطوره الاولى. منذ وضع اسسه محمد عثمان ابوساق وأحمد حمداي وعباس صبحي, في خمسينيات القرن الماضي. وارسى دعائمه في مراحل مختلفة رافقت التحولات الحداثية كل من : دكتور مختار عجوبة, والاستاذ عبد القدوس الخاتم, والاستاذاحمد طه امفريب. ومعاوية البلال, واحمد عبد المكرم . فمرورا بكل هؤلاء واولئك, ممن اشرنا او لم نشر اليهم. نجدهم قد اسسوا لعلاقة مباشرة مع النصوص الادبية المختلفة , تتجاوز اطاراتها المباشرة , كي تستطيع الوصول الى القدرة على التنظير, والادراج ضمن حركة نقدية فاعلة, في وسط ثقافي فاعل ( بمعني التداول الواسع, عبر المؤسسات للنص الادبي. لقراءته وتحديد قيمته) .

    ما سبق كان هو الموضوع المركزي للفصل الاول , والذي تتصل به الفصول التالية لقراءتنا. التي استهللناها بقراءة حول: الاستاذ عثمان علي نور ( رائد القصة القصيرة في السودان ) وذلك لان الاستاذ عثمان علي نور " واحد من قلة من الكتاب السودانيين , نذروا ابداعهم. لفن القصة القصيرة. ومن هؤلاء ابو بكر خالد , جمال عبد الملك ( ابن خلدون ) علي المك , عثمان الحوري , ابراهيم اسحق ابراهيم (..) ان الخط البياني للقصة القصيرة. يوضح بجلاء مساهمات كتاب مثل: معاوية نور , وعبد الله رجب وعثمان علي نور ومحمد المهدي بشرى ومبارك الصادق وبشرى الفاضل وغيرهم (5)" ولكن عثمان علي نور, يتميز عن كل هؤلاء بمختلف اجيالهم , بانه الرائد في هذا الجنس من الابداع. ولم يطلق عليه هذا اللقب الا لانه ربط مصيره بمصير القصة في السودان. كما اكد الناقد عيدروس " كان على القصة القصيرة الانتظار بعض الوقت , بعد فترة الثلاثينيات . ريثما يظهر كاتب ينذر نفسه للقصة, ويتوفر على الاهتمام بها . كان هذا الكاتب هو عثمان علي نور (6)" وربما لكل هذه الاهمية لعثمان علي نور كتب القاص زهاء الطاهر بأسى : لو كنا في دنيا غير هذي الدنيا , وفي أرض غير هذي الارض , وفي قارة لا كهذي القارة . وفي بلد غير بلاد الجن , وديوك الجن . لكنا اقمنا لك تمثالا من ياقوت واخر من زهر الماء , وكنا اقمنا لك شهبا تحكي بضياء عن ضياءك يا نور . لكنا ملأنا الارض عنك وردات وازهار برية , وعصافير جوابة ومناديل عذراوات , وقناديل وقواديس وقوافي , وملأناها وفاء , وكنا زهونا بك زهوا , وقدمناك للدنيا وأهل الدنيا , وبارينا بك مواسم كل عطاء . ونفحناك من شغف القلب أوتار غناء , وضمخناك بكل عطر جال, في الاسماء. او جاء في الاسماء.. هذاالقرن الذي مضى خاننا اجمعنا . هادننا . قبلما سقانا من كأسه المترعة (7).. ولكل هذا افردنا للاستاذ عثمان علي نور وحده فصلا كاملا هو الفصل الثاني من هذه القراءة .

    ولذلك يجيء الفصل الثالث, كقراءات تطبيقية. على خلفية ما تمت الاشارة اليه. في الفصل الاول والثاني . كالمعطوف .

    ونلاحظ على بعض القصص موضوع القراءة في هذا الفصل - الثالث - والذي يليه - كذلك الروايات موضوع الفصل الاخير لهذه القراءة ( روايات : ابراهيم اسحق , محمود محمد مدني ,مختار عجوبة , فرانسيس دينق , مروان حامد الرشيد , طارق الطيب ) - بصورة عامةأن الاتجاه الواقعي السحري, يهيمن على فضاءات القصة والرواية بشدة. كما عند الاستاذ مدني واحمد ابو حازم وغيرهم .. بما هي - الواقعية السحرية - تعبير عن رؤية كونية سحرية للعالم . رؤية لا تاريخية , تنمحي فيها الحدود بين الاحياء والجماد , او بين الثقافة والطبيعة . حيث تكتسب الاشياء والظواهر خواص وقدرات مميزة , وحيث نشاهد جانبا من هذا الواقع, السابق على مباديء العقل والمنطق وقوانين السببية ( ربما بسبب بكارة ارض البلاد الكبيرة - السودان - بغاباتها العذراء وسهولها الشاسعة, ونيلها الذي يشقها من اقصاها الى ادناها, وناسها المعجبين بانفسهم _ الذين ليس كمثلهم ناس!!! _ وتنوعها الثقافي وتباينها الحضاري الخ , الخ .. ربما لحضور التنوع في كل شيء حتى العقائد .. والخصوبة المدهشة للخيال في ظل هذا المناخ الثقافي .. ربما ان كل ذلك هو ما جعل البلاد الكبيرة - السودان - مصدر الهام لا يضاهى .. ومن هنا جاءت السحرية , اكثر من كونها نتاج اتصال باداب اميركا اللاتينية ..

    فالتراث المتنوع للسودان , والذي نهض فيه الشعر والدراما , اللذان ظلا يؤديان وظيفتهما داخل التقاليد الشفاهية , هو ما انتج الرواية والقصة في السودان - طبقات ود ضيف الله - والتي اتخذت شكلها الحديث, من شكل وتقنيات الرواية الحديثة (9) فالرواية بشكلها الحديث, تعتبر فنا ادبيا حديث العهد في تربتنا الثقافية , ولا يزال خاضعا على المستوى التشكيلي, للمثل الذي تقدمه الرواية الغربية . هكذا نستطيع ان نكتشف, الكثير من المدارس الادبية الاوروبية في رواياتنا وقصصنا . ونلاحظ عدم تشكل هذه الاجناس في مدارس ثابتة . اذ تمت استعارتها انتقائيا , وتهجين بعضها في سبيل محاولة تمثيلها جميعا. حتى تستطيع التعبير, عن صوت الروائي او القاص (10)"..

    ما هو الاطار النقدي العام الذي اعتمدته هذه القراءات - سواء في الرواية أو القصة _ لتفصح عن نفسها ؟ .. أعتمدت على بعض المفاهيم البنيويةالتكوينية(لوسيان غولدمان) والبنائية ( تحديدا التحليل السيمولوجي فيها ), وكذلك بعض المفاهيم المنهجية, في التأويل. كأداة استشعرت انها أكثر قدرة, على سبر كنه هذه النصوص " التأويل مع شيء من التجاوز - مرادفا للادب بمعناه القديم , وهو الاخذ من كل علم بطرف .. لقد برزت التأويلية , كمعرفة تسعى الى استقطاب, نماذج الاختصاصات في مجال النقد . متسلحة بتاريخها الطويل , متخذة عناصر قوتها, من انغراس جذورها. في النصوص المقدسة أولا. وفي أمهات التراث الفلسفي من جهة اخرى .. انها مجرد منهج تسلكه بعض المعارف ومطية تركبها العلوم (11)..

    واعتمادي لهذا المنهج المزيج, جاء نتيجة_ لشعوري كروائي وقاص _ ان المناهج دوما عاجزة عن الاحاطة بالنص , ذلك لان المنهج اكثر قدرة على الاشتغال في المادي القابل للتموضع , لكن النص الادبي مادة هاربة عن الموضعة , لذلك يصعب على المناهج العلمية ضبطها بادواتها , التي تصلح لضبط العلوم الاخرى , ولكنها مع ذلك تكفي في لهاثها خلفه - النص الادبي - للامساك ببعض تلافيفه.. وآخيرا .. هذه القراءات هي اسهامات من موقع القراءة اكثر من كونها اسهامات من موقع النقد .. القراءة التي تملك معرفة , ففي تقديري هي النقد الحقيقي ..

    من جهة اخرى تأتي أهمية هذا الكتاب , في أنه لم يكتف بقراءة كتاب شماليين , بل ومن الجنوب ايضا ..

    واخيرا أجد انني مدين لزوجتي بالشكر والتقدير . فلها كل الحب .

    احمد ضحية القاهرة - السيدة زينب يونيو 2005
                  

10-03-2006, 12:01 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل لدراسة تجربة السرد في القصة القصيرة والرواية السودانية // احمد ضحية (Re: Sabri Elshareef)

    هامش:

    (1) د . جابر عصفور . زمن الرواية .مهرجان القراءة للجميع 200 طبعة ثانية . ص : 12

    (2)علي شلش . الادب الافريقي.عالم المعرفة آذار1993 ص : 141

    (3) رولان بارت . الدرجة صفر من الكتابة . ترجمة محمد برادة . مطبعة المعارف الحديثة . الرباط. ص : 57

    (4 ) السابق . ص : 100

    (5) كتابات سودانية " كتاب غير دوري " . مركز الدراسات السودانية .العدد 22 ديسمبر 2002 . ص : 35-36.

    (6)السابق : ص : 36.

    (7) نفسه : ص : 39.

    ( حسين عيد . جارسيا ماركيز وأفول الديكتاتورية ." دراسة في خريف البطريرك " .الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988. ص : 52.

    (9) علي شلش . السابق. ص : 141.

    (10) الياس خوري . تجربة البحث عن افق "مقدمة في دراسة الرواية العربية بعد الهزيمة ". منظمة التحرير الفلسطسينية " مركز الابحاث " 1974 " . ص : 110

    (11) مجلة الرافد . أغسطس 2004 . ص : 87.

    "مأزق الكتابة هو مأزق المجتمع نفسه . وكتاب اليوم يستشعرونه ,

    فبالنسبة لهم يكون البحث عن لا - اسلوب .

    او عن اسلوب شفوي . او عن درجة صفر او عن درجة متحدث بها عن الكتابة ,

    هو اجمالا استباق لحالة يكون المجتمع فيها متجانسا كل التجانس .

    ومعظم الكتاب يدركون بانه , لا يمكن ان تكون هناك لغة كونية ,

    بدون ان تكون هناك كونية ملموسة ,

    ليست صوفية ولا اسمية للعالم المدني ."

    رولان بارت
                  

10-03-2006, 12:02 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل لدراسة تجربة السرد في القصة القصيرة والرواية السودانية // احمد ضحية (Re: Sabri Elshareef)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de