|
|
 الموت فى إسلام اباد ولاهور ...... عن الصحافه السودانيه
|
الموت في إسلام أباد ولاهور وراؤول بندل« 1/2»
ســـر الغــــــرفـة «15»
أجراه: أمير عبد الماجد
* قد يتبادر الى ذهنك حالما يبدأ محدثك في الحديث عن تفويج أعداد كبيرة من السودانيين الى مدن لاهور واسلام أباد وراؤول بندل بباكستان، ان الامر متعلق بالانضمام لتنظيم القاعدة، او ربما البحث عن اسامة بن لادن زعيم التنظيم والحصول على الجائزة الاميركية، او اي شئ غير ان باكستان التي تعاني ما تعاني الآن تحولت الى مأساة سودانية لمرضى الفشل بالخصوص وهم - اي مرضى الفشل الكلوي - مثلنا جميعا كما يقول د. عادل عمر الذي عاش تجربة الفشل الكلوي والبحث عن كلية لشقيقه «عندما يضيق الافق امامك لابد ان تبحث عن حل» و«البحث عن كلية في اسلام باد او هوليوود قشة قد تنقذك من الغرق»
د. خليفة العوض :مصر وباكستان والهند والعراق قبل الحرب أسواق لبيع الكلى
* آلاف السودانيين غادروا عبر مطار الخرطوم الى باكستان بحثا عن علاج وحل نهائي لمرض الفشل الكلوي، بعد ان اقنعهم البعض ان بيع الكلي متوافر هناك، وان العملية تتم في جزء من الساعة، والعلاج والاجهزة متقدمة هناك، المطلوب فقط مبلغ يتراوح بين «14-17» الف.. دولار.. كثيرون غادروا وكثيرون في الانتظار الآن للمغادرة، بعضهم عاد جثة وبعضهم دفن هناك وبعضهم عاد للغسيل الدموي مرة اخرى.
* فاطمة عمرها حوالي الـ «35» عاما من سكان مدينة الخرطوم متزوجة ولديها طفلان- اصيبت بالفشل الكلوي نتيجة الارتفاع غير المراقب لضغط الدم، وهو سبب شائع جدا وسط السودانيين، ففاطمة مثل كثير منا لم تراقب ضغط دمها الذي ارتفع ببساطة واصابها بالفشل الكلوي.
* دخلت فاطمة الغسيل الدموي لمدة شهرين فقط، قبل ان يقرر اهلها الاسراع باجراء عملية الزراعة لتسترد عافيتها، لكنهم فوجئوا بعدم وجود متبرع، فاتصلوا باحد مكاتب العلاج بالخارج، وفي ظرف يومين فقط وصلت تأشيرات الدخول لباكستان.
* سافرت برفقة زوجها وشقيقها، وهناك عاشوا اوقاتا عصيبة، وتعرضوا لعمليات ابتزاز عديدة، لكنهم تمكنوا من الحصول على متبرع بعد شهرين، واجريت العملية في مكان قذر باسلام أباد «مركز اسمه موجود بطرفي» بدون اية فحوصات تأكيدية.
* بعد ست ساعات من اجراء العملية حدث رفض فوري للكلية المزروعة، وحسب زوجها واخيها «النزف لم يتوقف من مكان الجرح ابدا» و«الغيار كان يتم في غرفة قذرة جدا وبأدوات جراحة قديمة وصدئة».
* في اليوم التاسع للعملية جاءت مفاجأة جديدة، قرر الاطباء ان تغادر المريضة عائدة الى السودان مع بقاء التساؤلات .. النزيف لم يتوقف والالم و ....«لا شيء»
* في طريق العودة انفجر النزيف بصورة حادة في الطائرة، فنقلت من مطار الدوحة الى المستشفى، وهناك رفض الطبيب السماح بعودة فاطمة الى السودان، لانها في غيبوبة والنزيف مستمر.
* لكنه وافق بعد اصرار زوجها وشقيقها- واكتفي بنظافة الجرح وفك الخيوط وتركها هكذا الى حين الوصول لمطار الخرطوم.
* في مطار الخرطوم انتظرتها سيارة الاسعاف تحت الطائرة، وقال من شهد الموقف «ان المكان امتلأ بالدم والصديد». توجهت سيارة الاسعاف لاقرب مستشفى خاص.. هناك امضت فاطمة «3» اسابيع في غرفة العناية المكثفة تمكن خلالها الاطباء من السيطرة على حالتها ومعالجة حالة التسمم العام الذي دخلت فيه.
* بعدها ازال فريق الجراحة الكلية الباكستانية المزروعة في جسدها «عندما أخرجها الاطباء كانت منتفخة ولونها اسود» «كانت مسممة تماما» وتساءلوا امام المشهد «بما ان جسم فاطمة رفض الكلية المزروعة لماذا تركها الاطباء الباكستانيين، وهم يعلمون انها ستصبح مرتعا للتسمم البكتيري القادر على تدمير كل اعضاء جسمها، ثم كيف تغادر مريضة بهذه الحالة من بلد لبلد آخر؟» «لا اجابة».
* فاطمة تحولت الى شبح من الصعب تصور انها تلك الفتاة الدائمة الحركة المحبة للحياة، باتت تصرخ الآن عند تركيب القسطرة «يا رب ارحني من هذا العذاب».
* اتصلت بزوجها وهو ممن درسوا الطب، لكنني وجدته في انتظارها او ربما امامها وهي على ماكينة الغسيل الدموي «اعتذر بلطف».
* سألت كبير اختصاصيي الكلى بالسودان د. خليفة العوض عن حالتها قال «تابعت ما حدث لفاطمة» واضاف «عملية نقل الكلى حدثت لكن الجسم رفضها» واضاف «هذا ما نسميه الرفض الحاد ويحدث عادة في حال لم يتم تجهيز تطابق الانسجة بصورة جيدة، او نتيجة لتسمم دموي او لمضاعفات الجراحة».
* محمد ياسين ذهب مع شقيقه المصاب بالفشل الكلوي الى باكستان بعد ان حلف لهم صاحب الوكالة الذي ابتعثهم الى هناك، ان الامكانات الطبية في لاهور ممتازة، وان الاطباء على مستوى عالٍ من التأهيل، وان المتبرع الذي يتقاضي مبلغ «6» آلاف دولار موجود.. بكي محمد وهو يروي معاناته هناك قال «لا استطيع ان اروي التفاصيل كلها لانها مؤلمة. ولك ان تعلم انني دفنت شقيقي ياسر هناك بعد ان فارق الحياة في اليوم الثاني لاجراء العملية». واضاف «العملية أجريت في مركز اشبه بـ «السلخانة» عندنا». وتابع «نفدت الاموال فدفعت السفارة كلفة عودتي للخرطوم.. اشار محمد لوجود مئات السودانيين المصابين بالفشل الكلوي الآن بمدن اسلام أباد وراؤول بندل ولاهور وغيرها في انتظار اجراء عملية زراعة الكلى».
* د. خليفة قال انه استقبل خلال الستة اسابيع الاخيرة «13» حالة كحالة فاطمة، بينهم اثنان اجريت لهم العملية في مصر، اما الـ «11» الآخرين فكلهم من باكستان.
* المعلومات التي توافرت لدي و تأكدت منها لدى اكثر من مصدر، تقول ان سفارة باكستان كان لها ضلع عبر احد موظفيها في تسفير عدد من المرضي- بينهم «عز الدين». والاسم هنا محرف «الاسم الحقيقي موجود لدي» وعز الدين سافر بعد أن عجز عن توفير متبرع من اسرته واخوانه. سافر ودفع حوالي «14» الف دولار للمستشفى الاسلامي في اسلام اباد، وفشلت العملية، اما الاغلبية فقد سافروا عن طريق الوكالات، وهي وكالات موجودة وتعمل تحت لافتة العلاج بالخارج.
* هناك طبيب سوداني موجود بالعاصمة الباكستانية يعمل سمسارا بين المريض السوداني وصاحب الكلية الباكستاني، وسفارتنا في باكستان تعرفه تماما وسبق ان حذرته واوقفته، لكنه لازال يعمل بمساعدة بعض الباكستانيين العاملين في الحقل الصحي، دوره ان يجتذب الزبون السوداني ودورهم ان يحضروا الضحية الباكستاني وهو غالبا من الفقراء.. يقبضون من الزبون السوداني «6-8» آلاف دولار ثمناً للكلية ويدفعون للباكستاني الفقير من الف الى الف وخمسمائة دولار، ويجرون العملية غالبا في مراكز قميئة وفي اطراف المدينة، وهذا لا يعني ان العمليات كلها تتم في الاطراف، لأن بعضها يتم في مراكز وسط المدن، رغم ان بيع الكلى ممنوع هناك.
* سألت د. خليفة العوض كبير اختصاصيي الكلى بالسودان لماذا يجازف هؤلاء المرضي ؟؟ لماذا يذهبون الى باكستان ونحن لدينا ثلاثة مراكز تجري من « 6- 8» عملية زراعة كلى شهريا مجانا، ونسبة نجاحها كما تقول «96%»؟ قال «غالبية من يذهبون الى هناك اثرياء يتجنبون مسألة تبرع الاقارب، ولديهم اشكالات وراثية في الكلى، او احيانا يكون المريض ممن تجاوزوا سن الـ «70» عاما» واضاف «نحن هنا لا نقبل التبرع من غير الاقارب، لان نسبة نجاح العملية من الاقارب عالية، اما التبرع من غير الاقارب فنسب نجاحه قليلة جدا لذا لا نوصي به».
* هل كل زبائنك من الاثرياء؟ سألت عبد المجيد محمد عبد المجيد المدير العام لشركة برانتود للخدمات المحدودة، وهو وكيل لمستشفيات بمصر والاردن، قال «لا ليس بالضرورة.. يمكنك القول ان من يسافرون للعلاج بالخارج هم من نجحوا في تدبير المال المطلوب» واضاف «معظم الذين يصلون الى المكتب يستلمون الفاتورة ويعجزون عن توفير المبلغ المالي». وعن تسفير المرضي الى باكستان قال «انا لا اتعامل مع باكستان في الفشل الكلوي وزراعة الكلى». قلت لم تتعامل معهم اصلا قال «تعاملت معهم لفترة وكانت النتيجة انني بعثت «32» حالة توفي منها «24» شخصاً وعاد اربعة من المطار للمستشفى وتعافى «اربعة اشخاص فقط» لذا اوقفت التعامل معهم». وتابع «لا توجد جهة في باكستان للرقابة، ولا يوجد مستشفى متخصص، والعملية تتم بلا رقيب وبلا ضمانات».
* برانتود كما يقول مديرها تتولى تسفير السودانيين الآن الى الاردن ومصر، رغم ان الاخيرة عادت منها حالات فاشلة لعمليات زراعة الكلى، وهي حسب د. خليفة العوض من الدول التي توجد بها تجارة كلى الى جانب الهند وباكستان والعراق قبل الحرب.
* ادارة مستشفى ابن سيناء «حجزت» الغرفة رقم «15» التابعة اصلا لمرضى الانف والاذن والحنجرة وخصصتها لمرضى الفشل الكلوي القادمين من باكستان، وهم حسب د. وفاء الباحثة المتخصصة والناشطة في هذا المجال «أناس اشتروا كلية من اشخاص لا يعرفونهم». وتابعت «دفعوا المال والصحة، ولا اعلم ان كانوا على علم بوجود مراكز لزراعة الكلى مجانا في احمد قاسم وابن سيناء ومدني».
* سواء عرفوا قبلا او لم يعرفوا، نحن امام مشهد بالغ التعقيد.. عشرات السودانيين يغادرون الى باكستان ومصر وغيرها لزراعة الكلى، ويعودون اما جثامين للدفن الفوري او جثامين تنتظر.
«نواصل»
|
|
 
|
|
|
|
هجو الأقرع
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست