ضريبة الحياة.. قراءة تاريخية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 11:58 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-24-2006, 02:23 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ضريبة الحياة.. قراءة تاريخية

    ضريبة الحياة.. قراءة تاريخية
    قصص من ثورات الطبيعة وثورات الشعوب

    (فاقصص القصص.. لعلهم يتفكرون)!

    في صحيفة النيويورك تايمز، في عددها الصادر في الحادي عشر من يناير2005، قرأت مقالا مميزا، عنوانه "مهلكة ولكن ضرورية، الزلازل الأرضية تجدد الكوكب"(Deadly Yet Necessary, Earthquakes Renew the Planet).. في هذا المقال قامت الصحيفة بعمل دراسة موسعة عن آثار الزلازل الأرضية، وقد اعتمدت الدراسة على آراء الكثير من الخبراء والمعامل الجيولوجية ذات الصيت العالمي في مجالها.. ومناسبة تلك الدراسة كانت أحداث كارثة أمواج تسونامي التي انشغل بها العالم في وقتها..

    تقول الصحيفة أن الزلازل الأرضية هي التي صنعت الكثير من الجزر اليوم، فالحمم البركانية المتصاعدة من بين طبقات الغشاء الخارجي لسطح الأرض تبرد مع الزمن لتشكل جزرا خصبة جدا، والحمم البركانية أساسا تخرج لسطح الأرض بسبب ارتطام طبقات الغشاء الخارجي ببعضها.. جزيرتي سومطرة وجافا هما إحدى الشواهد الحية على هذا الأمر.. كما أن تشقق وتصادم طبقات الغشاء الخارجي لسطح الأرض - ما يحدث في الزلازل - هما اللذان صنعا القارات والسلاسل الجبلية حول العالم.. ومن فوائد الحمم البركانية أيضا أنها تخصب التربة بشكل عال جدا، كما أن الكثير من علماء البيولوجيا يؤمنون بأن بداية صور الحياة البسيطة على الأرض بدأت من الحمم البركانية المتصاعدة من أعماق المحيطات.. والزلازل الأرضية تعيد تنظيم كيمياء الكوكب، فالأرض تحتاج لأن تمر بنظام الزلازل الأرضية لموازنة العناصر الكيميائية من الغازات والعناصر الأخرى الضرورية لوجود حياة على سطح هذا الكوكب.. ومن فوائد الزلازل الأرضية أيضا أنها تركز المعادن النادرة، كالذهب والفضة، حيث تقوم الحمم البركانية بتركيزها ودفعها إلى الأعلى لتصبح في متناول يد البشر في المناجم المنتشرة في أرجاء الأرض.. باختصار، هذه الأحداث، أو الكوارث، الطبيعية هي عمليات تجديد مستمرة لإمكانية الحياة على سطح هذا الكوكب، وقد كانت إحدى المسببات الأساسية لظهورها، بادئ ذي بدء..

    تتحدث الصحيفة عن هذه الاستنتاجات العلمية، ومن ثم تطرح قضية شائكة، فمشاعرنا الإنسانية ترفض الدمار والهلاك الذي حل بما يزيد عن المائة ألف من البشر بسبب ظاهرة أمواج تسونامي التي كانت نتيجة زلزال عظيم حدث تحت سطح الأرض بالقرب من جزيرة سومطرة، ولكنا عندما نعلم أن هذه الظاهرة كانت ضرورية لاستمرار حياتنا على سطح هذا الكوكب، وأنها مستمرة منذ ظهور الحياة عليه، فإن الموازنة بين المشاعر والنظرة العلمية لسيرورة الحياة تصبح أمرا لا بد منه.. نصبح أمام المعادلة الوحيدة الممكنة: أن نقبل ضرورة هذا التفاعل الكوكبي، ونحاول، قدر المستطاع، تضميد الجراح الغائرة، وترميم الخسائر الفادحة، والعمل على عدم الإضطرار للدخول في تجربة مماثلة في المستقبل.. هذا هو، ببساطة، ما يحاول المجتمع الدولي فعله الآن..

    لعلها تلك الترجمة التاريخية الصريحة التي تشير إلى مدى ارتباط الإنسان بهذه البيئة الأرضية، مادة وروحا، بصورة "ديالكتيكية" عبقرية ومستمرة، حتى لكأن كل فرد بشري اليوم هو صورة مصغرة، حسا ومعنى، لهذا الكوكب بكل تفاعلاته واضطراباته، ظاهرا وباطنا.. ها هي الشعوب تترجم عبر ثوراتها التي تلي الكوارث المجتمعية العديدة.. تترجم معنى أن هذه الكوارث المجتمعية "مهلكة ولكن ضرورية".. هذه الكوارث هي التي توقظ وجدان الشعوب، إيقاظا فظا شديدا، لا تملك له تجاهلا، فتقوم على كلمة واحدة، بعد طول غفوة وتشتت، لتسلك مسلكا نحو التغيير من أجل وضع أفضل، بعد أن طفح الكيل ولم يعد السكوت خيارا.. نرى صورة لهذه الثورات الشعبية في التاريخ جراء الظلم الذي تجري به جماعات على أخرى، فيستطير شرها تنكيلا في الناس، مما يولد شعورا كبيرا بالغضب، ومن ثم الثورة، متمثلة في جيوش مضادة، متفانية في قضيتها حتى تزيل ذلك الظلم.. غير أن دائرة الأيام تدور، وتتبدل الأدوار، وبين هذه وتلك تولد حضارات وابتكارات فتقتها الحاجة (والحاجة تفتق الوسيلة)، وتندثر، أو تفسح المجال لأخريات أكثر تقدما ورقيا.. وهكذا دواليك، حتى صح أن يوصف التاريخ البشري المجتمعي بأنه "سجل الحروب"، أكثر من أي شيء آخر.. وفي القرن العشرين، ظهرت الثورات بصورة أكثر تقدما، وأعظم جوهرا، إذ أنه اشتهر بـ"قرن الشعوب" التي صارت تثور على حكوماتها، وتطالب بوجود فعلي لها في إدارة مصالحها وحفظ حقوقها، وظهرت سبل جديدة من العمل الثوري، من قممها المقاومة السلمية، الغنية عن العنف..

    ما يحدث اليوم في السودان، من سخط على الحكومات الجائرة المتتالية - والتي توجت بسلطة الإنقاذيين المعاصرة - إنما هو حلقة لسلسلة طويلة من التجارب المجتمعية للبشر عبر التاريخ، لا بد لشعب السودان، ومن ورائه المجتمع الدولي، أن يتعلم منها الدرس، وإلا فإن "التجربة التي لا تورث الحكمة، تكرر نفسها"، كما قال شهيد الفكر، الأستاذ محمود محمد طه.. ولا يحسبن أحد أن الكوارث التي رآها الشعب السوداني من هذه السلطة - التي تشبه أمواج تسونامي - هي لغير جدوى، فرغم الحس الإنساني العام الذي يجعلنا نتألم لاضطرار هذا الشعب لخوض هذه التجربة المريرة، إلا أن داعي الفطنة أيضا لا ينفك يشير لنا إلى أن هنالك حكمة يجب أن تورث من هذه التجربة، فإن استطاع الشعب أن يرثها، كان بذلك تجديد حياته، والدخول بها إلى دورة جديدة، فيها الكثير من العزاء والسعة الخلاقة.. يذكر للأستاذ محمود محمد طه يوما أنه قد قال، بعد المصالحة الوطنية في عام 1977: (ومن الأفضل للشعب السودانى أن يمر بتجربة حكم الهوس الدينى، وسوف تكون تجربة مفيده للغاية، اذ أنها بلاشك ستبين لأبناء هذا الشعب زيف شعارات هذه الجماعة.. وسوف تسيطر هذه الجماعة على السودان، سياسيا واقتصاديا، حتى ولو بالوسائل العسكرية.. وسوف يذيقون الشعب الأمرين، وسوف يدخلون البلاد فى فتنة تحيل نهارها الى ليل.. وسوف تنتهى فيما بينهم، وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعا)..

    غير أن هذه التجربة لن تقودنا إلى الاستفادة القصوى منها إلا إذا أدركنا وحدة المصير الكوكبي اليوم، وأن الأزمة الحقيقية تكمن في كيفية إنزال الفكر التقدمي إلى أرض واقع الناس.. ثورة الشعب هذه المرة يجب أن تكون ثورة مدعومة بالفكر الحصيف، الذي لا يكتفي بمشاعر التغيير فقط، وإنما يصطحب آلياته السليمة.. لعل هناك صورة يمكن أن تقرب هذا المعنى للقارئ، توجد في حقائق الواقع الاقتصادي لهذا الكوكب الزاخر بالفقر والجوع.. أزمة الفقر والجوع التي يمر بها الكوكب اليوم ليست أزمة في مصادر الكلأ، أو مصادر الإنتاج، وإنما هي أزمة في قضية التوزيع.. في مقال للأستاذ الخاتم عدلان، طابت ذكراه، في شهر ديسمبر من 2004 في صحيفة (سودانايل) الإلكترونية، بعنوان (تأملات في جنون الأمم)، يقول الأستاذ الخاتم: (والحقيقة أن بشاعة الوضع الحالي، تتمثل في أن الخلاص منه ممكن تماما. فقد قدرت الأمم المتحدة عام 2000، أن برنامجها لرفع الفقر عن أطفال العالم يكلف 52 بليونا من الدولارات. ولكن العالم الذي عجز عن توفير جزء قليل من هذا المال طوال الأربع سنوات الماضية، صرف في العام الماضي، 712 بليونا من الدولارات على السلاح).. مئات البلايين من الدولارات - أكثر بما لا يقاس من المطلوب لرفع الفقر - تصرف على أدوات ترسيخ الفقر، وزيادة القهر والظلم وحجم المأساة.. ترسيخ الفقر والظلم يكلف أكثر من رفعهما أضعافا مضاعفة، ولكن الأموال تصرف في اتجاه ذلك الترسيخ! وهذه الصورة العالمية تمثل الواقع الإقليمي في السودان أيضا، خير تمثيل، لأن واقع السودان إنما هو جزء مساهم في نتيجة الكل..

    فوجه الأزمة المعاصرة الحقيقي إذا، في السودان وما حوله، هو وجه أخلاقي.. أزمتنا الحقيقية هي أزمة أخلاقيةّ! ومثل هذه الأزمة لا تعالج إلا بطول مراس مع المسؤولية الفردية والمجتمعية، وبمنهجية علمية تكون دليلا لهذه التجربة المراسية.. من حق الكثير من أبناء الشعب السوداني اليوم أن يجزع من السؤال: "ثم ماذا بعد عصر جماعة الإنقاذ؟" إذ أن الصورة المنهجية للتغيير الذي سيلي عهد سلطة الإنقاذيين ما زال غير واضح، بصورة كافية، لقطاعات كبيرة من هذا الشعب، وهو الذي قد اكتفى برصيده التاريخي من خيبات الأمل..

    فإن كان لنا أن نستفيد من كوارث زماننا - حتى لا تترك لنا سوى مرارة التجربة، دون حكمة - لا بد أن نعي حجم الأزمة، ونوعيتها، ونهندس لطريق الفكاك منها.. والمستقبل ينتظر أن يعاش بصورة أفضل، والتاريخ ينتظر أن يدون صفحات أجمل، فلا أحد يحب أن يدفع ضريبة باهظة - كتجربة الشعب السوداني مع جماعة الإنقاذيين - مقابل أجر بخس، هو حياة قادمة لا تحمل شيئا من ثمار حكمة التجربة..

    قصي همرور
    سبتمبر 2006
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de