لا يهمهما من ينعتها بالحفيانة فهي كمان هفتانة وجيعانة وفي أغلب الأحيان عريانة، لا تعرف الراحة أو السكون، زايقة البصر قل مايرسو بصرها على ركن في هذا الكون، نحيفة بعد أن كانت تملأ حيزاً ومكاناً، عروقها نافرة تضاهي أضلعها بروزاً، لا تعرف الشبع كما عهدت الجوع، ولا تعرف البسمة لأنها تخجل من أسنانها الصفراء بخضرة ملاعبنا الواسعة.
قلبها كبير يسع المليون ميل مربع بمن فيه، عندها من الأولاد الصغار والكبار، النساء والبنات، وكمان قل صار أحفادها عواجيز، فهي قادمة من الزمن السحيق من نقطة اللابداية، كانت كبيرة وأكل الدهر منها حتي صارت بقعة بعد أن كانت محيط.
يكسو وجهها الكآبة والحزن بل هي تتعمد أن تكون كذلك، لأن هذا يتناسب و شكلها المهزوم، كانت قبلة يتوجه إليها الجميع فصارت نكرة، الكل يشهد بأنها المرتع والمتكأ ويقصدها كل محب للجمال والإلفة فصارت حتى من ينتمي إليها مكنسراً يتعمد تجاهلها. ما أصعب التشبث بالذيول بعد أن كانت أحد الرؤوس، يشار إليها بكامل الأجساد فالآن اليها يكتفي بإشارة البنان او حتي في أغلب الأحيان نصيبها النسيان.
لاتهمها الوصوف والنعوت التي تسمعها ولا تحزن لها، بدواخلها فرحا وسرورا لا يزولان عنها أبدأ، انه شرف الانتماء _ الانتماء للحلة.
تعود الناس أن تري الحفيانة خيالاً وشخوصاً فهم لا يتبينون الأشياء والأمكنة والأشخاص، يرسمون لمن تراهم عيونهم صورا في خيالهم، في بعض الأحيان تكون الصورة المرسومة هي أجمل وأكمل من الأصل، وفي مرات كثيرة تظلم من ترسم لهم صوراً مقلوبة.
يجري نهر بقرب الحلة تعود على العطاء بسخاء على كل منطقة وناحية يمر بها، والكل فرح لهذا الجود اللامحدود من نهرهم الذي يشعرهم بالأمان والاستقرار.
إلا في هذه الحلة فيقصده معظم أهل الحلة ليصطادوا من الصباح وحتى آخر الليل فيرجعون بخفافهم دون حنين، لم يصطاد أحدهم سمكة من زمن أن عرفوا هذا النهر؟!
وفي مشهد يتكرر يومياً تمر بهم الحفيانة وهي حزينة بطبعها، ويقابلها الحاج محمد أحمد ويقول متلعثما من الغضب : كيف يمسك أحدهم سمكة، ولم يضعوا طعماً على السنارة؟! فترد عليه الحفيانة بحزنها العميق المعهود: كيف يصطادون ووجوههم ناحية الشاطئ، حتى السنارة في الرمال، لا يهم الطعم يا حاج محمد أحمد أقنعهم أن يدو وشهم للمويه عديل وأنا مستعدة أن أقطع لحمي وأكون طعم لسناراتهم؟!!
اخي ياسر ومن اول مشاركة لك هنا عرفت اننا امام اديب من الطارز الرفيع... النص كانما هو الخلفية الحقيقية لحياتنا وواقعنا الذي لم ننظر اليه بصورة جادة وواقعية .. هي صرة الماساة الكامنة فينا ...لي عودة
09-21-2006, 03:24 PM
ياسر نجيلة ياسر نجيلة
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 1798
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة