إجازة في البلد .. لا تنسى/أنور محمدين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-16-2024, 02:29 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-16-2006, 04:11 AM

أحمد علاء الدين
<aأحمد علاء الدين
تاريخ التسجيل: 05-23-2005
مجموع المشاركات: 1329

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إجازة في البلد .. لا تنسى/أنور محمدين

    إجازة في البلد .. لا تنسى
    كانت عقارب الساعة تتعانق عند منتصف الليل, وكنا قد تحركنا من سوق ليبيا نحو الثامنة صباحا مخترقين البلاد والوهاد, ها هو البص ونحن على مشارف حلتنا يطلق صافرته بتشكيلات متلاحقة, منغمة, عذبة, معلنا قدومنا. الآن يقف أمام المنزل تماما وننزل منه.. أسرتي وشقيقي القادم للزواج بعد طول اغتراب وشخصي. الصبية و"الشُفع" حولنا يضجون, الكبار ينشغلون بمساعدتنا على إنزال العفش وآخرون يخدمون الركاب بتقديم الماء والعصير, وأخيرا نودع صحبة السفر ليندفع البص من جديد شمالا في جوف الليل مخترقا سكونه.
    الدار الفسيحة بالداخل تمور بالناس, فلم يتبق من حلتنا أحد في بيته سوى من أقعده الكبر أو المرض, النسوة بعضهن ينخرطن في البكاء والبعض الآخر راح يرسل الزغاريد, فوالدنا كان قد رحل عن دنيانا الفانية قبل عام, إذن امتزج الفرح بالحزن في اتساق, ورحنا نعانق هذا ونلوذ بحضن تلك, وكان نصيب الصغار القبلات. وبعد عشاء خفيف وأنس قصير غطنا نوم كثيف, لم نستيقظ منه إلا ضحى اليوم التالي.
    كان في انتظارنا عديدون ممن جاءوا من بعيد للقائنا والترحيب بنا ولتعزيتنا, حتى الشابات لم يتخلفن عن مواكب الحضور التي تقاطرت ليل/ نهار, والموائد مصفوفة والذبائح تنحر, والحلوى تترى والحب الجميل يتدفق, بعد أن استرحنا يوما طفقنا نطوف على الناس في دلقو وأقترى نعزي ونزور كبار السن المقعدين, وحين نعود من كل طواف تلاحقنا الشائعات بأن العريس اختار فلانة أو فلتكانة.
    البيت الذي نزلنا فيه جديد ابتناه شقيقي العريس قبل قدومه, ووجدنا أخا جنوبيا لايزال يقوم بالطلاء ومن اليوم الثاني لوصولنا كان يناديني بـ "العريس" وأنا أتجاوب معه مسرورا, فمن ذا الذي يكره هذا اللقب الجميل؟ فقط هذا بيني وبينكم وأم محمد "أضانها طرشاء", وحتى لا يظهر لي أسد أنا الذي أخاف من أرنب, كما يقول خفيف الظل عادل إمام, ولكنه اكتشف الحقيقة بعد أيام وأعاد اللقب لصاحبه.
    بعد أسبوع من وصولنا أقمنا "كرامة" على روح والدنا صدح فيها أعضاء فرقة مولانا جعفر بالمديح المفرح والترانيم الروحية الشجية والتواشيح المصحوبة بتمايلنا, ما ذكرني بقصيدة المولد عالية الجمال للكابلي, وخلالها أبّنت والدي وكيف أنه أفاد مجتمعه بقيادة مشروعنا الزراعي التعاوني بنجاح, وكيف أنه ضبط إيقاع عائلتنا حتى إنه لم يرشح خلاف قط في حياته, ثم كيف أنه ساوى بيننا وإخواننا الصغار من زوجته الأخرى في عدل نادر, وحتى حرصه على الكرم وتناوله طعامه مع الغادي والرائح في "ضل البيت" حتى يوم وفاته, وبكيت على جيله من مزارعينا المنتجين العظماء, المتكاتفين, وكيف يختفي هذا الجيل العظيم تاركا تراثا خلاقا من الود والطيبة والكبرياء ,وأعقبني الشيخ عبد الكريم محمد علي قائلا: إن والدكم كان والد الجميع, فلم نقصده في شيء إلا وسارع بتقديمه ولو كان آخر ما يملك, ولم يخطئ من شاطرني في وفاته في الرياض قائلا: إن جيلهم كان كالفريق البرازيلي, كل يلعب دوره بمهارة وإتقان.
    موظفو الحكومة, ضيوفنا الأعزاء في دلقو .. الطبيب, ضابط المجلس, ضابط الشرطة, مدير البنك, وغيرهم لم يغيبوا عن مجالستنا وأنسنا ومجاملتنا قط فكانوا عطر الصندل الآسر, وبعدئذ جاء الاختيار ثم العقد في جامع دلقو العتيق في نهار الاحتفال بالمولد النبوي الشريف, لذا كان هناك سبعة عقود زواج, في نهاية كل منها تطلق زغاريد النساء بالخارج وتدوي رصاصة ابتهاج, وكانت النساء من البيت قد زودننا بعلبة تحوي تمرا وذرة مع تعليمات مشددة بإحكام قفلها لحظة العقد, تفاؤلا بالانسجام وعشما في التفاهم. وحين عدنا وجدنا البيت غاصا بالناس, يموج بالغناء والزعاريد, غير أني تذكرت والدي لحظتها وانفجرت باكيا بمرارة, ثم انداحت أنهار الأفراح التي تواصلت في ليلة الحناء, والفرح الذي تقاطرت فيه جموع المحبين من الأقطار الأربعة, وطوال تلك الفترة ظل الشباب من الجنسين يتنافسون في الخدمة بروح الفريق الواحد المتجانس, ف "كلنا واحد", ما أروعهم! رغم رياح التغيير التي تدق الأبواب فعربات الكارو تمر علينا تحمل رغيفا طازجا في الوجبات الثلاث إيذانا بانحسار القراصة والكسرة اللتين تسيدتا المائدة النوبية قرونا, فضلا عن تمدد التلفزيون و"العربي".
    ها هو العريس يرحل بعروسه إلى دنقلا لقطف ثمار التواصل وارتشاف الشهد, وبعده كان عليّ وأسرتي الرحيل للخرطوم, فالرياض, وحين عزّ الحجز رتبنا السفر بالضفة الغربية, وجاء صباح الوداع ثقيلا, كئيبا, تنفطر فيه النفس من الأسى, وتتحرك سيارتنا وهي غاصة بالشباب من الجنسين الذين رافقونا, يتقدمهم الأستاذ محمد عكاشة نصر, وتوقفنا لوداع العزيز فضل بشير الذي كان مريضا وقتها, وأصرت خالتنا عواطف.. ريحانة النساء وأقحوانتهن على تزويدنا بعصير جاءت به إلى حيث قافلتنا الصغيرة خارج البيت, ولو كنت أدري أنه اللقاء الأخير بها لبقيت معها.كم أحن إليها!
    الآن نشق طريقنا بسوق دلقو والأكف مرفوعة بالوداع إلى عبور النهر, حيث أعدت خالتنا هناك الفطور, وأدرَكـَنا هناك العزيزان محمد أبو علي والدكتور شريف لوداعنا, وبعده تابعنا السير لشدة حيث أعيد ترتيب البص, الذي يتحرك الآن بعد أن ودعنا جمع شباب حلتنا واحدا واحدا. ها هو سند ينطلق بالبص وبجواره أسرتي وشخصي, وألتفت ورائي لأجد النيل يلتمع مودعا وجرايد النخيل تتلاشى خلف الأفق, والبص يتوغل في الصحراء العذراء بينما يلفنا الوجوم, وتمتلئ المحاجر بدموع حارة, صادقة, ترى متى نعود؟ بل, هل نعود؟
    أنور محمدين
    الرياض
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de