|
من يفهم تحذيرات عنان
|
Last Update 10 سبتمبر, 2006 09:01:28 PM من يفهم تحذيرات عنان سارة عيسي [email protected] أقبل علينا شهر رمضان ، هذا الشهر الكريم يذكرني بلعبة السلم والثعبان ، وكيف كانت هذه اللعبة تقتل بطء النهار القائظ ، وهي لعبة مبنية تماماً علي الحظ ، عليك أن ترمي النرد و تقرأ العدد ، ثم تتحرك عبر المربعات ، إن حالفك الحظ السعيد تدرك بداية السلم ، لتطير بعيداً وتتجاوز المرحلة ، أما إذا كنت من أرباب الحظ العاثر يلاقيك ذيل الثعبان ، فيدفعك من حيث أتيت ، وتخسر كل النقاط التي أحرزتها .
لعبة الإنقاذ الدبلوماسية لا تختلف كثيراً عن لعبة السلم والثعبان ، من أجل رفض القرار رقم 1706 ، عادت الإنقاذ سبعة عشر عاماً إلي الوراء ، إلي المربع رقم واحد أو مربع البداية كما في لعبة السلم والثعبان ، بعد الرقص علي أنغام اتفاقية نيفاشا ، والإطراء الزائد لاتفاقية أبوجا ، عاد الدبابون مجدداً إلي الظهور العلني ، رجع التشنج ولغة الوعد والوعيد ، عدنا من جديد لسياسة اتخاذ القرارات من الميادين العامة ، حتى ولو كانت هذه القرارات علي مستوي إعلان الحرب ونفض اليد عن الصداقات ، لذلك ليس غريباً أن يعلم الأستاذ/دينق ألور بقرار طرد قوات الاتحاد الإفريقي من وسائل الأعلام ، وهو الرجل الذي يشغل منصباً مهماً في مجلس الوزراء ، و من يقول أن هناك حكومة وحدة وطنية في الخرطوم فهو واهم ، هناك رؤية واحدة تحكم هذه البلاد ، وهي رؤية حزب المؤتمر الوطني ، وهناك شريك جامد لا يتحرك ، ينتظر نهاية المسلسل بفارغ الصبر ، ليتخذ قرار الانفصال عن بينة ، فأهل الجنوب لم يوقعوا علي اتفاق نيفاشا ليدخلوا في مغامرة حرب جديدة يكون العدو فيها هو الأمم المتحدة ، ولا ننسي أن قيادات الإنقاذ عرّفت هذه الحرب الجديدة ، ووضعت لها قوانين وسنن ربما تضع الحرب في خانة الأعداء ، ألم يقل النائب الثاني أنها حرب بين الكفر والإسلام ؟؟
الخطأ الثاني الذي وقعت فيه الإنقاذ أنها أقدمت علي طرد قوات الاتحاد الإفريقي ، وكلنا نعرف الموقف السلبي الذي كان يبديه الوزير علي أحمد كرتي حيال قوات الاتحاد الأفريقي ، فقد وصفها في مؤتمراته الصحفية بأنها أكبر مروّج لمرض الأيدز والنصرانية في دارفور ، ولذلك نُدب لمهمة إبلاغ الرسالة لرئاسة الاتحاد الأفريقي في الخرطوم ، معظم الذين تابعوا هذه الخطوة أجمعوا بأن السودان قد وضع سداً هائلاً بينه وبين الأصدقاء ، فخروج الأفارقة من السودان ربما يمهد الطريق لدخول القوات الأممية في موعد ربما يأتي مبكراً في غالب الأحيان ، أذعنت قوات الاتحاد الإفريقي لرغبة الإنقاذ ، وحددت موعد الانسحاب ، طرأ طارئ ، عرضت حكومة الإنقاذ علي قوات الاتحاد الأفريقي البقاء في دارفور ، وهي في المقابل سوف تضمن تمويل مرتباتها من جيوب الزعماء العرب ، رفض الاتحاد الإفريقي هذا العرض السخي ، واعتبره مناقضاً لحيادية مهمته ، وينظر المجتمع الدولي إلي الجامعة العربية علي أساس أنها حليف لنظام الإنقاذ ، يساند مشروعها ويتبنى رؤيتها في المحافل الدولية ، وليس علي العرب أن يرفضوا القرار 1706 الخاص بالسودان وهم الذين استجدوا الأمم المتحدة حتى أصدرت القرار رقم 1701 لوقف العدوان الإسرائيلي علي لبنان . إذاً سقط الرهان علي أسلوب الرشا ومنح العطايا والأموال .
من الطبيعي أن يؤدي انسحاب القوات الإفريقية إلي فراغ أمني في دارفور ، سعت الإنقاذ إلي سده عن طريق عشرة آلاف جندي يلبسون زي قوات الشرطة ويمارسون دور الجيش أثناء تأدية المهام ، إنها إستراتيجية معالجة الداء بالداء ، نفس القوات التي اتهمها المجتمع الدولي بحرق القرى واغتصاب النساء وترويع الآمنين عادت من جديد لتملأ الفراغ ، هذه المرة عادت لتعيد كنز الأمن المفقود ، أما في الخارج فقد نُظر لهذه العودة علي أنها فصل جديد من فصول الحرب ، تدهور الوضع الأمني بمجرد الإعلان عن خطة الاستبدال في الخرطوم ، هذه القوات والتي يضع أفرادها العصابات الحمراء حول رؤوسهم لم تذهب إلي دارفور من أجل بث روح الأمن في اقليم أنهكته الحرب ، وقد قالوها في الساحة الخضراء بالخرطوم أنهم ذاهبون لخوض المعارك ، لذلك خرج السيد كوفيء عنان عن أدبه الجم ، وتهذيبه البالغ وهو يحاول تضميد الجراح في وطن كالقارة مثل السودان ، قالها هذه المرة بكل وضوح : أن الحكومة السودانية مسؤولة عن تردي الأوضاع الأمنية في دارفور علي مستوي المجموعة والأفراد .
هذا التصريح جعل الإنقاذ تعيد حساباتها من جديد ، فبدأ الغزل بعد البعاد والنفور ، وتمت مخاطبة الاتحاد الإفريقي بلغة مهذبة ، وهناك حديث لمسؤول كبير يقول فيه أن بوابة الحوار مع الأمم المتحدة لم تُغلق بعد ، وأن بوسع قوات الاتحاد الإفريقي البقاء في دارفور شريطة ألا تحيل مهامها لقوات الأمم المتحدة ، ألم أقل لكم أن الإنقاذ تمارس لعبة السلم والثعبان ولكن من غير مهارة ، والحظ لم يحالفها للوصول إلي السلم ، فهي دائماً تتعثر وهي مسرعة بذيل الثعبان الذي يعيدها مئات الخطوات إلي الوراء .
سارة عيسي
|
|
|
|
|
|