تشيخوف مرة خامسة!! الثابت والمتحول في ثقافة السياسة السودانية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 10:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-20-2006, 07:50 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تشيخوف مرة خامسة!! الثابت والمتحول في ثقافة السياسة السودانية


    الثابت والمتحول في ثقافة السياسة السودانية
    تشيخوف مرة خامسة

    محمد سليمان – الدوحة
    [email protected]

    في نهاية ستينات القرن الماضي أو مطلع عقده السابع، عض كلب السيدة كوكب الشرق أم كلثوم أحد السابلة رقيقي الحال، وكان يتسكع دون سبب ظاهر قرب دارها في أفخم أحياء القاهرة، فكتب أحمد فؤاد نجم قصيدته الساخرة "هيص يا كلب الست هيص، ليك مقامك في البوليس". وإذا كان الشاعر نجم قد استلهم من تلك الحادثة صورة ساخرة لتدني قيمة المواطن البسيط، فقد رأى تشيخوف في حادثة مماثلة صوراً متعددة ودلالات أكثر عمقاً واتساعاً حينما كتب قصته "الحرباء" قبل أحمد فؤاد نجم بقرن تقريباً، ودون أن يسمع الست أو يرى كلبها.

    في "الحرباء" نلتقي بمفتش الشرطة تشوميلوف والشرطي يلديرين أثناء دوريتهما في السوق يحصدان "المطايب" من التجار، إذ يلفت انتباههما فجأة ضجيج وتجمهر "غير مشروع"، ينبعث من وسطه عويل كلب. ينقشع الغبار عن كلب صيد هزيل يحاول تخليص ساقيه الخلفيتين من يد الصائغ خريوكين المنبطح أرضاً خلفه، رافعاً يده الأخرى وأصابعه تقطر دماً. ما أن يرى خريوكين المفتش حتى ينفجر "كنت سائراً في حالي .. وفجأة إذا بهذا الوغد ينهش أصبعي .. الآن لا أستطيع العمل أسبوعاً كاملاً .. لابد أن يعوضوني .. إذا ترك الناس يطلقون كلابهم هكذا فلن يعمل أحد ..." بنظرة خاطفة، يقارن المفتش تشوميلوف بين هيئة الكلب الهزيل وجيوب الصائغ الممتلئة، ومن ثم يحدد موقفه، "هؤلاء الذين لا يحترمون القوانين، ويطلقون كلابهم الضالة لتعض السادة المحترمين، سأريهم كيف يربون الكلاب، سيدفعون الغرامة، أما هذا الكلب فسيعدم فوراً .. إنه مسعور .. كلب من هذا؟" يهمس صوت من وسط الجمهور "أظنه كلب الجنرال جيجالوف". فتنقلب الأوضاع فجأة، ويستدير شوميلوف نحو الصائغ "كيف يمكن لهذا الكلب الصغير أن يعضك؟ أنظر إلى طولك .. كيف له أن يصل إلى إصبعك؟ لابد أنك جرحت إصبعك بمسمار وتريد أن تحصل على تعويض .. أعرفكم أيها الشياطين." وهنا يبدأ بعض الحضور ممن لهم أحقاد دفينة مع الصائغ في التبرع بالمعلومات "نعم، سيدي، لقد كان يلسعه بالسيجارة ويضحك.." وهكذا.

    لا يعجب الحال الشرطي يلدرين، الذي يرى أن أولئك الصعاليك المتجمهرين ليسوا أكثر علماً منه، فيتدخل، "لا أعتقد أنه كلب الجنرال يا سيدي، الجنرال كلابه أكثرها سلوقية". يتردد تشوميلوف بعض الشيء "أمتأكد أنت من ذلك؟.. نعم، فعلاً لا يمكن لهذا المخلوق التافه، بلا شعر أو هيئة، أن يكون ملك الجنرال .. أهذا كلب يقتنى؟ يا خريوكين لقد تضررت، يجب أن يدفعوا الغرامة." ولكن يلدرين يشعر بأنه ربما أفتى بما لا تحمد عقباه، فيتصنع التفكير برهة ثم يقول "ولكن ربما كان كلب الجنرال، فليس مكتوباً على هيئته عكس ذلك". يستمرئ الجمهور اللعبة، فتتأرجح ملكية الكلب كالبندول بين الجنرال والمجهول، وتبعاً لذلك يضل الكلب مرة ثم يهتدي، ينمو شعره ثم يسقط، تصعد أسهمه ثم تهبط، وتمتلئ جيوب الصائغ ثم تفرغ، يرجح ميزان حسناته ثم يخف، ويتقلب الطقس بردأ وحراً، أمطاراً وصحواً، و يخلع تشوميلوف معطفه مرة ثم يرتديه مرة أخرى كيفما يقتضي الحال. وتستمر الأمور على هذا المنوال حتى يظهر في آخر السوق رجل يسعى، فيهتف صوت من الجمهور "ذلك هو بروخور خادم الجنرال قادم، فلنسأله."

    على أحر من الجمر ينتظر الجميع وصول بروخور، وما أن يصل حتى يعاجله المفتش بالسؤال الذهبي. يرد بروخور باستنكار "هذا؟ أبداً، لم تكن لدينا أبداً كلاب مثله.. " فينبري المفتش مقاطعاً "ألم أقل لكم، هذا الكلب الضال كيف يكون كلب الجنرال؟ ينبغي إعدامه .." ولكن الخادم يواصل "إنه كلب شقيق الجنرال، وصل منذ فترة"، فيستدير تشوميلوف نحوه، وبنفس النبرة، كأنما يكمل جملة انقطعت "يا سلام، شقيق الجنرال وصل ، فلاديمير إيفانتش، وأنا لا أعلم، يا ربي .." ثم ينحني ليحمل الكلب المرتعش والمندهش معاً، يربت عليه ويمسح شعره "أيها الصغير .. يا لك من شقي .. لقد هبش هذا في إصبعه .. خذه .." وبينما يحمل بروخور الكلب ويمضي مبتعداًً، يلتفت المفتش إلى خريوكين "أما أنت فانتظر .. إن لي معك حساب عسير".

    وإذ يغادرنا الكلب سالماً، وهو من فصيلة وصفت بأنها طويلة الأعمار، نبقى مع الحرباء الأطول عمراً، والأعرق والأقدم سلالة، كما تذكر مؤلفات التاريخ الطبيعي، وكما تؤكده أيضاً النصوص البابلية، والتي سجلت قبل آلاف السنوات حواراً يقول فيه السيد مخاطباً خادمه "أنصت لي يا عبدي، سأتصدق بالطعام على أهل قريتي الفقراء" فيرد الخادم "تصدق يا سيدي تصدق، من يتصدق يزدد محصوله" فيقول السيد "لا، يا عبدي، لن أتصدق على فقراء القرية" فيرد الخادم "لا تفعل يا سيدي، لا تفعل، سيأتون على قمحك، ثم يصبون اللعنات على رأسك". وبين الحرباء الحيوان وحرباء تشيخوف صفات وخصائص مشتركة لا تقتصر على طول العمر وقدم السلالة وتلك القدرة العجيبة على تغيير الألوان والتكيف البيئي، وإنما تشمل أيضاً قدرة المخلوقين على تدوير عيونهما في مختلف الاتجاهات، وعلى التركيز على هدفين في اتجاهين مختلفين في ذات الوقت، وأنهما من ذوات الدم البارد، وأن لكليهما لسان أطول من جسمه وذا مقدمة شديدة اللزوجة، إضافة إلى قدرتهما على التشبث بالأغصان بمخالبهما التي تشبه الكماشة أو بلف ذيلهما عدة مرات عليها، هذا بخلاف أن كليهما، ولسوء الحظ، لا يردان ضمن الأجناس المهددة بالانقراض.

    لا نحتاج إلى كثير من الخيال أو الذاكرة لنستحضر صور جحافل من حرباءات السودان، فهم لم يغيبوا عن ناظرينا لحظة واحدة منذ ما قبل الاستقلال. تغيرت الأنظمة والحكومات، تبدلت الأزياء والشعارات، وتتالت الانقلابات والانتفاضات وهم، كما قال توفيق زياد، "هنا باقون". لا يغادرون أبداً إلا من الحزب الواحد إلى الحزب الحاكم وبالعكس. بمختلف الألوان، بيض وسود أو خاطف لونين، وبمختلف السحن، سادة ومشلخون وبالزبيبة، وبمختلف التخصصات، ، إعلاميون ورقباء، أو إعلاميون ورقباء في ذات الوقت، أساتذة جامعات وقادة نقابات عمالية، أو كلاهما معاً، أدباء وأطباء ومرضى بلا حدود، قضاة ومحامون ومدعون، أو ثلاثتهم في ذات الوقت، يأتون من كل فئات الشعب العامل، ومن كل فج عميق. إنهم "رجال" كل العصور، منظرو جميع الأنظمة، ومبررو جميع السياسات. علمهم لا يعرف الصواب والخطأ، ومفاهيمهم خلو من الحق والباطل، وقيمهم خواء من الخير والشر، فالصواب والحق والخير لا يكون إلا حيثما يكون سادتهم. سألت أحدهم ذات مرة كيف يفعلون ذلك، فقال لي أنه من نعم الله على العباد أنه خلقهم من شقين، يمين ويسار، وأنهم فقط يستثمرون ما خلقوا عليه لأقصى حد. كيف يفعلون ذلك؟ لأننا لا نحاسب أحداً، فهل يأتي يوم يكون "لنا معهم حساب عسير"؟


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de