جزيرة غوري:أرض الذكريات الأليمة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 12:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-18-2006, 10:39 PM

د.أبوذر الغفاري بشير عبد الحبي


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جزيرة غوري:أرض الذكريات الأليمة

    جزيرة غوري:أرض الذكريات الأليمة
    د.أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب
    داكار عاصمة جمهورية السنغال مدينة رائعة، تقع في أقصى نقطة في الساحل الغربي للقارة الأفريقية. وهي رغم برودة طقسها النسبية ورطوبتها بسبب موقعها الساحلي، إلا أنها تستقبل زائرها بدفء زائد يزيل عنه غربة اللغة وغربة السحنة ويشعره بإنسانية الأحاسيس، خاصة إذا كان هذا الزائر مثلي سوداني، يرى في وجوه سكانها وحسن معشرهم بعض ما في أهله، وفي طريقة تعبدهم وتدينهم بعض ما ألفه في الطرق الصوفية في السودان من طرب ورقص رشيق على أنغام الطبل وإيقاعه الحار، ومن وجدهم حين يشدون بالأمداح النبوية ما يستدعي للذهن حلقات الذكر في الشكينيبة أو طيبة الشيخ عبد الباقي أو الزريبة.وهم يشدون بلهجة أفريقية تطفر منها الكلمات العربية بين الفينة والأخرى وتحرف فيها كثير من العبارات العربية لتأخذ شكلاً أفريقياً.
    إلا أن هذا الوجه اللطيف لمدينة داكار يغطي ذكريات ثلاثة قرون من عذابات صيد الأفارقة في الساحل الغربي الأفريقي وترحيلهم وبيعهم في الساحل الآخر للمحيط الأطلسي عبيد أرض لتنمية القارة المكتشفة حديثاً. ثلاثة قرون كاملة مليئة بالدماء والدموع والأنين عاشها الأفارقة وقاسوا مراراتها. ابتدأت هذه القرون من منتصف القرن الخامس عشر وانتهت بمنتصف القرن الثامن عشر. وتمثل جزيرة غوري Goree الرمز لتلك الأيام البائسات، فقد كانت أهم مركز لتجميع العبيد وفرزهم ريثما يحشرون في المراكب المتجهة لولايات لويزيانا وفلوريدا حيث مراكز استقبالهم وبيعهم.وأصبحت الجزيرة الآن قبلة عشرات السواح والزائرين من أوربا وأميركا ومختلف بقاع الدنيا في ما يشبه رحلات الحج للوقوف على بقايا أكبر جريمة شهدها التاريخ البشري ضد الإنسانية ولا تزال آثارها ماثلة حتى الآن.
    يقدر المؤرخون عدد العبيد الذين نقلوا من تلك البقاع إلى القارة الأميركية بحوالي ستين إلى مائة مليون شخص، إضافة إلى ملايين أخرى ماتوا أثناء رحلة العذاب وهم في سفنهم، أو الذين اعتلت صحتهم فرمي بهم جلادوهم إلى البحر لقمة سائغة لأسماك المحيط، أو الذين قضوا نحبهم في أشغالهم الشاقة داخل الجزيرة تكسيراً ونقلاً للحجارة وبناءاً للبيوت المختلفة فيها قبل نقلهم في رحلتهم الأبدية إلى العالم الجديد.
    نالت جزيرة غوري الشهرة والاهتمام بسبب موقعها الفريد، فجغرافياً تبعد غوري من مدينة داكار حوالي ثلاث كيلومترات ومن ثم تمثل موقعاً قريباً من الساحل الذي يتم اصطياد الأفارقة من بين جنباته، لكنه في ذات الوقت سجن حصين يحرم العبيد الذين يسوقهم القدر إليه من مجرد فكرة الهرب والعودة للحياة القديمة.فمسافة الثلاثة كيلومترات بين داكار والجزيرة تجعل من المستحيل على اسير مقيد أن يقطع المسافة عن طريق السباحة. وفي ذات الأوان فإن السنغال بموقع عاصمتها الحالي هي أقرب المواقع إلى القارة الأمريكية.ومن ثم تعتبر أحسن مكان ليفوج منها العبيد.
    زرنا الجزيرة عصراً بصحبة عدد من الأكاديميين اللطفاء من المغرب العربي الكبير، آيت سليمان، محفود بنعثمان، حمادي سيدهم و سيدي محمد. حيث حملتنا عبارة كبيرة الحجم في معية حشد كبير من الأفارقة والسواح الذين جاؤوا من أوربا وأميركا ومختلف نواحي العالم للوقوف على أقسى رموز العبودية الباقية. ودلفنا مباشرة إلى بيت العبيد أو كما يطلقون عليه بالفرنـسية maison des esclaves ، فاستقبلنا يوسف ندياي وهو شيخ وقور تجاوز الثمانين من عمره، ووهب كل هذا العمر دراسة لتاريخ أبشع تجارة مورست في التاريخ الانساني وحراسة رموزها وتعريف كل العالم بالخطيئة التي مورست ضد أسلافه.وهو لا يكل من الشرح والتوضيح لكل زائر بصوت عميق مؤثر.
    بيت العبيد الذي يقع على مسافة ليست بعيدة من موقع رسو العبارة قـلعة كبيرة بناها الألمان في العام 1776 و يتكون من طابقين مبنيين على الطراز الأوربي القديم، ويربط بين الطابقين سلّمان في شكل قوسين. خصص الطابق الأعلى من البيت مكاتباً واستراحات للتجار وقاعات لعقد صفقات البيع ، بينما خصص الطابق الأسفل زنزانات لتخزين العبيد، وهي حجرات ضيقة لا تتجاوز مساحة الواحدة منها عشرة أمتار مربعة، وكان يحشر في كل منها بأربعين شخصاً. وقد قسمت الحجرات تقسيماً تجارياً فحجرة للنساء وحجرة للأطفال وحجرة للرجال. وهناك حجرة ضيقة أسفل السلم لا يتجاوز حجمها متراً مكعباً، يوضع فيها المتمردون من العبيد ريثما يتم البت في أمرهم. ويقال أن رئيس جنوب أفريقيا نلسون مانديلا حين زار الجزيرة طلب أن يدخل هذه الغرفة وعندما خرج منها كانت عيناه مغرورغتان بالدموع.وتفتح كل هذه الحجرات على صالة تقود إلى باب مطل على المحيط الأطلسي، تربط عنده السفن ويقاد إليها عبره العبيد الأفارقة مفارقين أرض الأجداد في رحلة اللاعودة نحو المجهول.
    عرّفنا يوسف ندياي على كل مباني وحجرات القلعة وشرح مهام كل واحدة منها، كما بين الأدوات التي كانت تستخدم في اصطياد العبيد وإخضاعهم وحبسهم، فلا تزال موجودة بالقلعة الكرات التي يزن كل واحد منها عشرة كيلوغرامات وتربط في ساعد كل عبد مقبوض عليه لمنعه من الهرب إذا فكر في ذلك، كما توجد بعض القيود تشبه القيود المكية التي تربط في الأرجل لتقييد الحركة، وبعض السلاسل الطويلة التي تقيد بها أعناق العبيد لإجبارهم على السير في قطيع واحد دون أن يخرج أي منهم عن قطيعه، وعرض يوسف ندياي مجموعة من الرسوم الإيضاحية التي تبين كيفية العقاب الذي يوقع على المخالفين. ومن أبشع الصورالتي تدمي الفؤاد صورة شنق العبد المارق من وسط سلسلته الفقرية عن طريق كلابات تغرز في وسطه إمعاناً في زيادة آلامه حتى يموت ببطء وليس بسرعة ليكون عبرة لغيره.
    تتناثر حول بيت العبيد عدة بيوت أخرى كان يسكنها وكلاء الشركات التي ترعى التجارة الآثمة، ومساعديهم، وكلها منازل مبنية على الطراز الأوربي القديم لكنها جميعها بنيت بسواعد الرقيق الذين ساقهم الحظ العاثر إلى الجزيرة. ويبدو أن المهندسين الذين كانوا يشرفون على المباني يتمتعون بحس معماري عالي، فقد تناسقت أشكال المنازل وطليت بألوان متناغمة تتفاوت بين الأبيض والطوبي والأخضر، جعلت الجزيرة تحفة معمارية رائعة ومبهجة، وتحولت كل هذه المباني إلى إدارات حكومية وخدمية، كما حول بعضها إلى متاحف، وتناثرت حولها محلات بيع التحف والثماثيل الأفريقية التي يستلهم الفنانون المحليون أفكارها من حقبة الرق المؤلمة.
    أصدرت اليونسكو كتاباً باللغة الانجليزية بعنوان غوري جزيرة الذكريات في إطار حملتها العالمية للحفاظ على الجزيرة كأحد موروثات التراث الإنساني، وقد حفل الكتاب ببعض صور التعذيب التي كان يمارسها التجار الأوربيون على العبيد الأفارقة وحكى عن قصص قمعهم للتمرد التي يقوم به العبيد بين الحين والآخر، فيذكر أن بعض العبيد قرروا الثورة على أمل العودة إلى أوطانهم فاتفقوا على ينقسموا إلى ثلاثة فرق، فريق ينقض على السجانين الأثني عشر الذين يقومون بالحراسة، يجردونهم من أسلحتهم ويقضون عليهم، وفريق آخر يدخل القلعة و يستولي على مخزن السلاح والذخيرة فيها، بينما الفريق الآخر يقضي على الأوربيين في الجزيرة ومن ثم يصبحون أصحاب السطوة في الجزيرة ويرجعون إلى أوطانهم سالمين. إلا أن الخطة أحبطها طفل مصفد اليدين كان بينهم فنبه السادة إلى ما اعتزم عليه الثوار. فجمع السادة عبيدهم وسألوا قادتهم الاثنين عن صدق خطتهم. فرد القائدان بالإيجاب لكنهما أكدا أن الخطة لا تنطلق من باب الحقد والكراهية على الأوربيين وإنما كانوا يعارضون ترحيلهم خارج أوطانهم، ورددوا بصوت باسل أنهم يشعرون بالعار بالاستسلام للعبودية وعدم الموت في سبيل التحرر، وطلبوا إعدامهم لأن الموت خير لهم من الاسترقاق. فقررت محكمة الشركة التي تدير بيت العبيد إعدامهم. فرشق القادة الأثنان بالمدافع أمام أعين بقية العبيد وأقتيد الآخرون إلى السفينة التي كانت راسية أمام باب اللاعودة إلى العالم الجديد.
    وفي العام 1742 انتفض خمسون من العبيد أثناء عملهم في الجزيرة وقبضوا على حارسهم وجعلوا يضربونه فنبهت صرخاته وكلاء الشركة واندفعوا إليه لمساعدته. كان العبيد مسلحين بالعصي والسكاكين وفأسين. فاطلق البيض النار عليهم لإجبارهم على رمي أسلحتهم فقتلوا اثنين منهم وجرحوا اثني عشر، إلا أن الثوار لم يستسلموا ولاذوا بساحة القلعة الضيقة، فاغلق البيض الباب عليهم وتركوهم ليوم آخر، ثم وجهوا لهم إنذاراً أخيراً، أنه في حالة عدم استسلامهم في الحال سيتم حرقهم أحياءاً في مكانهم. فقرروا أخيراً الاستسلام، إلا أن جلاديهم قاموا باجراءات حاسمة في مواجهة رؤوس التمرد فقتلوا اثنين منهم في الحال بينما عذب الآخرون عذاباً نكراً.
    لم تكن جزيرة غوري الموقع الوحيد لتجميع العبيد وحشدهم، لكنها إحدى المراكز المنتشرة في الساحل الغربي لأفريقيا، وتمثل نقاط متفرقة للتجارة الآثمة. وغير بعيد من هذه المنطقة تقع دولة قامبيا التي دارت على أرضها حوادث الرواية الشهيرة "الجذور" للكاتب الزنجي أليكس هيلي. فكانت قامبيا والسنغال تشكلان وحدة واحدة تسمي "سنقامبيا" وتسكنها قبائل تتحدث نفس اللغة إلا أن الأطماع الأوربية قسمتها إلى قسمين فاحتلت بريطانيا قامبيا الحالية من ثم سارت في اتجاه الثقافة الانجلوفونية، بينمااحتلت فرنسا القسم الآخر وأسمته السنغال والذي سار في درب الثقافة الفرانكوفونية.
    ورغم أن بيت العبيد بناه الألمان، لكن تعاقب على إدارته عدة شعوب أوربية وضعت يدها على جزيرة غوري، بدءاً من الألمان أنفسهم مروراً بالبرتغاليين وانتهاءاً بالفرنسيين. ورغم اختلاف صراع هذه الشعوب على السيطرة على الجزيرة، لكنها اتفقت كلها على استمرار التجارة القذرة.
    زار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش جزيرة غوري في العام 2003، وعبر عن أسفه البالغ في معرض انتقاده للعبودية معتبراً إياها أعظم الجرائم في التاريخ، ومرشداً يقود الجهود الأمريكية في القارة نحو العمل من أجل السلام والعدل. وزارها قبله سلفه الرئيس بل كلنتون وأبدى اعتذاره لما حدث وأهداها شراعاً أبيض مليئاً بالثقوب في إشارة لمنافذ الحرية التي تنطلق في كل مكان. وينتصب التمثال كأحد التحف التي تجمل وجه الجزيرة. كما زارها البابا يوحنا بولس الثاني وأبدى نفس الأسف لمشاركة رجال الدين الكاثوليك في ذلك الوقت في عمليات التجارة الآثمة. إلا أن كل هذه الأسف يظل مجرد كلمات لا يعيد آلاف الأرواح التي أزهقت ولا يجبر صنوف التعذيب المختلفة التي مورست ولا التهجير القسري الذي خلف في القارة فراغاً سكانياً واسعاً، خاصة إذا كانت المقارنة بجرم المحرقة المزعوم الذي مس يهود أوربا ونالوا عليه مكافأة ضخمة تمثلت في وطن أقتطعت أجزاء منه من أرض الفلسطينيين بالقتل والتهجير وبنى على أشلاء آلاف الضحايا، وتظل المحرقة محصنة بقوة القانون في الدول الأوربية لا يجرؤ أحد على التشكيك فيها أو التقليل من شأنها إلا وطاله عقاب القانون.فما أبأس المكيال الذي يكال به للأفارقة و الشعوب الضعيفة.
    لفت نظري وأنا أتجول في أرجاء الجزيرة الأشجار الضخمة التي تنتصب شامخة وهي أشجار يسميها سكان السنغال أشجار الباوباب و يستخرج منها الأهالي مشروباً محلياً لطيفاً يعتزون به ويقدمونه لضيوفهم كأحد الخيرات التي تفيض بها بلادهم، ويقبل الأجانب عليه باعتباره شيئاً جديداً، لكن هذا الباوباب ليس سوى أشجار التبلدي المنتشرة بكثرة في هضاب ووديان كردفان الكبرى ولكنها هنا لا تجد من يهتم بها أو يروج لها.
    انتهت بفضل الله حقبة الرق الغليظ من تاريخ البشرية وإلى الأبد، ولكن صور الرق الأخرى لم تنتهي، فلتكن غوري زاداًَ يحفز ضمير الإنسان للتحرر من السيطرة على أخيه.

                  

08-19-2006, 02:06 AM

أحمد الشايقي
<aأحمد الشايقي
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 14611

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جزيرة غوري:أرض الذكريات الأليمة (Re: د.أبوذر الغفاري بشير عبد الحبي)

    شكـراً جميلاً

    صديقي الدكتـور أبو ذر الغفاري بشير عبد الحبيب,

    الباحـث الهمام, والعالـم الثـبـت,


    تأمـلات وخـواطـر إنسانيـة واستغراق مهـم وتعاطف أهــم

    وصلتني بالإيميل من قبل,

    لك الشكر والتحيـة,

    يا إنسـان,

    أحمـد الشايقي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de