|
في بلاط الدبلوماسية و السلطة ..مواقف ومشاهد للكاتب أبوبكر عثمان محمد - صالح فرح عبدالرحمن
|
في بلاط الدبلوماسية و السلطة ..مواقف ومشاهد في بلاط الدبلوماسية والسلطة سفر ضخم يقع في أربعمائة صفحة من القطع الكبير ، ألفه السيد أبوبكر عثمان محمد صالح : الدبلوماسي السابق في السودان، وطبعه وقام بنشره المكتب المصري الـحديث . الكتاب ـ كما وصفه مؤلفه ـ يحكي مواقف ومشاهد في بلاط الدبلوماسية والسلطة ، وهو ليس مذكرات وإنما هو ذكريات . . حسبه ـ كما قال المؤلف ـ إنه يضع أمام القارئ إضاءات خاطفة وسريعة ومحطات بعينها تصور جانبا من حياتنا على أيام الخمسينات والستينات ( من القرن الماضي ) وما تلاها .
بما أن الكتاب يضع محطات بعينها أمام القارئ ، فإن ما فيه إنتقائي وليس كل ما في محطات حياة المؤلف ، والإضاءات الخاطفة والسريعة اقتصرت على ذكريات المؤلف عن سنواته الأولى في مدينة حلفا في الشمال القصي من السودان حيث كان مسقط رأسه ، ومدينة أم روابة في إقليم كردفان في وسط السودان حيث ترعرع ، والمدرسة الوسطى بالأبيض عاصمة إقليم كردفان حيث كانت مدخله إلى مدرسة حنتوب الثانوية على النيل الأزرق شرقي مدينة ود مدني . في حنتوب اتم دراسته ونال شهادته الثانوية من جامعة كمبردج بإنجلترا ليلتحق بعدها بجامعة الخرطوم . بعد الجامعة تبدأ حياته العملية ـ معلما بالمدارس الثانوية بوزارة التربية والتعليم ، ثم يتركها لينخرط في العمل الدبلوماسي ضمن أول جيل عمل به يوم أطل على السودان إستقلاله . وظل في بلاط الدبلوماسية ـ كما يصفه ـ حتى ترك خدمة الحكومة .الفترة الممتدة منذ ميلاد المؤلف وحتى التحاقه بالعمل بوزارة الخارجية استأثرت بأربع وخمسين صفحة من صفحات الكتاب ، وكان ضمن هذه الصفحات إثنتا عشرة صفحة هي ما استغرقته المقدمة وفهرس الكتاب . مابقي من الكتاب ، كان حكرا على مواقف ومشاهد للمؤلف في بلاط الدبلوماسية والسلطة . من كتاب المؤلف ، كان في منتصف عقده الثالت يوم انخرط في العمل الدبلوماسي ، وكان في منتصف عقده السادس يوم آثر أن يغادر موضعه .
رغم أن المؤلف قد أوضح أنه قد عـمل مع عدد من المسؤولين في السودان ، إلا أن عمله مع الرئيس النميري كان أطول عهدا وأبقى أثرا في ما قدم لقرائه . فالرئيس الأخ ، كما يناديه المؤلف كان كثير الحضور في أكثر ما كتب ، ولا عجب . فلقد ذكر العارفون أنهما عاشا معا في مدرسة حنتوب كل سنوات وجودهما بها . وفي مدرسة حنتوب أقاما في داخلية واحدة . ربما كان الوفاء لتلك العشرة وماكان معها من ملح وملاح ، هو المسؤول عن دفء العلاقة بين الرجلين بأكثر مما كانت أجندة نظام مايو ، وبأكثر مما كان الإعداد لإنقلاب مايو وإخراجه على نحو ما اعترف السيد بابكر عوض الله رئيس قضاء السودان السابق بالإقدام عليه . فالتآمر ليس مما تطيقه أخلاق المؤلف ولكن لا بأس أن يكون من ركائز مايو بعد أن اسـتقرت . مع أن المؤلف قد أبان أنه ينحدر من أصول تتكلم لهجة غير عربية ، إلا أن معرفته بالعربية والبادية في ما كتب ، وأسلوبه الرائع الرصين ، لا يفشي أنه من مجتمع رطانه .
الكتاب في مجمله ونسه ، وإن حمل حكايات من التاريخ ، ولكنها ونسة شيقة وفي غير إثم من غيبة ، وما كنت واجدها لو لم تعثر على كتاب المؤلف . وأنت إن لم تفزع لما في الكتاب ، ما كنت لتســمع عن الطبزة الدبلومـاسية ( خوش ريال ..! ) من أحمد حسن البكر الرئيس الأسبق للعراق ، او تعرف عن الشـيخ النافذ ، او عن مافيا السلاح ـ وكيف تعمل ، أو كيف ترك المؤلف ( من ) يهوى إلى ( من ) يخشى ـ على ما في كلمة يهوى هاته من حرارة العاطفة ، ولماذا اقدم على ما فعل ووجد هذه الجرأة والصراحة ليحدثنا بمثل ذلك الوضوح عما كان ، وكيف ..... ؟ وكيف ......؟
الكتاب حافل بكثير وهو يقدم قراءة مريحة لا تجد فيها الجفاف الداعي للملل ، أو الإجهاد الذهني الذي تلاقيه في كتابات أخرى . شيئ واحد يبعث على الضيق في الكتاب .. انتشار الأخطاء المطبعية بدرجة يضار بها نهمك لأن تأتي على ما في الكتاب .
الكتاب رائد للتصانيف من نوعه في مجتمع السودان . . يحكي قصصا من الوظيفة من غير أن يفشي ما كان فيها أو خلالها من أسرار . فالدولة إنما تعمل خلف الجدران ودون الأبواب المغلقة وليس على الرصيف . ولعل سابقة المؤلف تحفز آخرين ممن خبروا الدبلوماسية والسلطة في السودان ، أن يقدموا لنا ما قد نصل به يوما إلى دولة الشفافية .
الكتاب : في بلاط الدبلوماسية والسلطة المؤلف : أبوبكر عثمان محمد صالح الناشر : المكتب المصري الحديث عدد الصفحات : 400 تاريخ النشر : سنة 2006
صالح فرح عبد الرحمن / ابوظبي *****
صحيفة السوداني 28/7/2006
|
|
|
|
|
|