|
|
 الطائرة المجهولة .. حقيقة أم خدعة؟
|
اتهامات برونك بعيون الخبراء
الطائرة المجهولة .. حقيقة أم خدعة؟
تقرير : عارف الصاوي
لم يستطع مدير مكتب الناطق الرسمي للقوات المسلحة ان يخفي نبرة الغضب من صوته وهو يتحدث مع «الصحافة» بالهاتف امس ، خصوصا وان الموضوع هو اتهام مسؤول بالامم المتحدة للقوات المسلحة بالدخول في الصراع القائم بين المليشيات والحركات المسلحة في دارفور وتقديم اسناد جوي لها.
وكان ينفي بشدة مثل هذا السلوك ، واتهم يان برونك مبعوث كوفي عنان للسودان فى مؤتمره الصحافي الاربعاء الماضي جهات ـ لم يسمها ـ باستخدام طائرات عمودية بيضاء اللون علىها شعار الاتحاد الافريقي ، نافيا ان تكون هذه الطائرات تابعة للاتحاد الافريقي ، وقال ان لديهم صورا لاناس ينزعون شعار الاتحاد من الطائرة في احد المطارات ، ومع ان برونك لم يشر الى القوات المسلحة ، الا ان يان ايغلاند منسق العمليات الانسانية في الامم المتحدة صوب فى ذات الىوم الاتهام مباشرة نحو القوات الحكومية في دارفور متهما لها بالدخول في الصراع القائم بين المليشيات والحركات المسلحة في دارفور وتقديم اسناد جوي لها ، لكن المقدم الصوارمي خالد سعد مدير مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة نفي هذه الاتهامات ، وقال «للصحافة» عبر الهاتف امس ان القوات المسلحة تحترم كافة الاتفاقات بما فيها اتفاق وقف اطلاق النار وعدم شن هجمات على المدنيين ، واعتبر ان الامم المتحدة لا تملك دليلا على اتهامها هذا ، وما كاد ينتهي من مرافعته هذه ، حتي وجد نفسه مضطرا لتقديم المزيد من الشروحات حول الاتهام نفسه وما اذا كانت القوات المسلحة تعتزم مساءلة الامم المتحدة حول صحة ما اثارته مؤخرا.
وقال الصوارمي ، في حديث مقتضب (ليس لدينا اي من الاجراءات اكثر مما اوردناه في تفنيد هذه التهم )، ومرة اخري القينا علىه بالسؤال الاتي (لكن الامم المتحدة تقول ان لديها صورا لاناس ينزعون شعار الاتحاد الافريقي من احدي الطائرات ؟) ، وهنا اختتم مرافعته بالحجة التالىة (يمكن للامم المتحدة ان تختلق ذلك وتقوم بجلب هؤلاء ليقوموا بهذه العملية).وما ان انتهت مناقشة القوات المسلحة لفرضية برونك حول خديعة الطائرة التي اثارتها الامم المتحدة ، والتي بالتأكيد انتهت الى مجادلة سياسية جديدة تتمحور حول سؤال جديد ايضا يستوجب الاستقصاء ، لماذا تقوم الامم المتحدة باختلاق مثل هذه القضايا الحساسة اصلا ؟ومباشرة يجيبنا الدكتور امين حسن عمر القيادي في المؤتمر الوطني واحد مفاوضي ابوجا الاساسيين ، محيلا الكرة الى ملعب الامم المتحدة مرة اخري عندما قال «للصحافة» امس (ان الحكومة غير معنية بما اثاره برونك باعتبار ان هذا الامر ليس في دائرة اختصاصه ، وعلى الاتحاد الافريقي الذي ما زال هو المراقب في دارفور ان يثير هذه المسألة مع الحكومة) ، ودون تردد يصل امين الى نتيجة تقول ان هناك جهات في الامم المتحدة تريد تصوير الوضع الامني في دارفور بالمتدهور لتبرير دخول القوات الدولية ، وكرر رفض الحكومة لهذا الاسلوب.وعندما اتصلنا امس بنورالدين المازني المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الافريقي لمعرفة صحة التقارير الواردة الى الامم المتحدة ، وما اذا كان الاتحاد الافريقي هو فعلا صاحب هذه التقارير ، قال المازني (انه لن يستطيع التحدث الىوم عن هذا الامر الحساس اذ يتعذر علىه الاتصال بالقيادة العسكرية في الفاشر ). اذاً فالاتحاد الافريقي لا يعتزم المجاهرة بهذه القضية وبالتالى فان الحكومة لا تري ان حديث الامم المتحدة يحمل اية اهمية يتوجب معها الدخول في اجراءات مساءلة ، لكن بالطبع ذلك لا يجعل القضية داخل تابوت من الصمت حتي لو كانت فرضية او هي داخل اطار المعركة بين الحكومة والامم المتحدة حول تبرير دخول القوات الدولية من عدمها . فمن ناحية عسكرية ، يقول الدكتور اللواء محمد الامين العباس استاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة الزعيم الازهري (لايمكن لمؤسسة ضخمة مثل القوات المسلحة ان تستخدم شعار جهة اخري ، اذ ان الشعار في القوات المسلحة مقدس). وبالنسبة لاغراض التمويه والعمليات الاستخباراتية ، يمضي العباس الى القول (ان التمويه والعمليات الاستخباراتية يمكن ان تكون في استخدام زي مشابه للعدو او تشويه الرادارات او اختراق الرسائل وارسال رسائل خطأ ، لكنها لا تكون في استخدام شعار العدو )، وكان العباس يتحدث مع «الصحافة» امس مثيرا عدة نقاط جديرة بالاهتمام ، مشيدا بها فرضيات جديدة لمعرفة الحقيقة حول الطائرة المجهولة ، فهو يعتقد ان سلاح الطيران لايمكن ان يعمد الى تغيير لون طائراته ، اما النقطة الاخري في حديثه يقول فيها (ان هناك ساعات محددة للطائرات في التحليق وبعدها لابد ان تخضع لعمليات صيانة) ، وبالتالى يستبعد اللواء العباس ان يكون هناك وقت كافٍ يتم فيه تغيير لون الطائرة واستخدامها مرة اخري قبل ان يكشف الامر ، لكن ضابط الاستخبارات السابق في الجيش الشعبي وليد حامد في قوله «للصحافة» امس ، والذي لديه خبرة في مجال الطيران ، يعتقد ان عملية تغيير لون الطائرة وشعارها يحتاج الى امكانيات كبيرة ، لكنها غير مستحيلة ، ويري ان الوان الطيران العسكري تقلل من سرعة الطائرة بمقدار (10 عقد).وبهذه الفرضيات فان الاتهام الذي وجهته الامم المتحدة فيه كثير من التعقيد ، لكن من اين استمد يان برونك هذه المعلومات ؟، فكل المصادر بما فيها القوات المسلحة على لسان الصوارمي تفترض انها من تقارير الاتحاد الافريقي ، وفي هذه الحالة فان الاتحاد الافريقي والامم المتحدة والحكومة السودانية هي الجهات الوحيدة التي تمتلك حق التحليق واستخدام الطيران ، والجهة الوحيدة التي لديها حق احتكار منح الجهات الاخري هذا الحق هي الحكومة ، وبحسب الخبير في مجال القانون الدولي الدكتور عبدالله النعيم (ان اي خرق لاقليم الدولة الجوي او البحري او البري دون علم الدولة يعد انتهاكا لسيادتها )، وبالتالى فان الفرضيات تضع الحكومة امام المسؤولية ، وفي ادني درجاتها مسؤولية التقصي .وطالما ان يان برونك لم يتهم الحكومة السودانية والقوات المسلحة باستخدام الخديعة فهناك احتمالات محددة للغاية ، فاما ان المتهم هو الحكومة باجهزتها النظامية ، او ان جهة ما تقوم بهذا التمويه ، وفي هذه الحالة فان الجهة ايضا محصورة في ثلاثة خيارات فقط هي: الاتحاد الافريقي ، او الامم المتحدة ، او جهة مجهولة تقوم بتغذية امداد الحركات المسلحة في دارفور وهي تمتلك طائرات ، ويري وليد حامد ان الحكومة السودانية لو اعطت الاتحاد الافريقي حق امتلاك منصة مراقبة خاصة لطائراتها فان الاتحاد الافريقي مثلا يستطيع ان يعرف اية طائرة عن طريق (الكود الخاص المستخدم )، واية طائرة تحلق في المجال غير معروفة هذا يعني انها غير تابعة لهم ، ناهيك ان يكون علىها شعارهم ، لكن الاتحاد الافريقي لايملك هذا الحق وفقا للاتفاقية مع الحكومة السودانية ، ويري النعيم ان الحكومة تمنح جهات بعينها حق استخدام اجوائها وفق اتفاقات محددة ، ولو حدث خرق لهذا الاتفاق يجب ان يكون هناك ما ينص على الاجراءات التي تتخذها الحكومة ، لكن بصورة عامة هناك دائما حق مكفول للدول بالرد العسكري في حال تعرض مجالها الجوي للاختراق بدون اذن مسبق ، ويري النعيم ان هناك حسابات سياسية تتحكم في رد الدول اذا تعرضت هذه الاتفاقات الى الخرق .
وبناء على كل ذلك تظل مسألة الطائرة التي تتحدث عنها الامم المتحدة والتمويه الذي حدث والتلاعب بشعار الاتحاد الافريقي امرا بالغ الخطورة ، كما قال يان ايغلاند ، اذ يعرض الموظفين الدوليين وبعثة الاتحاد الافريقي الى خطر باعتبارهم هدفا للجميع .
والسؤال هو : من قام بهذه الخديعة ، ام هي محض مزايدة من الامم المتحدة
|
|
 
|
|
|
|
محمد الامين محمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست