أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة

الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-17-2025, 04:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-09-2006, 11:34 AM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة








    (1)

    الآنسة والكبش
    مشهد من حياة السادة المحترمين ,كتبت هذه القصة عام 1883

    كانت سحنة السيد المحترم الشبعانة اللامعة تنطق بالملل القاتل كان قد غادر لتوه أحضان مورفيوس* بعد الظهر ولا يدري

    ماذا يفعل لم تكن له رغبة في التفكير أو التثاؤب أما القراءة فملها منذ زمن سحيق وكان الوقت لايزال مبكرا للذهاب الى

    المسرح ومنعه الكسل من الذهاب الى التزحلق فما العمل؟ بما يسلي نفسه؟

    وأبغله الخادم يجور:
    هناك أنسة ما جأت تسأل عنكم-
    أنسة؟ هم ترى من هي؟ على العموم سيان ادعها-
    .........

    ودخلت غرفة المكتب بهدوء فتاة وسيمة سوداء الشعر ترتدي ملابس بسيطة بل وبسيطة جداً وعندما دخلت حيت بانحناءة

    وأخذت تقول بصوت مرتعش:- ارجو المعذرة... انا.....قالو لى أن حضرتكم............ أنه من الممكن أن أجدكم في الساعة السادسة فقط.....أنا....أنا.....أبنة مستشار القصر** بالتسيف....
    تشرفنا تفضلي اجلسي اية خدمة؟ اجلسي لا تخجلي-
    -لقد جئتكم في طلب.......- مضت الأنسة تقول وهي تجلس في أرتباك وتعبث بازرارها بيدين مرتعشتين - لقد جئت.. لكي أطلب منكم بطاقة سفر مجانية الى موطني سمعت أنكم تعطون وأنا أريد ان أسافر وليس معي..... أنا لست غنية...

    بطاقة من بطرسبرج الى كورسك
    هم....هكذا....ولماذا تريدين السفر الى كورسك؟ ألا يعجبك الحال هنا-
    لا هنا يعجبني ولكن...أهلي اريد ان اسافر الى اهلي لم ارهم منذ مدة طويلة كتبو لي ان ماما مريضة-
    هم....وانت موظفة ام طالبة-
    واخبرته الأنسة بالمكان الذي تعمل فيه وعند من وكم كانت تتقاضى وبحجم العمل الذي كانت تؤديه
    هكذا...... كنت تعملين..... لا يمكن القول ان مرتبك كان كبيرا.....لايمكن القول-
    ....ليس من الأنسانية ألا أن تصرف لك بطاقة مجانية......هم.......اذن فانت مسافرة الى أهلك حسنا وربما كان لديك في كورسك حبيب هه؟
    حبوب؟هىء هىء هىء...........خطيب؟ أه تخجلين؟ أه لا داعي هذا شيء محمود.....فلتسافري ..... حان الوقت لكي تتزوجي..ومن هو موظف شيء محمود سافري الى كورسك يقال انه على بعد مائة فرسخ من كورسك تنتشر رائحة حساء الكرنب وتزحف الصراصير.....هىء هىءهىء لا بد ان الحياة مملة في كورسك هذه؟ لا تخجلي انزعي القبعة
    يا يحور هات الشاي-
    لم تكن الأنسة تتوقع مثل هذا الأستقبال الرقيق فشع وجهها بالسرور ووصفت للسيد المحترم كل ما في كورسك من الوان التسلية.......واخبرته ان لديها أخا موظفاوعمها مدرس وأبناء أخيها تلاميذ... وقدم يجور الشاي وتناولت الأنسة الكوب بوجل وراحت ترتشفه دون صوت وهي تخشى ان تصدرعنها مصمصةوكان السيد المحترم يتطلع أليها وهو يضحك بسخرية.... لقد بدأ يشعر بالملل
    هل خطيبك وسيم؟ وكيف تعرفت عليه؟ وأجابت الأنسة بخجل على هذين السؤالين واقتربت بمجلسها من السيد المحترم في ثقة وروت له وهي تبتسم كيف تقدم الخطاب هنا في بطرسبرج لخطبتها فرفضتهم ...... تحدثت طويلاً
    وانهت حديثها بأن أخرجت من جيبها رسالة من والديها وقرأتها على السيد المحترم. ودقت الساعة الثامنة
    -والدك خطه لا بأس به ....... بأية زخارف ينمق الحروف هىء هىء.. حسنا لقد حان وقت أنصرافي ...لابد ان المسرح بدأ عرضه ......وداعا يا ماريا يفيموفنا
    فسألت الأنسة وهي تنهض
    -أذن أستطيع أن أمل
    -بماذا؟
    -بأن تعطوني بطاقة مجانية......
    -بطاقة؟ هم....... ليس لدي بطاقات يبدو انك اخطأت يا سيدتي..هىءهىءهىءهىء اخطأت العنوان دخلت غير المدخل ...بالقرب مني يسكن حقا أحد العاملين في السكك الحديدية اما أنا فأعمل في البنك يا يجور أمرهم ان يعدوا العربة
    وداعا يا أنسة ماريا سيميونوفنا سعيد جدا ....سعيد جدا

    أرتدت الأنسة معطفها وخرجت .....وعند مدخل الباب الأخر قيل لها أنه سافر الى موسكو في السابعة والنصف.


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أنطون تشيخوف
    Anton Pavlovich Chekhov 1860-1904


    بعيدا عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لاطعم لها ولالون، حياتي حزينة في يومياتي، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة.


                  

07-09-2006, 08:49 PM

غادة عبدالعزيز خالد
<aغادة عبدالعزيز خالد
تاريخ التسجيل: 10-26-2004
مجموع المشاركات: 4806

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)

    المزيد يا عصام

    خالص الود
    غادة
                  

07-09-2006, 11:11 PM

احمد العربي
<aاحمد العربي
تاريخ التسجيل: 10-19-2005
مجموع المشاركات: 5829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: غادة عبدالعزيز خالد)

    يا ناس الحته دي ازيكم
    شيكوف ده
    زول كتاب
    وعندو مجموعه رائعه
    والداير يستمتع بالقصص الجميله
    عليه امتلاك هذه المجموعه

    عصام يا جميل سلام
    وشكرا على المساحه والرهافه
    مودتي
                  

07-10-2006, 03:28 AM

ali elhassan

تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 1386

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: احمد العربي)

    على سبيل التحية
                  

07-11-2006, 11:08 PM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: ali elhassan)

    شكرا

    غادة عبد العزيز

    أحمد العربي

    علي الحسن

    علي المرور الجميل


    ونواصل ما أنقطع من أعمال الكاتب المبدع تشيخوف
                  

07-11-2006, 11:16 PM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)








    (2)

    فــــانكا






    في لــيلة عيــد الميــلاد, لم ينم الصبي فانكا جوكوف ابن الاعوام التسعة والذي اعطوه منذ ثلاثة أشهر للاسكافي الياخين ليعمل صبيا لديه. وانتظر حتي انصرف أصحاب البيت والاسطوات الي الصلاة فاخرج من صوان الاسكافي محبرة وقلما بسن صديء، وفرش أمامه ورقة مجعدة وراح يكتب. وقبل أن يخط أول حرف نظر الي الباب والنوافذ بحذر، وتطلع بطرف عينه الي الأيقونة الداكنة التي امتدت عن جانبيها أرفف محملة بالنعال، وزفر زفيرا متقطعا. كانت الورقة مبسوطة علي الاريكة، أما هو فقد جثا علي ركبتيه أمامها. وكتب:
    'جدي العزيز قسطنطين مكاريتش! أنا اكتب اليك خطابا. اهنئكم بعيد الميلاد وأرجو لك من الله كل الخير. أنا ليس لدي أب أو أم، ولم يبق لي غيرك وحدك'.
    وحول فانكا بصره الي النافذة المظلمة التي عكست ضوء شمعته المتذبذب، وتخيل بوضوح جده قسطنطين مكاريتش الذي يعمل حارسا ليليا لدي السادة آل جيفارف. وقد كان عجوز نحيل الا انه كان خفيف الحركة بصورة غير عادية، في حوالي الخامسة والستين، ذو وجه باسم دائما وعينين ثملتين. كان نهارا ينام في مطبخ الخدم أو يثرثر مع الطاهيات، أما في الليل فيطوف حول بيت السادة متدثرا بمعطف فضفاض من جلد الحمل ويدق علي صفيحة. ومن خلفه يسير مطأطأي الرأسين الكلبة العجوز 'كاشتانكا' والكلب 'فيون' الذي سمي هكذا للونه الاسود وجسده الطويل كالنمس.
    كان هذا ال 'فيون' مهذبا ورقيقا بصورة غير عادية، وكان ينظر بنفس الدرجة من التأثر سواء لاصحابه أم للغرباء، ولكنه لم يكن يحظي بالثقة. كان يخفي تحت تهذيبه واستكانته خبثا غادرا الي أقصي حد. فلم يكن هناك من هو أحسن منه في التلصص في الوقت المناسب ليعض الساق، أو التسلل الي المخزن، أو سرقة دجاجة من بيت فلاح. وقد حطموا له ساقيه الخلفيتين غير مرة، وعلقوه مرتين، وكانوا يضربونه كل أسبوع حتي الموت، ولكنه كان يبعث من جديد.
    وربما يقف الجد الآن أمام البوابة ويزر عينيه وهو يتطلع الي نوافذ كنيسة القرية الساطعة الحمرة، ويثرثر مع الخدم وهو يدق الارض بحذائه اللباد. والصفيحة التي يدق عليها معلقة الي خصره،. ويشيح بيديه ثم يتململ من البرد، ويضحك ضحكة عجوز ويقرص الخادم تارة والطاهية تارة أخري.
    ويقول وهو يقدم للفلاحات كيس تبغه:
    ­ الا ترغبن في استنشاق التبغ؟
    وتستنشق الفلاحات ويعطسن، ويستولي علي الجد اعجاب لا يوصف ويقهقه بمرح ويصيح:
    ­ بقوة والا لزقت!
    ويقدمون التبغ للكلاب لتشمه. وتعطس 'كاشتانكا' وتلوي بوزها، وتبتعد مغضبة. اما 'فيون' فلا يعطس تأدبا، بل يهز ذيله. والجو رائع. الهواء هاديء، وشفاف ومنعش.
    والليل حالك ومع ذلك تلوح القرية كلها بأسقف منازلها البيضاء وأعمدة الدخان المنبعثة من المداخن، والاشجار وقد كساها الثلج ثوبا فضيا، وأكوام الثلج. والسماء كلها مرصعة بنجوم تتراقص بمرح، ويبدو درب التبانة واضحا وكأنما غسلوه قبل العيد ودعكوه بالثلج.. وتنهد فانكا، وغمس الريشة في الحبر ومضي يكتب:
    ­ 'بالأمس ضربوني علقة، شدني المعلم من شعري الي الحوش وضربني بقالب الاحذية لاني كنت اهز ابنه في المهد فنعست غصبا عني. وفي هذا الاسبوع امرتني المعلمة ان اقشر فسيخة، فبدأت اقشرها من ذيلها، فشدت مني الفسيخة وأخذت تحك رأسها في وجهي. والاسطوات يسخرون مني ويرسلونني الي الخمارة لشراء الفودكا ويأمرونني أن اسرق الخيار من بيت المعلم، والمعلم يضربني بكل ما يقع في يده. وليس هناك أي طعام، في الصباح يعطونني خبزا، وفي الغداء عصيدة، وفي المساء أيضا خبزا، اما الشاي أو الحساء فالسادة وحدهم يشربونه. ويأمرونني ان أنام في المدخل، وعندما يبكي ابنهم لا أنام ابدا وأهز المهد. يا جدي العزيز، اعمل معروفا لله وخذني من هنا الي البيت في القرية. لم اعد احتمل ابدا... اتوسل اليك وسوف اصلي لله دائما، خذني من هنا والا سأموت..
    وقلص فانكا شفتيه ومسح عينيه بقبضته السوداء واجهش.
    ومضي يكتب: 'سأطحن لك التبغ، واصلي لله، واذا بدر مني شيء اضربني كما يضرب الكلب.
    واذا كنت تظن انه ليس لي عمل فسأرجو الخولي بحق المسيح أن يأخذني ولو لتنظيف حذائه، أو اعمل راعيا بدلا من فيدكا. يا جدي العزيز، لم اعد احتمل ابدا، لا شيء سوي الموت. أردت أن اهرب الي القرية ماشيا ولكن ليس لدي حذاء واخشي الصقيع، وعندما اصبح كبيرا فسوف اطعمك مقابل هذا ولن اسمح لاحد أن يمسك، واذا مت يا جدي فسأصلي من أجل روحك كما أصلي من أجل أمي بيلاجيا.
    وموسكو مدينة كبيرة.. والبيوت كلها بيوت أكابر، والخيول كثيرة، وليس هناك غنم، والكلاب ليست شريرة. والاولاد في العيد لا يطوفون بالبيوت منشدين ولا يسمح لأحد بالذهاب للترتيل في الكنيسة. ومرة رأيت في أحد الدكاكين، في الشباك، صنانير تباع بخيوطها لصيد كل أنواع السمك، عظيمة جدا، بل وتوجد صنارة تتحمل قرموطا وزنه بوذ. ورأيت دكاكين فيها مختلف أنواع البنادق التي تشبه بنادق السادة، ويمكن الواحدة منها تساوي مائة روبل.. وفي دكاكين اللحوم يوجد دجاج الغابة وأرانب، ولكن الباعة لا يقولون أين يصطادونها.
    يا جدي العزيز، عندما يقيم السادة شجرة عيد الميلاد خذ لي جوزة مذهبة وخبئها في الصندوق. قل للآنسة أولجا اجناتيفنا انها من أجل فانكا'.
    وتنهد فانكا وسمر عينيه في النافذة من جديد. وتذكر أن جده كان دائما يذهب للغابة لاحضار شجرة عيد الميلاد ويصحب معه حفيده. يا له من عهد سعيد! كان الجد يتنحنح والثلج يتنحنح وفانكا يتنحنح مثلهما. وكان يحدث أن الجد، قبل أن يقطع الشجرة، يجلس ليدخن الغليون، ويشم التبغ طويلا وهو يضحك من فانكا المقرور.. وشجيرات عيد الميلاد الشابة تقف ملفعة بالثلج وساكنة وهي تنتظر أيها التي ستموت؟ وفجأة يمرق أرنب كالسهم عبر أكوام الثلج.. ولا يستطيع الجد أن يمسك نفسه عن الصياح:
    ­ امسك، امسك.. امسك!
    آه، يا شيطان يا ملعون، ثم يسحب الجد الشجرة المقطعوة الي منزل السادة، حيث يشرعون في تزيينها.. وكانت الآنسة اولجا اجتاتيفنا التي يحبها فانكا، هي التي تشغله اكثر من الجميع، وعندما كانت أم فانكا بيلاجيا علي قيد الحياة وتعمل خادما لدي السادة، كانت اولجا اجتناتيفنا تعطي لفانكا الحلوي، ولما لم يكن لديها ما تعمله فقد علمته القراءة والكتابة والعد حتي مائة، بل وحتي رقصة الكادريل، ولما ماتت بيلاجيا، ارسلوا فانكا اليتيم الي جده في المطبخ مع الخدم، ومن المطبخ الي موسكو عند الاسكافي الياخين...
    ومضي فانكا يكتب: 'احضر يا جدي العزيز، استحلفك بالمسيح الرب أن تأخذني من هنا. اشفق علي أنا اليتيم المسكين، لان الجميع يضربونني، وأنا جوعان جدا، ولا استطيع أن أصف لك وحشتي، وابكي طول الوقت. ومن مدة ضربني المعلم بالنعل علي رأسي حتي وقعت ولم افق الا بالعافية. ما أضيع حياتي، اسوأ من حياة أي كلب.. تحياتي لاليونا ويجوركا الاحول، والحوذي، ولا تعط الهارمونيكا لأحد. حفيدك دائما ايفان جوكوف، احضر يا جدي العزيز'.
    وطوي فانكا الورقة المكتوبة اربع مرات ووضعها في مظروف كان قد اشتراه من قبل بكوبيك.. وفكر قليلا ثم غمس الريشة وكتب العنوان:
    إلي قرية جدي
    وحك رأسه وفكر، ثم أضاف: 'قسطنطين مكاريتش'. وارتدي غطاء الرأس وهو سعيد لأن أحدا لم يعطله عن الكتابة، ولم يضع المعطف علي كتفيه، بل انطلق الي الخارج بالقميص فقط...
    كان الباعة في دكان الجزار الذين سألهم من قبل قد اخبروه ان الرسائل تلقي في صناديق البريد، ومن الصناديق تنقل الي جميع انحاء الارض علي عربات بريد بحوذية سكاري وأجرس رنانة.
    وركض فانكا الي أول صندوق بريد صادفه، ودس الرسالة الغالية في فتحة الصندوق.
    وبعد ساعة كان يغط في نوم عميق وقد هدهدت الآمال الحلوة روحه.. وحلم بالفرن. كان جده جالسا علي الفرن مدليا ساقيه العريانتين وهو يقرأ الرسالة للطاهيات.. وبجوار الفرن يسير 'فيون' ويهز ذيله...
    1886

    البود ­ وحدة وزن روسية تساوي 16.38 كيلو جراما. المعرب.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أنطون تشيخوف
    Anton Pavlovich Chekhov 1860-1904


    بعيدا عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لاطعم لها ولالون، حياتي حزينة في يومياتي، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة.


                  

07-12-2006, 00:14 AM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)








    (3)

    وفاة موظف




    ذات مساء رائع كان ايفان ديمتريفيتش تشرفياكوف، الموظف الذي لا يقل روعة، جالسا في الصف الثاني من مقاعد الصالة، يتطلع في المنظار إلي 'أجراس كورنيفيل'. وراح يتطلع وهو يشعر بنفسه في قمة المتعة، وفجأة... وكثيرا ما تقابلنا 'وفجأة' هذه في القصص. والكتاب علي حق، فما أحفل الحياة بالمفاجآت! وفجأة تقلص وجهه، وزاغ بصره، واحتبست أنفاسه... وحول عينيه عن المنظار وانحني و..... أتش!!! عطس كما ترون، والعطس ليس محظورا علي أحد في أي مكان، اذ يعطس الفلاحون، ورجال الشرطة، بل وحتي أحيانا المستشارون السريون. الجميع يعطس، ولم يشعر تشرفياكوف بأي حرج، ومسح أنفه بمنديله، وكشخص مهذب نظر حوله ليري ما إذا كان قد ازعج أحدا بعطسه، وعلي الفور أحس بالحرج. فقد رأي العجوز الجالس أمامه في الصف الأول يمسح صلعته ورقبته بقفازه بعناية ويدمدم بشيء ما. وعرف تشرفياكوف في شخص العجوز الجنرال بريزجالوف الذي يعمل في مصلحة السكك الحديدية.
    وقال تشرفياكوف لنفسه: 'لقد بللته. انه ليس رئيسي، بل غريب، ومع ذلك فشيء محرج ينبغي أن اعتذر'.
    وتنحنح تشرفياكوف ومال بجسده إلي الامام وهمس في اذن الجنرال:
    ­ عفوا يا صاحب السعادة، لقد بللتكم.. لم أقصد.
    ­ لا شيء، لا شيء.
    ­ استحلفكم بالله العفو. انني.... لم أكن اريد!
    ­ اوه، اسكت من فضلك! دعني اصغي!
    واحرج تشرفياكوف فابتسم ببلاهة، وراح ينظر إلي المسرح. كان ينظر ولكنه لم يعد يحس بالمتعة، لقد بدأ القلق يعذبه، وأثناء الاستراحة اقترب من بريزجالوف وتمشي قليلا بجواره، وبعد أن تغلب علي وجله دمدم:
    ­ لقد بللتكم يا صاحب السعادة.. اعذروني.. انني لم أكن اقصد أن...
    فقال الجنرال:
    ­ اوه كفاك! أنا قد نسيت وأنت مازلت تتحدث عن نفس الامر!
    وحرك شفته السفلي بنفاد صبر.
    وقال تشرفياكوف لنفسه وهو يتطلع إلي الجنرال بشك:
    'يقول نسيت بينما الخبث يطل من عينيه. ولا يريد أن يتحدث. ينبغي أن أوضح له انني لم اكن ارغب علي الاطلاق.. وأن هذا قانون الطبيعة، والا ظن انني اردت أن ابصق عليه، فاذا لم يظن الآن فسيظن فيما بعد!'
    وعندما عاد تشرفياكوف الي المنزل روي لزوجته ما بدر عنه من سوء تصرف. وخيل إليه أن زوجته نظرت الي الامر باستخفاف، فقد جزعت فقط، ولكنها اطمأنت عندما علمت أن بريزجالوف 'غريب'.
    ­ ومع ذلك اذهب اليه واعتذر. والا ظن انك لا تعرف كيف تتصرف في المجتمعات!
    ­ تلك هي المسألة! لقد اعتذرت له، ولكنه... كان غريبا... لم يقل كلمة مفهومة واحدة. ثم انه لم يكن هناك متسع للحديث.
    وفي اليوم التالي ارتدي تشرفياكوف حلة جديدة، وقص شعره، وذهب الي بريزجالوف لتوضيح الامر... وعندما دخل غرفة استقبال الجنرال رأي هناك كثيرا من الزوار ورأي بينهم الجنرال نفسه الذي بدأ يستقبل الزوار، وبعد أن سأل عدة أشخاص رفع عينيه الي تشرفياكوف. فراح الموظف يشرح له:
    ­ بالامس في 'اركاديا' لو تذكرون يا صاحب السعادة عطست و... بللتكم من غير قصد.. اعذر..
    ­ يا للتفاهات.. الله يعلم ما هذا!
    ­ وتوجه الجنرال الي الزائر التالي ­ ماذا تريدون؟
    وفكر تشرفياكوف ووجهه يشحب: 'لا يريد أن يتحدث'.
    اذن فهو غاضب.. كلا، لا يمكن أن ادع الامر هكذا.. سوف اشرح له...'
    وبعد أن انهي الجنرال حديثه مع آخر زائر واتجه الي الغرفة الداخلية، خطا تشرفياكوف خلفه ودمدم:
    ­ يا صاحب السعادة! اذا كنت اتجاسر علي ازعاج سعادتكم فانما من واقع الاحساس بالندم!. لم اكن اقصد، كما تعلمون سعادتكم!
    فقال الجنرال وهو يختفي خلف الباب:
    ­ انك تسخر يا سيدي الكريم!
    وفكر تشرفياكوف: 'اية سخرية يمكن أن تكون؟ لييس هنا اية سخرية علي الاطلاق! جنرال ومع ذلك لا يستطيع أن يفهم! اذا كان الامر كذلك فلن اعتذر بعد لهذا المتغطرس. ليذهب الي الشيطان! سأكتب له رسالة، ولكن لن آتي اليه. اقسم لن أتي'!
    هكذا فكر تشرفياكوف وهو عائد الي المنزل. ولكنه لم يكتب للجنرال رسالة. فقد فكر وفكر ولم يستطع أن يدبج الرسالة. واضطر في اليوم التالي الي الذهاب بنفسه لشرح الامر. ودمدم عندما رفع اليه الجنرال عينين متسائلتين:
    ­ جئت بالامس فازعجتكم يا صاحب السعادة، لا لكي اسخر منكم كما تفضلتم سعادتكم فقلتم. بل كنت اعتذر لاني عطست فبللتكم... رلكنه لم يدر بخاطري ابدا أن اسخر وهل اجسر علي السخرية؟ فلو رحنا نسخر، فلن يكون هناك احترام للشخصيات اذن..
    وفجأة زار الجنرال وقد ارتعد وراتعد:
    ­ اخرج من هنا!!
    فسأل تشرفياكوف هامسا وهو يذوب رعبا:
    ­ ماذا؟
    فردد الجنرال ودق بقدمه:
    ­ اخرج من هنا!!
    وتمزق شيء ما في بطن تشرفياكوف. وتراجع الي الباب وهو لا يري ولا يسمع شيئا، وخرج الي الشارع وهو يجرجر ساقيه.. وعندما وصل آليا الي المنزل استلقي علي الكنبة دون أن يخلع حلته... ومات
    1883

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أنطون تشيخوف
    Anton Pavlovich Chekhov 1860-1904


    بعيدا عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لاطعم لها ولالون، حياتي حزينة في يومياتي، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة.




                  

07-12-2006, 00:55 AM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)



    خلفية موسيقية ونواصل
                  

07-12-2006, 01:12 AM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)








    (4)

    القناع





    اقيم في نادي 'س' الاجتماعي حفل تنكري لغرض خيري.
    كانت الساعة الثانية عشرة ليلا. وجلس المثقفون غير الراقصين ­
    وكانوا خمسة ­في قاعة المطالعة الي طاولة كبيرة ودسوا أنوفهم ولحاهم
    في الجرائد وراحوا يقرأون وينعسون، و'يفكرون' علي حد تعبير المراسل المحلي لجرائد
    العاصمة، وهو سيد ليبرالي جدا.
    وتناهت من الصالة العامة أنغام رقصة 'فيوشكي' . ومن حين لأخر كان الخدم يهرولون بجوار الباب
    وهم يدقون عاليا باقدامهم ويثيرون رنين الاواني. بينما كان الصمت العميق يسود قاعة المطالعة.
    وفجأة تردد صوت غليظ مكتوم بدا وكأنه صادر من المدفأة.
    ­ يبدو أن المكان هنا سيكون مناسبا.، تعالوا هنا يا أولاد! تعالوا، تعالوا!
    وفتح الباب، ودخل قاعة المطالعة رجل عريض، ربعة، يرتدي حلة حوذي وقبعة بريش طاووس وقناع،
    وتبعته سيدتان مقنعتان وخادم يحمل صينية. وكان علي الصينية زجاجة ليكير منبعجة وثلاث زجاجات نبيذ أحمر وبضعة أكواب.
    وقال الرجل:
    ­ تعالوا! الجو هنا بارد.. ضع الصينية علي الطاولة..
    اجلسن يا موزمزيلات! جي فو بري أما انتم يا سادة فلتفسحوا.. هيا من هنا!
    وتمايل الرجل وازاح بيده عدة مجلات من علي الطاولة.
    ­ ضع هنا! اما انتم ايها السادة القراء. فلتفسحوا، لا وقت هنا لقراءة الجرائد والسياسة.. دعوا عنكم هذا!
    فقال أحد المثقفين وهو ينظر الي صاحب القناع من خلال نظارته:
    ­ الزم الهدوء من فضلك، هذه قاعة مطالعة وليس بوفيه.. ليس هذا مكانا للشرب....
    ­ ولماذا ليس مكانا؟ هل الطاولة تتأرجح أم ربما السقف يتساقط؟! شيء عجيب ! حسنا...
    لا وقت عندي للحديث! اتركوا الجرائد.. يكفيكم ما قرأتم.. أنتم هكذا اذكياء أكثر من اللازم،
    كما انكم تتلفون ابصاركم. واهم ما في الامر انني لا اريد انتهينا.
    ووضع الخادم الصينية علي الطاولة، وطوي الفوطة علي ذراعه ووقف بجوار الباب. وشرعت السيدتان فورا في تناول النبيذ الاحمر.
    وقال الرجل ذو ريش الطاووس وهو يصب لنفسه ليكيرا:
    ­ كيف يوجد اناس اذكياء يعتبرون الجرائد أفضل من هذه المشروبات، اما انا فأري أيها السادة المحترمون انكم تحبون الجرائد لانكم لا تملكون ما تشربون به، اليس كذلك؟ ها ­ ها! .. انهم يقرأون! حسنا وما هو المكتوب هناك؟ أيها السيد ذو النظارة، اية وقائع تقرأ؟ ها ­ ها! دعك من ذلك! كفاك تمنعا. اشرب أفضل.
    ونهض الرجل ذو ريش الطاووس وانتزع الجريدة من يدي السيد ذي النظارة، فامتقع هذا، ثم تضرج ونظر بدهشة الي بقية المثقفين، ونظر هؤلاء اليه.
    وانفجر قائلا:
    ­ انك تتجاوز حدودك يا سيدي المحترم. انك تحول قاعة المطالعة الي حانة.. انك تسمح لنفسك بالعربدة واختطاف الجرائد من الايدي! لن اسمح لك! انت لا تعرف مع من تتحدث يا حضرة المحترم! أنا جيستياكوف، مدير البنك!
    ­ طظ، فلتكن جيستياكوف! أما جريدتك فها هي قيمتها...
    ورفع الرجل الجريدة ومزقها قطعا.
    ودمدم جيستياكوف مصعوقا:
    ­ ما هذا يا سادة؟ هذا شيء غريب... هذا... هذا غير معقول...
    فضحك الرجل قائلا:
    ­ سيادته زعلان! آي، آي اخفتني! اقدامي ترتعش، اسمعوا أيها السادة المحترمون! كفي مزاحا.. أنا لا ارغب في الحديث معكم.. ولما كنت اريد أن ابقي هنا مع الموزمزيلات علي انفراد واريد أن امتع نفسي، لذلك ارجوكم الا تحرنوا ولتخرجوا.. تفضلوا من هنا! يا سيد بيليبوخين اخرج من هنا في ألف داهية ما لك تقلب سحنتك؟ اقول لك اخرج يعني تخرج! هيا عجل والا اهويت علي قفاك!
    فتساءل بيليبوخين صراف المحكمة وهو يحمر ويهز كتفيه:
    ­ كيف! ما معني هذا؟ أنا حتي لا أفهم .. شخص وقح يقتحم علينا المكان.. وفجأة يتفوه بهذه الاشياء!
    فصاح الرجل ذو ريش الطاووس غاضبا، ودق بقبضته علي المائدة حتي تراقصت الاكواب علي الصينية:
    ­ ماذا تقول؟ وقح؟ لمن تقولها؟ اتظن انني ما دمت في القناع فبوسعك أن توجه لي مختلف الكلمات؟ يا لك من مشاغب! اخرج من هنا اقول لك ! يا مدير البنك، انكشح من هنا بالمعروف! اخرجوا جميعا، اياكم أن يبقي منكم لئيم هنا! غوروا في الف داهية!
    فقال جيستياكوف الذي غامت نظارته من شدة الانفعال:
    ­ حسنا، سنري الآن! سأريك! ايه، استدع الشاويش المناوب!
    وبعد دقيقة دخل شاويش صغير أحمر الشعر بشريط ازرق علي ياقة سترته وهو يلهث من الرقص، وقال:
    ­ تفضلوا بالخروج، ليس هذا مكانا للشرب! تفضلوا في البوفيه!
    وسأل الرجل ذو القناع:
    ­ من أين جئت أنت؟ هل أنا دعوتك؟
    ­ أرجو أن تخاطبني باحترام وتفضل بالخروج!
    ­ اسمع يا عزيزي.. سأمهلك دقيقة.. وطالما أنت شاويش وشخصية مهمة، فلتسحب هؤلاء الممثلين من أيديهم، مزموزيلاتي لا يعجبهن وجود غرباء هنا.. يشعرن بالخجل، وأنا اريد مقابل نقودي ان يكن في حالتهن الطبيعية..
    وصاح جيستياكوف:
    ­ يبدو أن هذا المأفون لا يفهم انه ليس في حظيرة. استدعوا يفسترات سبيريدونتش!
    وترددت في النادي:
    ­ يفسترات سيبيريدونتش! أين يفسترات سبيريدونتش؟
    وسرعان ما ظهر يفسترات سبيريدونتش، وهو عجوز يرتدي حلة شرطي. وصاح بصوت مبحوح وهو يبحلق بعينيه المرعبتين ويحرك شواربة المصبوغة:
    ­ تفضل بالخروج من هنا!
    فقال الرجل وهو يقهقه من المتعة:
    ­ آه، لقد ارعبتني! أي والله ارعبتني! اقسم لكن انني لم أر شيئا رهيبا كهذا! شواربة كشوارب القط، وعيناه جاحظتان.... ها ­ ها ­ ها ! ها ­ ها! فصاح يفسترات سبيريدونتش بكل قوته واهتز بدنه:
    ­ ممنوع الكلام! اخرج من هنا! سآمر بطردك!
    وارتفع في قاعة المطالعة صخب لا مثيل له. كان يفسترات سبيريدونتش يصرخ ويدق بقدميه وقد احمر كسرطان البحر. وكان جيستياكوف يصرخ.، وكان بيليبوخين يصرخ. كان جميع المثقفين يصرخون، ولكن غطي علي أصواتهم جميعا صوت الرجل ذي القناع الغليظ الاجش. وبسبب الهرج العام توقف الرقص، وتقاطر الناس من الصالة إلي قاعة المطالعة.
    ولكي يظهر يفسترات سبيريدونتش هيبته استدعي جميع رجال الشرطة الموجودين في النادي، وجلس ليكتب محضرا.
    فقال ذو القناع زهر يدس اصبعه تحت القلم.
    ­ اكتب، اكتب، يالي من مسكين، تري ماذا سيحدث لي الآن؟ يا لحظي البائس! حرام عليكم ما تفعلونه بيتيم مثلي!
    ها ­ ها ­ ها حسنا، ماذا؟ هل محضرك جاهز؟ هل وقع الجميع؟ فلنتظروا الآن اذن! واحد.. اثنان... ثلاثة!
    ونهض الرجل ومد قامته بطولها ونزع القناع عن وجهه، وبعد ان كشف وجهه الثمل وطاف بنظرة علي الجميع مستمتعا بما احدثه من تأثير، تهاوي علي الكرسي وقهقه بفرح. وبالفعل كان التأثير الذي أحدثه غير عادي. تبادل المثقفون النظرات في ارتباك وامتقعت وجوههم، وحك بعضهم قفاه، وتحشرج يفسترات سبيريدونتش كالشخص الذي ارتكب عفوا حماقة كبيرة.
    لقد عرف الجميع في هذا الرجل الهائج المليونير المحلي صاحب المصانع والمواطن العريق المحترم بيتيجوروف، المعروف بفضائحه وبأعماله الخيرية، وكما ذكرت الجريدة المحلية غير مرة، بحبه للمعرفة.
    وبعد دقيقة من الصمت سأل بيتيجوروف:
    ­ حسنا هل ستنصرفون أم لا؟
    وخرج المثقفون من غرفة المطالعة علي اطراف اصابعهم في صمت، دون أن يتفوهوا بكلمة، فأوصد بيتيجوروف الباب خلفهم.
    وبعد دقيقة كان يفسترات سبيريدونتش يفح هامسا وهو يهز كتف الخادم الذي حمل الخمر إلي قاعة المطالعة:
    ­ لقد كنت تعلم انه بيتيجوروف، لماذا سكت؟
    ­ امرني ألا أقول!
    ­ أمره ألا يقول.. سأسجنك أيها الملعون شهرا وعندئذ ستعرف ما معني 'أمرني الا أقول' أخرج! ­ وقال مخاطبا المثقفين ­ وأنتم أيضا يا سادة ما أحلاكم.. أعلنوا العصيان! لم يكن في استطاعتكم أن تخرجوا من قاعة المطالعة لعشر دقائق!
    حسنا، تحملوا اذن مسئولية ما صنعتم! آه يا سادة، يا سادة.. غير سليم..
    وسار المثقفون في النادي مقهورين، ضائعين، مذنبين يتهامسون ويتوقعون شرا.. وعندما عرفت زوجاتهم وبناتهم بالحادث! اخلدن الي السكون وتفرقن عائدات الي بيوتهن. وتوقف الرقص.
    وفي الساعة الثانية خرج بيتيجوروف من قاعة المطالعة كان ثملا يترنح. وعندما دخل الصالة جلس بقرب الاوركسترا ونعس علي انغام الموسيقي. ثم امال رأسه بحزن وعلا شخيره.
    واشاح الشاويشية بأيديهم للعازفين:
    ­ لا تعزفوا ! هس!.. يجور نيليتش نائم
    وسأل بيليبوخين وهو ينحني علي اذن المليونير:
    ­ هل تأمرون بتوصيلكم الي البيت يا يجور نيليتش؟
    وندت عن شفتي بيتيجوروف حركة وكأنه يريد أن ينفخ ذبابة عن خده.
    وعاد بيليبوخين يسأل:
    ­ هل تأمرون بتوصيلكم إلي البيت؟ أم باستدعاء العربة؟
    ­ هه؟ من ؟ أنت... ماذا تريد؟
    ­ اريد أن اوصلكم .. حان وقت النوم...
    ­ اريد أن اذهب.. اوصلني!
    وتهلل بيليبوخين من الرضا وشرع ينهض بيتيجوروف. واسرع اليه بقية المثقفين، وانهضوا المواطن الاصيل المحترم وهم يبتسمون بسرور، وساروا به بحذر الي العربة.
    وقال جيستياكوف بمرح وهو يجلسه:
    ­ لا يستطيع أن يضحك علي جماعة كاملة الا ممثل موهوب. أنا مأخوذ حقا يا يجور نيليتش! حتي الآن مازلت اضحك... ها ­ ها ... كنا نغلي ونتلمظ! ها ­ ها! هل تصدقون؟ لم اضحك ابدا في المسرح مثلما ضحكت اليوم. فكاهة بلا حدود! سأظل طول عمري اذكر هذه الامسية التي لا تنسي!
    وبعد أن اوصل المثقفون بيتيجوروف عاودهم المرح والاطمئنان.
    وقال جيستياكوف وهو سعيد جدا:
    ­لقد مد لي يده عند الوداع. اذن فليس غاضبا.
    فتنهد يفسترات سيبيريدونتش:
    ­ يسمع منك ربنا! انه رجل وغد، حقير، ولكنه محسن!
    لا يصح!





    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أنطون تشيخوف
    Anton Pavlovich Chekhov 1860-1904


    بعيدا عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لاطعم لها ولالون، حياتي حزينة في يومياتي، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة.



                  

07-12-2006, 01:45 AM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)








    (5)

    زودها




    وصل قياس الأراضي جليب جافريلوفتش سميرنوف إلي محطة 'جنيلوشكي'.
    وكان أمامه لكي يبلغ الضيعة التي استدعي اليها لوضع حدود المزارع
    حوالي ثلاثين أو أربعين فرسخا.
    فاذا لم يكن الحوذي ثملا والحصان عجوزا فلن تزيد المسافة عن ثلاثين فرسخا،
    أما إذا كان الحوذي ثملا والحصان منهكا فستصل المسافة إلي خمسين'.
    اتجه القياس بالسؤال إلي شرطي المحطة:
    ­ قل لي من فضلك، أين استطيع أن أجد هنا خيول بريد؟
    ­ خيول ماذا؟ بريد؟ لن تجد هنا علي مدي مائة فرسخ كلبا محترما وليس خيول بريد.. إلي أين تريد أن تذهب؟
    ­ الي ديفكينو، ضيعة الجنرال خوخوتوف.
    فقال الشرطي متثائبا:
    ­ طيب. اذهب خلف المحطة، فهناك يوجد أحيانا فلاحون يحملون الركاب.
    تنهد القياس ومضي خلف المحطة. وهناك، وبعد بحث طويل ومباحثات وتردد، وجد فلاحا ضخما،
    عابسا، مجدور الوجه، يرتدي قفطانا خشنا ممزقا وحذاء لابتي.
    وأمتعض القياس وهو يصعد الي العربة وقال:
    ­ الشيطان يعلم أية عربة هذه! لا تعرف أين مؤخرتها وأين مقدمتها...
    ­ وهل هو صعب أن تعرف؟ المقدمة حيث ذيل الحصان، والمؤخرة حيث يجلس جنابكم....
    كانت الفرس شابة ولكنها عجفاء، بقوائم نافرة وأذنين معضوضتين. وعندما همٌ الحوذي
    وضربها بسوط من الحبال هزت رأسها فقط، وعندما سبها وضربها مرة أخري صرٌت العربة
    وارتعشٌت كأنها محمومة. وبعد الضربة الثالثة تمايلت العربة، أما بعد الرابعة فقد تزحزحت من مكانها.
    ­ وهل سنسير هكذا طوال الطريق؟
    ­ سأل القياس وهو يشعر بهز شديد ويدهش من قدرة الحوذية الروس علي الجمع بين السير
    البطيء كسير السلاحف، وبين الهز الذي يكاد يطرد الروح من البدن.
    فقال الحوذي مطمئنا:
    ­ سنصل! الفرس شابة، سريعة.. انتظر فقط حتي تنطلق، وبعد ذلك لن تستطيع ايقافها...
    هيا، يا ملعونة!..
    عندما غادرت العربة المحطة كان المغيب قد حل. وعلي يمين القياس امتد سهل مظلم
    متجمد لا نهاية له ولا حدود.. اذا سرت فيه فربما وصلت الي العالم الآخر. وعند الافق،
    حيث اختفي السهل متحدا مع السماء تلاشت علي مهل آخر أضواء الغسق الخريفي البارد..
    وإلي يسار الطريق ارتفعت في الهواء المظلم اكوام لا يعرف ما إذا كانت أكوام دريس العام
    الماضي أم قرية. ولم يستطع القياس أن يري ما كان في الامام، فقد سد مجال الرؤية كله من هذه الناحية ظهر الحوذي العريض الاخرق. وكان الجو هادئا ولكنه بارد، قارس.
    وفكر القياس وهو يحاول أن يغطي اذنيه بياقة المعطف:
    'يا له من مكان قفر! لا أثر لحي. من يدري، فلو هجم عليك الاشقياء ونهبوك فلن يعرف
    أحد ولو أطلقت المدافع... نعم والحوذي أيضا لا يوحي بالثقة.. انظر الي ظهره المهول!
    ابن الطبيعة هذا لو لمسك باصبعه لأزهق روحك! وسحنته أيضا وحشية، مريبة'.
    وسأل القياس:
    ­ اسمع يا أخي، ما اسمك؟
    ­ أنا كليم.
    ­ وكيف الحال عندكم هنا يا كليم؟ أليس خطرا؟ هل هناك من يتشاقي؟
    ­ لا، والحمد لله.. ومن هنا ليتشاقي؟
    ­ حسن انهم لا يتشاقون... ولكني علي كل حال أخذت معي ثلاثة مسدسات، ­ قال القياس كاذبا
    ­ والمسدس كما تعلم شيء لا يحب المزاح، استطيع أن أقضي علي عشرة أشقياء.
    هبط الظلام، وفجأة صرت العربة وأنٌت وارتعشت وانعطفت الي اليسار ببطء كأنما عن غير رغبة.
    وقال القياس لنفسه: 'الي أين يذهب بي؟ كان يسير طوال الوقت مباشرة وها هو ينعطف الي اليسار
    فجأة. ماذا لو أن هذا الوغد أخذني الي دغل ما و.... و...... و........ مثل هذه الحوادث تقع!'
    فقال مخاطبا الحوذي:
    ­ اسمع.. تقول أن الحال هنا ليس خطرا! خسارة.. اني أهوي منازلة الاشقياء.. أنني أبدو من منظري
    نحيلا، ضعيفا، ولكن عندي قوة كقوة الثور... في مرة هجم عليَّ ثلاثة أشقياء.. فماذا تظن؟ ضربت
    واحدا منهم حتي انه.. حتي انه، أتعرف، طلعت روحه، أما الآخران فقد حكما بالاشغال الشاقة في سيبيريا
    بسببي.. من أين تأتيني هذه القوة، لا أعرف... بيد واحدة أمسك بأي رجل ضخم، من امثالك، و..... واقضي عليه.
    ونظر كليم خلفه الي القياس، وطرف بوجهه كله، وهوي بالسوط علي الفرس.
    واستطرد القياس:
    ­ نعم يا أخي، كفي الله المرء شر الاشتباك معي، فعلاوة علي أن الشقي يبقي بلا قدمين أو ساقين
    فانه يقدم الي المحاكمة... كل القضاة ومأموري الشرطة معارفي. انني رجل موظف، مطلوب، ها أنا
    مسافر ولكن رؤسائي يعرفون أين أنا.. وأعينهم تراقب، حتي لا يلحق بي أي ضرر.. وعلي طول الطريق
    حشروا رجال الدرك والخفراء وراء الخمائل....
    وفجأة صرخ القياس:
    ­ قف! إلي أين تذهب؟ الي أين تأخذني؟
    ­ ألا تري الي أين؟ إلي الغابة!
    وقال القياس لنفسه: 'فعلا.. إنها غابة، ولكني خفت! لا ينبغي أن اكشف اضطرابي.. لقد لاحظ
    أنني خائف. لماذا أصبح ينظر الي كثيرا؟ لابد أنه يدبر أمرا.. كان قبلا يسير بالعربة ببطء،
    قدما وراء قدم، أما الآن فانظر كيف يطير'!
    ­ اسمع يا كليم، لماذا تحث الفرس؟
    ­ أنا لا احثها. هي التي أسرعت. إذا انطلقت فلا وسيلة لايقافها.... هي نفسها تشقيها هذه السيقان.
    ­ كذاب يا أخي! أري انك تكذب! لكني انصحك بعدم الاسراع. اكبح الفرس.. أتسمع؟ اكبحها!
    ­ لماذا؟
    ­ لانه.. لانه من المفروض أن يلحق بي من المحطة رفاق أربعة. ينبغي أن يلحقوا بنا. لقد وعدوني
    أن يلحقوا بي عند هذه الغابة... ستكون الرحلة معهم أكثر مرحا... فهم رجال أصحاء، أشداء...
    كل منهم يحمل مسدسا.. لماذا تتطلع إلي كثيرا وتتململ كأنك جالس علي جمر؟ هه؟ أنا يا أخي يعني..
    اسمع.. لا داعي للتطلع نحوي.. ليس في أي طرافة... اللهم الا المسدسات.. تفضل، اذا شئت استخرجتها
    وأريتك إياها.. تفضل.
    وتظاهر القياس أنه يبحث في جيوبه، وفي تلك اللحظة حدث ما لم يتوقع حدوثه رغم كل جبنه. فقد ألقي
    كليم بنفسه من العربة وزحف علي أربع نحو غيضة أشجار. ثم صرخ:
    ­ النجدة! النجدة! خذ الفرس والعربة أيها الشقي، لكن لا تقتلني! النجدة!!
    وتردد وقع خطوات سريعة مبتعدة، وطقطقة غصون جافة، ثم ساد السكون... وكان أول شيء فعله القياس،
    الذي لم يتوقع هذا التطور المفاجيء، أن أوقف الفرس، ثم اعتدل في جلسته متخذا وضعا أكثر راحة، وأخذ يفكر.
    'هرب.. خاف الاحمق.. فما العمل الآن؟ لا يمكن أن أواصل السير بمفردي، فأنا لا أعرف الطريق، ثم قد يظن أحد انني سرقت فرسه.. فما العمل؟' ­ يا كليم! يا كليم!
    ­ كليم! ­ ردد الصدي.
    أقشعر القياس، كأنما مروا علي ظهره بمبرد بارد من فكرة انه سيضطر الي قضاء الليل كله في الغابة المظلمة،
    في البرد، فلا يسمع سوي عواء الذئاب، والصدي، وشخير الفرس العجفاء.
    فصاح:
    ­ كليموشكا!ہ يا عزيزي! أين أنت يا كليم وشكا!
    وظل القياس يصيح حوالي ساعتين، وفقط بعد أن بح صوته واستسلم لفكرة المبيت في الغابة، حملت اليه الريح أنينا ضعيفا.
    ­ كليم، أهو أنت يا عزيزي؟ هيا بنا!
    ­ ستقتلني!
    ­ كنت أمزح يا عزيزي! أي والله كنت أمزح! أية مسدسات معي! لقد كذبت عليك من خوفي! أرجوك هيا بنا!
    أنني بردان!
    واذ فطن كليم علي ما يبدو الي أن الموظف، لو كان شقيا حقيقيا لاختفي بالفرس والعربة منذ زمن بعيد،
    فقد خرج من الغابة، واقترب مترددا من الراكب.
    ­ لماذا خفت أيها الاحمق؟.. أنا... أنا كنت أمزح.. واذا بك تخاف.. اجلس!
    فدمدم كليم وهو يصعد الي العربة:
    ­ ربنا يسامحك يا سيد.. لو كنت ادري ما اخذتك ولو مقابل مائة روبل. كدت أموت من الخوف...
    وضرب كليم الفرس بالسوط. وارتعشٌت العربة. وضرب كليم مرة أخري فتمايلت العربة.
    وبعد السوط الرابع، عندما تزحزحت العربة من مكانها، غطي القياس أذنيه بالياقة واستغرق في التفكير،
    ولم تعد الطريق أو كليم يبدوان له خطرين.
    1885





    *

    كليموشكا ­ تدليل لاسم كليم. المعرب


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أنطون تشيخوف
    Anton Pavlovich Chekhov 1860-1904


    بعيدا عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لاطعم لها ولالون، حياتي حزينة في يومياتي، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة.



                  

07-12-2006, 01:57 AM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)










    انطون بافلوفيتش تشيخوف ( 1860 – 1904 م )






    كاتب روسيا المبدع , وسيد القصة القصيرة في العالم بلا منازع



    وُلد انطون بافلوفيتش تشيخوف في سنة 1860 في بلدة ( تاجانروج ) الفقيرة المُعدمة
    الواقعة على بحر الخرز جنوبى العاصمة الروسية موسكو لأسرة يعمل أفرادها في خدمة
    الطبقة الاقطاعية ؛ وقد نجح جده في تحرير أفراد أسرته من القنانة ؛ وتمكن والده
    بعد التوفير والإقتصاد لسنوات من شراء حانوت للبقالة ؛ وانهارت سريعا تجارة الأب
    القاسى المهووس دينيا ؛ لتدخل الأسرة فى نفق مظلم من الفقر والتعاسة ؛ إلاّ أن الاوضاع

    الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي عاشها انطون في طفولته ؛ ولّدت لديه نوعا من التحدي
    قاده إلى النجاح مستعينا بما كان يسميه : ( العمل...العمل...العمل , طالما أن أحداً لن
    يمد لك يد العون والمساعدة ) .

    وقد اكتسب موهبته في الكتابة من أمه ( ايفجينيا تشيخوف ) ؛ الحكاءة راوية القصص ؛ رغم كونها
    لم تحصل على قدر كاف من التعليم .

    وفي سنة 1879 التحق تشيخوف بكلية الطب التابعة لجامعة موسكو وخلال تلك المرحلة بدأ بنشر عدد
    من القصص القصيرة في صحيفة ( سانت بطرس بيرج ) ليذيع صيته ككاتب معروف في سنة 1886. وبعد
    تخرجه عمل في مهنة الطب حتى سنة 1892.

    كانت أعراض مرض السل قد ظهرت عليه وهو في سن الرابعة والعشرين ؛ وتمكن منه المرض اللعين ،
    لينتهى بموته وهو فى سن الأربعة والأربعين .



    بعد مرور كل هذه السنوات علي رحيل تشيخوف يظل هذا الرجل في الإبداع العالمي , حالة فريدة
    عبّرت عن الكينونة الإنسانية , فتشيخوف هو أحد الكتاب الذين تلمسوا الحزن الإنساني واستطاع أن
    يمسح عن وجه المهمشين والفقراء , وسكان الأحياء الصغيرة في المدن المزدحمة آلامهم , واستطاع
    أن يرسم أمامهم حلماً بديعاً عن المستقبل , وهو القائل عن نفسه أنه عاش أربعين عاما ليعتصر من
    عروقه دماء العبودية .



    ولقب مؤسس القصة القصيرة لم يأت من فراغ , بل لأنه استطاع تحطيم الأعراف الأدبية وغير الأدبية ,
    وذلك بخروجه علي القواعد , مثل البداية والنهاية ومواصفات الشخصية والحبكة القصصية ؛ كذلك
    البساطة والاختصار والغموض فى آن واحد ؛ التي كانت أهم سمات جماليات أسلوب تشيخوف .

    وتميز إنتاجه القصصي بالشمول وروح الفكاهة المشوبة بالحزن ؛ شخوصه حية ترزق تقابلها أينما ذهبت ،
    تشعر بأنفاسها حارة على وجهك وأنت تسير في الشوارع ، وربما تقابل أحدها لو نظرت في المرآة .

    كان الوجود الانساني مأساة عبّرعنها تشيخوف وصوّرها في قصصه القصيرة , وفعل ذلك بنظرة دقيقة واضحة
    وعطوفه ؛ ولم يكن أبطال قصصه ملوكاً أو أمراء , إنما هم بشر من السائرين في الطرقات .

    تُشبه مؤلفات تشيخوف فيضاناً من الابتكار المستحدث والتنوع الدائم , ليس هناك من وتيرة واحدة ,
    وليس هناك من قصتين متشابهتين لا في الأشخاص ولا في الحوادث .

    لقد كانت معرفته بالرجال والنساء عميقة وواسعة , أيضاً كانت قدرته على التركيز مُدهشة ؛ فالفكرة
    الغامضة العويصة التي يحتاج بعض الكتاب لإظهارها الى قصة طويلة , يستطيع تشيخوف إخراجها في صفحات قليلة .
    كان يدرس أبطاله جيداً , وكان يفهمهم تماماً , وكان يستطيع ببساطة ان يُعبّر عن شخصياتهم , وقد عرف كيف ينفذ
    الى أعماق النفس الانسانية.



    ليست العشرات من قصصه وحدها هي التي أخذت شكلا جديدا ؛ بل مسرحياته أيضا , فقد تمرّد علي كل الأسس المسرحية
    التي كان المساس بها يُعد من المحرمات ؛ وتميّزت مسرحيات تشيخوف باللمسات الخافتة اللمّاحة ، وبجوّ مُفعم
    بالحنين والشاعرية ؛ تجلّى ذلك في الابتعاد عن المواقف الجاهزة واجتناب العنف ، والخلو من وسائل الإثارة .

    مسرحياته لا تتضمن من الأحداث إلا القليل ، وقد كتب للمسرح أربع مسرحيات هي :

    ( النُورس ) ؛ و( العَم فانيا ) ؛ و( الأخوات الثلاث ) ؛ و( بُستان الكَرز ) ؛ وكان له أسلوبه المتميز
    في الدراما السيكولوجية التي يلعب فيها الانفعال الداخلي دوراً مهماً .



    كان متواضعا حين تصور أن أعماله ستُقرأ لسبع سنوات فقط بعد وفاته ؛ ولكنه أصبح ظاهرة في الثقافة
    العالمية بزيادة عدد قرائه بمضي الوقت .







                  

07-27-2006, 08:14 AM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)

    ونواصل اليوم أيضا مع أنطون الرائع
    وشكرا للجميع
                  

07-27-2006, 12:52 PM

Omayma Alfargony
<aOmayma Alfargony
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)

    بوست جميل جدا

    وأختيار راأأأأأأأع.

    أنا من أشد المعجبين بتشيخوف...

    يا ريت لو قدرت يا عصام..



    Pokracuj



    Moc dekuji
                  

08-27-2006, 11:56 AM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)








    (6)

    الألـــم



    لألم



    قصة: أنطون تشيخوف



    ترجمة: رافع الصفار



    عُرف غريغوري بتروف ولسنوات طويلة ببراعته الفائقة في حرفة الخراطة، لكنه
    في نفس الوقت كان الأكثر حمقا وسذاجة في إقليم (غالتشينيسكوي)، فلكي ينقل
    زوجته المريضة إلى المستشفى، كان عليه أن يقود الزلاجة لمسافة عشرين ميل في
    جو شتائي عاصف، عبر طريق شديدة الوعورة. ولم تكن تلك بالمهمة اليسيرة حتى
    بالنسبة لسائق البريد الحكومي. كانت الرياح القارصة تضرب في وجهه مباشرة،
    وسحب الثلج تلتف في دوامات حوله في كل اتجاه، حتى أن المرء لا يدري إن كان هذا
    الثلج يتساقط من السماء أم يتصاعد من الأرض، بينما الرؤية معدومة تماما لكثافة
    الضباب الثلجي، فلم يكن يرى شيئا من الحقول والغابات وأعمدة التلغراف. وعندما
    كانت تضربه ريح قوية مفاجئة، كان يصاب بالعمى التام، فلا يعود يبصر حتى لجام الحصان،
    ذلك الحيوان البائس الذي كان يزحف ببطء وهو يجر قدميه في الثلج بوهن شديد.
    وكان الخراط قلقا متوترا ومتعجلا لا يكاد يستقر في مقعده وهو يسوط ظهر الحصان.



    كان غريغوري يغمغم طول الوقت متحدثا إلى زوجته.



    - لا تبكي يا ماتريونا. قليل من الصبر يا عزيزتي. سنصل المستشفى وعندها كل شيء
    سوف يكون على ما يرام... سيعطيك بافل ايفانيتش بضع قطرات، أو سأطلب منه أن
    يعمل لك الحجامة، أو ربما يتكرم ويرضى أن يدلك جسدك بالكحول. سيبذل كل ما في وسعه
    دون شك. نعم سيصرخ وينفعل لكنه في النهاية يبذل جهده. إنه رجل مهذب ولطيف. فليعطه
    الله الصحة. حالما نصل هناك ويرانا سيندفع من غرفته كالسهم ويبدأ بإطلاق السباب والشتائم.
    وسوف يصرخ: كيف؟ لماذا هكذا؟ لماذا لم تأتوا في الوقت المناسب؟ أنا لست كلبا كي أبقى
    عالقا هنا في انتظار حضراتكم طوال اليوم. لماذا لم تأتوا في الصباح؟ هيا اخرجوا، لا لن
    أستقبلكم. تعالوا غدا. فأرد عليه قائلا: يا حضرة الطبيب المبجل بافل إيفانيتش، نعم يمكنك
    أن تسب وتلعن وتشتم...، وليأخذك الطاعون...أيها الشيطان....



    ساط الخراط ظهر الحصان، ومن دون أن ينظر إلى المرأة العجوز الراقدة في العربة خلفه
    واصل حديثه مع نفسه:



    - يا حضرة الطبيب المبجل، أقسم بالله، ولن أقول إلا الصدق، وها هو الصليب أرسمه على صدري
    أمامك بأنني انطلقت قبل طلوع الفجر، ولكن كيف يمكنني أن أكون عندك في الوقت المناسب
    وقد أرسل الرب هذه العاصفة الثلجية؟ تلطف وانظر بنفسك..إن أفضل الجياد لن تتمكن من
    السير في هكذا جو، وحصاني هذا الكائن البائس التعيس كما ترى بنفسك ليس حصانا على الإطلاق.
    عندها سيقطب بافل ايفانيتش حاجبيه ويصرخ: نحن نعرفكم، أنتم دائما بارعون في اختلاق الأعذار،
    وعلى الأخص أنت يا غريشكا. فأنا أعرفك حق المعرفة، وأقسم بأنك توقفت في نصف دزينة من الحانات
    قبل أن تأتي عندي. لكني سأقول له: أيها المحترم، هل أنا كافر أم مجرم حتى أتنقل بين الحانات
    بينما زوجتي المسكينة تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ لعنة الله على الحانات وأصحابها وليأخذهم الطاعون
    جميعا. سيأمر بافل ايفانيتش عندها بنقلك إلى داخل المستشفى، فاركع عند قدميه. بافل ايفانيتش،
    أيها المحترم، نشكرك من صميم قلوبنا، وأرجو أن تسامحنا على حماقاتنا وسلوكنا الأرعن، وألا تكون
    قاسيا معنا نحن الفلاحون. نعم نحن نستحق منك لا الشتيمة فحسب بل حتى الرفس، وقد كنا سببا في خروجك
    وتلويث قدميك في الثلج. سينظر بافل ايفانيتش نحوي كأنه يريد أن يضربني وسيقول: ألا يجدر بك أيها
    الأحمق أن تشفق على هذه المسكينة وترعاها بدلا من أن تسكر وتأتي لتركع عند قدمي؟ والله أنت تستحق
    الجلد. نعم، نعم..أنت على حق في ذلك. أنا أستحق الجلد يا بافل ايفانيتش، فلتصب السماء لعناتها
    على رأسي، ثم ما الضير لو ركعت عند قدميك، فأنت أبونا وولي نعمتنا، ويحق لك يا سيدي أن تبصق
    في وجهي لو بدر مني ما يضايقك، وأقسم بالله على ذلك. سافعل كل ما تريده وتأمرني به..إذا استرجعت
    زوجتي العزيزة ماتريونا صحتها. وإذا أردتَ أصنع لك علبة سجاير فاخرة من أفضل أنواع الخشب، كراتا
    للعبة الكروكيت، أو أروع قناني خشبية للعبة البولنج..ولن آخذ منك قرشا واحدا. في موسكو تكلف
    علبة السجاير أربع روبلات، لكني سأصنعها لك دون مقابل. عندها سيضحك الطبيب ويقول: حسنا، حسنا...
    يبدو أنك سكران حتى الثمالة. كما ترين يا عزيزتي فأنا أعرف كيف أتعامل مع أبناء الطبقة العليا.
    ليس هنالك من سيد يستعصي علي. فقط أدعو من الله ألا أفقد الطريق. أنظري كم عنيفة هي الريح.
    لا أكاد أفتح عيني من شدة اندفاع الثلج.



    ولم يتوقف الخراط عن حديثه المتواصل مع نفسه، في محاولة منه على ما يبدو للتخفيف من ضغط
    المشاعر الحادة عليه. كانت الكلمات كثيرة على لسانه، وكذلك الأفكار والأسئلة في رأسه. جاءه
    الحزن مفاجئا، دون توقع أو انتظار، وعليه الآن أن يتخلص منه. لقد عاش حياته في سكينة وسلام
    دون أن يعرف للحزن أو للبهجة معنى، وفجأة، دون سابق إنذار، جاءه الألم ليعشش بين تلافيف قلبه،
    فوجد السكير المتسكع نفسه في موقع المسئول، مثقلا بالهموم، ويصارع الطبيعة.



    وراح غريغوري يتذكر كيف ابتدأت المشكلة ليلة أمس عندما عاد إلى البيت سكرانا بعض الشيء،
    وكالعادة انطلق يشتم ويهدد بقبضتيه، فنظرت إليه زوجته كما لم تنظر إليه من قبل. عادة ما
    تشف نظرات عينيها عن الذل والاستكانة الشبيهة بنظرات كلب أشبع ضربا. لكنها هذه المرة نظرت
    إليه بتجهم وثبات، كما ينظر القديسون في الصور المقدسة أو كما ينظر الموتى. من نظرة الشر
    الغريبة تلك بدأت المشكلة. وفي حالة من الذهول والاستغراب استعار حصانا من أحد الجيران
    كي ينقل زوجته العجوز إلى المستشفى لعله باستخدام المساحيق والمراهم، يستطيع بافل
    ايفانيتش أن يعيد التعبير الطبيعي لنظرة عينيها.



    ويستمر الخراط في حديثه مع نفسه فيقول:



    - حسنا، اسمعيني يا ماتريونا، لو سألك بافل ايفانيتش فيما إذا كنت قد ضربتك، يجب
    أن تنفي ذلك وسوف لن أضربك بعد اليوم، أقسم على ذلك. وهل ضربتك يوما لأني أكرهك؟ لا،
    إطلاقا. إنما دوما أضربك وأنا فاقد لوعيي. أنني حقا أشعر بالأسف من أجلك. لا أظن أن الآخرين
    سيبالون مثلي، فها أنت ترين، إنني أفعل المستحيل في هذا الجو الثلجي العاصف كي أصل بك إلى
    المستشفى. فلتتحقق مشيئتك أيها الرب، وإن شاء الله لن نخرج عن الطريق. هل يؤلمك جنبك عزيزتي؟
    ألهذا أنت لا تتكلمين؟ إني أسألك، هل يؤلمك جنبك؟



    لاحظ خلال نظرة خاطفة إلى العجوز بأن الثلج المتجمع على وجهها لا يذوب. والغريب أن الوجه نفسه
    بدا مسحوبا، شديد الشحوب، شمعيا، جهما ورصينا. صرخ قائلا:



    - أنت حمقاء، حمقاء..، أقول لك ما في ضميري أمام الله، لكنك مع ذلك تصرين على....حسنا، أنت حمقاء،
    وأنا قد أركب رأسي..ولا آخذك إلى بافل ايفانيتش.



    أرخى اللجام بين يديه وبدأ يفكر. لم يكن في مقدوره أن يستدير تماما لينظر إلى زوجته. كان خائفا.
    وكان يخشى أيضا أن يكرر أسئلته عليها دون أن يحصل على جواب. أخيرا، وليحسم الأمر، ومن دون أن
    يلتفت إليها رفع يده وتحسسها. كانت باردة، وعندما تركها سقطت كأنها قطعة خشب. ندت منه صرخة.



    - إذن فهي ميتة، يا للمصيبة.



    لم يكن آسفا قدر انزعاجه. وفكر كيف أن الأشياء تمر سريعة في هذا العالم. لم تكن المشكلة قد
    ابتدأت وإذا بها تنتهي بكارثة. لم يسنح له الوقت كي يعيش معها ويكشف لها عن أسفه قبل موتها.
    عاش معها أربعين عاما لكنها مرت في ضباب وعتمة مطبقة. لم يكن هنالك من مجال للأحاسيس الجميلة
    وسط السكر والعربدة والشجار المتواصل والفقر المدقع. ولكي تغيظه فقد ماتت في اللحظة التي بدأ
    يشعر فيها بالأسف عليها، وبأنه لا يستطيع العيش من دونها وأنه كان قاسيا معها وقد أساء لها كثيرا.



    قال لنفسه متذكرا:



    - كنت أبعثها كي تدور في القرية تستجدي الخبز. كان يمكن أن يطول العمر بها لعشر سنوات أخرى.
    المصيبة أنها ماتت وهي تعتقد بأني ذلك الإنسان...... يا أمنا المقدسة. ولكن بحق الشيطان أين
    أنا ذاهب الآن؟ ما عاد بي حاجة إلى الطبيب، ما أحتاجه الآن قبرا كي أدفنها.



    استدار بالزلاجة وهو يلهب ظهر الحصان بسوطه، وقد ازداد الجو سوءا حتى انعدمت الرؤية تماما.
    ومن حين لآخر كانت تضرب وجهه ويديه أغصان الأشجار وتخطف من أمام عينيه أجسام سوداء.



    - لو أعيش معها مرة أخرى.



    وتذكر بأن ماتريونا قبل أربعين عاما كانت مليحة الوجه مرحة الروح، وهي من عائلة ميسورة الحال،
    وقد رضي أهلها أن يزوجوها له بعدما شاهدوا وعرفوا مدى براعته في مهنة الخراطة. كانت كل الأسباب
    لحياة سعيدة متوفرة لهما، لكن المشكلة أنه في ليلة عرسه شرب حتى الثمالة ومن يومها وهو سكران طول
    الوقت ولم يستيقظ أبدا. نعم فهو يتذكر عرسه، ولكنه لا يتذكر شيئا مما حدث بعد ذلك وطوال حياته،
    باستثناء أنه كان يسكر ويضطجع عند الموقد ويتشاجر. هكذا ضاعت منه أربعون سنة.



    بدأت الغيوم الثلجية البيضاء تتحول تدريجيا إلى اللون الرمادي مما ينبئ عن قرب الغسق. عاد يسأل نفسه:



    - إلى أين أنا ذاهب؟ مطلوب مني أن أفكر بدفن الجثة... بينما أنا الآن في طريقي إلى المستشفى.
    .كأنني فقدت عقلي..



    واستدار بزلاجته ثانية. كان الحصان يشخر وراح يتعثر في خببه، فعاد الخراط يجلده من جديد. وكان
    يسمع صوت ارتطام خلفه، ومن دون أن يلتفت كان يعرف بأنه صادر عن رأس العجوز وهو يضرب بحافة المقعد.



    ازداد الثلج عتمة، واشتدت برودة الريح.



    - لو أعيش معها مرة أخرى، سأشتري مخرطة جديدة، وأشتغل...وأجلب لها الكثير من النقود.







    أفلتت يداه العنان. بحث عنه. حاول أن يلتقطه، فلم يستطع. قال لنفسه:



    - لا يهم. يستطيع الحصان أن يتولى الأمر بنفسه، فهو يعرف الطريق. يمكنني أثناء ذلك أن
    أنام قليلا قبل أن أتهيأ للجنازة وصلاة الميت...



    أغلق الخراط عينيه وغاص في إغفاءة. بعدها بفترة قصيرة شعر بأن الحصان قد توقف عن السير.
    فتح عينيه فرأى أمامه شيئا معتما يشبه كوخا أو كومة من القش. أراد أن ينهض ليكتشف ذلك
    الشيء، لكنه أحس بأنه عاجز تماما عن الحركة، ووجد نفسه دون ضجة أو مقاومة يستسلم لنوم هادئ عميق.



    عندما استيقظ، وجد نفسه في غرفة فسيحة، مطلية الجدران، وضوء الشمس يتوهج عند الشبابيك.
    ورأى ناسا حوله، فكان شعوره الأول أن يعطي الانطباع بأنه سيد محترم ويعرف كيف يلتزم
    بالسلوك السليم الذي يفرضه الموقف. قال مخاطبا إياهم:



    - الصلاة على روح زوجتي أيها الأخوة. لابد من إعلام القس بذلك...



    قاطعه أحدهم بصوت حازم:



    - حسنا، حسنا، ولكن لا تتحرك.



    صرخ الخراط مندهشا وهو يرى الطبيب أمامه:



    - بافل إيفانيتش! ولي نعمتنا المبجل.



    أراد أن يقفز ليركع على ركبتيه أمام الطبيب، لكنه شعر بأن ساقيه وذراعيه
    لا تستجيب له. صاح مرعوبا:



    - أين ساقيَّ ؟ وأين ذراعيَّ يا سيدي ؟



    - قل لهما وداعا. كانت متجمدة تماما فاضطررنا إلى بترها. هيا...هيا...علام تبكي ؟
    لقد عشت حياتك، واشكر ربك على ذلك. أنت الآن في الستين على ما أعتقد، وأظن أن هذا
    يكفي بالنسبة لك.



    - أنا حزين، حزين جدا...وأرجو أن تسامحني يا سيدي. كم أتمنى لو أعيش خمس أو ست سنوات أخرى.



    - لماذا؟



    - الحصان ليس لي، ويجب أن أعيده لأصحابه..ويجب أن أدفن زوجتي...أوه يا إلهي..كم تنتهي
    الأشياء بسرعة مذهلة في هذا العالم. سيدي..بافل ايفانيتش، سأصنع لك علبة سجاير
    من أجود أنواع الخشب، وكذلك كرات للكروكيت...



    غادر الطبيب الجناح وهو يلوح بيده. كان كل شيء قد انتهى بالنسبة للخراط.




    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أنطون تشيخوف
    Anton Pavlovich Chekhov 1860-1904


    بعيدا عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لاطعم لها ولالون، حياتي حزينة في يومياتي
    ، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة.


                  

07-27-2006, 02:40 PM

محمد أبوجودة
<aمحمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)

    الاخ العزيز/ عصــام أحمد

    أطيب التحايا ،، وثناء كبيـــر ..

    شكرا على إمتاعنا بهذا الإبداع الحقيقي ..

    وواصل بالله ، ما أمكنك ..


    فيا ما انتَ مُفيد يا عصــام ،،
                  

08-27-2006, 11:49 AM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: محمد أبوجودة)

    شكرا لكم

    أميمة

    سوف أحاول نشر كل ما أقرأ وما أجد من أعمال للرائع أنطون
    كما ويمكنك المساهمة بما لديك من اعمال له.
    دمت

    *******
    محمد أبو جودة

    شكرا لك علي تعطيرك لهذه المساحة الدافئة بوجودك.

    دمت


    نواصل
                  

08-27-2006, 12:08 PM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)








    (7)

    وحـــشة




    غسق المساء. ندف الثلج الكبيرة الرطبة تدور بكسل حول مصابيح الشارع التي أضيئت لتوها
    وتترسب طبقة رقيقة لينة على أسطح المنازل وظهور الخيل, وعلى الأكتاف والقبعات.
    والحوذي (أيونا بوتابوف) أبيض تماماً كالشبح. انحنى متقوسا بقدر ما يستطيع الجسد
    الحى أنا يتقوس وهو جالس على المقعد بلا حراك. ويبدو أنه لو سقط عليه كوم كامل من الثلج فربما
    ما وجد ضرورة لنفضه....... وفرسه أيضاً بيضاء تقف بلا حراك وتبدو بوقفتها الجامدة وعدم تناسق بدنها وقوائمها
    المستقيمة كالعصي حتى عن قرب أسبه بحصان الحلوى الرخيص. وهى على الأرجح مستغرقة في التفكير.
    فمن أنتزع من المحراث من المشاهد الريفية المألوفة وألقى بها هنا في هذه الدوامة المليئة
    بالأضواء الخرافية و الصخب المتواصل والناس الراكضين لا يمكن ألا أن يفكر.....

    لم يتحرك أيونا وفرسه من مكانهما منذ وقت طويل. كانا قد خرجا من الدار قبل الغداء
    ولكنهما لم يستفتحا حتى الأن. وها هو ظلام المساء يهبط على المدينة. ويتراجع شحوب اضواء المصابيح مفسحا مكانه للالوان الحية , وتعلو ضوضاء الشارع.
    ويسمع أيونا: - يا حوذي! الى فيبورجسكا ! يا حوذي!
    يتنفض أيونا ويرى من خلال رموشه المكللة بالثلج رجلا عسكريا في معطفه بقلنسوة.
    ويردد العسكري:
    -الى فيبورجسكايا, ماذا هل أنت نائم؟ الى فيبورجسكايا! ويشد ايوا اللجام علامة الموافقة
    فتتساقط أثر ذلك طبقات الثلج من على ظهر الفرس ومن على كتفيه.....ويجلس العسكري في الزحافة. ويطقطق الحوذي بشفتيه ويمد عنقه كالبجعة وينهض قليلا ويلوح بالسوط بحكم العادة اكثر مما هو بدافع الحاجة وتمد الفرس ايضاً عنقها, وتعوج سيقانها وتتحرك من مكانها بتردد.....
    وما أن يمضي ايونا بالزحافة حتى يسمع صيحات من الحشد المظلم المتحرك جيئة وذهاباً: -الى أين تندفع أيها الأحمق! أي شيطان القى بك؟ ألزم يمينك! ويقول العسكري بأنزعاج: -أنت لاتعرف كيف تسوق! ألزم يمينك!

    ويسب حوذي عربة حنطور ويحدق بغصب أحد المارة وكان يعبر الطريق فاصطدمت كتفه بعنق الفرس
    وينفض الثلج عن كمه ويتملل ايونا فوق المقعد وكأنه جالس على جمر ويضرب بمرفقيه في كلا الجانبين ويدور بنظراته كالممسوس وكأنما
    لا يفهم أين هو ولماذا هو هنا.
    ويسخر العسكري:-يا لهم جميعا من أوغاد! كلهم يسعون الى الأصطدام بك أو الوقوع تحت أرجل الفرس.
    أنهم متأمرون ضدك. يتطلع ايونا الى الراكب ويحرك شفتيه....يبدو أنه يريد أن يقول شيئا ما ولكن
    لا يخرج من حلقه سو الفحيح.
    فيسأله العسكري: ماذا؟
    يلوي ايونا فمه بابتسامة ويوتر حنجرته ويفح:
    -أنا يا سيدي......هذا الأسبوع يعني.....أبني مات
    -أم!.... مات أذن؟
    يستدير ايونا بجسده كله نحو الراكب ويقول:
    -ومن يدري؟ الظاهر من الحمى.......رقد في المستشفى ثلاثة أيام ومات....مشيئة الله.
    ويتردد في الظلام:
    -حاسب يا ملعون ! هل عميت أيها الكلب العجوز؟ افتح عينيك!
    ويقول الراكب: هيا ,هيا سر...... بهذه الطريقة لن نصل ولا غدا. عجل! ويمد الحوذي عنقه من جديد.
    وينهض قليلا ويلوح بالسوط بحركة رشيقة متثاقلة. ويلتفت الى الراكب عدة مرات ولكن الأخير كان قد
    اغمض عينيه ويبدو غير راغب في الانصات. وبعد ان ينزله في فيبورجسكايا يتوقف عند أحدى الحانات
    وينحني متقوسا وهو جالس على مقعد الحوذي, ويجمد بلا حراك مرة أخرى...... ومن جديد يصبغه الثلج
    الرطب هو وفرسه باللون الابيض وتمر ساعة وأخرى....
    على الرصيف يسير ثلاثة شبان وهم يرقعون بأحذيتهم في صخب ويتبادلون السباب أثنان منهم طويلان نحفيان
    والثالث قصير أحدب ويصيح الأحدب بصوت مرتعش:
    -يا حوذي الى جسر الشرطة! ثلاثة ركاب....بعشرين كوبيكا!
    يشد ايونا اللجام ويطقطق بشفتيه ليست العشرون كوبيكا بسعر مناسب ولكنه في شغل عن السعر....
    فسواء لديه روبل ام خمسة كوبيات...المهم أن يكون هناك ركاب...يقترب الشبان من الزحافة
    وهم يتدافعون بألفاظ نابية ويرتمي ثلاثتهم على المقعد دفعة واحدة. وتبدأ مناقشة حادة من الأثنان
    اللذان سيجلسان ومن الثالث الذي سيقف؟ وبعد سباب طويل ونزق وعتاب يصلون الى حل: الأحدب هو الذي
    ينبغي أن يقف باعتباره الأصغر.فيقول الأحدب بصوته المرتعش وهو يثبت اقدامه ويتنفس في قفا ايونا:هيا عجل!
    أضربها بالسوط! يا لها من قبعة لديك يا أخي! لن تجد في بطرسبرج كلها أسوأ منها.....
    فيقهقه ايونا:هذا هو الموجود....
    -أسمع أنت أيها الموجود عجل هل تسير هكذا طول الطريق؟ الاتريد صفعة على قفاك؟...
    ويقول أحد الطويلين: رأسي يكاد ينفجر شربت بالأمس أنا وفاسكا عند أل دوكماسوف أربع زجاجات كونياك نحن الأثنين
    ويقول الطويل الأخر بغضب: لا أدري ما الداعي للكذب ! يكذب كالحيوان
    - علي اللعنة ان لم يكن حقيقة.....
    -أنها حقيقة مثلما هي حقيقة ان القملة تعسل.
    فيضحك ايونا: هىء هىء هىء سادة ظرفاء
    فلتخطفك الشياطين! هل ستعجل ايها الوباء العجوز ام لا!
    هل هذا سير؟ ناولها بالسوط ! هيا ايها الشيطان! هيا! ناولها جيدا !
    ويحس أيونا خلف ظهره بجسد الأحدب المتململ ورعشة صوته ويسمع السبابا الموجه أليه ويرى الناس
    فيبدأ الشعور بالوحدة ينزاح عن صدره شيئا فشيئا. ويظل الأحدب يسب حتى يغص بسباب منتقى فاحش
    وينفجر في السعال. ويشرع الطويلان في الحديث عمن تدعى ناديجدا بتروفنا. ويتطلع ايونا نحوهم
    وينتهز فرصة الصمت فيتطلع نحوهم ثانية ويدمم:
    -اصلاً أنا....هذا الأسبوع يعني...أبني مات!
    فيتنهد الأحدب وهو يمسح شفتيه بعد السعال:
    -كلنا سنموت...هيا عجل عجل يا سادة أنا لا يمكن أن أمضي بهذه الطريقةمتى سيوصلنا؟
    -حسنا فلتشجعه قليلا... في قفاه !
    - هل سمعت ايها الوباء العجوز؟ سأكسر لك عنقك! التلطف مع جماعتكم معناه السير على الأقدام..
    ..هل تسمع ايها الثعبان الشرير؟ أم أنك تبصق على كلماتنا؟
    ويسمع أيونا أكثر مما يحس بصوت الصفعة على قفاه.
    فيضحك هىءهىءهىء سادة ظرفاء..... ربنا يعطيكم الصحة
    ويسأل أحد الطويلين: يا حوذي هل أنت متزوج؟
    -أنا هىءهىء.... سادة ظرفاء ! لم يعد لدي الأن ألا زوجة واحدة: الأرض الرطبة القبر يعني!
    ها هو ابني قد مات وانا أعيش..... حاجة غريبة الموت غلط في الباب..... بدلا من
    أن يأتيني ذهب الى أبني.... ويتلفت أيونا لكي يروي كيف مات أبنه ولكن الحدب يتنهد
    بارتياح ويلعن انهم أخيرا والحمد الله وصلو ويحصل أيونا على العشرين كوبيكا ويظل طويلا
    في أثر العابثين وهم يختفون في ظلام المدخل وها هو وحيد ثانية ومن جديد يشمله السكون....
    والوحشة التي هدأت قليلا تعود تطبق على صدره باقوى مما كان وتدور عينا أيونا بقلق وعذاب
    على الجموع المهرولة على جانبي الشارع: ألن يجد في هذه الألاف واحد يصغي أليه ؟ ولكن الجموع
    تسرع دون أن تلاحظه أو تلاحظ وحشته وحشة هائلة لا حدود لها لو أن صدر ايونا انفجر وسالت منه
    الوحشة فربما اغرقت الدنيا كلها ومع ذلك لا أحد يراها.

    لقد أستطاعت أن تختبىء في صدفة ضئيلة فلن ترى حتى في وضح النهار.......
    يلمح ايونا بوابا يحمل قرطاسا فينوى أن يتحدث أليه ويساله: كم الساعة الأن يا ولدي؟
    - التاسعة لماذا تقف هنا أمشي؟
    يتحرك عدة أمتار ثم ينحني متقوسا ويستسلم للوحشة.... ويرى أنه لا فائدة بعد من مخاطبة
    الناس ولكن ما أن تمر بضع دقائق حتى يتعدل وينفض رأسه كأنما أحس بوخزة ألم حادة ويشد اللجام ...
    لم يعد قادرا على التحمل.

    ويقول لنفسه ألى البيت الى البيت وكأنما فهمت الفرس أفكاره فتبدأ في الركض بخبب
    وبعد حوالي ساعة ونصف يكون ايونا جالسا بجوار فرن كبير قذر وفوق الفرن وعلى الأرض
    وعلى الأرائك يتمدد ناس يشخرون والجو مكتوم خانق....
    يتطلع أيونا الى النائمين ويحك جلده ويأسف لعودته المبكرة الى البيت
    ويقول لنفسه: لم أكسب حتى حق الشعير ولهذا أشعر بالوحشة الرجل الذي يعرف عمله الذي هو نفسه
    شبعان وفرسه شبعى هو دائما مطمئن البال..
    في أحدا الزوايا ينهض حوذي شاب ويزحر بصوت ناعس ويمد يديه الى الدلو.
    فيسأله أيونا:
    -أردت أن تشرب؟
    -كما ترى
    -طيب بالهنا والشفا... أما أنا يا اخي فقد مات أبني هل سمعت؟ هذا الأسبوع في المستشفى......
    حكاية!
    ويتطلع ايونا ليرى اي تأثير تركته كلماته ولكنه لا يرى شيئا فقط تغطى الخوذي الشاب
    حتى رأسه وغط في النوم ويتنهد العجوز ويحك جلده....فمثلما رغب الحوذي الشاب في الشرب
    يرغب هو في الحديث عما قريب يمر اسبوع منذ أنا مات ابنه
    بينما لم يتمكن حتى الأن من الحديث عن ذلك مع أحد كما يجب.........
    ضروري أن يتحدث بوضوح على مهل.... ينبغي أن يروى كيف مرض أبنه وكيف تعذب وماذا قال
    قبل وفاته وكيف مات ينبغي أن يصف جنازته وذهابه الى المستشفى ليتسلم ثياب المرحوم
    وفي القرية بقيت ابنته أنيسيا....ينبغي أن يتحدث عنها ايضا.... وعوما فما أكثر ما
    يستطيع أن يروي الأن ولا بد أن يتأوه السامع ويتنهد ويرثى.... والأفضل أن يتحدث مع النساء
    فهؤلاء وأن حمقاوات يعولون من كلمتين.
    ويقول ايونا لنفسه :فلأذهب لأتفقد الفرس.....أنا النوم فبعدين سأشبع نوماً
    يرتدي الملابس ويذهب الى الأصطبل حيث تقف الفرس ويفكر في الشعير والدريس و الجو
    فعندما يكون وحده لا يستطيع ان يفكر في أبنه....يستطيع أن يتحدث عنه مع أحد ما
    أنا أن يفكر فيه ويرسم لنفسه صورته فشيء رهيب لا يطاق....
    ويسأل أيونا فرسه عندما يرى عينيها البراقيتين
    -تمضغين؟ حسنا أمضغي أمضغي ما دمنا لم نكسب حق الشعير فسنأكل الدريس...نعم
    أنا كبرت على السياقة كان المفروض أن يسوق أبني لا أنا كان حوذيا أصيلا لو انه فقط عاش......
    ويصمت أيونا بعض الوقت ثم يواصل:
    -هكذا يا أخي الفرس لم يعد كوزما أيونيتش موجودا... رحل عنا....فجاة خسارة فلنفرض
    مثلا أن عندك مهرا وأنت أم لهذا المهر...... ولنفرض أن هذا المهر رحل فجأة أليس مؤسفا؟
    وتمضغ الفرس وتنصت وتزفر على يدي صاحبها
    ويندمج أيونا فيحكي لها كل شيء....................




    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أنطون تشيخوف
    Anton Pavlovich Chekhov 1860-1904


    بعيدا عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لاطعم لها ولالون، حياتي حزينة في يومياتي
    ، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة.



                  

08-27-2006, 12:25 PM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أنطون بافلوفيتش شيخوف ..قصص قصيرة (Re: عصام أحمد)








    ( 8 )

    الحارس الليلي









    - مَن هناك؟



    لم يأته رد. ولم يكن بمقدور الحارس ان يرى شيئا.
    رغم زئير الريح المتواصل وارتطامها بالشجر، كان يسمع وقع اقدام تتقدمه على امتداد الطريق.
    ليلة من ليالي آذار (مارس). السماء ملبدة بالغيوم، والضباب الكثيف يغلف كل شيء، وخيل للحارس
    بأن الأرض والسماء وهو نفسه مع أفكاره قد توحدوا جميعا في هيئة واحدة هائلة منيعة تتسربل بالسواد.
    كان يتلمس طريقه في تلك العتمة الكثيفة.



    عاد الحارس يصيح مناديا:



    - من هناك؟



    وبدأ يتخيل بانه يسمع همسا وضحكة مكتومة.



    - من هناك؟



    - أنا...ايها الصديق.



    جاءه صوت رجل عجوز.



    - ولكن من تكون؟



    - أنا....مسافر.



    عندها صرخ الحارس بغضب، وهو يحاول أن يخفي رعبه بالصراخ.



    - أي نوع من المسافرين أنت؟ ماذا تفعل بحق الشيطان في مثل هذه الساعة داخل المقبرة؟



    - ماذا ؟! أتقول أنها مقبرة ؟!



    - وماذا تكون؟ بالطبع أنها مقبرة. الا ترى ذلك؟



    جاءه صوت الرجل العجوز متنهدا:



    - يارب السموات! لكني لا أرى شيئا. لا استطيع حتى أن أرى يدي أمام وجهي.



    - ولكن من تكون؟



    - أنا حاج...يا صديقي



    عندها انطلق الحارس يغمغم لنفسه بتذمر:



    - الشياطين وطيور الليل...نوع جيد من الحجاج...وكذلك السكارى. يسكرون طوال النهار ويخرجون
    في الليل ليجوبوا الطرقات ثم أضاف بعد لحظة صمت.



    - يخيل لي اني سمعت أكثر من صوت، كأنكم إثنان أو ثلاثة.



    - إنني لوحدي يا صديقي، لوحدي. آآآآآآ....كم نرتكب من ذنوب.....



    وتعثر الحارس بالرجل فتوقف.



    - كيف جئت إلى هذا المكان؟



    - فقدت طريقي ايها الرجل الطيب. فأنا متجه إلى (متريفسكي ميل) ولكن يبدو أنني قد ضعت.



    - نعم، هذا صحيح، فالطريق إلى (متريفسكي ميل) ليست من هنا. كان عليك أن تتجه إلى اليسار.
    تخرج من المدينة مباشرة لتسلك الطريق الخارجي. واضح انك توقفت في المدينة لتشرب بضعة كؤوس،
    ولهذا انت الآن تائه.



    - نعم يا صديقي فعلت ذلك. لن أخفي ذنوبي، ولكن ماذا افعل الآن؟



    - تستمر حتى نهاية الطريق، ثم تنعطف معه إلى اليمين وتسير حتى تصل البوابة وهي نهاية
    المقبرة، تفتحها وتخرج مصحوبا بالسلامة. وحاذر أن تسقط في الغدير. بعد المقبرة تسير بمحاذاة
    الحقول حتى تصل الطريق الرئيسي.



    - أعطاك الرب الصحة والعافية يا صديقي، وحمتك السموات. كن رحيما معي أيها الرجل الطيب
    وسر معي حتى البوابة.



    - لا ليس عندي الوقت لذلك، عليك أن تذهب لحالك.



    - كن رحيما، وسوف أصلي من أجلك. فأنا لاأستطيع أن أرى شيئا.
    المرء لايستطيع أن يرى كفيه أمام وجهه بسبب الظلمة. دلني على الطريق يا سيدي.



    - كما لو أنني لدي الوقت الكافي كي أكون دليلا لك. هذا غير ممكن يا سيد.



    - بحق السيد المسيح، أتوسل إليك أن تدلني على الطريق، فأنا لا أرى شيئا.
    ثم إنني أخاف أن أسير وحيدا في المقبرة. إنه أمر مرعب ومخيف.



    يتنهد الحارس أخيرا ويقول:



    - يبدو أن لا خلاص منك. حسنا، هيا بنا.



    وسارا سوية، الحارس والمسافر، متلاصقين وصامتين. وكانت الريح المشبعة بالرطوبة تضرب وجهيهما مباشرة،
    بينما خشخشة الأشجار الخفية تنثر قطرات الماء عليهما، وكانت الطريق مغطاة بالوحل تماما.



    قال الحارس بعد فترة صمت دامت طويلا:



    - نسيت أن أسالك. كيف دخلت المقبرة والبوابة مقفلة؟ هل تسلقت السور؟ إذا كنت حقا قد فعلت ذلك،
    فهذا آخر شيء اتوقعه من رجل كبير السن.



    - لا أدري يا صديقي، لا أدري. انا نفسي لا اعرف كيف حصل هذا. إنه عقاب من الله...إذن أنت حارس هنا يا صديقي؟



    - نعم.



    - الوحيد على كل المقبرة؟



    ضربتهما في تلك اللحظة لفحة ريح هوجاء فتوقفا في مكانهما، وانتظرا حتى تجاوزتهما.
    عادا ليواصلا سيرهما. أجاب الحارس:



    - نحن ثلاثة. أحد الإثنين الباقيين مريض بالحمى، والآخر نائم، ويستلم واجبه من بعدي.



    - آآآآ...فقط اردت أن أتأكد ياصديقي. يا لها من ريح. تعوي كأنها وحش. آوووووووه...



    - ومن أين أنت قادم؟



    - من مكان بعيد يا صديقي. أنا من فولوغدا. أتنقل من مكان مقدس إلى آخر وأصلي للناس.
    فليحفظني الله ويشملني برحمته.



    توقف الحارس كي يشعل غليونه. إنحنى خلف ظهر المسافر واشعل بضعة عيدان كبريت. وهج العود الأول
    أضاء لوهلة على الجانب الأيمن من الطريق شاهدة قبر بيضاء بملاك وصليب أسود. العود الثاني توهج
    وانطفأ بسبب الريح. ظهر كأنه برق مندفع إلى اليسار فكشف عن جانب لشيء أشبه بسقيفة. عود الكبريت
    الثالث اضاء جانبي الطريق كاشفا عن شاهدة القبر، الصليب الأسود، وسقيفة لضريح طفل.
    غمغم الغريب وهو يتنهد بصوت مرتفع:

    - النائمون الغائبون، النائمون الأعزة. كلهم سواء في نومهم، الأغنياء والفقراء،
    العاقلون والحمقى، الطيبون والأشرار. لا فرق بينهم على الإطلاق، وسيبقون نائمين جميعا
    حتى النفير الأخير. لتكن جنة الخلد مأواهم يسكنونها آمنين.



    أجابه الحارس معلقا:



    - الآن نحن نتحرك ونتحدث عنهم، ولكن سيأتي اليوم الذي نرقد فيه إلى جانبهم.







    - دون شك سنموت جميعا. ليس هنالك من لا يموت. آآآآ...وافعالنا، وأفكارنا..شريرة، ماكرة ومخادعة...



    - نعم ، لكنك ستموت يوما.



    - دون شك يا صديقي.



    يواصل الحارس تعليقه قائلا:



    - الموت على حاج أسهل منه على أشخاص مثلنا.



    - الحجاج أنواع، هنالك الحقيقيون الذين يخافون الله ويحرصون على عدم معصيته،
    وهنالك التائهون الضائعون في المقابر يوسوس لهم الشيطان بشتى المعاصي. يستطيع
    أحدهم الآن أن يفتح رأسك بفأس ويضع حدا لحياتك.



    - لماذا تتحدث معي بهذا الشكل؟



    - اوه..لا شيء، مجرد خيالات. أعتقد أننا وصلنا البوابة، هيا افتحها أيها الرجل الطيب.



    تحسس الحارس طريقه نحو البوابة و..فتحها، ثم أمسك بالحاج من كم ردائه وقاده إلى الخارج قائلا:



    - هذه هي نهاية المقبرة، والآن عليك أن تسير عبر الحقول المفتوحة حتى تصل الطريق الرئيسي.
    فقط حاذر من السقوط في الغدير القريب من هنا.



    يتنهد الحاج بعد لحظة صمت ويقول:



    - لا أظن أني سأذهب إلى (متريفسكي ميل). لا أرى سببا لذلك. سأبقى معك بعض الوقت يا سيدي.



    - ولأي سبب تبقى معي؟



    - أوه..أعتقد أن البقاء معك أفضل.



    - إذن، فقد وجدتَ رفقة حسنة. أرى أنك مولع بالمزاح أيها الحاج.



    قال الحاج وهو يكتم ضحكة غليظة:



    - إذا أردت الحق، نعم، أنا كذلك. آآآآ...أيها الرجل الطيب، أراهن أنك ستظل تتذكرني لسنوات طويلة.



    - ولماذا... سأظل أتذكرك؟



    _ لقد أتيتك من حيث لا تدري....فهل أنا حاج؟ لا..أنا لست حاجا على الإطلاق.



    - فماذا تكون إذن؟



    - مجرد رجل ميت. لقد نهضت من تابوتي للتو. أتذكر صانع الأقفال غوبارييف الذي شنق نفسه
    في أسبوع الكرنفال؟ حسنا، أنا غورباييف.



    - قل شيئا آخر.



    لم يصدقه الحارس، لكن قشعريرة باردة سرت في جسده، واستولى عليه رعب ضاغط، فاندفع متعجلا
    يتحسس البوابة. لكن الغريب أمسك به من ذراعه وصاح به:



    - هَه..هَه..هَه، أين أنت ذاهب؟ هل من اللياقة أن تتركني لوحدي.



    عندها صرخ الحارس وهو يحاول ان يتحرر من قبضة الغريب:



    - أتركني، أتركني...



    - توقفْ. قلت لك توقفْ..، فلا تقاوم ايها الكلب القذر. إذا أردتَ أن تبقى بين الأحياء،
    فتوقفْ وامسك لسانك حتى أقول لك. لو كنتُ اريد قتلك، لكنتَ الآن ميتا منذ زمن. هيا..توقفْ أيها الخسيس...



    ومن شدة رعبه، أغلق الحارس عينيه، متكئا على السور. وكانت ساقاه تهتزان بشدة تحته.
    كان يريد أن يصرخ مستنجدا، لكنه كان يعرف بأن صوته لن يصل أحدا من الأحياء.
    وكان الغريب واقفا إلى جانبه ممسكا بذراعه.



    مرت ثلاث دقائق دون أن يتكلما. أخيرا خرق الغريب الصمت محدثا نفسه:



    - أحدهم مصاب بالحمى، والآخر نائم، والثالث يرى حُجاجا على الطريق. هل تعرف بأن اللصوص
    أكثر شطارة منكم. توقفْ.. لاتتحرك..



    ومرت عشر دقائق وهما في صمت تام. فجأة جلبت الريح صوت صفير.
    عندها قال الغريب تاركا ذراع الحارس:

    - الآن يمكنك ان تذهب. هيا اذهب واشكر ربك لأنك ما تزال حيا.



    أطلق الغريب صفيرا أيضا، وركض عبر البوابة، وسمعه الحارس وهو يقفز فوق الغدير.



    كان ما يزال يرتعد من رعبه، عندما فتح البوابة وانطلق يركض وهو مغمض العينين،
    وفي داخله يراوده إحساس ينذر بالشر.



    وعند انعطافته إلى الطريق الرئيسي، سمع وقع خطوات مسرعة، وصوتا يسأل:



    - أهذا أنت يا تيموفي؟ أين ميتكا؟



    وظل يركض حتى نهاية الطريق الرئيسي، عندها لاح له ضوء خافت في العتمة. وكان خوفه
    وإحساسه بوقوع الشر يتعاظم ويكبر وهو يدنو من الضوء. قال محدثا نفسه:



    - يبدو أن الضوء قادم من الكنيسة. ولكن كيف حصل هذا؟ فليحمني الرب ويشملني برحمته.



    وقف الحارس لبرهة أمام النافذة المحطمة، ينظر برعب إلى المذبح. كانت هنالك شمعة
    صغيرة، يبدو ان اللصوص نسوا أن يطفئوها، كان ضوءها يهتز مع الريح، فينشر بقعا
    داكنة حمراء فوق الأردية المتناثرة على الارض، والخزانة المقلوبة
    وآثار الأقدام المنتشرة عند المذبح.



    مر بعض الوقت والحارس متسمر في موضعه، والريح تعوي..
    ويختلط عواؤها بخشخشة وصليل الأجراس...






    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    أنطون تشيخوف
    Anton Pavlovich Chekhov 1860-1904


    بعيدا عن شهرتي في الكتابة، تجدون حياة مملة، لاطعم لها ولالون، حياتي حزينة في يومياتي
    ، لكني عرفت كيف أجد السعادة في أمكنة محايدة، منها الكتابة.



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de