|
|
 قصة قصيرة
|
هايد بارك
هرعت كغيري من أصحاب السيارات المتوقفة امام مكاتبنا خوفا عليها من الغبار الذي اخذت تنحسر معه مدى الرؤية لاقل من ارنبة الانف كلما علا الازيز.
سيارتي لم تكن بحاجة لابعادها اذ سيصلها الغبار حتما فزجاجها غير قادر على مغالبة الجاذبية الارضية التي طالما تغلب عليها طوال الخمس وعشرين سنة الماضية.
تحلق اصحاب السيارات الفارهة وهم يسعلون حول مصدر الازيز محتجين على تعكير صفاء زجاج سياراتهم المظلل وطلائها الميتالك. لم يجد سائق اللودر بدا من الاعتذار بأنه عبد للمأمور وواصل عمله.
احتاج (تتطلب) الامر ثلاث رحلات قطعها اللودر بين المنبع والمصب حتى تبين (اتضح) ان المأمور امر بتحويل تل كامل من التراب في الميدان الواقع جنوب مكاتبنا وتحويله الي الفضاء الواقع امام مكاتبنا تحديدا .
انتبهت مدينة العمارات بعد فوات الاوان الي ان نصف ميادينها المتروكة لتنفيسها قد سرت في شريانها عمارات اعلى بكثير من بيوتها القديمة ويبدو انهم بعد طول عناء توصلوا الي ان يستروا ما تبقى من الميادين ويزرعوها بنباتات سريعة الخضرة حتى لا تبدوا للعيان انها مهجورة فترتد يد السلطات عن نزعها وبيعها لمن يدفع اكثر. وما مكاتبنا الا واحدة من تلك الدمامل السرطانية المنتشرة في رئة العمارات الموبوئة اصلا برائحة عتيقة يحكى عنها كل من زارها رغم انف الوجود الاجنبي والدبلوماسي الراقي الكثيف. وربما اسهمت هذه الرائحة في (هجرة ) (غالبية) اهلها فلم يتبقى منهم الا الخفراء والكلاب وبعض الشقر بسياراتهم محكمة الاغلاق ومكاتبهم كاملة التأثيث والتكييف وآذانهم الممتدة الي ما وراء الحدود عبر الهوائيات الموزعة عن عمد وبدون تنسيق فوق اسطح المنازل والافنية.
قرر سكان العمارات وقف نزيف الرئة ولذلك كان اللودر هنا هذا الصباح يستبدل بلقح قاحل بطمي خصب حتى تخضر الارض فترسل اكسجينا نقيا مؤزر برائحة الورد وتمتص ثاني اكسيد الكربون والكبريت ان امكن فتعود لشرايين العمارات عافيتها ويعود اهلها اليها طواعية.
المهمة جميلة الهدف نبيل – نبيل اسم حمله اغلب ابناء هذه الطبقة الراقية ايامنا حتى داكني (سمر) البشرة منهم- ولكن لماذا يأبى هؤلاء القوم الا ان يأخذوا الاوتو النقي ويرمونا بالاوكسيد؟ ولماذا يحولون التراب من امام بيوتهم ويلقون به باهمال امام مكاتبنا وعلى مواقف سياراتنا (اصبح لي سيارة لم ينتبه اصحاب الفواره الي انها غير جديرة بها الاسم) . حقيقة لا يوجد تفسير آخر لهذه الفعلة الا انها احتقار للغرباء الذين لا يحملون حتى اسما نبيلا فأيا من الحاضرين ان مر اسمه من الفلتر فلن يمر اسم ابيه سيما وقد جرت العادة ان لا تذكر اسم الفرد الا متبوعا بأسم ابيه- حسام جابر- عصام ابو عاقلة- عامر بخيت- هشام سليمان- طارق شبحه وهلم جرا.
بدأ التل حراكه باتجاه الشمال ما نقص من هناك الا زاد هاهنا. استفزني هذا العمل بل قل أننى وقعت تحت تأثير الاستفزاز ولاسباب شخصية فغيري الا القليل معنى لحال سبيله. تقدمت باتجاه اللودر رافعا يدي آمرا بالتوقف بكل ثقة.
لم تمضي دقاق حتى حل الصراخ محل الغبار وريدا رويدا تقاطر الخلق مرة اخرى حتى علوا ظهر الكثيب حديث الولادة. وانا في قلب المعركة ازمجر بأن هذا فعل غير اخلاقي وغير قانوني وغير انساني وغير كل صفة جميلة فان كان التراب المهال امامنا شيئا جميلا فالاولى ان يبقى في مكانه وان كان عكس ذلك فلماذا يحول امامنا يحجب عنا الريح والروائح؟ .
تلفت حولي اذن هؤلاء انتم اهل العمارات ما ابهي هذه الطلعات انا اليوم وسطكم اناقش واحدة من قضاياكم وانا من قضى طفولته حلم بزيارة (كوشه العمارات) فقد خصصت السلطات لهذه الضاحية مقلب قمامة وحدها لا تختلطها فيه نفايات بقية المدينة فقد كان لنفاياتها مواصفاتها الخاصة والنادرة اذ كانت في مجملها بضائع نصف او ثلاث ارباع مصنعة فقد تعثر فيها على جهاز راديو توقف مؤشره عن الحركة بينما استمر بالتقاط كل موجات الاذاعات. او دراجة فقدت احد اطاراتها. اما حجار البطارية بماركاتها الغريبة توكل الكساد لأخواتها في ارفف حوانيتنا وقس على ذلك .
دنيا.............
كل هذا تبدل. اصبحت احد منسوبي العمارات هذا الحي الراقي نهارا جهارا يهمني (الا) يتحول ترابه من مكان الي مكان اخر دون اخذ رأى.
توقف اللودر عن العمل فقد انقسم القوم بسرعة تبعا لجينات هذا البلد الطيب – حكومة ومعارضة- هلال مريخ- شمال جنوب- مواطنين ووافدين. اكس وواى حسب النقطة المطروحة للنقاش.
دي عملية ما كريمة كيف تحول التراب من امام منزلك وتقفل علينا الريح والشارع ؟.
يا اخوانا قدروا موقفنا نحن كان ما زرعنا الميدان دا الحكومة دي بكرة بتبيعوا والريح حتحجب مننا ومنكم.
هم ديل بحسوا في النهار مكاتبهم وبعد الظهر بيطلعوا ونحن لو عندنا فرح ما نلقى محل نعمل فيه صيوان.
يأخي دى مشكلتكم مع الحكومة ما تحلوها على حسابنا نحن ثم انو جيران المنتزه دا الصليب الاحمر يعني الجن الاحمر ما بيهبشوا
يا أخي دي مصيبة دي يستعمرونا في بلادنا اسي (هسع) لو الحكومة دي عملت في الميدان دا اي شي بكرة بيقولوا حقوق الانسان ومنعوا الاطفال المتشردين بسبب الحرب من ملاقاة ذويهم والاسرى ما عارفين ليهم عناوين لان عربات الصليب الاحمر ما لاقية حتة تقيف فيها والخواجة منهم بيجي سايق عربيتين.
يا زوول هم الخواجات ديل البودوا الاغاثة لاهلكم الجياع وانتوا قاعدين تتحاربوا.
هم ما يدوهوا تركتور ولا حفارة ابيار يدوهو دبابة وكلاش ياخ اسلاح بيصل ارض المعركة في اقل من شهر من صناعتو دي في العراق ما بتحصل، الناس ديل اهدافهم يستحيل تكون انسانية.
انت وقت أويرaware بمشاكل اهلك ما تمشي تصالحهم قاعد حارس الخرتوم داي راجي فيها شنو؟
تلقاك شيوعي
وانت جبهجي
جبهجي وهلالابي في احسن من كدة؟
يا ها شبهك خمسة وستة يوم ما جبتو كاس ولسانكم طول ده.
عاجباني كاسات المجاعة
يا جماعة عيب كلامكم دا النسوان ما بيقولوا
اها النسوان ما لن ما اتعلمن واتوظفن ساقن الطيارات وبقن دكاترة ومهندسات ووزيرات
علشان كده حال البلد من سيئ لاسوأ.
شوف التخلف انتو ناس تطبخ وتغطي القدح
والله بي تخلفنا دا كلنا مستورين هسع اشتغلتن وتكوسن (للعرس) من جامع لجامع .
يا خي في بت ناس بتعلي صوتا فوق الرجال؟
لكن عندها حق دا راجل متحجر.
أور أور أور أور أور أور
تسللت عائدا الي مكتبي بينما جلس سائق اللودر يدخن سيجارا بينما اخذ الجمع في التشرذم الي مجموعات اقلها اثنين تختلط فيها اصوات السبرانو بالا----
لم يمر شهر حتى اصبحت اعلوا تلال الابلاش لاطل على حدائق هايد بارك من خلفها. وسيارات اليو ان واليونيمي والامس والاى آر تزرع شوارع العمارات كما لم تفعل من قبل ولم يبقى الاهطول الامطار حتى الخور امامنا لنهر التايمز فيزيد القا لألق العمارات.
على إدريس على القونى
العمارات الخرطوم 2006
|
|
 
|
|
|
|
Isam Widaa
فتحي البحيري
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست