ما هي وضعية القوات المسلحة في ظل الديمقراطية الرابعة/عقيد حقوقي (م)عبد المنعم حسين عبد الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 10:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-29-2006, 11:38 AM

عبد المنعم حسين عبد الله


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ما هي وضعية القوات المسلحة في ظل الديمقراطية الرابعة/عقيد حقوقي (م)عبد المنعم حسين عبد الله

    ما هي وضعية القوات المسلحة في ظل الديمقراطية الرابعة
    وما هي القوات المسلحة التي تنشدها الامة السودانية؟

    ظل هذا المقال حبيس التداول المحدود لأكثر من عامين فقد أفرغت القبضة الأمنية مخزونها من العسف والقهر ووظفتهما في حجر وحظر الرأي الأخر امعاناً في أحادية واستكبار الأقلية الانقلابية الحاكمة.
    ولو قدر يوماً للقبضة الأمنية ورديفتها آلة القمع العسكرية لو قدر لهما إقامة صرحا لسلطة حكم ناهيك عن تأمين أمناً واستقراراً ورشداً لديمومتها لما استقرت في ركام التاريخ أنظمة الطواغيت المعاصرين أمثال بونيشية وشاو تسكي وشاه إيران وماركوس وهيلا مريام وموبوتو وحتى جعفر نميري.
    أما الآن فقد استدار الزمان ومع استدارته صار متاحا نشر هذا المقال بيد أن استدارة الزمان لم تطل علينا هكذا جزافاً كما أنها لم تأتي كثمرة أو وليدة اتفاقيتي ( نيفاشا والقاهرة ) هذا هو الاعتقاد وتلك هي المقولة التي أخذت بتلابيب بعض الأخوة وساقتهم إلى اسباغ الشرعية لمؤسسات أوجدتها مراسيم صادرة من قصر السلطان وهنا لا مناص من الفرز لان الأخوة المعنيين هنا أخوة النضال الشرفاء. ولا تشمل صفة الأخوة ذلك الرهط من الانتهازيين والمتطفلين الذي باعوا واشتروا باسم التجمع الوطني وصولاً إلى إشباع طموحاتهم الخاصة وأجندتهم الخاسرة.
    كما ياتي متسقاً مع هذا القول بان سجل وموروث شعبنا النضالي ومعاركه ضد الأقليات الانقلابية لا يحوي اتفاقيات تبرم هنا وهناك تؤمن حصوله على استحقاقاته كما انه وبالضرورة لا يحوي السماح لقوى أخرى أجنبية ( دولية، إقليمية) للاستقواء بها أو مساعدته في إدارة معركته.
    وبالرجوع إلى استدارة الزمان نجد بان مردها الحقيقي إلى سببين اولهما استنفاذ هذا النظام لكل ما يتعلق وما يحيط به ومن ثم الوصول بها إلى الذروة وليس بعد الذروة سوى النقصان هكذا يقول ناموس الحياة.
    لقد وصل الذروة في استئصاله واستكباره واستنكافه ووصل الذروة في زيفه وخداعه ونقض وعوده وعهوده وتهافت شعاراته وخطابه.
    كما وصلها في ظلمه وتحطيمه لمقدرات الوطن في كافة مناحي الحياة.
    أما السبب الثاني يكمن في اجتياز قوى شعبنا السياسية والاجتماعية لوهدتها وافاقتها من غيبوبتها وتغيبها بفعل تلك السنوات العجاف والتي سوف تسقط إنشاء الله من تاريخنا الوطني وها هي مع استدارة الزمان تتقدم بثبات وعزم للاستحواذ على المباداة استعداداً وتحفزاً لدخول معركة انتزاع الاستحقاقات من سيادة حكم القانون وحريات عامة ومجتمعات مفتوحة تحفها الشفافية والكفاية والعدل وكشف كل الجرائم التي ارتكبت وإقامة القصاص العادل.
    في ختام هذه المقدمة والتي كان لابد منها للتعريف بهذا المقال نناشد الإخوة – ونحن في خضم هذا الاستقطاب الحاد الذي يسود ويخيم على ساحة الشأن الوطني – نناشدهم إخراج ذلك المخزون من الانتهاكات والجرائم والممارسات في جميع المناحي المدنية، العسكرية، السياسية، الاقتصادية، الدينية والاجتماعية حتى يتسنى لنا استكمال فصول الكتاب الأسود لهذه الأقلية الانقلابية.
    وننتقل الآن إلى المقال.

    طالعتنا إصدارة الصحافة في عددها الصادر يوم الاثنين 16 شعبان الجاري بعنوان رئيسي في صفحتها الأولى نورده بالنص: ( سالم: إشراك الجيش في السلطة لا يتعارض مع ديمقراطية الدولة) وسالم هذا هو مسجل الأحزاب والتنظيمات السياسية ونحن هنا نؤكد على عدم رغبتنا في الادلاء برأينا في هذه الهيئة فهذا أمر تجاوزه التاريخ وربما أنكره مبتدعه في هذه المرحلة ولكننا نتعامل مع السيد سالم بوصفه ركن من أركان وقطب من أقطاب النظام الحاكم، نعود إلى ما يقول به السيد سالم ومؤداه تمثيل الجيش في مجلس الشورى المزمع تكوينه وهذا ليس مخالف لبروتوكول مشاكوس – حسب زعمه – وكذلك إشراك الجيش في اتخاذ القرار حماية للتجربة الديمقراطية من الدائرة الخبيثة – لقد أصبح الآن الحديث عن الدائرة الخبيثة مباحاً وكذلك الاستشهاد بتجربة تركيا وباكستان في هذا الشأن هذا ما ذهب إليه السيد سالم في مقترحاته وقبل أن ننطلق في التعليق نستأذن القارئ الكريم ونورد فقرة اعتراضية نؤسس بها مقدمة لحديثنا – نقول بان القائمين على أمر هذا النظام يرزحون تحت وطأة فرضية ذات شقين الشق الأول يتلخص في أن غيرهم على ارض هذا الوطن قد مات واندثر وما تبقى منهم، فهم رعايا ومتخلفين وليسو بمواطنين أما الشق الأخر فهو يتلخص أيضا في الاعتقاد بالإعجاز في الأرض وامتلاك مقومات فرض الهيمنة – انتهت الفقرة الاعتراضية ونعود إلى حديثنا ونبدأ بفتح سجل علاقة التنظيم الذي ولد في رحمه هذا النظام القائم الآن مع المؤسسة العسكرية وحتى لا نطيل بالاسترسال نبدأ بفترة مايو الأولى عندما اطل العنف المايوي برأسه وبدأت مرحلة الاستسلام والاكتفاء بزجر الجيش ولعنه ( الجيش الخائن الذي أكلناه وشربناه وصرفنا عليه ومن ثم زج بنا في السجون) هذا ما كنا نستمع إليه في تلك الأيام وهو لا يخرج من القاعدة والتي فحواها أن كل من يمتهن العنف ويصبح نهجه وديدنه ويلوح به في هذا الوطن عندما تدور الأيام ويطل عليه العنف المضاد الذي يفوق عنفه كماً ونوعاً يستسلم ويخور وهذا ما نشاهده الآن. وجاءت فترة مايو الثانية في أعقاب خيانة المعارضة في العام 1977م وانخراط التنظيم في مؤسسة مايو وهكذا صار الجيش بين عشية وضحاها جيش الوطن العظيم وأما قائده الأعلى فقد انتقل من صفة الدكتاتور الآثم إلى رجل الدولة الذي لا ينطق عن الهوى وأخيرا تنصيبه خليفة على المسلمين.
    نفتح صفحات السجل لنقرأ ما جرى في أعقاب انهيار النظام المايوي وقطع الطريق أمام التحام القوى الوطنية العسكرية مع قوى الانتفاضة وهنا سارع التنظيم بممارسة الحب الرخيص مع المؤسسة العسكرية بدأت آلته الصحفية تصور الانتفاضة بأنها عمل الغرض منه الانتقاص من قيمة الجيش وانعقد ذلك الحلف الغير مقدس بين قيادة المجلس الانتقالي والتنظيم وحقق التنظيم مبتغاه من صياغة الدستور واستصدار قانون الانتخابات الذي جرى تفصيله ليكون متسقاً مع أهداف التنظيم وفوزه في الانتخابات.
    ومن ثم شهدت فترة الديمقراطية الثالثة المقهورة تفاقماً في تجاوزات التنظيم وتعامله مع أمور المؤسسة العسكرية وتعرضه لخصوصيتها على صفحات الصحف التي يمتلكها وصلت إلى تطاول احد الكتاب – في صفاقة وجهل وانعدام الحياء- منتقداً الفريق فتحي احمد على – طيب الله ثراه – واختياره لقيادة الجيش وتدور عجلة الأيام ليشهد أهل السودان إيثار واصالة ووطنية فتحي احمد علي فقد قاوم وبضراوة اتخاذ الظروف الذاتية التي كانت تسود داخل المؤسسة العسكرية وتقاعس وسلبية السلطات المدنية التنفيذية ذريعة للقيام بالعمل الانقلابي وتقويض أركان الديمقراطية وبعد انهيار الديمقراطية وفرض الهيمنة على المؤسسة العسكرية ولم يركن إلى الاستسلام والدعة – كما فعل الآخرون – بل خرج مقاتلاً ومناضلاً من اجل استعادة الشرعية وعودة المؤسسة العسكرية إلى قوميتها وأصولها المرعية وقضى نحبه طاهراً مطهراً من دنس تحطيم مقدرات الوطن وإراقة الدماء وتوطين الأحقاد والفتن.
    لم تقف تجاوزات التنظيم عند هذا الحد بل صارت أكثر ضراوة وحدة وفجورا في أعقاب مذكرة قيادة المؤسسة العسكرية والتي تقدمت بها للسلطة الدستورية والتنفيذية وشرحت فيها أسباب تدني الأداء في المؤسسة العسكرية والقيود التي يجب تجاوزها مهنيا ومدى ارتباطها بأداء السلطة التنفيذية هنا ذرفت دموع التماسيح على ضياع الانضباط والانقلاب على اللوائح والنظم العسكرية. بيد انه وبعد تردد استجابت السلطة التنفيذية لمذكرة القيادة وشرعت في إجراءات التنفيذ من قيام حكومة وحدة وطنية.. الخ رفض تنظيم الجبهة المشاركة فيها.
    وبدون الخوض في تفاصيل نخلص بان الظروف لم تعد ملائمة لانطلاق العمل الانقلابي وقد فقد ذرائعه الذاتية والموضوعية على الساحتين المدنية والعسكرية ولكن بالرغم من هذا المنطق الذي يبدو متماسكاً وقوياً أطل علينا صباح الجمعة – يوم الله المبارك – وإذا بزلزال تنظيم الجبهة قد أطاح بخيار شعب السودان ومناط أمنه وأمانه. ويخرج علينا اليوم مؤسس النظام وعرابه والذي نحسب أن خلوته القسرية كانت كفيلة ولازمة لمراجعة النفس ومذاكرتها واستخلاص الدروس والعبر ومن ثم تطهيرها وتزكيتها ولكن بدلاً من ذلك خرج علينا مرة أخرى بتلك المقولة الخاسرة وذكر بان كافة الأحزاب كان لها دوراً في الانقلابات وهكذا تستمر المكابرة والعزة بالإثم ونحن هنا نتجاسر ونقول بأنه لو كان هناك توثيقاً أميناً وتقصياً متجرداً لشهد أهل السودان بان حزب الأمة لم يصنع سلطة نوفمبر وان الحزب الشيوعي لم يدبر انقلاب مايو وان الحزب الاتحادي الديمقراطي ظلت صحيفته بيضاء ناصعة وان حزب الجبهة هو الوحيد الذي تخطى كافة الخطوط الحمراء وارتكب الجرم الانقلابي وقوض أركان الديمقراطية وفرض الهيمنة وأقام نظاماً استئصالياً فاشياً حطم مقدرات شعبنا وتاريخه وأورثه الخوف والابتلاء والفاقة واستمر هذا ما يقارب العقد ونصف من الزمان ولن نسترسل ونستطرد فقد جرى تسجيل وتوثيق كافة الوقائع والأفعال والأحداث وستعرض على أبناء شعبنا بتفاصيلها.
    أما الآن وبالعودة إلى المؤسسة العسكرية نعرض بإيجاز ما استحدثته السلطة الانقلابية بشقيها ( المدني والعسكري) والمعالم التي خلفتها وتعتبر أكثر بروزاً:-
    أولاً: اتجهت سلطة الجبهة الانقلابية مباشرة نحو بنية المؤسسة العسكرية واختلفت عن السلطتين السابقتين في كونها لم تنتظر الفعل لتقوم برد الفعل بل سارعت بامتلاك المبادرة وخرجت قوائم الأبعاد تباعاً وبطريقة لم يكن الغرض منها تأمين سلطة الانقلاب أو تصفية الأعداء المحتملين ولكن الغرض كان تحطيم القدرات والفعاليات وشل الارادات وصولاً إلى إنهاء الدور الطبيعي للقوات المسلحة في الحياة العامة.
    ثانياً: بادرت سلطة الانقلاب ولأول مرة في تاريخ البلاد باستحداث ما سمي بالدفاع الشعبي ليأخذ مكانه كقوة عسكرية منظمة ليس من اجل أن يقوم بدور الحماية للنظام الانقلابي فحسب بل ليحتل دور الرديف والترياق للقوات المسلحة إمعاناً في تقليص دور الأخيرة في الشأن العام.
    ثالثاً: عمدت سلطة الانقلاب إلى تسخير المؤسسة العسكرية لخدمة أهدافها وبرامجها السياسية والانتصار لخطابها وطموحاتها الغير مشروعة وقد جرى هذا على حساب مجموع القوى السياسية والاجتماعية وبهذا تشكلت على يد مدني وعسكر الجبهة السابقة الأولى في هذا المجال. أضف إلى كل هذا الممارسات الخاصة بتفضيل أهل الثقة على أهل المعرفة والاحتراف واعتماد سياسة فرق تسد وتغيير العقيدة والاستراتيجية واللوائح والنظم ..الخ.
    كان لا مناص لنا من التفصيل وعلى هذا النحو لفائدة إخوة لنا ظلوا مغيبين عن تلك الوقائع وعودتنا الآن إلى مقترحات السيد سالم ونقول بأننا نفترض توافر حسن النية لدى السيد سالم ولكننا وبالمقابل نفترض – وبالضرورة – سؤ النية لدى الآخرين ولا يكتنف اعتقادنا الشك بأنهم يطمحون ولوج ساحة الديمقراطية الرابعة – إذا افترضنا قيامها – وبصحبتهم حزب المؤسسة العسكرية بواقعها الراهن حليفاً وعضداً هذا هو تصورهم ( حتى يكون الكوم كبير) بيد أننا من جانبنا نصدع بالقول بان هذا لن يكون متاحاً ودونهم البحر فليحرثوا فيه وسوف نسترخص كل غال وعزيز في سبيل مقاومته.
    أما مقترحات السيد سالم فيما يتعلق بتمثيل القوات المسلحة في المجالس النيابية وإشراكها في اتخاذ القرار السياسي هذا يمثل الاستحالة بعينها ولا يمكن قط تنزيله على ارض الواقع أو أن تستقيم معه أحوال الوطن لان المؤسسة العسكرية في هذا الوضع قاربت أن لم تكن صارت حزباً سياسياً... أما ما يمكن تصوره فهو قيام نظام ديمقراطي معافى ومستدام يحكمه قانون تنظيم الحياة السياسية ويسمو فيه الأداء الحزبي وتستقر فيه التعددية وفصل السلطات وفي المقابل تقوم قوات مسلحة ذات عقيدة راسخة ومستدامة تلبي وتستوعب الواقع القومي في مجموعه وبخصائصه وتباينه ومستلزمات ومقتضيات وحدته وأمنه. وتمارس فيها قواعد الاحتراف والمهنية في حدودها القصوى. أما مشاركة ومساهمة القوات المسلحة في الاستقرار وبناء الديمقراطية وتنميتها فهو حتماً لن يكون متاحاً ومقبولاً في نصوص الدستور والقوانين واللوائح السابقة بل يجب أن تصطلح عليه القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة وتنص على مجالات تلك المشاركة ونوعيتها ودواعيها وحدودها وكيفية القيام بها.
    وفي هذا السياق نستأذن القارئ الكريم وندعوه للإطلاع على بعض ما تقدمنا به في ذا الشأن إلى احد المنتديات السياسية والاجتماعية والثقافية في المهجر الطوعي قبل حوالى احد عشر سنة أي في منتصف العام 1995م ولم يتسنى تداوله إلا في نطاق محدود:-
    (( ألا يقودنا مثل هذا الحديث وبالضرورة للبحث في ما هية العلاقة التي ظلت تربط القوى السياسية المدنية الحاكمة خلال فترات الديمقراطية الثلاثة المتعاقبة والقوات المسلحة أو بالاحرى ماذا تريد تلك القوى الحاكمة من القوات المسلحة وما هو شكل ونوعية القوات المسلحة التي تريد التعامل معها؟ هل هي القوات المسلحة التي ظل يحكم أوجه نشاطها ووضعيتها دستور وقوانين الأنظمة اللبرالية المتعاقبة والتي يأمر احد وزراء دفاعها قائد الجيش بالاستيلاء على السلطة هكذا وبدون أن يكون لهذا الأخير فرصة إبداء الرأي أو معرفة ما يترتب على هذا العمل من أثار لاحقة؟ أم تلك التي لا يسمح لها إلا بذلك الحيز المبهم من العطاء الوطني الدفاع والذود عن حياض الوطن؟ أم تلك التي تترك هكذا حائرة ومترددة بين الذود عن الأهداف القومية وتطلعات الأمة في مجموعها وبين حماية طموحات الحكومات الحزبية والائتلافية والتي ربما تعارضت مع غايات الأمة ومراميها.
    ليس من أغراضي هنا الغوص في تفاصيل في هذا المجال ولكن لنفترض جدلاً بان القوى السياسية المدنية الحاكمة أيا كان شكلها تهدف إلى إيجاد جيش على نمط جيوش الأنظمة اللبرالية الغربية فهل يصبح هذا ميسوراً؟ والرد على ذلك يكون لا لان مجرد النص بالدستور على واجبات القوات المسلحة ونطاق مسئولياتها على ذلك النحو التقليدي والمتوارث لا يمكن بحال أن يحقق أمالنا المعقودة أو أن يلبي احتياجاتنا المنشودة كذلك يجب أن نعلم بأنه إذا كان خيارنا الديمقراطي قد أملته ضرورات سيادة حكم القانون وإشاعة الحريات العامة الأساسية في قطر يتمتع بذلك القدر الكبير من التمايز والتباين والطبيعة الخاصة فهذا لا ينسحب وبالضرورة على بناء جيشنا على ذلك النمط السائد في أقطار الديمقراطية اللبرالية حيث استقرت الأوضاع وبلغ التطبيق العملي ذروته هذا لان الأوضاع والمكونات الخاصة بدول العالم الثالث ونحن في قلبها تستوجب منح الجيوش مساحة أكبر من العطاء الوطني ومن الفعالية والمساهمة القومية ويقتضي الأمر عدم تركها أسيرة العموميات مثل الدفاع عن حياض الوطن وخلافه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يقتضي الأمر تخليص المهنة ومقتضيات المهنية من كافة الشوائب وإطلاق يد قيادة الجيش دون أدنى قيد لتقوم بمعالجة الأمور الفنية المتعلقة بالمهنة ومن ثم يأتي التأكيد على ولاء القوات المسلحة القومي وضمان حيادها والتسليم بأنها جزء من المجتمع بل ركن من أركانه ومن هنا كان من المسلم به أن يتفاعل أفرادها مع ما يدور بداخله وان يكون لكل منهم اعتقاده الشخصي دون أن يحدث هذا الاعتقاد خللاً في قواعد وأصول المهنة أو في حدود وضوابط احتراف العسكرية وخلطها بالعمل السياسي العام وبالمقابل وفي حالة كون المؤسسة السياسية المدنية الحاكمة ظلت على إصرارها على التعامل مع جيش على نمط جيوش الديمقراطيات الغربية وهذا ما حدث بالفعل منذ فجر الاستقلال وحتى الديمقراطية الثالثة. ألا يحق لنا أن نتسأل هل تأتي أفعال وممارسات وأخلاقيات القوى السياسية المدنية ومؤسساتها الحزبية متسقة مع ديمقراطية وستمنستر مثلاً حتى يتسنى لها أن تقف موقف المطالب بجيش على نمط الجيش الإنجليزي؟ وهل في مقدور قيادة الجيش الإنجليزي التقدم بمذكرة لرئاسة الحكومة البريطانية مثل تلك المذكرة التي تقدمت بها قيادة الجيش لمجلس السيادة قبل سقوط الديمقراطية الثالث ؟ بالتأكيد لن يحدث لان ما يناط بكل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية من اختصاصات وواجبات تفصل بينها حدود لا تدع مجالاً للتجاوز أو التدخل أو حتى للاجتهاد لذا نجد بأن القرار السياسي الذي يجري تنفيذه بوسائل عسكرية ينطلق من قاعدة وتقدير موقف سليم يكون الوصول إليه محصلة نهائية لبحث العناصر التي يستند عليها مثل الهدف القومي المنشود، المشورة الفنية العسكرية، الامكانات العسكرية المتاحة، حدود العمل العسكري الذي يعقبه الجهد السياسي وصولاً لتحقيق الأهداف المنشودة .. الخ هذا ما حدث فى عملية جزر الفوكلاند أما بالنسبة لنا وعندما استشعرت القوات المسلحة مسؤوليتها الوطنية وتقدمت قيادتها بمذكرة للسلطة السياسية جاءت معبرة عن اتجاه الرأي العام داخل المؤسسة العسكرية الذي وجد فى الأداء السياسي العام تدنياً وتقاعساً يؤثر سلباً وبالضرورة فى العقيدة العسكرية التي يجب انتهاجها ومن ثم فى الأداء العسكري والروح المعنوية والمساس بالأمن القومي هذا ما حدث وجعل محترفي السياسة يتصرفون بتلك العصبية وذلك الجزع ويتباكون على الانضباط الذي انتهكت حرمته وعلى كبريائهم السياسي الذي أصيب فى الصميم حدث هذا دون تبصر وإعمال فكر علماً بأن القيادة العسكرية لو استجابت لما تنادت به الطبقة الوسطي داخل المؤسسة العسكرية لتحركت واستولت على السلطة وقامت بفرض الهيمنة.
    فى الختام ونحن نغادر هذا المقام كان لزاماً علينا وعرفاناً منا أن نحي هذا المنبر الوطني الشامخ والذي تمثله بحق هذه الصحيفة صحيفة ألأيام . والتي تظل دوماً المنارة التي تشع منها الاستنارة والدعوة إلى الانعتاق كما تظل دوماً الواحة التي يستجير ويستظل بها شرفاء هذا الوطن الجريح من الذين اغتصبت حقوقهم وغيبت اراداتهم وطمست وسفهت أحلامهم وتطلعاتهم ونستميح الأيام فى أن نرسل عبرها التحايا الخالصة والصادقة إلى القادة والمعلمين والأخوة الزملاء رفقاء السلاح ونقول لهم بأنه قد أزف الوقت لتنشيط الذاكرة الوطنية واستقصاء ما جرى وحدث من انتهاكات وممارسات وجرائم وتأتي فى المقدمة الجريمة الكبرى التي ارتكبت فى حق تواصل الأجيال والتلقي فقد أقدمت هذه الأقلية الانقلابية الحزبية وعمدت إلى تحطيم الأصول والثوابت التي ظلت مرعية ومصانة منذ فجر النشأة الأولى للجيش السوداني أوائل القرن الماضي ولم تجرؤ سلطتي نوفمبر ومايو الانقلابين المساس بتلك الثوابت وذلك مهما بلغت بهما شهوة الحكم والرغبة فى الاستمرار فى السلطة وذلك لأن الجميع يعلم بأن الذي يقدم على هذا الفعل لا يفتقر للحس الوطني فحسب بل هو فاقد للانتماء الوطني فى مجموعة وفى سياق الحديث عن تواصل الأجيال فى جيوش الدول من حولنا نأخذ الجيش المصري كاصدق مثال ونجد بأنه وبالرغم من الهزات العنيفة التي اكتنفته فى السنوات 52 و56 و67 ومايو 71 وأخيراً فى 73 ظل تواصل الأجيال بغير انتهاكات وتصفيات تخل من توازنه وثباته أما ما حدث هنا فى أعقاب انقلاب الجبهة ولفترة امتدت لعقد ونيف من الزمن جاء على نقيض ما حدث هناك فقد تصدت حفنه من العسكريين وبمساعدة الانقلابيين من المدنيين واقترفت كل تلك الانتهاكات والتصفيات وأطاحت بذلك الموروث الذي انتقل إلينا عبر الأجيال من تقاليد وأعراف أضحت دستوراً وأصولاً مرعية وأحداث ووقائع تحدث تأثيراتها وتنتقل من جيل إلى جيل ومن ثم تقطف ثمارها وتكون محصلتها النهائية إثراء العسكرية السودانية هذه الحفنة من العسكريين ينتمي أفرادها إلى الدفعات بداء من الدفعة السادسة عشر إلى آخر دفعة تم تخريجها قبل الانقلاب المشئوم ومعظمه خارج الخدمة الآن مع العلم بأن أدوارهم تفاوتت من القيام بالجرم أو التحريض عليه أما الفئة الأخيرة فقد اكتفت بالخنوع والتقاعس وربما الاستحسان. لذا يستوجب الأمر أيها الأخوة أن نقوم بحصر تلك الزمرة والتوثيق لهم كما يجب أن تطالهم وتدمغهم الإدانة المعنوية – على أقل تقدير فى هذه المرحلة – أخيراً نناشد الأخوة الأعزاء المساهمة بالفكر والراي السديد فى الموضوع المثار – إشكالية وضعية القوات المسلحة فى ظل النظام الديمقراطي وألا نترك هذا الأمر الحيوي برمته لأهواء ومطامع المتآمرين والمتطفلين ومحتوماً علينا دوماً ألا يغيب عن خواطرنا ما كان متاحاً لنا أخذه من قسمة الوطن التي قسمها لنا. ما ترتب على هذا من الوفاء بهذا الدين بالوقوف على أهبة الاستعداد لحمايته والانتصار له.
    أما هذه الأقلية الانقلابية فقد استنكفت ورفضت قسمة الوطن التي قسمها لها فحزمت أمرها بالتآمر وقامت باختطاف الوطن واغتصبته وأحالته – على سعته واتساعه – إلى سجن كبير – كما عصفت بمقدراته وأورثت أهله الابتلاءات والمهانة والفاقة والإذلال والأحقاد وهذا هو واقع الحال الذي يسود الآن.

    عقيد حقوقي (م)
    عبد المنعم حسين عبد الله
    حلفاية الملوك
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de