نحو حل عادل ودائم للشرق- بدء المفاوضات بين جبهة الشرق والحكومة باسمرأ

Quote: إن طبيعة أزمة الشرق مثلها مثل الأزمات الأخرى في الجنوب والغرب وأقصى الشمال، هي أزمة تهميش سياسي وإقتصادي وإجتماعي وثقافي، ذلك على الرغم من أن أهل الشرق كانوا من أوآئل المساهمين في النضال الوطني. فقد قاوموا التركية وصمدوا أمام الإستعمار البريطاني وشاركوا في الثورة المهدية وفي مقاومة الحكم الثنائي، وكانوا من آوائل من إنتظموا في مظاهرات ضد الإستعمار منذ عام 1948 ببورتسودان. وعلى الرغم من كل ذلك الرصيد والإسهام والمصادمة والتضحيات، ما وجد أهل الشرق غير الإفقار والتهميش والإقصاء، مما دفع بأبنائه لتأسيس تنظيمهم السياسي ـ مؤتمر البجا ـ في عام 1958. وتبنوا الدعوة للحكم الفدرالي كضمان للمشاركة الفاعلة في السلطة وإقتسام الثروة. وبعد أكثر من نصف قرن من الإستقلال نجد أن الأمراض التي تم إستئصالها في أغلب بلدان العالم مثل السل والملاريا تفتك بأهل الشرق، ونسبة وفيّات الأطفال والنساء بينهم، هي الأعلى في السودان، بل أنه وفي عام 1984 وحسب إحصائيات المنظمات الأجنبية الغير حكومية، قضت المجاعة على معظم الأطفال دون سن الخامسة. أما نسبة الأمية فهي لازالت حتى الآن ترواج الـ 95%. و في عهد الإنقاذ، فإن التهميش السياسي للشرق تثبت حدته الأرقام، ففي دوائر الحكم الآتية: ـ رئاسة الجمهورية( رئيس ونواب ومستشارين ومساعدين) نصيب الإقليم صفر%. وفي مجلس الوزراء الاتحادي فلم يتجاوز 1%. أما على مستوى الخدمة المدنية وقيادات السلك الدبلوماسي والأجهزة الحساسة كالأمن الداخلي والخارجي والمخابرات منصب الاقليم صفر %. ـ أما على مستوى القنصليات فكان الوضع أفضل بعض الشئ إذ بلغ نصيب الإقليم 2%، وكذلك في كليات الشرطة كان 1% بينما الكلية الحربية بقيت صفراً. ومنذ عام 1958 إلتف أهل الشرق حول مؤتمر البجا ودعوته للحكم الفدرالي من أجل تحقيق مشاركة فاعلة في إدارة مصيرهم ومستقبلهم. لكن تشكيلات الصفوة الحاكمة، من أحزاب سياسية و إدارات عسكرية، درجت على إشراك أهل الشرق في الحكم كجزء من ديكور السلطة لخدمة مصالحهم في المنطقة وتجميل وجههم، وتقنين إستغلالهم لثروات وخيرات الشرق. وعبر الخمسين عاماً الماضية للإستقلال السياسي، تفاقم التهميش، والذي بدأ كعملية إستغلال إقتصادي ثم تمدد في العلاقات السياسية، الثقافية والإجتماعية، حتى وصلنا اليوم إلى حالة مزرية يشار فيها إلى الوطن كضيعة لقبيلة أو أثنتين. وكأنما، لا وجود لغيرهم، وكأننا نحن وباقي أهل الأطراف الهامشية غير سودانيين ونسكن في كوكب آخر. إن الإستغلال الإقتصادي والذي بدأ منذ عشرات السنين بمشاريع الزراعة الآلية في مناطق القضارف وماجاورها والذي شبهه (البنك الدولي) وهو مؤسسة لا يمكن وصفها بالفكر الثوري شبه تلك العمليات بالنهب الموازي لتجارة الشنطة من خلالها يتم إستغلال الأرض حتى تفقد خصوبتها ثم ينتقلون لتكرار العملية في منطقة أخرى. وهنالك أيضاً أساليب التنقيب عن الذهب وآثارها الرهيبة للبيئة والزرع والحيوان قبل البشر. ويواكب ذلك إهمال تام لمشاريع الزراعة المروية في دلتا طوكر والقاش وحلفا الجديدة التي عانت من إستنزاف المسكيت والآن تعاني في عمليات إقتلاعه من إستغلال الشركات الطفيلية لمحسوبي الحزب الحاكم. ويواكب كل ذلك مصادرة أراضي مناطق (هوشيري) مقابل تعويضات إسمية لا علاقة لها بالقيمة الحقيقة للأرض، والتي تذكرنا بمؤامرات ضم مشروع الرهد الزراعي للإقليم الأوسط وإستئصال القضارف من جسم الإقليم. والأكثر إيلاماً واقع العطالة المتعمد بسبب عدم التخطيط لفرص العمل للآف العمال المفصولين في الميناء أو في القطاعات الصناعية الأخرى، و الإهمال للحقوق المشروعة في العمل لخريجي المعاهد والمدارس الثانوية والجامعات. تكتمل دائرة التهميش بمنح صفة الوطنية على كل من يتنازل عن حقوقه الثقافية والإقتصادية، أما الذين يتمسكون بتلك الحقوق فإنهم يوصمون بالجهوية. إننا لن نتهاون أو نتراجع في الحفاظ على ثقافة أهل الشرق ومكوناتها، وسنقف ضد محاولات محاربة الهوية الثقافية بنفس قدر وقوفنا ضد التهميش السياسي والإجتماعي، وضد الإستغلال الإقتصادي وإستنزاف الثروة الطبيعية من ذهب ومعادن أخرى، والثروة السمكية والثروة الزراعية. ولن نسمح أن يحرم أهل الشرق من حقهم الطبيعي في الإستفادة من هذه الثروات. أما الذين يوزعون صكوك الوطنية مقابل السكوت عن الإستغلال والتهميش، يجب ان يعلموا أنهم يلعبون بالنار لأن الوطن ما هو إلا جملة مصالح ثقافية وإقتصادية مشتركة بقدرما هي إجتماعية وسياسية في ذات الوقت. نتيجة للتاريخ الطويل من الإستغلال والإقصاء والظلم، تفاقمت إحباطات أهل الشرق، مما حول مؤتمر البجا من النضال السلمي إلى العمل المسلح، خاصة بعد أن أطلق نظام الإنقاذ دعوته بعدم الإعتراف بغير المعارضة المسلحة. فإضطررنا مرغمين لحمل السلاح كوسيلة لإنهاء التهميش وإستعادة حقوقنا الطبيعية. ثم قام تنظيم الأسود الحرة في ظروف لا تختلف في أصلها وأسبابها عن ظروف مؤتمر البجا، وتوجنا عملنا النضالي المشترك القائم على وحدة القضية، بتوحدنا في جبهة الشرق التي تناضل من أجل كل أهل الشرق من حلايب إلى جنوب القضارف، ومن قرورة حتى حدود الإقليم الأوسط الشرقية، وكما ناضلنا بإسم أهل الشرق ندخل اليوم التفاوض بإسمهم. فعملنا الجبهوي هو وسيلة لتحقيق المطالب الأساسية المتمثلة في أهداف ومصالح وكرامة أهل الشرق قاطبة بكل مكوناته.

(عدل بواسطة Aisha Hommaida on 06-14-2006, 10:28 AM)