|
|
 كم أنت جميل أيها المغرب ... كم أنت جميلة مدينة ( العيون) (8)
|
كم أنت جميلٌ أيها المغرب... شهادة من مدينة العيون حاضرة الصحرا( المغربية!!
د . ابوبكر يوسف إبراهيم
إستهلالة:-
سمعنا من وسائل الإعلام العالمية ما صور على أنه أحداث جسيمة وإضطرابات لذا رأيت أن أسافر من باب رؤية جزء من مناطق المغرب الجميل ولأرى آثار تلك الإضطرابات على الطبيعة وكي أسمع من مواطني العيون وهم مغاربة عرب صحراويون أقحاح عما جرى من أحداث شغب ، وهالني ما سمعت من أن الموضوع لا يعدو إلا أن يكون ضجة مفتعلة لحاجة في نفس يعقوب وأنتم تعرفون من هو هذا البعقوب الذي نتحدث عنه!!... لقد كان وراء هذه الإضطرابات أو الشغب أفراد من عائلة سجين بإصلاحية العيون تمّ نقله إلى إصلاحية أكادير في إطار الإجراءات الإدارية التي تنظم عمل السجون خاصة بعد حملات حقوق الإنسان التي يديرها الغرب ضد الدول المستضعفة بامتهان حق السجناء وكأن غوانتنامو وأبو غريب لم يشهدا على فظائعهم… كما أن القوة الاستيعابية للسجون يجب أن تتوافق مع المتطلبات التي تفرضها جمعية حقوق الإنسان المغربي والتي أوجبت نقل الكثير من السجناء من هذا السجن لتطبيق معايير الصحة العامة وحق السجين في العيش بكرامة.
نتابع ما انقطع بالأمس؛ فقد قررت السفر إلى مدينة العيون حاضرة الصحراء المغربية وهي الجزء المتاخم للحدود مع أسبانيا ، بدأت الرحلة من أكادير حيث اتفقت مع (سي أحمد) وهو سائق (الطاكسي بتيت) التاكسي الصغير وتعمدت أن أَجُرّ صاحب أي تاكسي أوقفه لأتأكد من أنه أصلاً من أبناء مدينة العيون لأسباب أهمهما المناقشة مع رجل شارعٍ عادي ثم لإلمامه بالمشكل وأخيراً لأن سائقي التاكسي أكثر الناس تحدثاً لزبائنهم في كل شيء من زبائنهم مثلهم مثل الحلاقين وهذا هو العامل المهم بالنسبة لي...ووجدت ضالتي في (سي أحمد) الشاب الثلاثيني, الهادئ الدمث الخلق ؛ كان هدفي أن أسمع وأرى وأقابل وأتحدث إلى أهل المنطقة فمن يرى ليس كمن يسمع ويشاهد ... كما سبق أن ذكرت؛ أن هناك عشق دفين في نفسي للأندلس وولادة بنت المستكفي والمعتمد بن عبّاد وابن حزم...أي أن هناك عشق منذ الصغر بيني وبين هذه الفلذة من عالمنا العربي حتى وإن بعُدت عنا في المغرب الأقصى...هذا الشعور بالحب تغلب وأكتسح الشعور بالرهبة التي تولدت لدي من هول تصوير ما حدث؛ وكأنني مراسل حربي ذاهب لمسرح عمليات حربية تدور رحاها بين الحكومة المغربية بين انفصاليي البوليساريو!!... دارت بذهني خواطر عديدة من أهمها أن المغرب قد اشتهر بالفسيفساء والذي بوتَقها فيما يسمي بالموزاييك في تجانس مبهج للبصر ‘ وأن من جانس بين هذه الأضداد لا يصعب عليه أن يمازج بين الأعراق والثقافات . كما أنني لم أتقبل حتى مجرد فكرة أن ما بين هذا التجانس والتآلف بين الأعراق والثقافات إمكان أن تبرز من رحمه أي نزعات انفصالية خاصة أن العرب سواء عاربة أو مستعربة أو من ذوي الأصول الزنجية أو البربر (الأمازيق) يتعايشون في تسامح غريب وحتى في التزاوج لا توجد هذه التباينات العرقية بل انصهار اجتماعي حتى النخاع!! … الشرط المهم في عمليات التزاوج هو الإسلام للزوج … فإن كنت مسلماً فلا حائل يعوق الزواج طالما توافق الطرفان وولي أمر الزوجة ، فحتى الثيب هنا لا تتزوج دون حضور وموافقة ولي أمرها… إنه ليس من الدين في شيء؛ ولكنه احترام وتقدير لدور الأسرة فهنا يوجد ترابط أسري يدهش له المرء يتماثل ويتطابق مع العادات والتقاليد والعرف السودانية.
الخاطرة الثانية التي دارت بذهني من غسيل المخ الذي تفضلت به علينا بعض فضائياتنا الببغاوات التي تنقل عن الغرب ببلهٍ شديد ما تبثه في مسامعنا وتُصدق كل ما تنقله لنا ؛ وكأن الباطل لا يأتي من بين يديها البتة!!, كنت حريصاً في أن أواسي (سي أحمد) الشاب المغربي الذي ينتمي إلى مدينة العيون عن ماحدث؛ وبادرته بالتعبير عن شعوري الحزن والأسى وسألته إن كان أهله جميعاً بخير ولم يصابوا بأذى.. فأجابني بأنهم الحمد لله جميعاً بخير(لا باس.. حال حال)!!… فعقبت أنه أمر مزعج ومرعب!! … وسألته متى تنتهي عمليات نقل الأنقاض؟ وكم عدد القتلى!؟ وكم عدد الجرحى!؟ وكيف تعاملت السلطات في إدارة الكارثة!؟ فما كان من (سي أحمد) إلا أن التفت إليّ التفاتة تعجب سريعة ـ وكأنني هبطت من كوكب آخرـ قائلاً: عمّ تتحدث!؟ قلت : عن أحداث العيون!؟ قال: العيون التي أنا منها أم عيون أخرى!؟ قلت بجدية لا تقبل الجدل: عيونكم وليست عيون موسى!!... ضحك الرجل حتى اغرورقت عيناه بالدموع؛ وبيني وبينك الطريق فيها جزء جبلي خطر والملف(كعكة) كما يقول سائقي الشاحنات عندنا … وخفت على نفسي رغم مهارة (سي أحمد) بالسواقة!!…وفي ذات الوقت ساورني شك بأن (سي أحمد) ربما يكون مختل عقلياً أو يتعاط المنكر أو المخدر ولكن استبعدت الفكرة لأن الرجل يقف للصلاة في موعدها … وقال لي سأريك موقع الشغب عندما نصل… فقلت في نفسي هذا الرجل يتحدث عن مجرد شغب فربما اختلط عليه الأمر؛ أنا أتحدث عن كارثة بحجم 11 سبتمبر ؛ ثمّ قلت في نفسي أن بعض سائقي (الطاكسي) يجندون من المخابرات فربما هو أحدهم!! القارئ الحبيب فاتك نصف عمرك لأنك لم تشرب ( الشاي الأخضر بالنعناع والسكر) وهم ينطقونه (أتاي)…شيء رهيب يخليك تنسى أهوال (سي أحمد) في السواقة… فسائقي (الأمجاد) و(الركشا) بالنسبة له مبتدئين أو تحت التمرين!! وأنا دائماً أتجنب التعليق على طريقة عمل أي حرفي حتى لا يغضب عليّ أو يقود تعليقي إلى سوء تفاهم ربما يؤدي لما لا يحمد عقباه!!… وأنا رجلٌ مسالم بطبعي وهدني المرض؛ وعملت بي السنون فعلها ؛ فما عدت ذاك الرياضي الذي لا يجيد من الرياضة إلا لعبة ( التنس) وخفّافي كمان!!
مما لفت نظري ويجدر ذكره ومن باب المقاربة والفكاهة علينا أن نقول إن كان هناك فعلاً من سبب منطقي لانفصال الصحراء المغربية والدخول في فيدراليةفيجب أن يكون ذلك مع السودان, فليس من بلدٍ يفترض أن يطالب بهذه الفيدرالية أو التوأمة مع الصحراء المغربية غيرنا ؛ أو يحرض عليها , فهناك قواسم مشتركة كثيرة مع سكان الصحراء المغربية وسآتي على ذكرها فيما يلي ؛ وبهذا تكون أغرب فيدرالية في العالم بين دولتين تباعد بينهما آلاف الأميال وذلك للأسباب التالية:ـ
أ) المرأة ولبسها لنفس الثوب السوداني.
ب) الحناء
ت) الأغاني والموسيقى ذات إيقاع وجرس متماثل
ث) التصوف
ج) العادات المتشابهة كثيرة
ح) العصيدة
خ) القديد ( ملاح الشرموط)
د) دخان المرأة
ذ) لديهم أغنية إيقاعها كإيقاع أهزوجة ( الله لي كوريا ولي شباب كوريا)..وهي أهزوجة كانت البنات في السودان يترنمن بها في عقد الخمسينيات في الأعراس لشد أزر كوريا ضد أمريكا الغازية... في فيدرالية أكتر من كده..على وزن(في حب يا أخوانا أكتر من كده) من أغاني الراحل أبو داود.
ر) والإضافة لكل ما ذكر فلا بد وبالضرورة تتويج كل هذه القواسم المشتركة بما هو أهم وهو الإسلام والعروبة واللسان.
طبعاً لو مكثت في مدينة العيون يوماً أخر لكنت قد طالبت بالفيدرالية ولكنت أحرجت سفيرنا أحمد مكي الذي غادر أثناء زيارتي تلك والسكرتير الأول لسفارتنا تلك الخنساء الراقية سوسن ابنة الشهيد محمد صالح عمر .والقنصل الشاب الدمث الأخلاق إيهاب إبراهيم , شاب ملك خلقاً وتواضعاً أسراني,ولا أدري لماذا هاجس الأسر ؟ , ربما سيكون ذلك على أيدي أخوتنا في المغرب إن فسروا الرغبة في الفيدرالية أو التوأمة بين السودان والعيون على أنها نزعة انفصالية؛ لا عليكم أحبتي أقترح الوحدة أو التوأمة حتى لا أزج بأحبتي في السفارة في أزمة دبلوماسية في الوقت الذي سيغادر فيه السفير أحمد مكي الرباط لانتهاء فترة عمله,أريد له وداعاً طيباً فأنا وفاقي بطبعي وأنبذ العنف والتفرق والانفصال والتفرق والفرقة والنزعات الجهوية الضيقة رغم أن لها وجه مشرق أيضاً وهي التلاحم والتكافل لتطوير المناطق كنشاط مقنن ورديف لعمل الإدارة ( الحكومة). وأحمد الله أنني لم أتهور فقد كنت متمسكاً بخصلة حَبَانَا بها رب العباد والبلاد كسودانيين؛ فنحن لا نحب أن ندس أنوفنا فيما لا يعنينا وهذا من حسن الإيمان!!.
أعلم, أنني عرجت من جوهر الموضوع إلى مداخلة جانبية وكل هذا حتى لا يتسرب الملل للقارئ الحبيب... وصلنا مدينة العيون...مدينة ترى من أول وهلة أنها نالت حقها من التنمية الحضرية أكثر من تلك الولايات التي مررت بها طيلة إقامتي في المغرب لمظاهر الحداثة التي لا تخطئها العين من أول وهلة , إذن ليس هناك مشكلة ما نسميه نحن بالتهميش؛ إذن ما الأسباب خلف هكذا نزعة إن كانت أصلاً موجودة حسب ما نقلته لنا الفضائيات!! ... أخذني سي أحمد إلى موقع 11 سبتمبر الحصيلة (3) سيارات مدنية صالون محترقة, بينها سيارة من نوع رينو (ميقان) كان لي حلمإقتناها يوم شاهدتها تعرض لأول مرة في معرض باريس للسيارات ؛ إنها رغبة خفية تراودني لتملكها ولا أدري سبباً لذلك؛ ربما عشقي للثقافة الفرنسية وآدابها؛ لذا التقى تحالف حسرتي مع غضب مالكها الذي رفع قضية تعويض بالتضامن مع شركة التأمين. عموماً لا أرى أن هناك مسوغ قانوني يدعوني للدخول طرف في القضية فأنا مجرد عاشق لهذه السيارة !! .أما المالك فهو حتماً من أبناء مدينة العيون وله الحق فما وقع عليه من ضرر!! قيل لي أن الجرحى ثلاثة عشر أجريت لهم المعالجة الإسعافية في موقع الشغب وأنفض سامرهم... ولكن يرجع الأمر لتوظيف أيدٍ خفية إستغلت الموقف ودفعت بعض العاطلين عن العمل فقد أُلبوا ودفعوا وسُخِرُوا لافتعال ما ليس يشرف المواطن المغربي الذي نعرفه... إنها فضيحة ووصمة عار في من لا يدرك أن للأوطان والتراب حرمة, وأقول لمن أدار هذه المسرحية السوداء أن السيناريو سيء والإخراج أسوأ وهو عار بكل المقاييس يسيء إلى هذا البلد الجميل ؛ ولكن المحزن أن الإعلام الخارجي تجرد من حيادية المهنة وأخلاقياتها فأصبح أداة يُتَحَكم فيها وفق أجندات ومصالح إقليمية ودولية, ورغم كل الحزن والألم جراء الافتئات؛ فماذا نتوقع من أصحاب نظرية ( الفوضى المنظمة)!؟ ... لعن الله العولمة إن لم تكن لخير الإنسان وأمنه الذاتي وأمن ممتلكاته ووحدة أرضه وترابه الوطني و بسط سيادته عليه!! نحن أهل السودان أكثر من عانى من هكذا مؤامرات تستهدف سلامة ووحدة الوطن وكلما سددنا نافذة فتحوا لنا باب آخر...فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه!!... إن من الابتلاءات لنعمة لأننا نؤجر بالصبر عليها... (صبراً آل ياسر موعدكم الجنة) هذه هي البشرى الإلهية التي نرتجي, وها أنا أقول للملك الشاب محمد السادس( الذي أدهشني انحيازه للمواطن البسيط وتواضعه الجم وهذا سيأتي ذكره في الحلقات القادمة.
أصر (سي أحمد) أن نزور منزل والديه في ضواحي العيون ... قامت الحكومة هنا بحملة وطنية لبناء السكن الإنساني (اللآئق) وهي تجربة راقية سأتحدث عنها بعد أن أنهي مشاهداتي في الصحراء المغربية وما يسمى بالبوليساريو ... قبلت دعوة (سي أحمد) الذي أخبر والديه بالضيف الذي معه فرحبا بي أيما ترحيب وجهزا أكلتين مغربيتين تقليديتان وهما ( الطاجين) وأي (طاجن) ذاك يا أخي!؟ طاجين باللحمة الضاني والخضار؛ شيء( رهيب ودهيك وأخوكم يعز اللحمة الضاني جداً)؛ وما أدراك ما اللحم الضاني و(الطاجين) المغربي!؟... أما الكسكسو فعادة ما يطبخ يوم الجمعة مع اللحم الضاني والخضار ولكن إكراماً لي جهز يوم زيارتي التي وافقت يوم الثلاثاء ثم جيء بالحلويات المغربية التي تحتوي على كثير من المكسرات كاللوز والبندق والفستق ناهيك عن أن جزءٌ منها كان مطبوخٌ ضمن الطاجين والكسكسو... اعتقدت أن الأمر انتهي إلا هذا الحد بل جيء بعد ذلك بطبق فواكه طازجة فيه من كل شكل ونوع ولون ومذاق قطفت من أشجارها للتو ومن ضمنها الموز. فقلت لهم إن الموز فاكهة استوائية فمن أين لكم بها؟, قلت في نفسي إنها فرصة فدعني أسوق لهم الموز السوداني خاصة (أبو نقطة) الذي سيذخر به جنوب الوطن مع تباشير السلام وبذا يكون المغرب قد ساهم في ترسيخ الوحدة في السودان وأيضاً نحصل على شيءٍ من درهمه؛ فأسقط في يدي؛ فهم يستزرعون الموز في بيوت محمية ويسمى هنا (الموز البلدي )وهو حلو المذاق ويفوق المستورد حلاوة!! ... أليس هذا شعباً مدهشاً وجدير بالتقدير والاحترام؟!... هناك خبرات كثيرة في عالم الفلاحة والري يمكن أن يتم التعاون فيها بين السودان والمغرب... وأخيراً كان (أتاي) الشاي الأخضر بالنعناع وفق الطقوس المغربية ؛ مسك الختام لدعوة (سي أحمد) هذا الشاب البسيط ذو التسع وعشرون ربيعاً...برغم إعجابي وسعادتي بهذا الكرم الفيّاض إلا أن ( سي أحمد ) ووالديه كانوا أسعد مني بهذه الاستضافة ... بالمناسبة إن أهل أغادير يذكرونك بأهل أمدرمان في أريحيتهم وأهل العيون يذكرونك بكرم الشكرية والجعليين وأصدقكم القول أن بيني وبين أكادير عشق جميل فقد غوتني بجمالها وبربرها وبحرها وبمبانيها الجميلة المتناسقة وبطقسها الجميل وفوق هذا وذاك روعة الإنسان الأمازيقي منذ أن كنت بأرتاد البحر ... إنهم الشلوح (الأمازيق) وطيب خصالهم... وبين أهل المغرب لا تحس بالغربة وهم ناس (مزيانين) و(مزيان) هو مفردها تعنى (كويس أو طيب)!! ( أضف أخي القارئ إلى معجم الدارج عندك هذه الكلمة التي تنم عن الكياسة والطيبة دون أن تدفع لي أي مقابل)... أهل المغرب يتحدثون الدارجة بسرعة عالية وهذه علامة فارقة بينهم وبقية الدول المغاربية؛ والمفارقة الأخرى هنا أن أهل المشرق أيضاً يقولون أن السوداني يتحدث بسرعة عالية ، فسبحان من جمّع.!! وفي طريق عودتنا من العيون إلى أكادير وعند مشارفها الجميلة قابل (سي أحمد) أحد أصدقائه وسأله عني قائلاً أيش كون اللي حداك؟) فرد عليه قائلاًالصديق ديالي) وديالي يعني ( بتاعي أو حقي)وهي تؤنث وتذكر وتجمع ولا تثنى.فأردف الآخر قائلاًواخّا .و بارك) يعني (أو كي وبالبركة)!! وفي الغد نواصل بإذن الله.
|
|
 
|
|
|
|
ناصر جبريل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست