نحن وانت وعبد المنعم عبد العال في محبة شيخ شاطوط سواء با أستاذ عمر سعيد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-16-2024, 01:33 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-21-2006, 10:10 PM

الرشيد حسن خضر
<aالرشيد حسن خضر
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 280

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نحن وانت وعبد المنعم عبد العال في محبة شيخ شاطوط سواء با أستاذ عمر سعيد

    رئيس جمعية أبناء ود مدني الخيرية يكتب عن الشيخ شاطوط :-


    أعلامٌ ورجال من ودمدني-5-

    بقلم / عمر سعيد النـور


    قبل أن نتناول في هذه المقالة جوانب من حياة( الشيخ محمد عبد الرحمن شاطوط ) ، أقرر بدايةً أنني لا أدعي إحاطة كاملة بها ، وسيرة هذا الشيخ الفذ نموذج يحتذى ودعوته تقتدى وصبره وحرصـه وتفانيـه أمور في غاية الروعة والمثال ، وكان له ـ عليه الرحمة ـ أثراً عجيباً في حياة أهل المدينـة ، وقد أخذ شيخنا الطريقة عن الشيخ ( البشير ) الفقيه المعروف بقرية أبو جمري ريفي الحوش ، والشيخ البشير هو ابن عم الشيخ ( عبد المحمود نور الدائم ) .

    وعلاقتي بهذا الشيخ التقي النقي الفاضل بدأت منذ أن كنت فتى يافعاً لم يدرك سن البلوغ ، حيث كان يصحبني لمجلسه العامر جدنا الحاج عبد الرحيم أبو قرط ، فقد كان صديقاً حميماً للشيخ ، وكان الشيخ محباً لضيوفه ، مرحباً بالصغير والكبير ، كان بسيطاً في تعامله ، متواضعاً في سـلوكه ، كريم الشمائل ، لم أره في أي من زياراتي المتعددة له ـ رحمه الله ـ غضبان قط ، بل كان يتهلل بشراً ، ويحل علينا بالمجلس لإبداء ما في ذهنه وخاطره فينساب منه حديث لا يمل سامعه ولا يفتر ، أسلوب تعلوه الحكمة وتحفه الابتسامة والفكاهة ، حديث من القلب إلى القلب ، وأنت ما أن تغادر الحلقة إلا وتشتاق النفوس إلى لقائه مره أخرى ، وهو يتجدد طيباً وكرماً ، وبقيت تلك الزيارات لمجلس الشيخ في الذاكرة وستظل بإذن الله ، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول : ( أذكروا محاسن موتاكم فإنهم أفضوا إلى ما قدموا ) ، فهو ـ رحمه الله ـ قد عرف بوسطيته واعتداله وتسامحه ونهجه المتوازن في كل الأمور المتصلة بالعقيدة والتعامل ، وعرف بلطف التعامل وروح التسامح ونسبة عالية من التواضع ولين الجانب ، و صحيح أنني سمعت عن تواضعه وعن دماثة خلقه ، وظننت أن ذلك يتمثل في حسن الاستقبال ، وعندما تعددت لقاءاتي به وجدته بسيطاً في مسلكه ولكن من غير تفريط ، أصيلاً في معدنه لا يتغير ولا يتلون بلون المكان الذي يجلس فيه أو الأشخاص الذين يصطحبهم ، لكن فيه وقار الشيوخ اكتسبه من طبيعة حياته الجادة والعمل الدؤوب الذي لا يعرف الكلل أو الملل ، ومن أهم خصاله التي عرفتها فيه وتمنيتها في نفسي قدرته العجيبة على تنظيم وقته ومواعيده فهو من النوع الذي لا يحتاج أن تحدثه عن موضوع واحد مرتين ، فقد يسكت عنه فترة حتى تحسبه قد نسي لكثرة مشاغله ، فإذا به يعود ويذكره لك ، وما أكثر الذين شهدتهم يقصدون مجلسه من ضعفاء الناس ، فيقابلهم ولا يرد لأحد طلباً.

    من وقتها بدأت رحلتي مع هذا الشيخ الجليل ، وكان لي شرف حضور العديد من جلساته ، وكانت بحق جلسات مليئة بالعلم والإيمان .وكان رحمه الله نعم المعلم الناصح المشفق ، أجمع تلاميذه وحيرانة على حبه وحب جلساته الممتعة المشوقة ، وكان ـ رحمه الله ـ يزكي فيهم دائماً روح الحماس والجد ، وكان متمكناً من علوم ألآله ، فلا تعجب إن سمعت في درسه البلاغة والحديث والفقه ، فهو عالم متفنن مع ما يتمتع به من ذكاء وسرعة ، و نهج شيخنا الجليل يقوم على ثلاثة عناصر ، أولها الصلة الوثيقة بالكتاب والسنة ونهج السلف الصالح وهذا أكسبة سلامة في التفكير ووضوح في الرؤية وثانيها أنه كان ملائماً تماماً لحاجة مجتمع المدينة ومتفاعل معها ديناً ودنيا بصورة فاعلة ومؤثرة وصادقة ، وثالثها اهتمامه الكبير بالفرد وبخاصة النساء وقطاع الشباب لذا فقد نجح وسبق غيره في هذا المضمار ، فأستحق وعن جدارة أن نتحدث عن مآثره .

    وبعد أن كبرت توثقت علاقتي به أكثر وأكثر وكذلك بابنه الفاضل شيخ مبارك ـ رحمك الله يا أبا الفاتح رحمةً واسعةً وأدخلك فسيح جناته جزاءً لما قدمت وما حَسنت به أخلاقك ،وإن المؤمن ليرتقي إلى أعلى منزلة بالجنة ويكون ذلك بحسن خلقه ـ ولم تكن أسرة شيخ شاطوط إلا تاريخاً متجزراً في تاريخ ودمدني ، ورث المهنة على تنوعها وحملها جيلاً بعد جيل ، وكان أبو مبارك مهنياً متعدد المواهب يجمع حرفاً كثيرة انه نموذج الرجل المهني الذي يعشق المهنة وخدمة مجتمعه ، ويأكل من عرق جبينه، إن المهنة شرف وفخار فالرجل أنفع للمجتمع أن يأكل من فأسه تراه يذهب إلى المسجد في الأوقات الخمسة بالتزام عجيب ، واحتساب لربه ، وكان رجلاً محبوباً ، ومنذ عرفته إلى وفاته رحمه الله كان هو الرجل الصالح المبارك كذلك نحسبه والله حسبه ، ولم يكن يشتغل في شئ أحب إليه من الدعوة إلى الله وتحري أعمال البر والإحسان ، فتراه يؤم مجتمعات الشباب واعظاً مذكراً ناصحاً يقصد من دعوته هداية هؤلاء الشباب واستقامتهم على شرع الله ووجه قصدَهُ ومسعاه إلى هذا الغرض النبيل ووضعه نُصبَ عينيه ، فالشيخ ـ رحمه الله ـ يرى أن الواحد منهم إن عود الخير نشأ عليه ، وإن عُوِّد الشر نشأ عليه ، فينبغي تهذيبه وتعليمه محاسن الأخلاق .

    كان لحديث شيخ شاطوط فعل السحر في نفوس هؤلاء الشباب ، وسرعان ما تجدهم حضوراً والتزاماً في خلوة الشيخ ، وجل هؤلاء تبدل نمط حياتهم من عربدة وسكر وسهر فيما يغضب الله إلى استقامة وتهذيب والتزام ، وهي في واقعها نقلة ضخمة ذات أثر عجيب في حياتهم ، إنها انضباط والتزام ورأيت الواحد من هؤلاء وقد تحول 360 درجة فترى في وجهه أنوار الحياء ، وهذه هداية من المولى الكريم وبشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب ، وهنالك أمثلة عديدة ، ولأبي مبارك رحمه الله مهارات وخبرات في مجال التعامل مع هؤلاء طورها وحسنها على مدى سنوات عمره الطويلة الجليلة ، حتى جعل منها منهجاً وأسلوباً يسجل له، فهو يرى أنه لابد من جذب القلوب بكل وسيلة ممكنة ولابد من تحريك الهمم ولمس جميع المراكز الحساسة للوصول للمُراد ، وله أسلوبه لخاص في ذلك ، تجد ذلك في طريقة تعامله معهم ، فهو يعاملوهم كأبنائه تماماً ،لا بل كأصدقائه يسدي لهم النصح ويوجههم للطريق القويم بطريقة السهل الممتنع ، وكان يمثل لهم القدوة الحسنة والأسوة المثلى ، وهو فوق كل هذا فقد تزين بالحلم واللين والرفق ، فأن رأى من أحدهم فعل جميل وخلق حسن مدحه بين أظهر الناس ، وإن خالف ذلك مرة فهو يتغافل عنه ولا يفضحه في ملأ من الناس ، فتجده يعاتبه سراً ولا يكثر العتاب ، أو تحدث عن الموضوع كأنه من العموميات بدون ذكر أسماء ، ولذلك كان لحديثه وقع في قلوب هؤلاء الشباب ، فنجح نجاحاً باهراً وأفلحت دعوته وبلغ بها المقاصد ونال المراد ، فتجدهم يتسابقون في الحضور للخلوة وفي حفظ المدائح التي جعلها الشيخ بذكائه المتقد بألحان شجيه تشبه ألحان الأغاني لتكون عنصر جذب لهؤلاء الشباب فيأخذ بأيديهم لطريق النجاة . وأذكر أن من أوائل المُداح بخلوة شيخ شاطوط : ( المقدم أحمد بكُر .. والشيخ إبراهيم حمدين .. ونوح محمد جمعه .. ومحمد الحسن كبرو .. ومحمـد الأمين مصباح .. والأخ محجوب عبد الرازق ) ، ثم حمل الرأية من بعدهم : ( على محمد الحسن كبرو والتيمان أبناء السر عبد السلام .. ووليد مصطفى )، ومن أشهر شعراء المدائح ضابط المجلس الخلوق حسن يحيى ( إنتاجه غزير وجله في الحديث عن مناقب الشيخ ومناقب شيخ مبارك )، وهنالك أيضاً الأستاذ / عبد المنعم أبو زيد أحمد ، وغالبـاً ما يتولى هؤلاء تلحين القصائد أيضاً ( كلمات وألحان ) ، أما العم ( بابكر محمد علي ) ـ وهو رجل ضرير ـ ، فهو من الرواد الأوائل بالزاوية ، وهو المسئول عن قراءة ( الراتب ) يومياً ، وهنالك المرحوم عثمان نور الدائم وأخيه ( بكري ) ـ متعه الله بالصحة والعافية ـ، وهنالك سليمان وحسن جنقول ، وبصورة عامة يمكننـا القول أن جميع الساكنين بمربع ( 11 ) يعتبرون زاوية الشيخ جزاءاً من بيوتهم .

    وهنالك تنظيم دقيق يحكم خلاوي الشيخ ، فنجد على سبيل المثال أن شيخ مبارك هو من يتولى تصريف الشؤون الداخلية ، يعاونه في ذلك عدد من المقدمين أشهرهم أحمد أبكر ومقدم الأمين وهناك شيخ موسى الذي يسكن بنفس الزاوية ويأتي ترتيبه بعد شيخ مبارك مباشرة وهو مسئول عن إدارة الزاوية وهناك مقدم طلب ، أما الشئ الوحيد الذي يرجع القرار فيه للشيخ راساً هو موضوع إحياء الليالي خارج الخلوة في المناسبات المختلفة . ويشرف على خلوة القرآن الكريم بالزاوية والمسجد شيخ خليفة حميدة الطيب ( شيخ العرب ) ، أما خلوة مُوبي ومايو فيشرف عليهما شيخ موسى .

    لشيخ شاطوط برنامج يومي يبدأ بصلاة الصبح ، يبقى بعدها بالخلوة حتى الثامنة صباحاً ليخرج بعدها للسوق وهو يحمل شمسيته الشهيرة ، ويسير من خلفه ( باتوري ) ذلك الرجل الأبيض طويل القامة ، يحمل في يده ( قُفه) بها بعض أغراض الشيخ ، وهو بمثابة الياور للشيخ ، ونذكر هنا أشهر ( ملازم ) للشيخ وهو ( ود السنجك ) ـ رحمه الله ـ والذي كان يعمل ببنك السودان ، ويعنى ( ود السنجك ) بشئون الشيخ الخاصة ، وتراه بصحبتة في كل المناسبات داخل أو خارج الزاوية ، وبصورة عامة فأنت تراه دائماً إلى جوار الشيخ لتلبية جميع طلباته في لمح البصر . ونعود لمشوار (الشيخ ) الصباحي للسوق ، أول محطة له بمحل المقدم عبد القادر بلال الذي يرتاح الشيخ للجلوس بجانبه في محله بزقاق السروج وهناك يبقى الشيخ حتى العاشرة تقريباً ، يتجه بعدها للمقدم ( أحمد الطيب ) الساعاتي بموقعه أمام أجزخانة يوسف ميرغني ، أو أن يذهب لمحل الأخ محجوب عبد الرازق في صف الصاغة في مقابل بنك السودان،وربما كانت في مرة أخرى من نصيب مقدم(نصر الدين )، أما شيخ مبارك فقد سار على نهج الشيخ ، وزاد عليها زياراته لبعض أصدقاءه مثل الصائغ / عوض عثمان ( يفتح على متجر الطيب نقد بالسوق الكبير ) ، أو الأستاذ عبد المنعم أبو زيد أحمد بمكتبه غرب مبنى بنك الخرطوم القديم بشارع سنكات جبرونا .

    يحفظ (الفقراء) بخلاوي الشيخ لابن ودمدني البار شيخ ( السر محمد أحمد )التاجر بالخرطوم ولإخوانه ( عادل ، وأسامة ) ، وهم من أبناء ( حي مايو بود مدني ) ، أياديهم البيضاء وإسهاماتهم المقدرة ، إذ يرجع لهم الفضل بعد المولى الكريم في بناء قبة الشيخ بحي ود أزرق ، وكذلك جامع شيخ شاطوط القديم والجديد وكذلك مسجد الشيخ بسنار ، أما الشـيخ عبد الله الطيب ( شيخ العرب ) فقد أختص ـ رحمه الله ـ بمهمة تمويل الخلاوي باحتياجاتها المختلفة من المواد التموينية ( ذرة ، زيت ، فحم ، ويكه .. وخلافه ) ، وهو من المحبين للشيخ والمقربين منه الأمر الذي دعاه للزواج من شقيقة الشيخ ليكون تواجده شرعياً بالمنزل .

    وقد أهتم ( شيخ شاطوط ) بقطاع النساء اهتماماً كبيراً ، وعنى بتعليمهن أمور دينهن وكان شغله الشاغل طيلة عمره الذي قضاه في طاعة الله وإرشاد المريدين ، وبما أن الشباب كانوا يحضرون للزاوية لتلقى الإرشاد ، فانه طيب الله ثراه عمد إلى السعي للمرأة في مكانها ، فكان أول موقع لتدريس السيدات بالمدينة بمنزل ( الحاجة سيدة ) بحي العشير ، تلتها مواقع أخرى في كل من قرية ( موبي ) ، و ( حي مايو ) ، و ( حي 114 ) بمنزل الأخ عبد الله العوض ، وكذلك بالمعهد الملحق بالمسجد تحت إشراف الأخ / خليفة حميدة الطيب ( شيخ العرب ) ، وأخيراً الزاوية موقع سكن الشيخ وأسرته .

    وكان لشيخنا الجليل تأثير عجيب في نفوس الناس فلله هذا الرجل النبيل الذي عمر حياته بالأعمال التي نحسبها عند الله من الصالحات وألفت نفسه التواقة إلى الجد والاجتهاد ، يدعو إلى الله على بصيرة ويقين وبرهان مقتدياً بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهو القدوة الحسنة والأسوة المثلى نسأل الله أن يجعله في عليين مع النبيين والشهداء والصالحين وأن ينزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور وأن يجمعنا به في مستقر رحمته ودار كرامته.

    لقد طُبعت النفس على حب الخير وامتداحه ، ولم لا وقد ارتبط الخير وفعله بالفلاح والفوز برضوان الله تعالى كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم ( يا أيُّهَا الَّذينَ أمَنُوا اركعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلوا الخيرَ لعَلَكم تُفلحُونَ ) وقد حثَّنا ديننا الحنيف على أن نتسابق في دروبِ الخيرِ ، فقال سبحانه : ( وَلكُلَّ وجهَة هُوَ مُوَلَّيهَا فاستبقُوا الخيرَات ) كما جعل ثمار التطوع في ميادين الخير تعود بالنتائج الخيرة على المتطوع ، فقال عز وجل : ( فَمَن تَطَوع َ خَيراً فهُوَ خيرٌ لَّهُ ) وقال تعالى : ( وما تقَدمُوا لأَنفُسكُم مَّن خَيرٍ تجدُوهُ عِندَ اللهِ إنَّ اللهَ بِمَا تعمَلُون بَصيرٌ ).

    هكذا أبو بدر الدين ومنذ عرفته لا يزيد إلا ثباتاً وعلماً وفقهاً وحكمة ورشداً وهو إلى جانب ذلك صاحب ابتسامة مشرقة ونكتة جميلة وطرفة عفيفة لا تجده إلا هاشاً باشاً لذيذ الحديث حسن المعشر عف اللسان مرح الروح ، و كان نموذجاً متميزاً بين شيوخ الطرق الصوفية بالمدينـة ، وأمضى ردحاً من حياته معلماً وموجهاً وناصحاً لم يكن خلالها نمطياً في سلوكه تجاه أولئك الشباب ، ولذلك فقد سجل نجاحاً منقطع النظير في هذا الجانب ، وكان له دور مشهود في تربيتهم وإرشادهم لجادة الطريق بمختلف الوسائل وألوان النشاط المفيد في التأثير عليهم وكسب قلوبهم وتعديل سلوكهم بعيداً عن الأوامر والتعليمات الشديدة والأفكار الجامدة ، فالعمالقة من الشيوخ المخلصين الذي يضحون بأوقاتهم في سبيل إيجاد طرق ووسائل تكون على منهج الله القويم يلتقطون من الجواهر أجملها ومن الأقوال انفعها ، وكلامهم كاللؤلؤ المنثور في نفوس المحيطين بهم للأخذ بيدهم إلى جادة الحق وحدائق الفضيلة ، فهم كالمصابيح نهتدي بهم ليأنس الإنسان بسيرهم العبقة الندية ، والشيخ محمد شاطوط من ذلك النوع الذين يفيضون بمشاعر الحب والابتهاج لغيرهم ليشيدوا على ذلك قواعد راسخة لترتفع أعمدة الأيمان لتبلغ عنان الإحسان في ساعة يُمن من ليل أو نهار . فحقق ما أراد بصبر واحتساب وإخلاص .

    في هذا المناخ الإيماني ربي شيخ محمد عبد الرحمن شاطوط أبنائه وأحفاده ، فكان الخير ديدنهم والتسابق فيه هو سلوكهم ، فعرفهم القاصي والداني بأنهم يسارعون في الخيرات ويتحرون ميادينها المتعددة وحقولها الخصبة التي ترتبط بحياة الناس وسعادتهم ، وكان ثمار الغرس الذي رعته أيدي هذا الشيخ الجليل ـ رحمه الله ـ أن تسابق أبناءه في إطار من هذا المناخ الذي أنبت الخير ورعى أغصانه حتى انتشرت دوحته وأينعت في مختلف ميادين الحياة في مدينة ودمدني .

    يقول المقربون من الشيخ أنهم لم يسمعوه ـ رحمه الله قط وهو يوبخ أحداً ( من ألأبناء أو الحيران ) على خطأ ارتكبه ، ولم يسمعوه قط وهو يرفع صوته على أحد ، بل كان من أحلم الناس ، وأقدرهم على كظم الغيظ لحظة الغضب ، وكان أقصى ما يمكن أن يقوله للمخطئ أو المقصر : ( الله يهديك ) .. يقولها بهدوء ، ثم ينصرف للعمل الذي هو فيه ، كما أشتهر عنه ـ رحمه الله ـ تبسط في الحديث مع الكافة ، وتفقده لأحوال الحيران والمعارف مما رفع من قدره عند الناس وزاد من هيبته في نفوسهم .

    وفاته :
    وظل فقيدنا الجليل يفتي ويعلم ويعين ويوجه ويعظ ويرشد ، ويدعو إلى الله حتى ألم به المرض فأنتقل إلى رحمته تعالى مساء يوم الاثنين 09/09/1994م، فصلى به بميدان دار رعاية الشباب شمال السكة الحديد عن عمر يناهز التسعين عاما ، وكان الميدان حاشداً والزحام شديداً حيث خرجت مدينة ودمدني عن بكرة أبيها لتشييع الفقيد الغالي ، وكان على رأس المشيعين والي الولاية وأعضاء حكومته ومدراء المصالح والوزارات والأجهزة الأمنية والشرطة والعلماء ووجهاء المدينة والمواطنون ، وقد سارت جنازته في موكب مهيب يتدافع فيها المعزون بالمناكب يحملون جثمانه الطاهر من ميدان دار رعاية الشباب حتى مسجده بحي ود أزرق ، ولقد ودعه محبوه المفجوعون فيه خير وداع ، إذ أخذ الناس يعزي بعضهم بعضاً ، يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : ( أنتم شهداء الله في أرضه .. موعدكم يوم الجنائز ) ، وحقيقة إنني فجعت كما فجع غيري من أهل ودمدني في وفاة شيخنا الحبيب محمـد عبد الرحمن شاطوط ، فقد كانت جنازته مشهداً عظيماً يؤكد هذه الحقيقة ، والناس لا تجامل أحداً بعد وفاته ، فلو لم تكن له منزلة في النفوس لما سار خلف نعشه حتى المقعدين ممن سكنت محبته قلوبهم ونالهم من بره وفضله وأدبه . انه فضل الله يؤتيه مَن يشاء ومَن يؤته الله من فضله فقد أُوتي خيراً كثيراً ، ونحسبه كذلك عند ربه ، فنسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويضاعف له الأجر عن كل كلمة طيبة أثلج بها صدراً ، أو واسى بها مريضاً ، وعن كل عمل صالح فرَّج به كربةَ مكروب ، ونفَّسَ عن محزون بأن يجعل له بيتاً في الجنة ، وأن يبعثه مع الشهداء والصديقين والأبرار لقاء ما قدم لدينه ولأهل ودمدني ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ولا نقول إلا ما يرضي ربنا فلا حول ولا قوة إلا بالله وكل شئ عنده بمقدار وله ما أخذ وله ما أعطى وإنا على فراقك يا أبا مبارك لمحزنون .

    من قال أن الشيخ محمد عبد الرحمن شاطوط قد مات ؟

    لم يمت من خلف علماً يُنتفع به من بعده ، لم يمت من خلف مآثراً تخدم الناس فيذكرونه بها ، لم يمت من كان في خلقه ومعاملته وسيرته قدوة لكل من عرفه أو اقترب منه ، وشيخ محمد كان ـ رحمه الله ـ من أكثر الناس تواضعاً مع أقل الناس شاناً ، ولا جرم أن رأيت بعضهم وهو يبكيه بحرقة من فقد ابناً أو أباً ، بل قد بكاه الجميع حتى الذين لم ينالوا شرق اللقاء به ، فقد تأثروا غاية التأثير لرحيله ، فقد أخذ بمجامع القلوب نظير سيرته العطرة الطيبة المليئة بكل معاني الأصالة ، لقد أعطى ـ رحمه الله ـ طيلة حياته دروساً مجانية للجميع في أمور دينهم وحياتهم ، متسلحاً في سبيل دعوته بالعلم والبصيرة ، محصناً بالحكمة والموعظة الحسنة ، وعاش ـ رحمه الله ـ على سجيته وطبيعته ، يحس بما يحس به أبسط الناس ، فيفرح لفرحهم ، ويحزن لحزنهم ، ويبذل ما بوسعه ليواسيهم ويؤازرهم ، لذلك لم استغرب أبداً تلكم المشاهد التلقائية عندما نعاه الناعي عبر أجهزة الأعلام ، حيث اندفعت كتل من البشر نحو منزله العامر بحي مربع 11 يعبرون عن مشاعر الأسى والحزن العميقين لفقدهم هذا الرجل الرمز ، ومما يعزّي في فقد هذه الشخصية الفذة أن أبناءه الكرام وأحفاده البررة عقدوا العزم على إكمال مسيرة والدهم ليكتبوا صفحات جديدة من فصول أعمال الخير والإنسانية ، ولعل أولى ثمارها كان تولى شيخ مبارك ـ عليه الرحمة ـ الخلافة من بعد والده العزيز ، فكان رحمه الله خير خلف لخير سلف ، واستطاع أن يسير بالقارب لشاطئ النجاة في هدوء وسكينة ، عنده حنكة وحكمة ، يتميز بفقه الواقع ، قوي الذاكرة ، صبور ، يبتسم للشدائد ، نفسه أبية ، جميل محياه ، ما عرف عنه إلاَّ السماحة والمروءة والتعقل ، أخذ العلم الوفير والأخلاق الحميدة والسجايا الفاضلة والتواضع الجم والتفاني في العمل من نبع والده النمير شيخ محمد شاطوط ، يقول الشاعر :

    شـــيم الألى أنا منـــــهم والأصــل تتبـعه الفروع

    ونستطيع أن نقول أن شيخ مبارك قد شــابه أباه في كل خير وفضيلة ، وليس هذا بالأمر المستغرب فقد نهل من معينه ، هذا إلى جانب ما كان يتميز به شيخ مبارك ـ عليه الرحمة ـ من حكمة وحنكة وفكر ثاقب ونظرة لها أبعادها يتميز بفقه الواقع ، قوي الذاكرة ، صبـور ، يبتســم للشــدائد ، نفسه أبية ، وما عرف عنه إلاَّ السماحة والمروءة كما كان رحمه الله إنسـاناً متواضعاً ياسر الناس بحلاوة لسـانه وحسن بيانه ، خالط جميع شرائح المجتمع فأحبهم وأحبوه وقطف من كل بستان زهرة ، وهو يستقبل زواره دائماً بالابتسامة هاشاً باشاً ولكل ذلك فقد حاز ـ رحمه الله ـ على التقدير والاحترام من جميع أهل ودمدني بلا منازع . إلى أن وافته المنية فذهب مبكياً على أخلاقه الحميدة وسيرته الطيبة بين الناس ، ثم من بعده تولى الخلافة ابنه شيخ الفاتح مبارك شاطوط فكان مثل أبيه وجده خُلقاً ومُعاملة ، وظلت نار القرآن متقدة وحلقات الذكر تموج بالناس من كل حدب وصوب .

    للشيخ محمد عبد الرحمن شاطوط ، من زوجته ( نسيم الصبا بنت الشيخ البشير ) : شيخ مبارك و بدر الدين وليلى ـ رحمهم الله ـ وهناك نفيسة وإحسان وفتحية ومولانا / عواطف القاضي بمدينة ودمدني ، وأخيراً آخر العنقود ( الشيخ البشير ) وهو من زوجته الثانية ( من حلة المكي ) ، ومن أخوات الشـــــيخ المرحومة ( خديجة ) وزوجها المرحوم / عبد الله الطيب شــيخ العرب ، أما ( ستنا ) فزوجها هو الأخ محمد الأمين مصباح .


    فرحمك الله أبا مبارك فلقد وقفت حياتك في استثمار الوقت ناصحاً أبوياً وداعياً لأقوم السبل عبر بر الأمان عن الانحرافات والتجمعات المشبوهة التي تهوي بصاحبها وتورده موارد المذلة وسوء المصير ، فنلت الرضا والأجر إن شاء الله وتركت فينا أثراً طيباً وذكراً عطراً .. يقول الشاعر :

    فأرفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمـر ثانـي


    ورحم الله الشيخ مبارك .. والأخ بدر الدين شاطوط ..وإمام مسجدنا الأخ العزيز شيخ فاروق حسب الله (ابن أخت شيخ شاطوط ) وأسكنهم جميعاً فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .. سائلا الله القدير أن يلهم أهلهم وذويهم ومحبيهم الصبر والسلوان ، وأن يبارك في عقبهم ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وأغفر لنا ولهم .


    عمر سعيد النــور
    رئيس جمعية أبناء ودمدني الخيرية
    الرياض





    (عدل بواسطة الرشيد حسن خضر on 05-21-2006, 10:38 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de