|
|
 الاستناره : اشارات سودانية ومغربيه - عبد العزيز حسين الصاوي
|
الاستناره:اشارات سودانية ومغربيه
عبد العزيز حسين الصاوي
من السودان الي المغرب يمكن العثور علي خيط رفيع يمتد بين وزير التربية والتعليم السوداني والمفكر المغربي المعروف عبد الاله بلقزيز الي قضية القضايا في سودان اليوم وهي الاستناره، وفي قول اخر، التنوير. القاع الصلب لمعضلاتنا التي تزداد استعصاء يوما بعد يوم هو تبخر رصيد العقلانيه والانفتاح الذهني والنفسي الذي انبثق مع تأسيس التعليم الحديث وامكانية التفاعل مع العالم المصري واابريطاني الاكثر تطورا وقتها. استمر الخط البياني لتيارات الاستنارة السياسة والفكرية والاجتماعية والفنية متصاعدا في صورته العامه ليبدأ في الانحناء بعد ذلك بنصف قرن من الزمان تقريبا، منحدرا ببطء ثم بتسارع الي حضيض سيادة افكار التقليد السلفي في اكثر الاوساط تعليما وشيوع ممارسات الدجل والشعوذه في مجتمع المدينة القيادي تنويريا ( سابقا) نفسه. المظهر الابرز لتصاعد الديناميكية الاستناريه الي ذروتها ابان الستينيات كان استقلالها عن منبعها الاولي في النظام التعليمي الحديث عندما تشعبت جذورها عميقا في مختلف مناحي المجتمع المديني بحيث اضحي المناخ العام هو الذي يدفع المنظومةالتعليميه نحو استكمال قدرتها علي تنمية ملكة النقد والتفكير المستقل بتكييفها وفق احتياجات مابعد الاستقلال السودانيه. غير ان التراكمات السلبية المتعددة الوجوه لعهود الانظمة الشموليه كانت تفعل فعلها بحيث مالت العلاقة التفاعلية الايجابية بين التعليم والمجتمع بالتدريج في اتجاه عكسي يتبادل فيه الطرفان الدفع نحو تصفية كافة عوامل الاستنارة وحتي مظاهرها في الزي مثلا. في منعطف ما خلال الزمان النميري الكالح والطويل شرعت المدرسة/ الجامعة تلفظ كل عام الاف العقليات المحشوة بالمعلومات والمادة الدينية الخام دون فهم واستيعاب الي منزل وشارع باتا بدورهما ينضحان بتقليدية العقل والسلوك شيئا فشيئا حتي تدحرجنا سبعين عاما الي الوراء، الي تقطة اصبحت عندها اعادة تأسيس المنظومة التعليميه هي بداية ا لمخرج من النفق المظلم التي لابداية غيرها. طريق طويل حقا، طول الفترة الزمنية اللازمة لاعادة تشكيل عقلية المعلم والتلميذ/ الطالب وانتقال التأثير الي مجتمعات المدن والبؤر الحضريه ولكن لامفر من قطعه مهما كانت المشاق لان خيار البداية من اي نقطة اخري، وقد جربناها جميعا، نتائجه الكارثية واضحة امامنا. وبعبارة مأخوذة من التجربة ا لمغربية في التطور الديموقراطي ( بلقزيز ، الديموقراطية في المغرب بعد ثلاثة عقود، جريدة الحياه اللندنيه، 28 مايو 2005 ) " ان تواضع الثمرات السياسية في المرحلة الاولي من الاستراتيجيه يعوض عنه عظيم فوائدها في الرصيد السياسي الثابت بعد ذلك. في نفس المقال يؤكد الاكاديمي المغربي نفس المعني الذي ينطبق علي الاستراتيجية التي يقترحها هذا المقال قائلا : " ان القياديين المغاربه الذين دشنوا الاستراتيجية منذ ثلاثين عاما ماكانت لديهم اوهام حول ثمرات سياسية سريعه يجنيها المجتمع من الولوج الي هذا الخيار. كانوا مدركين ان المعركة طويله الامد وقد تستغرق جيلا او جيلين وهو عينه الادراك الذي تسلح به الديموقراطيون المغاربه حتي باتت الاستراتيجية جماعية انحازت لها تنظيمات عده من الحركة التقدميه".
بديهي أن الأمر في السودان يحتاج الي نفس القدر من بعد النظر والشجاعة الادبيه ان لم يكن اكثر. يحتاج الي التعامل مع السياسة كعلم يقوم علي التخطيط البعيد المدي انطلاقا من معطيات الواقع العيني الماثل والالتزام بمتطلبات كل مرحلة من الاستراتيجيه مهما كانت الاعباء. وكما كان عليه الحال في السياق المغربي حيث وجهت لشخصيتين تاريخيتين هما اليازجي وبوعبيد اتهامات الاستسلام للواقع والحكومه القائمة انذاك قبل ان تتضح صحة رؤيتهما، كذلك الحال في السودان. المعتاشون سياسيا علي افكار انتهي عمرها الافتراضي منذ زمان بعيد فأضحوا مجرد محترفي اثارة وتهييج سيضخون اتهامات الاستسلام لحكومة الجبهه وحتي الغرب وامريكا علي اساس اهتمامهما مؤخرا بقضية اصلاح النظام التعليمي. هنيئا لمن سيكونون موضع اتهام كهذا اذ يوضعون في مصاف قيادات حركة النهضة الثقافية والسياسية السودانيه في الربع الاول من القرن الماضي التي كان التعليم محور جهودها وقيادات حركة التنوير العربي مثل محمد عبده قبل ذلك بقرن ونصف.
علي أية حال فان، خبرا نشرته الاضواء ( عدد 18 مارس 2006 ) هو الذي اثار هذه الحزمة من الافكار حول قضية الاستناره. يقول الخبر ان وزير التربية والتعليم د.حامد محمد ابرهيم تحدث عن ورشة عمل ستعقد لمراجعة السلم التعليمي والمناهج لمرحلة الاساس. وبينما ينعقد الاجماع علي ان كافة مكونات التعليم العام من المباني وحتي اجور المعلمين في حالة مزريه فأن الارتباط الوثيق لهذه الحاله مع الازمة العامة المزمنة والمتفاقمة يجعل المدخل الوحيد المتاح راهنا للتصدي لها هو الاصلاح التعليمي، وفق المنظور الذي يطرحه هذا المقال. كم من نظام شمولي سوداني وعربي واجنبي فتح المدارس والجامعات وشيد المصانع والسدود وانتهي امره الي الانهيار وامر البلاد الي تعميق الازمة العامه، لانه حقق هذه ( الانجازات ) علي حساب الديموقراطية وحرية الافراد والجماعات ومن ثم استعدادها اللامتناهي للابداع والبناء وايضا حماية الاوطان. من هنا تتأتي اهمية الخبر لاسيما وانه يتصل بقاعدة المنظومة التعليميه التي توضع فيها اللبنات الاولي للدور المحوري لهذا المنظومه في تكوين عقلية الانسان السوداني. واقع هذه القاعدة الحالي بمناهجها ومدتها الزمنية يصرخ عاليا بأنها قالب صمم خصيصا علي يدي مدبري اخر النسخ السودانيه من تلك النوعية من الانظمه لتقريخ اجيال من الصم والبكم تعليميا يخضع بموجبه الاطفال لثمان سنوات من الحشو والتلقين بجرعات كبيرة من المادة الدينيه هي اما نصوص قرانية واحاديثية خام او مصحوبة بركام من الفقه والتفسيرات التي انتجتها الحقبة اللاحقة لقفل باب الاجتهاد قبل قرون من الزمان. والنتيجة هي صفوف لايحدها البصر من العابرين الي مرحلة الشباب بعقلية جدود الجدود التي هيأت وتهيئ افواجا منهم كوقود لحروب اسلام السياسة في الغابات والجامعات والشوارع مسلمة الباقين الي متاهات التصوف السطحي والسلفية الجامده او الهروب اللاشعوري الي عوالم المتع العابره .
امام السيد الوزير مدخل مفتوح الي التاريخ وموقع مع اعلام عصر النهضه السودانيه امثال معاويه محمد نور، والعربية من امثال الطهطاوي اذا اقدم علي مراجعة جذرية لمرحلة الاساس. ولعل هذا المقال يتجرأ علي القول ان النكوص عن هذه المهمه سيحسب عليه وعلي حزبه والتجمع الوطني بموازين ثقيلة للغايه .
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستناره : اشارات سودانية ومغربيه - عبد العزيز حسين الصاوي (Re: عثمان حسن الزبير)
|
الأخ\عثمان
شكرا لنقل هذا المقال. والصاوى من الكتاب السودانيين الذين يشتغلون بمنهجية فريدة حول قضايا الأستنارة.وهذا المقال يعكس عمق الرؤية وابعادها حول تناول حالة التراجع التحديثى فى الحالة السودانية ومحقا الصاوى فى ربطه بين التراجع التحديثى والتراجع فى البنية التعليمية. مثل هذه المقالات تحتاج النقاش المعمق من اجل الأمساك بخيوط الحداثة التى ابتعدناعنها نتيجة لسيطرة التسطيح على حياتنا.
شكرا جزيلا
أحمد محمود
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستناره : اشارات سودانية ومغربيه - عبد العزيز حسين الصاوي (Re: سعدية عبد الرحيم الخليفة)
|
الأخ أحمد محمود تحياتي
حقيقة محتاجين لنقاش جاد وبإسهاب وجميع قوى الإستنارة محتاجة لرجعة لمناقشة أساليبها وأسباب فشلها وإنكسارها أمام قوى التخلف والرجعية ويتعبر التعليم كمدخل أساسي لعودة القوة الحديثة لمكانها الطليعي وهذا بالتأكيد يتأتى بإصلاح التعليم الذي ومنذ قدوم الإسلاميين ظل يقدم جيل فارغ فكريا ومشحون بتطرف الإسلاميين وثقافة الدفاع الشعبي وان جميع من هم ضد الإسلاميين الحاكمين هم كفار وبالتالي فقد فقدنا هذا الجيل منذ بدايته وذلك لعدم تواصل القوى الحديثة معه وتركها المجال للنظام حتى أنتج هذا الجيل بتلك البنية الفكرية الهشة وهنا القوى الحديث مطالبة وبشدة بتحرك سريع ومساهمة فاعلة في إنشاء نظام تعليمي يعتمد على مناهج حقيقية تنمي في الجيل الجديد الذي سيكون قادة الغد التميز العلمي والثقافي بصورة علمية منهجية لقطع الطريق على قوى الظلام بمواصلة إنتاج جيل بهذه الهشاشة .
والقوى المستنيرة مطالبة أيضا بالتواصل مع كافة أشكال المجتمع السوداني وكثر حالة التعامل الإستعلائي الذي تمارسه وهو احد أهم الأسباب التي ساهمت في عزلها عن المجتمع وذلك بالإنصهار في كافة شرائح المجتمع والعمل من داخله ..
لي عودة
| |
|
|
|
|
|
|
| |
altahir_2
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست