|
الطغاة يجلبون الغزاة!!! عرمان محمد احمد
|
الطغاة يجلبون الغزاة (1) عرمان محمد احمد [email protected] إستغلال الدين لأغراض الثروة والسلطة، ظاهرة قديمة، عرفتها الكثير من المجتمعات البشرية عبر التاريخ ، وقد بلغ إستغلال الدين لأغراض الثروة والجاه والسلطة في السودان، مداه في عهد جماعة المؤتمر الوطني أو الجبهة (الإسلامية )- الحاكمة اليوم، و التي اسمت نفسها سخرية حكومة (الإنقاذ الوطني) في البداية، ثم حكومة (الوحدة الوطنية) في النهاية! إنتهاكات حقوق الإنسان و(التمكين) للتدخل الأجنبي في السودان يمكن وصف جماعة مؤتمر(الجبهة الإسلامية) بشقيه الحاكم والذي أخرج من الحكم، بأنهم ثلة طغاة ومستعمرين في جلود سودانيين، فقد ظلت هذه الجماعة الفاشية بشقيها تتعامل مع أهل السودان بعقلية فصامية مستعلية، تفوق في سوءها وديكتاتوريتها، بشاعة الإستعمار. لم تحترم هذه الجماعة المتسربلة بثياب الدين زيفاً و زوراً إنسانية الإنسان السوداني، و من ثم تورطت في أبشع الإنتهاكات لحقوق الإنسان في هذا البلد الطيب أهله. وبمقارنة بسيطة بين ما سمعنا وشاهدنا قبل أيام في لبنان وفلسطين، بما حدث في دارفور، نجد ان انتهاكات حكومة من يسمون انفسهم (الإسلاميين) لحقوق الإنسان السوداني هناك، لا تقل بشاعة عن انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان وفلسطين، بواسطة الجنود الصهاينة، الذين يسميهم رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت (أبناء الله). ومثلما قصفت طائرات الأف 16 الصهيونية القري والمدن اللبنانية ودمرت المباني و قتلت وشردت مئات الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال، قصف الجيش (الجهادي) في السوان بطائرات الأنتنوف الكثير من قري دارفور واحرق البيوت بأطفالها ونسائها ورجالها، فضلاً عن إغتصاب مجاهدي (الإنقاذ الوطني) من الجنجويد، للنساء السودانيات المسلمات في تلك الربوع الحزينة.
ومثلما وفرت أخطاء (حزب الله ) اللبناني الذرائع التي انتظرتها إسرائيل لكي تنفذ قبل أيام إستراتيجيتها الرامية لتدمير البني التحتية في لبنان، وإعادت هذا البلد سنوات طويلة الي الوراء، وفرت أخطاء السياسة الداخلية والخارجية لجماعة المؤتمر الوطني -الجبهة الإسلامية الحاكمة- الذرائع اللازمة للتدخلات الأجنبية في السودان، وأسهمت بشكل مباشر في تمرير السياسات والإستراتيجيات الدولية الرامية، الي تقسيم السودان الي دويلات. و عندما إستجابت هذه الجماعة ( الجهادية) للضغوط الأجنبية، ووقعت علي إتفاقيات المنتجعات الكينية، لم تكن تحركها رغبة حقيقية في السلام، بقدرما كانت تحركها دوافع الطمع و الخوف علي سلطتهم الزائلة، ودنياهم الفانية، التي عاشوا لها وولغوا فيها باسم الدين. غداة قصف سفن البحرية الأمريكية للسودان من قواعدها في الخليج، مستهدفة مصنع الأدوية السوداني بالخرطوم بحري بصواريخ كروز ، في مثل هذه الأيام من شهر أغسطس عام 1998 كتبت مقالاً بعنوان (شعب السودان و إستراتيجية أمريكا : حقوق الإنسان بين إرهاب الدول والجماعات المتطرفة) جاء فيه ما يلي: بعد انتهاء الحر ب الباردة طفق بعض محاربيها القدامى فى الولايات المتحدة واوروبا الغربية يبحثون عن اعداء جدد لأستخدامهم في لعبة توازن القوي وصراع المصالح الأستراتيجية في شتي بقاع الأرض ، وسرعان ما وجد هؤلاء ضالتهم المنشودة في جماعات الأسلام السياسي التي تتبني أيدلوجية تبسيطية تقسم العالم الي معسكرين :
-(معسكر الرحمن) ويضم حسب ذلك الفهم التبسيطي حكومات السلام السياسي في إيران وافغانستان السودان ، بالأضافة للجماعات التي ترعاها تلك الدول.
-معسكر (الشيطان) ويضم طبقا لذات الفهم ( دول الاستكبار العالمي ) بقيادة الولا يات المتحدة الأمريكية.
سيناريو الضربات الجوية علي السودان
سيناريو الضربات الجوية الأمريكية على مصنع الأ د وية السودانى اذا تمت قراءته على أساس ان الرئيس الأمريكى حاول بتلك الضربات توجيه رسالة قوية للأرهابيين ، فستكون تلك قراءة عجلى لهذا السيناريو، ذلك لأن التخطيط لضرب منشآت سودانية بصواريخ كروز كان سابقاً بامد بعيد للتنفيذ الذى عجلت به أحداث تفجير السفارات الامريكية في نيروبي ودار السلام، والتي جاءت متزامنة مع فضيحة مونيكا( لوينسكي ) وما تبعها من اعترافات للرئيس ( بيل كلنتون ) بالكذب علي الشعب الامريكي ، والدليل علي ذلك هو ان خصوم الرئيس من زعماء الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون سارعوا لتأييد تلك الضربات الجوية بصرف النظر عن مسألة التوقيت أو المقصود.وقد كان الهدف المعلن للغارات الأمريكية هو( اسامة بن لادن ) صنيعة المخابرات الأمريكية الذي تلقي التدريب علي أيدي عملائها في افغانستان ابان الحرب الباردة، وبطبيعة الحال لم يصب ( اسامة بن لادن ) في الغارات الامريكية علي افغانستان بينما تم تدمير مصنع الأدوية السوداني تدميراَ كاملاَ ، وقد أعلن فيما بعد مهندسون غربيون وعرب عملوا وشاركوا في تشييد المصنع بأنه غير مهيأ اصلاَ لإنتاج اسلحة كيماوية، فما هي إذن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء اطلاق صواريخ كروز الأمريكية لتدمير مصنع الشفاء في المنطقة الصناعية بالخرطوم بحري. مفاتيح الإستراتيجية الأمريكية ان مفاتيح إستراتيجية الولايات المتحدة في بقاع العالم المختلفة يمكن فهمها بادراك ما يسمي بــالمصلحة القومية الأمريكية "American National Interest "وهى مصلحة ذات مفاهيم ثلاثة يمكن شرحها على النحو التالى:
- المفهوم الجيوبولتيكى الذى يفسر العلاقات الدولية على أساس صراع القوى المتجد د بصفة مستمرة ، وهذا المفهوم مستمد من نظرية الواقعية السياسية "Political Realism Political Realism" التى يتبناها ميكافيلليو العصر الحد يث ، وقد فصلها بوضوح هانز مورقانزو "Hans Morgenthau "فى كتابه الشهير السياسة بين الأمم"Politics Among Nations " فأعلن ان المصلحة القومية لدولة معينة تقتضى توسيع نطاق نفوذها وقوتها عن طريق اضعاف وتقليص وتحطيم قوة دولة اخرى، دونما أدنى اعتبارات اخلاقية او انسانية، وتعتبر نظرية "الواقعية السياسية" عينة من تفكير "الكاوبوى الأمريكى " وفهمه للحياة وقوانينها، وللطبيعة البشرية مطبقا باسم العلم فى واقع السياسة الدولية.
- المفهوم الايد يولوجى للمصلحة الامريكية، والذى يبد و متناقضا لدى الوهلة الاولى مع نظرية الواقعية السياسية ، وبموجب هذا المفهوم تسعى الولايات المتحدة لفرض رؤيتها هى للديموقراطية وحقوق الانسان فى انحاءالعالم المختلفة، ولايمنع ذ لك من التضحية بقيم الد يمو قراطية وحقوق الانسان اذا ما تعارضت مع المصالح الاقتصادية ، والأستراتيجية للولايات المتحدة فى الخارج، فكأن الهيمنة و" حرية السوق " أهم من " حريةالفرد " وحقوقه وقد استخدم المفهوم الايد يولوجى للمصلحة الأمريكية-الديمقراطية وحقوق الأنسان- بنجاح اثناء الحرب الباردة ضد الماركسية مما أدي الي انهيارها مع عوامل اخري في نهاية المطاف، بيد أن قيم الديمقراطية وحقوق الإ نسان في امريكا شابتها الكثير من الشوائب والتجارب المحزنة، كالتمييز العنصري ضد السود ،الذي لايزال قائما، بالرغم من انتهاء العنصرية في الولايات المتحدة علي الورق، و من الناحية النظرية . اما علي الصعيد الدولي فقد اقتضت المصلحة القومية الامريكية دعم الولايات المتحدة لكثير من الانظمة الديكتاتورية في امريكا اللاتينية واسيا وافريقيا.
- ترتكز المصلحة القومية الأمريكية علي مفهوم قانوني مؤسسي يقوم علي إستخدام اليات القانون الدولي ممثلة في المنظمات والهيئات العالمية وعلي رأسها الأمم المتحدة، وبشكل خاص مجلس الأمن، لايجاد الذرائع القانونية واضفاء الشرعية اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية في جميع ارجاء العالم. بيد ان الولايات المتحدة فى غارتها الأخيرة على السودان وافغانستان تجاوزت قواعد القانون الدولى بشكل صريح فهاجمت دولاً وانتهكت سياد تها الوطنية بشكل مباشر، دون أن تكون تلك الدول فى حالة حرب معلنة معها ، كما حاولت الإدارة الامريكية الأ لتفاف حول تجاوزها لمنظمة الأمم المتحدة بتفسير جد يد للمادة "51" من الميثاق فاعلنت ا ن مهاجمتها للمصنع كانت د فاعاً عن النفس ..! وما كان للولايات المتحدة الأمريكية ان تقوم بمثل هذ ا الخرق الفاضح للقوانين والأعراف الدولية لوكانت في السودان حكومة تحظي بأي قدر من إحترام المجتمع الدولي. حاصل الأمر هو أن الأسباب التي ساقتها الإ دارة الأمريكية لتبرير الضربات الجوية الأمريكية علي السودان بالتحديد، ثانوية وضعيفة الحبكة، اما الأ سباب الحقيقية الكامنة وراء تدمير مصنع الأدوية السوداني فهي أسباب إسترتيجية بحتة، تهدف في المقام الأول الي ضرب المنشآت والبني التحتية في السودان، تماما مثلما حدث في العراق. والخطر كل الخطر علي الشعب السوداني يأتي في حال تنفيذ الولايات المتحدة لوعودها بتكرار تلك الضربات الإستراتيجية علي السودان ، وهانحن ندق ناقوس الخطر.)). هذا ما قلناه في أغسطس من عام 1998 والخطر الماثل علي الشعب السوداني اليوم هو ان تدخل القوات الأممية المزمع إرسالها للسودان تحت الغطاء الإنساني ، في مواجهة مع حكومة مؤتمر (الجبهة الإسلامية) المسماة بحكومة (الوحدة الوطنية) التي أعلنت رفضها لدخول هذه القوات ، برغم قبولها لدخول القوات الأجنبية عند التوقيع علي إتفاقيات نيفاشا، وبرغم تواجد القوات الأجنبية الآن في شوارع الخرطوم. فلقد أدت مثل هذه المواجهة في يوغسلافيا السابقة، وأبان أزمة كوسوفو، الي قصف طائرات وصواريخ حلف الناتو للكثير من المنشآت والبني التحتية هناك،وقتل وجرح وتشريد الآف المدنيين. و ما شهده عراق (صدام حسين) يغني حاله الآن عن السؤال.. فهل ستكون جماعة ( الإنقاذ الوطني) احسن مآلا من صدام وملزوفيتش وأشياعهم من الطغاة الذين اجرموا في حق شعوبهم و جلبوا لأوطانهم الغزاة والويلات؟ عرمان محمد احمد أغسطس 2006
.
|
|
|
|
|
|