|
نواطير باب الترك (2) :عادل الباز
|
نواطير باب الترك (2) :عادل الباز الأربعاء 6 أبريل 2005
الآلاف الذين خرجوا فى موكب الامس الغاضب ليسوا اعضاءً فى الحزب الحاكم بل اننى ادعى ان الحزب الحاكم لن يستطيع ان يخرج نصف الذين تظاهروا بالامس ولا شك عندى انه اول الذين فوجئوا بهذه الآلاف الغاضبة التى عبرت عن نفسها بوضوح بالامس .هؤلاء الذين خرجوا بالامس لم يخرجوا دفاعا عن الواحد والخمسين المطلوبين لان الجماهير لا تعرفهم فهى لم تغضب لزيد او عبيد، كما انها لم تخرج دفاعا عن نظام. فقد واجه ذات النظام من قبل الحصار وقرارات الامم المتحدة وغيرها، وكانت جماهيره هى التى تخرج للطرقات مدافعة عن نظام تنتمى إليه ومصالحها مرتبطة به. ولكن الذين خرجوا غاضبين بالامس لم يكونوا يدافعون عن نظام ولا اشخاص. فى رأيى انهم احسوا كما احسسنا جميعا ان مهانة حقيقية قد لحقت بالوطن .فلم يكن الهتاف الا تعبيرا عن حالة شعورية، خليط من الذل والمهانة والظلم والاستضعاف. التقيت فى التظاهرة بالامس زميلا قديما اعرف مواقفه ضد النظام فاستغربت حضوره فسألته ان كان قد مر بالخطأ من هنا، فقال لى لا جئت كى اتظاهر ضد الظلم، واستطرد انا لازلت ضد الانقاذ واكره هذا النظام وحسابنا سنصفيه معه بأيدينا ولكن ليس الآن . وغاص وسط جموع الغاضبين الذين اعرف انه لا يجمعه بهم الا هذا التراب الذى يتعفرون به جميعا الآن . طالبت فى المقال السابق ان يختار من سميناهم بنواطير باب الترك، ان يختاروا بين ان يرثوا وطنا مقسما على الجهات الاربع او وطنا مصوملا . ولا اعرف اى الخيارين سيختارون . سعدت بالامس للموقف الوطنى الباهر الذى وقفه السيد محمد عثمان الميرغنى، وهذا الموقف لايؤكد صدقية ووطنية السيد محمد عثمان التى لا تحتاج لمن يؤكدها، انما يشى بمقدرة السيد محمد عثمان على الاحساس باتجاهات الرأى العام وقراءته الصحيحة للاوضاع فى ظل تطورات متلاحقة ومرحلة دقيقة يمر بها الوطن . هذه الانتباهة من السيد محمد عثمان كنت اتمنى ان تعضد بمواقف اخر من السيد الصادق المهدى. ولكن للاسف اختار السيد الصادق ان يتخذ الموقف الخطأ فى الزمان الخطأ، واخشى ان يكون بمغادرته امس البلاد، قد اختار المكان الخطأ لمعارضته للقرار . لقد ظل السيد الصادق طيلة تاريخه السياسى ملتزما بالخط الوطنى، ومن اكثر المحبين لهذا الوطن. ولذا كانت دهشتى عظيمة وانا اقرأ موقف السيد الصادق والذى انكرته لاول وهلة ان يكون السيد الصادق قد اتخذه لان هذا لا يشبهه. اذكر تماما بعد عودة السيد الصادق للبلاد بعد اتفاق جيبوتى، سئل عن السبب الذى دفع به للعودة والنظام يعانى الامرين من الحصار الدولى. لا زلت اذكر قولته ان الوطن فى خطر واصبح عرضة للتدخلات الاجنبية الكثيفة، فلا بد ان نجنبه اخطار التقسيم والتدويل . وكتب بعد ذلك كثيرا عن اخطار التدويل والمخاطر التى تتهدد البلاد. اذن كيف نقبل منه الآن وقد زادت مخاطر التدويل، واصبحت البلاد مهددة فى وجودها، موقفا كالذى وقفه، وفى اى اطار يمكن فهمه؟ . ان الحجة الوحيدة التى استند عليها السيد الصادق بقبوله القرار 1593 هو ان السودان جزء من الاسرة الدولية، وعليه ان يتعاون معها لتنفيذ احكامها . اذن على اساس هذا المنطق، لو رأى المجتمع الدولى تعيين السيد برونك حاكما عاما على السودان لقبل به السيد الصادق باعتباره قرارا صادرا من الاسرة الدولية .او هب ان المجتمع الدولى قرر غزو السودان هل سيقبل السيد الصادق باعتبار ان السودان عضو فى الاسرة الدولية ؟ ان فى الامر عجب!. . عندما فرش خليفة المهدى الفروة لم تكن تعجزه الحيلة فى مساومة الغزاة الفاتحين ولا الهرب منهم، ولكن رأى ان من عزة البلاد وسيادتها ان يموت هكذا مستقبلا القبلة. ان الذين استشهدوا فى كررى لم يضعوا حرابهم عن مقاتلة العدو لان الامبراطورية العظمى، والتى كانت هى وحدها الاسرة الدولية آنذاك قد اصدرت امرا بمعاقبة العصاة الذين عليهم الاذعان والموافقة على الغزو باعتبارهم ضمن ممتلكات الاسرة الدولية. لو انهم سلّموا الوطن وهربوا لطأطأنا رؤوسنا حتى اليوم . ولكن ويا للعظمة استشهدوا مرفوعي الهامات، لتظل هاماتنا مرفوعة إلى الآن .كيف يا ترى فكر فيها الصادق المهدى وكيف حسبها ؟. لا شك ان هنالك خطأ ما فى جمع وطرح السيد الصادق. من الزاوية الوطنية هذه حسبتها واضحة لا يمكن ان تفوت على سياسي بقامة السيد الصادق . ومن الناحية الفنية، فكيف يطالب السيد الصادق النظام بتسليم مواطنيه ليحاكموا بالخارج؟ .استبعد ان يكون السيد الصادق معتقدا فى وهم اسمه العدالة الدولية. لانه يعلم ان اساس العدل هو المساواة، فإذا انهار هذا الركن انهارت اسس العدالة. فهل يرى السيد الصادق هذا القرار عادلا ؟ الامريكى يحاكم فى امريكا والسودانى يحاكم فى لاهاى !! اذن كيف يطالب السيد الامام النظام بالانصياع للظلمة ؟. واشد ما حيرنى فى موقف السيد الصادق انه يطالب بشئ لا يستطيع هو نفسه فعله؟ وانى اسأل السيد الصادق هل يا ترى اذا جاء سيادته للحكم مرة اخرى محمولا على اكتاف اهل دارفور سيسلم بعض قادة القبائل العربية المتهمين ليحاكموا بأيدى الاجنبى خارج وطنهم؟ .لا اظن . اى حساب سياسى واعى ووطنى لا يمكن ان يسلم ابناء الوطن حتى المجرمين منهم ليحاكموا بيد الاجنبى تحت اى ادعاء كان، دعك عن هذا الهراء الذى يؤسسون عليه باطلهم . قراءة خاطئة على خلفية مرارات مع النظام، قادت السيد الصادق لهذه النتيجة الخطأ . قد يكون السيد الصادق رأى ان النظام تجاهل دعوته للمؤتمر الجامع، فأراد ان يقفز بسقف ضغوطه، ولكن هذا القفز العالى ليس مضمون النتائج . قد يكون السيد الصادق رأى ان المجتمع الدولى بقراراته المتلاحقة، قرر اسقاط النظام وانه يحتاج لسيستانى سودانى فأراد ان يكون ذلك السيستاني. قد يكون السيد الصادق اعتقد ان النظام آيل للسقوط عاجلا بهبة شعبية فسعى لكسب الرهان بهذا الموقف، ليصبح الخيار الذى يظفر ببطاقة الدخول لنادى ما يسمى بالمجتمع الدولى . لا اعرف اىة قراءة قادت السيد الامام لهذا الموقف الذى لايشبهه ولا يشبه الانصار الذين افنوا حيواتهم وشادوا مجدهم على مناهضة الاجنبى . قراءة خاطئة وتقديرات بائسة انتهى إليها السيد الصادق. سنناقش ذلك لاحقا، على ان اسوأ ما فى الامر هو ان فرصة تاريخية لاحت للاجماع الوطنى اضاعها السيد الصادق وآخرون من بين ايدينا وكأن هذا هو قدر السودان، فكلما لاحت للامل فرصة اهدرها قادته فى دوامة الصراع.
نقلاً عن صحيفة الصحافة
|
|
|
|
|
|