عن الحزب الهاشمي.. وحول جذور الأديان..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 11:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-03-2005, 08:44 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عن الحزب الهاشمي.. وحول جذور الأديان..

    (1)

    منذ أول أيام الصدور، وجد الإنسان نفسه محاطا بقوى هائلة، متجلية له في مظاهر شتى.. كان يرى سيطرتها عليه وضعفه الشديد أمامها، فساقته إليها مشاعر مركبة كثيرة، من خوف، واحتياط وحذر، ورغبة في سبر أغوار المجهول والإلمام به.. كل هذه الأسباب، على نسب متفاوتة عبر التاريخ، كانت المحفز الأساسي للبشر لاختراع الأديان، وكذلك تولدت العلوم التجريبية والمجتمعات، منذ صورها البدائية السحيقة.. فالدين في الأصل هو صناعة بشرية، أو أداة اخترعها البشر للإستعانة بها على تلمس الطريق نحو المجهول، وبناء علاقة مع المطلق الذي تفوح دلائله في كل أركان الوجود دون أن يكون كنهه (عينه) معروف ومستوعب للإنسان.. ولكن ظهور الدين من الأرض لا يعني بالضرورة أنه لم ولن يبلغ مبلغا أبعد من حيز الأرض خلال تطوره عبر التاريخ، ولايعني ذلك بالضرورة أيضا عدم وجود إرادة قديمة، سيرت الإنسان عبر إرادته الحادثة (عبر عقله المتأثر بانعكاسات المادة)، لتلهمه ذلك المنهاج الذي يلتمس به الطريق نحو المجهول، حتى يبلغ المبالغ العظيمة في معرفة مساحة كبيرة من ذلك المجهول مع الزمن وتراكم التجربة..

    لن أحاول تناول موضوع ظهور الأديان وتطورها في هذه الورقة بالتفصيل، فهو أمر جليل ويتطلب من الوقت والمساحة أكثر بكثير من هذه الورقة.. وحسبي في ذلك أن أشير لأطراف من بعض النصوص التي تؤسس لهذه الفكرة، من كتابات الأستاذ محمود محمد طه.. يقول الأستاذ في كتابه "الدين والتنمية الإجتماعية" تحت عنوان (نشأة الدين والعلم والمجتمع) الآتي

    (وجد الإنسان الأول نفسه، في البيئة الطبيعية، أمام قوى رهيبة، يأتيه من قبل بعضها النفع، ويأتيه من قبل بعضها الآخر الضرر، فاهتدى إلىالمناجزة والتمليق، في آنِ معاً.. أما المناجزة فقد هدته إلى إتخاذه الآلة البدائية، وإلى إفتنانه شتى الأفانين التي بها ييسر حياته، ويؤمنها، فكانت تلك نشأة العلم التجريبي الذي تطور الآن إلى إرتياد الإنسان الفضاء بمركبات الفضاء.. وأما تمليقه فقد تمثل في تقربه، وفي تزلفه، إلى تلك القوى التي فاقت قدرته، وأعجزت حيلته.. وكان دافع التمليق الخوف منها حيناً، والطمع فيها حيناً آخر، فكانت تلك نشأة الدين.. فالدين، والعلم التجريبي، نشآ معاً، وفي وقت واحد.. وهما إنما نشآ كوسيلتين متكاملتين.. ونشآ نتيجة لمحاولة الإنسان أن يتلاءم مع بيئته.. فكلاهما -العلم التجريبي، والدين- إنما نشآ بدافع الخوف والطمع الذين استوليا على الإنسان الأول، وبخاصة الخوف.. ذلك بأن الإنسان قد وجد نفسه في بيئته الطبيعية، محتوشاَ بالعداوات من جهاته الست، فكان، من ثم، كلتا الوسليتين -العلم التجريبي، والدين- وسيلة الإنسان إلى تيسير حياته، وتأمينها..

    ولقد نشأ الدين مع نشأة أول فرد بشري، وكذلك نشأ العلم التجريبي.. وأما المجتمع فإنه قد نشأ بعيد ذلك -نشأ مع نشأة شريعة الدين- وتلك نشأة قد كانت مبكرة، ذلك بأن الإنسان الأول، بحكم ما ورثه من طور حيوانيته، قد كان نزاعا للعيش في القطيع.. وهو، الى ذلك، قد كان يحتاج هذا العيش في الجماعة لما توفره له الجماعة من أسباب الأمن في وجه جوائح البيئة، ومن أسباب التعاون على منادح كسب الرزق، ومضانكه.. فحاجته إلى العيش في المجتمع قد كانت من قبيل حاجته إلى تيسير حياته، وتأمينها.. وتلك هي الحاجة التي كانت، كما سبق أن قررنا، وراء نشأة الدين، ونشأة العلم.. ولقد إضطر الإنسان، من أجل العيش في المجتمع، إلى التنازل عن قدر كبير من حريته.. وهو، بالطبع الذي ورثه من طور حيوانيته، قد كان شديد الشغف بتحصيل شهوتي البطن والفرج، ولذلك فما كان للمجتمع أن ينشأ إلا على تقييد هاتين الشهوتين.. وكذلك قام العرف الأول على تنظيم الغريزة الجنسية، وعلى تنظيم حب التملك.. ولقد كان هذا العرف هو جرثومة القوانين، وبداية شريعة الحرام، والحلال.. ولقد كان هذا العرف الأول عنيفاً بالفرد، أشد العنف، وذلك لمكان حاجة الفرد، في ذلك الطور من أطوار النشأة، إلى الترويض، والتهذيب.. ولقد أعان ذلك العرف البدائي الإنسان الأول كل العون، على تقوية إرادته، وسيطرته على نفسه، كما خدم المجتمع، في ذات الوقت، أجل خدمة، بحفظ كيانه، وبصيانة حقوقه، مما جعل إستمراره، لمصلحة الفرد، ولمصلحة الجماعة، ممكناً..

    فالعلاقة بين الفرد والمجتمع قد قامت، من الوهلة الأولى، على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية، وحاجة المجتمع إلى العدالة.. وهو توفيق موزون، ومتمش مع ما يطيق الفرد، وما يطيق المجتمع، ومع ما يحتاجانه في ذلك الطور البدائي من أطوار نشأة الفرد، ونشأة الجماعة.. ولقد كان للدين، ثم للمجتمع، كل الفضل في نشوء الوازع الداخلي (الضمير) في الإنسان، إذ صار له إعتبار لغضب المجتمع، ورضائه، ولغضب الآلهة، ورضائها.. ودخلت، من ثم، القيمة المعنوية في إعتباره.. فهو قد يؤجل اللذه العاجلة طمعاً في اللذة الآجلة، وهو قد يستعصم عن اللذه الحسية طمعاً في اللذة المعنوية.. فمد كل أولئك في سعة تخيله، وأعانه على تنمية عقله بزيادة سيطرته على نوازعه الشهوانية..

    وهذا العرف الأول الذي نظم الغريزة الجنسية، وفرض إحترام الملكية الفردية، والذي قام عليه المجتمع، أول ما قام، قد كان شريعة إسلامية، كما كانت عقيدة التعدد عقيدة إسلامية، وكلاهما قد كان مراداً، و مرضياً، من الله.. فالإسلام هو الدين، منذ بدء الدين، ولكنه إتخذ صوراً مختلفة، في الأزمنة المختلفة، حسب حكم الوقت.. ذلك بأن الله يبدي ذاته لخلقه على قدر طاقتهم.. وإنما كان العرف الأول إسلامياً لأنه حقق غرض الإسلام بتحقيق حرية الإنسان وكرامته.. ولقد ورد الحديث في متن المحاضرة عن دين الإسلام العام، ودين الإسلام الخاص، وجاء تعريف الدين بأنه الجزاء، كما ورد الحديث عن مستوى الجزاء في الإسلام العام، ومستوى الجزاء في الإسلام الخاص، وعن العرف الأول الذي قام عليه المجتمع، أول ما قام، وهو تقييد غريزة الجنس، وتنظيمها، وتقييد حب الملكية، وتنظيمها.. وجاءت الإشارة، في متن المحاضرة، إلى علاقة هذا العرف بشريعة الحدود الراهنة في الإسلام، وهي: الزنا، والقذف، والسرقة، وقطع الطريق، مما يغني عن الإعادة ها هنا..

    وخلاصة الأمر، في هذا الباب، إن نشأة الدين، ونشأة العلم، ونشأة المجتمع، إنما كانت بدافع من حاجة الإنسان إلى تأمين حياته، وتيسيرها، مما يضع الإنسان -من حيث هو إنسان- موضع الغاية من كل سعي.. فكل شئ في الوجود إنما هو وسيلة الإنسان، كما قال تعالى، في سورة لقمان:(ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات، وما في الأرض، وأسبغ عليكم نعمه، ظاهرة وباطنة.. ومن الناس من يجادل في الله بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير) هكذا!! كل ما في الوجود إنما هو وسيلة الإنسان..).. انتهى النقل..

    من هذا النص الطويل بعض الشيء، والذي كان نقله ضروريا، نجد سردا مختصرا لتأسيس الرؤية التاريخية التي تضع الإنسان في موضعه الأصيل كالغاية من وراء كل الوسائل، من دين وعلم مادي تجريبي ومجتمع.. وتفصيل هذه النظرة مبذول في كتب الأستاذ محمود محمد طه التي تفوق الثلاثين كتابا، كتبت في الفترة بين العامين 1945 و1985..



    (2)

    كانت هذه البداية ضرورية، في نظري، لتحديد نقطة الإنطلاق لهذه الورقة.. فهذه النظرة الدقيقة التي قدمها الأستاذ محمود لنشأة الأديان والمجتمعات غير متوفرة سوى في أعماله والأعمال المستقية منها، من تلاميذه وغيرهم، وهي ليست ذات شعبية كبيرة بين الأوساط المهتمة بأمر الأديان والمجتمعات اليوم، سواءا كانت تلك الأوساط دينية عقائدية، أو كانت مادية إلحادية، أو أقرب لأحد الطرفين.. وهذه الورقة تستقي بالدرجة الأولى من هذه النظرة التي قدمها الأستاذ محمود، بفهمي الشخصي لها، وعليه فهي لن تكون في معظمها ورقة مدافعة عن أحد التيارات الكبيرة المعروفة اليوم في هذه القضية، بقدر ما هي تحاول إبانة جوانب من الفكرة التي استطاعت التوفيق السلس بين تلك التيارات، وربطها جميعا إلى جذر واحد وأصل واحد..

    يقول الأستاذ محمود أيضا في كتابه )الرسالة الثانية من الإسلام(، في جانب من تلك النظرة التوفيقية، الآتي (وكما أن الزمان، على كوكبنا هذا، يسير على رجلين، من ليل ونهار - ظلام ونور- وكما أن الإنسان يمشي على رجلين من شمال ويمين، فكذلك الحياة تتطور على رجلين من مادة وروح.. وعندما يقدم المجتمع البشري، في ترقيه، رجل المادة، ويثبتها، ويعتمد عليها، يكون في حالة تهيؤ ليقدم رجل الروح، وهو لا بد مقدمها، (كان على ربك حتما مقضيا.) ذلك بأن تقدم الحياة لا يقف إطلاقا، ولا يتأخر، ولا يكرر نفسه، وإنما يسير قدما في مدارج مراقيه، حيث تطلب الحياة أن تكون كاملة في الصور، كما هي كاملة في الجوهر. وهيهات!!)..

    شخصيا، أرى أن الإتجاهين العامين اليوم (دينية ومادية) متزمتين، كلاهما، وعقائديين، كلاهما، ومشتطين، كلاهما.. والفرق الوحيد بينهما يظهر في جانب الشطط، فعندما اشتطت الإتجاهات الدينية نحو الغيبيات والتقديس البحت، اشتطت الإتجاهات المادية نحو المادية البحتة بصورة تقديسية للمادة في حد ذاتها..

    وكليهما يعودان في شططهما بالنسبة لي إلى أصل واحد، هو محاولة تقييد المطلق.. فالمطلق، بشكل عام، موحش ومحير ومزعج للعقول بشكل كبير، لأنه يتحداها بشكل دائم ومستمر، ويعييها دوما دون أن تبلغ فيه مأربا ذي بال، مقارنة بما لم تبلغه.. لهذا أصبحت بعض العقول تحاول الإلتفاف والتحايل على المطلق! وهي في الواقع لا تتحايل إلا على نفسها.. أصبح البعض يقيد المطلق في صور عقائدية متصلبة، تدعي لنفسها الحق المطلق والمعرفة المطلقة في شتى الجوانب بشكل محسوم ولامجال فيه للنقاش.. وأصبح البعض، في الجانب الأخر، يحاول أن يضع المطلق تحت إمرة العقل، فيجعل العقل هو المقيم الأول والآخير لانعكاسات المطلق على البيئة المحيطة، بحيث يصبح المطلق نفسه لا وجود له –من الناحية الإعتبارية- خارج منطقة المادة، حيث يعمل العقل، هذا على الرغم من أن العقل نفسه لم يوجد قبل المادة، وإنما وجد بعدها، كما تقر الأديان وكما تقر الفلسفات المادية أيضا(وأكبرها الماركسية)، وهذه النظرة التقييدية للمطلق بالعقل، في تقديري لا تعدو كونها دينا جديدا وعقيدة جديدة، تسعى لتقييد المطلق أيضا كما التصورات الدينية العقائدية الغليظة، ولكن بطريقة مختلفة.. فالهدف واحد، والوسيلة تختلف..

    والمطلق لم يكن يوما في متناول أيدي البشر، ولكنه كان دوما موجودا في الصورة كعامل محفز لزيادة المعرفة وزيادة الإلمام بطرف من الغيب لم يكن معلوما من قبل.. ببساطة، إلغاء وجود المطلق يقود إلى قفل باب المزيد من المعرفة والإدراك، فالكائن البشري بديهيا لن يعمل من أجل المزيد من المعرفة إذا لم يكن لديه إيمانا بأن هناك المزيد من المعرفة التي يمكن أن يتحصل عليها.. بدون هذا الإيمان لا يوجد حافز للبشر لأن يتعلموا أي جديد، وهذا الإيمان لن يعمل ولن يكون له وجود بطبيعة الحال إلا في منطقة المطلق، فإذا حاول البعض تقييد المطلق، فهم إنما يقيدون الإيمان، وتقييد الإيمان يعني تقييد البشرية عن المزيد من المعرفة والإدراك.. لهذا لا أفهم كيف يدعي البعض أنهم يؤسسون للمزيد من المعرفة الإنسانية في نفس الوقت الذي يقومون فيه بهدم مقومات هذه المعرفة!

    ومن أعظم صور تقييد المطلق محاولة تقييد وإنكار تجارب الآخرين ورؤاهم، ومحاولة تفصيلها، قطعا ولزقا، لتواءم نظرتنا المسبقة للأمور، دون أن نعطيها الفرصة في أن تؤثر فينا أو تضع مجالا رحبا أمامنا للتفكير في ما نحمله من معتقدات مسبقة.. هذه الصورة من تقييد المطلق قام بها أهل التيارين المذكورين عاليه، فالعقائديون الدينيون ينسبون كل المنتوج الفكري لخصومهم على أنه مجرد خطرفات غير صحيحة، دون الإلتفات إلى ما عند خصومهم من دلائل مدعومة ومستساغة.. وكذلك يفعل الماديون عندما يحاولون قراءة المنتوجات التاريخية للحركات الدينية قراءة انتقائية لا تزيدهم إلا ارتياحا بقناعاتهم المسبقة بهيمنة المادة على الكائن البشري بشكل لا يملك معه فكاكا أو بصيص أمل بتكوين علاقة متجاوزة للمادة ومتعمقة في المطلق.. وكأن كلا الطرفين يستنكران على بعضهما أن يكون عند الآخر ما يمكن أن يضيفه لأخيه مما ليس في نطاق معرفته الحالية.. هنا تصبح القضية مجرد "مكابرة" نفوس متعنتة، وقاصرة عن شأو تلك المعرفة العظيمة التي تنتظر الطالبين لها..

    في هذه الورقة، سأحاول تناول صورة من صور تقييد المطلق هذه، وردت في كتاب الدكتور سيد محمود القمني (الحزب الهاشمي).. وليس الغرض من هذه الورقة صب مجمل الكتاب في خانة "الخطأ" وإنما تقييمه بمعيار محايد قدر الإستطاعة، لنرى ما له وما عليه..



    (3)

    لعله من المعروف، والمهم، أن التعامل مع التاريخ بطريقة انتقائية، بلا منهاج، لا يعدو كونه نسجا لقصة موجودة منذ البداية في ذهن القارئ أو الباحث، ثم لا يفعل إلا أنه يختار من التاريخ ما ينسجم وقصتة المنسوجة مسبقا، أو يبدو وكأنه يؤيدها..

    يبدو لي أن الدكتور القمني قد مارس هذا النوع من التعامل مع التاريخ، في جوانب كثيرة من "الحزب الهاشمي".. فمرة، في حديثه الذي حاول أن يؤسس منه لأن عبد المطلب، جد النبي، كان حنيفيا، بل كان زعيم الأحناف، أراد أن يدلل على أن أبي طالب، عم النبي، كان أيضا حنيفيا.. يورد القمني في ذلك في كتابه، رواية لابن هشام عن عبدالله بن عباس (فيروي عن ابن عباس وابن عمرو ومجاهد والشعبي وقتادة .. (ثم يؤكد أن عبد المطلب كان مؤسساً لملة واعتقاد ، فيروي عن ابن عباس وابن عمرو ومجاهد والشعبي وقتادة .. ( عن ديانة أبي طالب بن عبد المطلب ) : " هو على ملة الأشياخ …هو على ملة عبد المطلب ").. هنا نرى قراءة انتقائية واضحة، بدايتها أن تعليل القمني لقول ابن عباس (على ملة عبد المطلب) أن فيه تأكيد أن عبدالمطلب كان مؤسسا لملة واعتقاد، هو تعليل سطحي من الناحية اللغوية، وضعيف جدا من الناحية التاريخية، فكون ابن عباس قال ذلك عن ملة أبي طالب لا يعني ذلك بحال من الأحوال أنه كان يعني أن عبدالمطلب كان مؤسس ديانة، فلغة العرب لا تحتمل هذا التعليل فقط، بل هي تحتمل غيره أكثر منه.. والدليل على أن ابن عباس لم يكن يقصد أن عبدالمطلب كان مؤسسا لديانة مدعوم تاريخيا أكثر من قراءة القمني الإنتقائية هذه، فالحنيفية، والتي يزعم القمني أن عبدالمطلب كان مؤسسها، كانت معروفة قبل عبدالمطلب بكثير في أرض العرب، من بديهة ارتباطها بالنبي إبراهيم، وحيث يورد القمني ذلك بنفسه، ومن ثم يحاول أن يجعل عبدالمطلب مجددا لها بعد اضمحلالها، وهو لم يذكر دليلا على اضمحلالها قبل عبدالمطلب، وتجديدها به.. ولم يذكر لنا أيضا عن ورود أي علاقة مباشرة بين عبدالمطلب، وأمية بن أبي الصلت (أحد أشهر الأحناف العرب) وقس ين ساعدة، وغيرهما من الأحناف الذين اشتهروا في أرض العرب في تلك الفترة.. البديهة تقول "إن كان عبدالمطلب هو مجدد الحنيفية، وأن هؤلاء قد عاصروه كما يخبرنا التاريخ، فلماذا لا ترد لدينا أي حكاية تاريخية عن علاقة لهم ببعض؟ ولو حتى في حدود المعرفة العابرة؟..

    وإذا عدنا إلى استدلال القمني بما قاله ابن عباس، فسنجد أن القمني قام بقراءة انتقائية واضحة، ولنص واضح.. يرد هذا الحديث عن ابن عباس في تفسير ابن كثير للآية (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) الآتي (وَهَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر وَمُجَاهِد وَالشَّعْبِيّ وَقَتَادَة إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب حِين عَرَضَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لا إِلَه إِلا اللَّه فَأَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ أَيْ اِبْن أَخِي مِلَّة الأَشْيَاخ وَكَانَ آخِر مَا قَالَهُ هُوَ عَلَى مِلَّة عَبْد الْمُطَّلِب).. فالنص هنا يرينا القصة كاملة، وفيها أن النبي قال لعمه أن يقول (لا إله إلا الله)، اللفظة التوحيدية الواضحة، فأبى أبو طالب، وقال (أي ابن أخي ملة الأشياخ).. فإذا كان أبو طالب حنيفيا، فلم يرفض قولها، وهي لا تتعارض مع حنيفيته التوحيدية؟.. القمني هنا لم يورد القصة كاملة، وبعد كل ذلك فهو أراد أن يؤسس من تلك العبارة الناقصة لتقرير خطير جدا، هو أن عبد المطلب كان مؤسس ملة..

    أنا شخصيا ليس عندي اعتراض، من الناحية التاريخية، على أن يكون عبدالمطلب حنيفيا، أو أن يكون أبو طالب كذلك حنيفيا.. بل وليس عندي اعتراض على أن يكون النبي قد أصبح حنيفيا، قبل الظهور بدعوته، بسبب ذلك، فكل هذه الإحتمالات واردة، ولا أجد غضاضة في أن يتبناها أحد إذا رأى الإقتناع تاريخيا بها، إذ أن هناك فعلا مصادر تاريخية تذهب في تأييد هذا القول.. المشكلة هي أن سيد القمني يحاول أن يوحي أن التاريخ لا يقول بغير ذلك القول، وهذا غير صحيح، كما هو واضح..

    لقد كان ابن كثير، كمؤرخ، مثلا، على درجة مشرفة من النزاهة في هذه النقطة، حين أورد الروايات التي تواترت عنده -موضحا بذلك أن هناك أكثر من رواية- ومن ثم كان له الحق بعد ذلك في أن يؤيد إحدى الروايات أكثر إن شاء.. أما القمني، فهو لا يريد أن يوحي للقاريء سوى بأن ما يقوله هو لم يقل التاريخ غيره.. وأنا أجد في ذلك صعوبة فهم، فالقمني، كدارس تاريخي، من المؤكد أنه يمر على مثل هذه الروايات التاريخية المتضاربة، فعلى أي أساس يتبنى إحداها ويلفظ الأخر؟ أي هل هناك منهاج علمي يستخدمه القمني في عمليته الإنتقائية هذه؟.. يرد عن الكاتب والباحث منصور أبو الشافعي، في مقاله (سيد القمني ومركسة الإسلام) أن القمني يقول ("مهمتنا أبدا ليست تدقيق معلومة يعطيها لنا علماء"، وأن "المعلومات سواء كانت خطأ أم صوابا فهي ذلك المعطى الجاهز لنا من أهل التاريخ")[1].. هل هذا حقا هو منهاج القمني في استقراء التاريخ؟.. فعلى أي أساس ستكون لدراساته التاريخية مصداقية إذا، إذا كان لا يضع في اعتباره كون المعلومات خطأ أو صوابا؟ وهل للدارس التاريخي مهمة أكبر من تدقيق المعلومات التاريخية، قدر المستطاع؟.. ولعل هذا سيسوقنا إلى التساؤل: من هم "أهل التاريخ" هؤلاء الذين يقصدهم القمني، ويأخذ منهم ذلك المعطى الجاهز؟ وهل يمكننا، كقراء، أن نثق، بعد هذا التصريح، إن صح، في كتابات القمني، كمراجع تاريخية؟.. إن القمني، بمثل هذه التصريح، يناقض أكبر مبادئ الدارس التاريخي، والدارس التاريخي المادي بشكل خاص، فالماديون، إذا اعتمدوا مثل هذا التصريح للقمني، لا يمكنهم بعد اليوم أن يشككوا في أساطير الكتب المقدسة، وحكايات الشعوب، كما يسمونها، ولن يستطيعوا أن ينكروا المعجزات المتواترة في الكتب التاريخية القديمة (والكتب المقدسة منها خصيصا) كما فعل القمني نفسه.. الغريب في الأمر أن القمني نفسه قد بنى الكثير من مجده على تحليل تاريخ "الأساطير" وجرها إلى تعليلات الظواهر الطبيعية المادية، وها هو اليوم يتنكر للمنهاج الذي سمح له بفعل ذلك، وأعطى كتاباته مصداقية..

    من المعروف محاولات سيد القمني لنسب المعجزات إلى الظواهر الطبيعية، مثل حادثة انشقاق البحر للنبي موسى، ولكنه أيضا لم يستطع أن يحلل كل المعجزات التي أوردها التاريخ إلى الظواهر الطبيعية، والأدهى من ذلك أنه استخدم بعض تلك الروايات عن المعجزات لكي يدلل بها على صدق سرده التاريخي.. فها هو يتحدث في "الحزب الهاشمي" عن أن مكة صار لها صيت ورهبة بين العرب بعد حادثة الفيل، وحجارة السجيل.. يورد القمني ذلك في سياق تأكيده أن مكة كانت تسعى لتحقيق سيادتها على العرب، ويقول بأن تلك الحادثة المروية زادت من تأكيد تميز مكة عند العرب.. إذا كان القمني لا يعتمد الأسطورة في دراسته التاريخية، فكيف فات عليه تحليل هذه الحادثة؟ بل كيف يستشهد بها، ويحاول بعد ذلك أن يبدو وكأنه إنما يسرد سردا تاريخيا من مصادر "أهل التاريخ"؟.. كان ماركس، كمثال على الدارس التاريخي المادي المدقق، يرى أن قصص الكاثوليك الأسطورية عن قديسيهم ليست إلا أساطير مسروقة من العهد الوثني.. يقول في ذلك في "البيان الشيوعي" (ومعروف كيف استبدل الرهبان عناوين المخطوطات، المنطوية على الأعمال الكلاسيكية للعهد الوثني القديم، بعناوين حكايات سمجة لقدّيسين كاثوليك)[2].. إن موقف ماركس هذا هو موقف دارس تاريخي مدقق، بغض النظر عن اتفاقنا مع نتائجه أم لا.. أما موقف سيد القمني، فأنا لا أدري بماذا أصفه، إن صحت تلك الرواية عن منصور أبي الشافعي..

    وعموما، أتوقع أن أعود لتناول بعض القضايا المتعلقة بالسرد التاريخي في "الحزب الهاشمي" في النقاط التالية..



    (4)

    كان النبي على ملة إبراهيم، الحنيفية، قبل أن يظهر برسالته.. هذا أمر موثق جدا، وهو أيضا كان يرى أن رسالته هي امتداد واضح للحنيفية، وتزخر آيات القرآن بهذا المعنى، لدرجة جعلت بعض الطوائف الدينية (جماعة رشاد خليفة مثلا) ترى أن محمدا هو الرسول الثاني للإسلام، وليس الرسول الأول، حيث كان إبراهيم هو الرسول الأول.. يقول القرآن في ذلك ((ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه فى الدنيا وإنه فى الآخرة لمن الصالحين)).. ويقول ((وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)).. ويقول ((قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)).. ويقول ((ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا)).. ويقول ((وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفى هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير)).. وهذا قليل من كثير يمكن أن يورد، وما أردت بإيراده إلا التوكيد والتأسيس لما بعده.. ويرد في السيرة أن النبي نفسه كان يدعو الناس إلى الإسلام على أنه هو هو الحنيفية، دون لبس، يرد عن ابن كثير في ذلك، في نفس تفسير الآية ((إنك لا تهدي من أحببت.. الآية)) الآتي (عَنْ سَعِيد بْن أَبِي رَاشِد قَالَ كَانَ رَسُول قَيْصَر جَاءَ إِلَيَّ قَالَ كَتَبَ مَعِي قَيْصَر إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا فَأَتَيْته فَدَفَعْت الْكِتَاب فَوَضَعَهُ فِي حِجْره ثُمَّ قَالَ: "مِمَّنْ الرَّجُل ؟ "قُلْت مِنْ تَنُوخ قَالَ : "هَلْ لَك فِي دِين أَبِيك إِبْرَاهِيم الْحَنِيفِيَّة؟ "قُلْت إِنِّي رَسُول قَوْم وَعَلَى دِينهمْ حَتَّى أَرْجِع إِلَيْهِمْ فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ: "إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء")..

    وقد كان محمد سائرا على درب الحنيفية في العبادة والتأمل والإختلاء بشكل أكثر توكيدا في قرابة الخمسة عشر عاما التي سبقت بعثته.. كان يخرج ويختلي في الغار لما يقارب أو يزيد عن الشهر، في مواسم متعددة، ويصوم صياما قاسيا لأيام وليالي، ويصلي كما ترد الصلاة في الحنيفية، ويتجافى عن النوم في الليل البهيم.. حتى أن الصوفية، عبر التاريخ الإسلامي، قلدوه في هذا الأمر، واعتبروه من سنته، حتى ولو كان قبل بعثته، فسنة الرجل لغة هي "عمل الرجل وسيرته في خاصة نفسه".. والصوفية يرون أن نبوة محمد لم تبدأ عند نزول الوحي، بل بادئة منذ ولادته، ومنذ إعداده منذ ذلك الحين بواسطة الإرادة الإلهية اللطيفة ليقوم لأمره، فهو لم يصبح نبيا بين يوم وليلة، وإنما كان يعد لأمره ذاك منذ ولادته، بل ومن قبل ذلك، باعتبار بعض النصوص، حيث يرد من أقواله (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) وقوله لصاحبه جابر (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر).. ولعل هذا قريب جدا إلى ما أراد أن يشير له القمني، حين ذكر في مقدمة كتابه الآتي (رغم أننا لو استخدمنا منهج الدين ذاته بشكل أكثر احتراماً للدين نفسه ، ولله صاحب هذا الدين ، لأدركنا أن فهمنا للدين سيكون أكثر جمالاً وفهماً عندما يكون الرب متسقاً مع ذاته ، لا يخالف قوانين المفترض أنه هو واضعها ، وأنه كي يتم المراد من رب العباد وقيام نبي الإسلام بدعوته ، فإنه كان لابد من تمهيد الواقع كي يفرز نتائجه المنطقية التي تتسق مع تلك المقدمات ، وتتفق مع كمال ذلك الرب ، ذلك الكمال الذي يفترض اتساق قراراته مع قوانينه و سننه ، ناهيك عما سيحققه مثل ذلك الفهم على المستوى التربوي للعقل).. أنا شخصيا أتفق مع قول القمني هذا، بشكل عام، حسب فهمي له..

    وقد كان محمد سائرا على درب الأخلاق الحميدة، وتنقية النفس من الرعونات، منذ حداثة سنه، حتى عرف بأخلاقه في مكة قبل البعثة، وسمي "الصادق الأمين".. ويمكن أن نعتبر حياة محمد أكثر حياة مرصودة، بتفاصيلها، لقائد تاريخي، سواءا كان نبيا، أو ملكا، أو فيلسوفا، أو غيرهم.. مثل هذه السيرة التي سارها محمد قبل بعثته بسنين، كانت داعمة له عندما خرج بدعوته للناس، فهم عندما عرفوا عنه الصدق والأمانة ودماثة الخلق لم يكن من السهل لهم أن يتهموه بالكذب والتلفيق.. وقد كان ممن عرفوه من قرب أول من آمن به، لأنهم جربوه وخبروه، وحتى الذين لم يؤمنوا به ممن عرفوه عن قرب كانوا لا ينكرون ما له من الشمائل..

    ولم يتوقف محمد عن سيرة العبادة والتأمل بعد البعثة، فكان يقوم ليله دواما، حين الناس نيام في العتمة، في حضر أو سفر، وكان في المرات القليلة جدا التي لا يقوم فيها الليل يقضيه باثنتي عشر ركعة في النهار.. وموضوع قيامه صلاة الليل هو من أكثر الموثقات في سيرته المرصودة، وكذلك صيام التطوع المستمر من غير رمضان، وصيام المواصلة (صيام أكثر من يوم وليلة بشكل متواصل دون إفطار).. وقيام الليل كان مفروضا على محمد في واقع الأمر، في حين لم يفرض على أحد من أمته.. يقول القرآن في ذلك ((يا أيها المزمل.. قم الليل إلا قليلا)).. ويقول ((أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودا.. ومن الليل فتهجد به نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)).. وكان محمد يصلي في بيوت أزواجه كلها، لهذا ورد عن كل أزواجه تأكيد قيامه الليل، بهيئات متنوعة، وأنه كان يتلو بصوت لا يتجاوز حجرات أزواجه حول المسجد النبوي، وكان أحيانا كثيرا يندب أهله لقيام الليل، ويحثهم عليه، غير أنه لم يفرضه عليهم.. وكان محمد، في مستواه الشخصي ومستوى آل بيته، لا يدخر أبدا، حيث كان أكبر اشتراكي عرفه التاريخ.. لم يكن محمد يدخر مالا ليوم الغد، بل أكاد أقول أنه لم يكن يدخر حتى للوجبة المقبلة، أو الساعة المقبلة، حتى أنه كان يكره أن يلقى الله في الصلاة وهو خازن، ولو درهم، كما ترد الرواية عنه.. وفي حديثه عن الأشعريين (كان الأشعريون إذا أملقوا، أو كانوا على سفر، فرشوا ثوبا، فوضعوا عليه ما عندهم من زاد، فاقتسموه بالسوية، أولئك قوم أنا منهم وهم مني)..

    وكان عندما يبكي وهو يصلي، ويكثر من الإستغفار، ويسأل عن "لماذا يبكي ويستغفر وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟" يقول (أفلا أكون عبدا شكورا؟).. ومن الحوادث المعروفة عن أيام دعوته في مكة، خروجه لأهل الطائف لدعوتهم، ورفضهم له، وإيذائهم له قولا وفعلا، حتى تمخضت نعلاه الشريفتان بالدم، فخرج من الطائف، يناجي الله ويقول (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي.. إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟.. إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك.. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).. وكان في تواضعه لا يحب أن يشبه بأحد غير العبد، يقول (لقد خيرت بين أن أكون نبيا ملكا، وبين أن أكون نبيا عبدا، فاخترت أن أكون نبيا عبدا).. ويقول (والله ما أحب أن يكون لي مثل جبل أحد ذهبا أنفقه في سبيل الله) ..ويقول (يا آل محمد إنكم أول من يجوع وآخر من يشبع).. ويرد في جانب من إيراد خلقه الكريم، هذا المقطع من كتاب الأستاذ محمود محمد طه "طريق محمد": (وكان دائم البِشْر سهل الخلق.. أرأف الناس بالناس، وأنفع الناس للناس، وخير الناس للناس، فكان يتلطف بخواطر أصحابه، ويتفقد من انقطع منهم عن المجلس، وكان كثيرا ما يقول لأحدهم ((يا أخي وجدت مني أو من إخواننا شيئا؟؟)) وكان يباسط أصحابه، حتى يظن كل منهم أنه أعز عليه من جميع أصحابه، وكان يعطي من يجلس إليه نصيبه من البشاشة، حتى يظن أنه أكرم الناس عليه وكان لا يواجه أحدا بما يكره، ولا يجفو على أحد مهما فعل، ويقبل عذر المعتذر مهما كان فعله. وقال أنس خادمه ((خدمت رسول الله عشر سنوات، فما قال لي لشئ فعلته، لمَ فعلته ؟ ولا لشئ تركته، لمَ تركته ؟)) ((وكان بعض أهله إذا لامني، يقول: دعوه فلو قضي شئ لكان)).

    وكان يقول إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، ولم يكن يتميز على أصحابه أو يستخدمهم، ولا حتى يدعهم ينفردون بالخدمة بحضرته، وقد كان يعمل معهم في بناء المسجد، وفي حفر الخندق، ومشى على قدميه إلى بدر، حين كان يناوب بعض أصحابه على راحلته، وشارك أصحابه في إعداد الطعام بجمع الحطب، وحين قالوا له ((نكفيكه)) قال ((علمت أنكم تكفونيه، ولكني كرهت أن أتميز عليكم)) وحاول أحد أصحابه أن يحمل عنه متاعا كان يحمله من السوق لأهل بيته فأبى، وقال ((الرجل أولى بخدمة نفسه)) وكان يقول ((إن الله يكره من عبده أن يتميز على أصحابه)) وفي مرة قام بين يديه رجل، في بعض حاجته، فأخذته هيبته، فلجلج، فقال له ((هون عليك، فإني لست ملكا، وإنما أنا ابن امرأة من قريش، كانت تأكل القديد.)) فسكنت نفس الرجل، وأفصح عن حاجته، فقال المعصوم، ((أيها الناس، إني أوحي إلي أن تواضعوا.. ألا فتواضعوا حتى لايبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد وكونوا عباد الله إخوانا))..).. انتهى النقل..

    قمت بإيراد كل هذا عن سيرة محمد، لكي أدخل به على أمر مهم جدا، وهو أن أمر الأخلاق ليس أمرا يستهان به، أو يوضع موضع التكتيك والتمثيل، فهو من أصعب الأمور على النفوس، ولا يجدي فيها إلا الصدق.. وكذلك فإن منهاج التعبد القاسي في كبح جماح شهوات الجسد وتجنيات الخواطر ليس بالأمر الذي يمكن تطفيفه على الإطلاق، وأنا سأحاول العودة بتفصيل أكثر لموضوع المنهاج التعبدي للنبي وأصوله، ولكن في هذه النقطة أحب أن أتجه لأمر آخر، ألا وهو تطفيف سيد القمني لعامل الأخلاق بصورة غريبة، وكأنه يريد أن يقول أن تحلي محمد بتلك الأخلاق التي رفعت شأنه في التاريخ لم يكن إلا جزءا من تكتيك و"مؤامرة" كانت تحاك بحنكة وأناة على مدى سنين طوال، أي ببساطة أنه كان جانبا من "التمثيلية" الكبيرة التي تتيح للحزب الهاشمي سيادة العرب.. صحيح أن سيد القمني لم يقل ذلك بالحرف، ولكن كتابه ينضح بهذا التصور.. أنا لا اعتراض عندي لأن يكون تحليل القمني لكون زواج النبي من السيدة خديجة قد أعطاه راحة نفسية ليتفرغ لعمله في التأمل والإنشغال بقضايا أكبر، فهو أمر ممكن جدا، وهو ليس غريبا على معظم مؤسسي الأديان واصحاب الفلسفات عبر التاريخ، وكذلك فمن الروايات ما يؤكد أن السيدة خديجة هي التي رغبت في النبي الكريم أولا، وكان أن استطاب النبي ذلك، وتزوجها.. ومن المعروف أنه كان لا يذكرها إلا بخير، وكان يبر كل من كانت له علاقة بها، قرابة أو صلة، في تقدير ومحبة شديدتين.. ولكن تصوير القمني لا يخلو من محاولة أخرى لجعل موضوع زواج النبي من خديجة جزءا من المؤامرة الكبيرة، المحبوكة غاية الحبكة..

    ما أعنيه بكلمة "المؤامرة" هو المعنى الحرفي لها، أي أن النبي، وجده وعمه، كانوا يسيرون وفق خطة مرسومة بتفاصيل كثيرة، وهو أمر لو ثبت تحليله، في ذلك المستوى الذي يريد أن يوحي به القمني، فهو في واقع الأمر سيكون طعنا في فضائل هؤلاء، وسيكون أقرب لتصويرها على أنها كانت مجرد "تمثيل" في أغلبها.. أنا لا اعتراض لي على أن يتوجه القمني إلى كون أن النبي وآله، وخصوصا آله، كانوا يطلبون لأنفسهم أمرا جللا كسيادة العرب، فحب السيادة مجبولة عليه النفوس، والنبي نفسه ما كان ليعتزل قومه ويعيش تلك الحياة المتفردة عن أقرانه قبل البعثة لو لم يكن يشعر بأنه مختلف عنهم، فكرا وشعورا، وأنه مقبل على أمر عظيم.. ولكن تصوير هذه الرغبة، المادية في جانب منها، كمؤثر مباشر على قيم إنسانية رفيعة كتلك التي تحلى بها عبدالمطلب وأبو طالب، وفي الأول محمد، هو تصوير فيه الكثير من الإجحاف لسيرة شخص واجه الواقع بقوة وصبر، وتحلى بقامة إنسانية سامقة، مشهودة له في سيرته الموثقة والمرصودة، وهي موثقة ومرصودة أكثر من أي جانب آخر من تاريخه.. لعلها القراءة الإنتقائية مرة أخرى، التي جعلت القمني لا يستطيع أن يفسر مثل هذه القيم الإنسانية تفسيرا ماديا مقنعا، فصار يحاول، في عنت شديد، أن يلبسها جلبابا ماديا، لا ولن يسعها..

    من أمثلة محاولة القمني لتصوير المسألة على أنها "مؤامرة" قوله بأن إعداد محمد كان ليكون نبيا وملكا تأسيا بسيرة داوود النبي الذي انضوى اليهود تحت لوائه.. ولكن محمد لم يكن ملكا، كما كان داوود ملكا!.. وأبسط مقارنة بين حياة محمد وحياة داوود كقائدين تاريخيين يمكن أن توضح الفرق.. إن محاولة تشبيه القمني لمثال محمد بداوود فيه الكثير من تسطيح الرؤية، فصيغة الملك لا تشبه أبدا ما كان عليه محمد بين أتباعه، وما كان عليه في نمط عيشه في خاصة نفسه.. والتاريخ مرصود في تأكيد هذا الأمر بشكل جلي وواضح..

    الحق يقال، أن محمدا لم يتميز ذلك التميز إلا بأخلاقه، ولم يكن هناك دليل على حكمته ومعرفته ونبوته أقوى من أخلاقه، وهو القائل (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وهو لم يبلغ ذلك الشأو من الأخلاق لمجرد أنه تفرغ له، بشكل يوحي أن كل من يتفرغ لهذا الموضوع كما تفرغ له محمد سيحقق فيه ما حققه محمد.. فمحمد لم يحقق ما حققه إلا بصدق نادر، وبتجسيد واضح وظاهر لمعاني الصدق تلك، قبل البعثة وبعدها.. والإيمان برسالة الإسلام نفسها ليس إلا إيمانا بشخص محمد، فالمسلم الأول لا دليل له على صدق محمد سوى مصداقية محمد!.. أبو بكر "الصديق" مثلا، لم يصدق محمدا في رسالته، وفي حديث الإسراء، إلا لمصداقية محمد عنده، لمعرفته به.. ولكن هذا لا يعني أن المسلم لا وسيلة له للإنتقال من مرحلة العقيدة والإيمان الصرف إلى مراحل من اليقين والعلم بصدق محمد وصدق دعوته، وهو أمر سنحاول تناوله في النقاط القادمة..

    لقد طفف القمني موضوع الأخلاق تطفيفا غريبا.. فالحق أن موضوع الأخلاق هذا هو المحك الأساسي، وبه تظهر دعوى صاحب كل دعوى.. كان السيد المسيح يقول لأصحابه أن يحذرو الأنبياء الكذبة، وعندما سألوه (كيف نعرفهم) قال لهم (بثمارهم تعرفونهم)، وهل هناك ثمار تعرف أوضح من الأخلاق؟.. والقمني يشاهد ويرى من كتب السيرة والتاريخ ما هو مكتوب وموثق عن أخلاق محمد، وهو لم يتناولها بالتشكيك في كتابه هذا، كما أن الشواهد الواقعية عليها كثيرة، فليس لشخص أن يحوز مثل التقديس الذي كان لمحمد من أصحابه، والشهادة التي كانت له من أعدائه، لو لم يكونوا قد رأوا فيه تلك الشخصية الفذة النادرة.. فالنبي، إذا، لم ينفق قرابة الخمسة عشر عاما من عمره، في العبادة والتأمل والرياضة الروحية القاسية، من أجل الخروج بتشريع مجتمعي فقط.. والدين بشكل عام، والإسلام بشكل خاص، في كتابه وسنة نبيه، لا يركز أساسا على المجتمع أكثر من تركيزه على الفرد.. ذلك لأن الدين لا يضع العربة أمام الحصان، فيجعل الفردة وسيلة للمجتمع، فالفرد كان موجودا قبل المجتمع، وهو من ثم اخترع المجتمع لمصلحته هو، أي أن الغاية الأساسية من المجتمع هي الفرد.. فالفرد هو الغاية، والمجتمع، والدين، هما وسيلتاه.. هذا الأمر الواضح فات على أكثر الماديين حنكة وذكاءا، عبر التاريخ الطويل للفلسفات المادية، والمحاولات المستقية منها..



    (5)

    في صحيفة الناشونال جيوجرافيك (National Geographic) في عدد مارس 2005، كان ملف المجلة الرئيسي عن الدماغ، والعقل.. باعتبار أن العقل هو وظيفة الدماغ.. قام بعض الباحثين الغربيين المتخصصين في دراسة الوظيفة العضوية للدماغ بإجراء بعض الدراسات على رهبان بوذيين من التبت، حيث قاموا بدراسة نشاط أدمغة بعض المتبرعين من الرهبان، وبرعاية الدالاي لاما، زعيم التبت..

    قامت الدراسة على أساس نتائج معطاة أثبتتها دراسات سابقة لنشاط الدماغ، وهذه النتائج تقرر أن النشاط الملحوظ في الغشاء الأمامي الشمالي للدماغ (Left Pre-Frontal Cortex) يدل على مشاعر أكثر إيجابية (سعيدة) لدى صاحبه.. وعلى العكس، فإن النشاط الملحوظ في الغشاء الأمامي اليميني للدماغ (Right Pre-Frontal Cortex) يدل على مشاعر أكثر سلبية عند صاحبه.. أثارت النتائج التي أجريت على الرهبان شيئا من دهشة المتخصصين، حتى قال أحدهم عن أحد الرهبان الذين خضعوا للتجربة (باعتبار هذه الدراسة، فهذا الراهب، علميا، هو أسعد رجل في العالم!)..

    ما أردنا الإشارة به من هذه الدراسة هو أن البوذية عندها منهج معين في الوصول إلى السعادة، وهو منهاج ديني، بالمعنى الأصيل للدين، أي أنه منهاج فكري يصل بنا إلى الأصول القائمة وراء ظواهر الشكول.. ومنهاج البوذية أساسه هو تخليص العقل من قيد الجسد، أو قيد شهوات الجسد، بالمعنى الأدق، ليصبح العقل حرا فعلا، فيصبح مستعدا لتنعكس عليه أسرار المعارف الكونية.. هذا الأساس المنهاجي هو نفس الأساس عند سائر الحركات الصوفية في الأديان، وخصوصا الحركة الصوفية الإسلامية، وهو منهاج مستمد من أصول الدين الإسلامي، في سنة النبي الكريم، حين ذكرنا عاليه ضروبا من عبادته الشديدة والطويلة قبل بعثته، وبعدها، في الصلاة، وقيام الليل، وإكثار الصيام، وقلة الطعام والكلام والمنام..

    وهذه الدراسة التي أجراها المتخصصون، لم يجروها على أصحاب منهاج تصوفي آخر غير البوذيين، ولهذا فإن نتيجتها لا تعني أنها متعلقة فقط بالرهبان البوذيين، وإنما هي متعلقة، في الأساس، بنوع المنهاج الذي يسلكه هؤلاء الرهبان في تحرير العقل، وهذا المنهاج في أصله واحد عند بقية المتصوفة في العالم، غير أن تفاصيله تختلف.. وتختلف تفاصيله من ناحية الشرع، أي من ناحية تشريع العبادات والمعاملات.. وبهذه التفاصيل تتفاوت هذه المناهج في قدرتها ونجاعتها..

    فالبوذيون مثلا، عندهم شرائع تعبدية معينة مرسومة عندهم في دينهم، من تلاوة الصلوات، والصيام، وغيرها من الرياضات الروحية المعروفة لديهم.. وهذه الشرائع ليس عندها تبرير موضوعي واضح منذ الوهلة الأولى، فتلاوة الصلوت التي يقوم بها الرهبان في المعابد ليس عندها تبرير موضوعي واضح يري الشخص كيف هي مفيدة في عملية تحرير العقل، ولكن هذا العمل التشريعي يأتي بنتائج واضحة، كتلك التي أثبتتها الدراسة المذكورة أعلاه.. ونفس الأمر يمكن أن يقال عن صلاة المسلمين، في تقليد النبي الكريم، وصيامهم، وغير ذلك من التشاريع التعبدية التي أتى بها الإسلام..

    فدليل الشرع لا يوافق دوما دليل العقل، ولكن غايته تكون في الأساس هي تحرير العقل.. ولأن العقل البشري، عند المناهج الصوفية، قاصر جدا في بداياته، بسبب تقيده برغبات الجسد، فإنه يحتاج إلى منهاج يحرره من رغبات الجسد هذه قبل أن يصح الإعتماد عليه في تحصيل المعارف الكونية.. مثلا، لا يعرف المسلم العادي اليوم الحكمة في كون صلاة العصر أربع ركعات، وصلاة المغرب ثلاث، وصلاة الفجر اثنان، ولا يعرف كذلك الحكمة من الحركات المعينة التي يقوم بها في كل ركعة، كما أنه لا يعرف الحكمة من الوضوء، مثلما لا يعرف الراهب البوذي المبتدئ الحكمة من وراء شرائعة التعبدية المفروضة عليه.. ورغم ذلك، فإن متابعة هذه الشرائع التعبدية، بإيمان والتزام وتفكر مستمر فيها، هو منهاج في حد ذاته، يخرج العقل من الإنقياد للعادة، ويدخله في مجال إعمال الفكر في ما يأتي وما يدع..

    فالعبادة، إذا، في الأديان، ليست مجرد شعائر تؤدى دليلا على اعتناق الدين، ولكن غايتها أسمى من ذلك بكثير، ومن المؤسف أن معظم أصحاب الأديان اليوم، والمسلمين منهم بكل تأكيد، لا يعون هذه المسألة، فتجري ألسنتهم وجوارحهم بما يمليه عليهم دينهم من عبادة، دون أن يتفكروا فيها، وتصبح عندهم مجرد عادة.. وآفة كل عبادة أن تصبح عادة، لأن العبادة هي في الأساس منهاج ينتقل به الفرد من حياة العادة -حياة الحيوان- إلى حياة الفكر –حياة الإنسان- فالفكر، في واقعنا اليوم، أجنبي عن الإنسان.. معظمنا اليوم يعيش بالعادة، وليس بالفكر.. والمنهاج الديني هو المنهاج الذي يدخل الفكر في حياتنا، بحيث نتفكر في كل حركاتنا وسكناتنا، لترتاض عقولنا، وتقوى، وتستحصد، وتكون بعد ذلك جديرة بتحصيل المعرفة الكونية.. لهذا كان النبي يعلمنا حتى عندما ندخل الخلاء، ندخل بأي قدم، وعندما نخرج، نخرج بأي قدم، وغير ذلك من التفاصيل الدقيقة في حياة الشخص..

    والغرض من هذه الأمور ليس هو فعلها في حد ذاته، وإنما هو إعمال الفكر بشكل دائم، بحيث يكون فكرنا متصلا، دون فجوات، أو سهوات.. هذه القيمة، بطبيعة الحال، غائبة اليوم عن الأغلبية الساحقة من المسلمين.. ولعل أفضل المصادر التي تبين قيمة العبادة اليوم، كمنهاج فكري، هي كتب الأستاذ محمود محمد طه، وبعض كتب تلاميذه، ونحن نرشح كتاب (تعلموا كيف تصلون) و(رسالة الصلاة) و( طريق محمد).. وكتاب (الصوم ضياء والصلاة نور) للأخوان الجمهوريين.. وكل هذه الكتب موجودة في موقع الفكرة الجمهورية على شبكة الإنترنت [3]..

    وبناءا على ما ذكرنا هنا، فإن حديث القمني عن التشاريع التعبدية عند المسلمين، من صلاة ووضوء وصوم، وعن أنها تشبه إلى حد بعيد تلك الصور التعبدية عند الديانة الحنيفية، حديث القمني في هذا المضمار لا عبرة به.. فماذا لو كان فعلا هذا صحيحا؟ إنه ببساطة لن يزيد إلا توكيدا على حصافة المنهاج التعبدي الذي طرحه النبي الكريم، وعلى حصافة المنهاج الذي اتبعه هو –منهاج إبراهيم- قبل أن يخرج بمنهاجه التعبدي الخاص في رسالته الجديدة.. فالمعروف عن النبي أنه كان يصلي قبل ليلة الإسراء والمعراج، وهي الليلة الوارد في التاريخ أنها الليلة التي فرضت فيها الصلوات عليه وعلى أمته.. والمعلومتان هاتين في واقع الأمر لا تناقضان بعضهما إطلاقا، فالنبي كان يصلي قبل المعراج، والذي حدث أن صلاته اتخذت شكلها المعروف اليوم بعد ليلة المعراج، حيث تم تصحيحها له لتفي بقامته، ووضعها في قالب أصيل غير مسبوق لأحد قبله، وليس هو نفس القالب الذي كان به يقلد عبادة إبراهيم الخليل، ولا مانع من أن تكون هناك تشابهات كثيرة بين القالبين، ولكنها ليست نفس الصلاة تماما بأي حال من الأحوال، أو حتى الوضوء، أو التيمم.. كما أن الوضوء والصلاة هما في الأساس ليستا صيغتان تعبديتان اختص بهما الإسلام والحنيفية فقط، بل الحق أن الكثير من الأديان من قبل الإسلام، وربما من قبل الحنيفية، عندها صور، يومية أو موسمية، من الوضوء والصلاة، والصوم، والحج أيضا..

    ومن ما يرد عن عائشة أيضا أن الصلوات الخمس كانت قبل الهجرة قد فرضت "ركعتين ركعتين" بمكة، فلما قدم النبي إلى المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين، "إلا المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الفجر لطول قراءتها، وكان إذا سافر صلى صلاة الأولى (أي التي فرضت بمكة)"[4].. وهذا الأمر أيضا، إن صح، فليس فيه ما يثير الشك أو الجزع.. بل هو مما يجب أن يثير التفكر في أصل المنهاج التعبدي، والغاية من ورائه..



    (6)

    ونفس ما يقال عن حديث القمني عن الصلاة والوضوء والصوم، يقال أيضا عن حديثه عن الكعبة المشرفة بمكة.. فهو أيضا حديث لا عبرة به.. فالكعبة لم تكتسب تشريفها في الإسلام أساسا لأنها كانت الكعبة الوحيدة في أرض العرب، ولم يقدس الحجر الأسود لهذا أيضا، أو لغيره من الأسباب التي ذكرها القمني في فصل (الكعبات) في كتابه.. لقد قام تقديس كعبة مكة، في الإسلام، وتمييزها عن باقي الكعبات في أرض العرب بدليل الشرع، لا بدليل العقل.. ولكي نبين هذا الأمر بصورة أفضل يحسن بنا أن نتحدث عن مواقف للنبي الكريم، ولبعض كبار الصحابة، تجاه الكعبة، حتى تظهر الصورة جلية..

    يرد حديث مشهور للنبي، من صحيح البخاري، أن النبي قال لعائشة ("ألم تري أن قومك حين بنوا ‏الكعبة‏ ‏اقتصروا عن قواعد ‏ ‏إبراهيم"، ‏قالت: فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد ‏إبراهيم‏، ‏فقال رسول الله‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏"‏لولا حدثان ‏‏قومك ‏بالكفر لفعلت".. فقال ‏عبد الله بن عمر: ‏لئن كانت ‏عائشة‏ ‏سمعت هذا من رسول الله‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ما أرى رسول الله‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن ‏ ‏البيت‏ ‏لم يتمم على قواعد ‏إبراهيم).. انتهى..

    هذا الحديث يخبرنا أمرا واضحا، هو أن أهل مكة، عندما أعادوا بناء الكعبة، قبل بعثة النبي، لم يقيموها على نفس قواعد إبراهيم المعروفة عندهم، وإنما قصروا عنها، ويروي الإمام مالك أن "قصور النفقة" كان هو السبب وراء عدم تتميمهم للبناء ليحتوى قواعد إبراهيم.. وقد شارك النبي في هذا البناء المذكور، قبل بعثته، حيث كان هو الذي جاء بالإقتراح الشهير في وضع الحجر الأسود حين كادت تقتتل القبائل على شرف وضعه.. هذا الحديث يخبرنا أمرا واضحا، وهو أن الكعبة، حقا، لم تقدس كما هي اليوم بسبب من أنها فعلا بيت الله الذي بناه إبراهيم بحذافيره "حسيا"، وإلا لما كان يجوز عند النبي التهاون في إرجاعها لمكانها الصحيح عند قواعد إبراهيم، ولو اضطره ذلك إلى هدمها وإعادة بنائها.. ولكن النبي آثر تركها كما هي لقوله لعائشة (لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)، فهو آثر أن لا يستثير مشاعرهم الدينية، التي ما زال فيها بقايا جاهلية، بهدم الكعبة أو جزء منها.. وفي قول عبد الله بن عمر المذكور أعلاه مع الحديث أيضا عبرة، فهو يقول أن النبي لو كان مأمورا بالشرع بأن يرد الكعبة إلى قواعد إبراهيم لفعل، ولكن الشرع لم يلزمه بذلك، وهو كان من الممكن أن لا يذكر هذا الأمر إطلاقا، ولكنه ذكره وأظهر أنه على علم به، ورغم ذلك لم يغير فيه شيئا، سوى أن المعروف أن الطواف بالكعبة اليوم يجب أن يحتوي الطواف بقواعد إبراهيم أيضا، وكأن القواعد ما زالت قائمة معنويا، ولكنها غير قائمة حسيا في الكعبة.. يقول الإمام مالك في كتابه (الموطأ) عن هذا الأمر (والنبي صلى الله عليه وسلم كان يريد استئلافهم ويروم تثبيتهم على أمر الإسلام والدين يخاف أن تنفر قلوبهم بتخريب الكعبة ورأى أن يترك ذلك وأمر الناس باستيعاب البيت بالطواف أقرب إلى سلامة أحوال الناس وإصلاح أديانهم مع أن استيعابه بالبنيان لم يكن من الفروض ولا من أركان الشريعة التي لا تقوم إلا به , وإنما يجب استيعابه بالطواف خاصة وهذا يمكن مع بقائه على حاله).. وقد كان الإمام مالك على كبير حق في هذا التعليل..

    هذه الواقعة فيها جانب كبير من تبيين أساس تقديس الكعبة، وتشريفها في الدين الإسلامي، وكذلك الحجر الأسود.. فالبيت والحجر لم يقدسا في ذاتهما، لأنهما فعلا مكان سكن الله، وإنما قدسا بدليل الشرع، وأطلق على البيت "بيت الله" كما كان يسمى في الجاهلية، بدليل الشرع، ولولا دليل الشرع لما كانت لهذا البيت أي قداسة، ولما كان يعدو أن يكون طينا وحجرا، كغيره من الطين والحجر.. ومن الوارد في التاريخ أن عمر بن الخطاب كان يخاطب الحجر الأسود، في مرة كان يطوف بها بالبيت بعد وفاة النبي، وقال له ما معناه (والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع.. ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك لما فعلت).. عمر بن الخطاب، في قوله هذا، وضع الصورة الواضحة لسبب تقديس البيت والحجر، وهو لأن دليل الشرع يقول بذلك، فلو كان تقديسهما لذاتهما لما قال عمر ما قال للحجر الأسود من أنه حجر لا يضر ولا ينفع.. ولعل هذا أيضا يشير إلى أهمية أن يعي المسلمين اليوم أن التقديس للحرم المكي ليس مقصودا في ذاته، وإنما المقصود منه اتباع دليل الشرع، حيث أن دليل الشرع هو الذي يأخذ بيد المسلم إلى تقوية دليل العقل.. فالأمر البديهي أن الله أوسع بكثير من أن تحيط به أربعة جدران وسقف، وهو القائل في الحديث القدسي (ما وسعني أرضي ولا سمائي، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن)..

    يقول الشيخ الصوفي الشهير، محي الدين ابن عربي، في أبيات له:

    يطوف بقلبي ساعة بعد ساعة.. لوجد وتبريح، ويلثم أركاني
    كما طاف خير الرسل بالكعبة التي.. يقول دليل العقل فيها بنقصان
    وقبل أحجارا بها، وهو ناطق.. وأين مقام البيت من قدر إنسان

    يريد ابن عربي هنا أن يقول أن دليل العقل يقول بنقصان هذه الأحجار التي طاف بها الرسول، وهو خير البرية.. والمغزى هنا أن دليل العقل ليس هو الأولى بالإتباع دوما في المنهاج الديني، وإنما يكون دليل الشرع هو الأولى بالإتباع، لأن دليل الشرع هو الوسيلة التي بها يقوى العقل، ويستحصد، ويصبح بعدها دليله ذي قيمة، إذ أن العقل يحتاج للترويض والتحرير من مزالق الهوى قبل أن يصبح حكما منصفا.. هذا هو السبب الوحيد لطواف الرسول حول هذه الكعبة، وهو أشرف منها بما لا يقاس (وأين مقام البيت من قدر إنسان؟)..

    إن موضوع الدين، والتشريع الديني في العبادات، هو أمر دقيق غاية الدقة، وفيه حكم بالغة، يقصر عنها الكثير ممن يظنون أن العقل البشري الغير مروض قادر على سبر أغوارها ونقدها.. يقول علي بن أبي طالب (ما شاد الدين أحد إلا غلبه).. وهذه المشادة ليست صفة من صفات الرافضين للمنهاج الديني فقط، بل هي أيضا صفة من صفات الزاعمين أنهم حماة ذلك المنهاج أيضا، وهم أبعد الناس عنه.. ولعل حديثنا هذا في هذه النقطة، رغم طوله، ليس كافيا لتوضيح دقة هذا الأمر.. وعزائنا الوحيد في أنا قد أشرنا للقراء إلى الكتابات المسهبة التي تتناول الموضوع بدقة أكثر..



    (7)

    انتهى الدكتور القمني إلى سرد قصة فيها من الدراما والحبكة "الأسطورية" ما هو أكبر من القصة المألوفة، في كثير من جوانبها، لحياة محمد، وحياة مكة، قبل وبعد البعثة.. فنظرية المؤامرة، البادية في كتاب القمني، هي أكثر النظريات "أسطورية" عبر التاريخ، وهي تصف الإنسان بالقدرة الخارقة على حبك الأحداث، وتسييرها في اتجاه مصلحته، بحيث (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها)!.. نظرية المؤامرة، ببساطة، هي وثنية، قديمة جديدة، تؤله أشخاصا بعينهم بنسب تلك القدرات الغير طبيعية لهم، وتنسى الأسئلة المهمة (لماذا هم بالذات؟ ومن أين جاؤوا بهذا؟)..

    فالقمني، مثلا، انتهى به الأمر لتقديس عبد المطلب، جد النبي، بشكل واضح، لا تغني في إخفائه الحيل.. فقد نسب القمني لعبد المطلب تقديرات من التآمر لا تقدر عليها جموع مجتمعة، وحاول بعد ذلك أن ينسب فضل سيادة بني هاشم على قريش بالرسالة كله إلى عبد المطلب.. إسمعه يقول (وبما أن لكل مجتهد نصيباً ؛ فقد أتت مساعي عبد المطلب وجهوده التي لم تكل بثمارها، واتبعه على ملته الإبراهيمية وعقيدته الحنفية، التي لم يستنكف المؤرخون والباحثون من نعتها بـ " دين عبد المطلب "(31). ومن هؤلاء التابعين ( وفيهم السابقون المهدون ): قس بن ساعدة الإيادي، وأمية بن أبي الصلت، وأرباب ابن رئاب، وسويد بن عامر المصطلقى، ووكيع بن سلمة بن زهير الإيادي ، وعمير بن جندب الجهني، وأبو قيس صرمة بن أبي أنس، وعامر بن الظرب العدواني، وعلاف بن شهاب التميمي، والمتلمس بن أمية الكناني، وزهير بن أبي سلمى، وخالد ابن سنان بن غيث العبسي، وعبد الله القضاعي، وكعب بن لؤي بن غالب، وعبد لطابخة بن ثعلب، وزيد الفوارس بن حصين، وزيد بن عمرو بن نفيل (32)، وأكثم ابن صيفي، وأبو قيس بن الأسلت، وحنظلة بن صفوان، وغيرهم كثير، وبانتشار الأيديولوجيا الحنفية بدأ أتباعها يتنافسون في التقوى والتسامي الخلقي؛ عل أحدهم يكون نبي الأمة وموحد كلمتها، حتى شكلوا " تياراً قويا، خاصة قبل ظهور الإسلام بفترة وجيزة" (33))[5].. انتهى النقل..

    انتهى الأمر بالقمني إلى نقل الملكية الفكرية لأصول الإسلام من محمد إلى جده! وكأنه بذلك فعل شيئا، أو قدم حلا!.. ولسنا بحاجة لتكرار ما ذكرناه عن تحليل القمني التاريخي لكون عبد المطلب هو مجدد الديانة الحنيفية في أرض العرب، فهو تحليل مختل وبه الكثير من الثغور، وفيه الكثير من إعمال الرأي بواسطة التخمين، والقراءة الإنتقائية لكتب التاريخ، بشكل يسلب ذلك التحليل أي مصداقية علمية..

    ولن يفيد القمني ذكر هذه الأسماء الكثيرة من الأحناف، إذا لم يذكر أي دليل تاريخي على لقائهم بعبد المطلب، وتأثرهم به، وهذا ما لم يفعله..

    وحديث القمني، مثلا، عن تشابه ما جاء من أشعار أمية بن الصلت مع ألفاظ آي القرآن، ليس به كثير عبرة أيضا.. فقد كان بعض الصحابة، من كتبة الوحي، من يرد الوحي على لسانهم، فيكتبونه بأمر النبي، كما يخبرنا التاريخ.. الموضوع ليس "أمية بن الصلت" وحده، ولو أن شخصية بن الصلت نفسها وما ينسب لها من الشعر هي محل الكثير من الشكوك التي لا رادع لها من التاريخ الموثق.. الموضوع يتعلق بلغة القرآن ومخاطبته لأناس لا يمكن أن تكون لغته وأمثاله وتعابيره وقصصه بعيدة عنهم كل البعد، وغريبة عنهم كل الغرابة.. لو كان القرآن كذلك، لما أفلح في أن يجعل الناس ينصتون له، أيا كانوا.. القرآن خاطب قريش والعرب بلغتهم، وأمثالهم، ومعالم بيئتهم، وكثير من قصصهم.. يقول تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو السميع العليم).. إن تفسير قوله (بلسان قومه) على أنه (بلغتهم) فقط، هو قول يحتاج إلى مراجعة.. فالمرء منا يمكن أن يتحدث بالعربية لأناس عن أشياء لم يروها، وليس عندهم أي مثل يقربهم لها، وبالتالي فهم لن يفهمونه، رغم أنه تحدث معهم بلغتهم.. لقد خاطب القرآن قريش ومن حولها بلسانهم، وهم قوم النبي، وفهموا معانيه وأحاديثه لأنها ليست غريبة عليهم كل الغرابة، وليست بعيدة عن ثقافتهم، فإن كان أمية بن الصلت، مثلا، قال شعرا في حادثة الفيل، فما الذي يمنع أنه هو نفسه أخذ عباراته من لسان قومه، وتشبيهاتهم؟ وما الذي يمنع أن هذه التشبيهات والتعبيرات هي نفس التي استخدمها القرآن في سياقه ليسرد الواقعة؟ أفليست مخاطبة الناس بلسانهم تكون هكذا؟ المسألة ليست فيما إذا تطابقت تعبيرات القرآن مع ألفاظ أمية بن الصلت، أو ألفاظ الصحابة من كتاب الوحي، أو غير ذلك مما تآلف عليه مجتمع مكة ومن حولها، ولكن المسألة الأساسية تكمن في محتوى هذا الخطاب الذي قدمه القرآن للناس، وجسده لهم النبي في اللحم والدم (كان خلقه القرآن).. المسألة الأساسية تكمن في طريقة هذا القرآن في تعليم الناس، وسوقهم من أبسط وجوه اللغة، وأقربها لهم، ليوغل بهم في أمر الدين وحقائقه برفق وأناة (إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق)..

    القرآن ليس مجرد لغة، وما هو كذلك إلا لمن احتجب عنه بحجاب اللغة، وظل قابعا خلفها.. وهذا هو حال معظم المسلمين اليوم، وكثير من مدارسهم الفقهية الغابرة والحاضرة، كما هو حال الناظرين له بعين النقد المزعوم.. هذا بالرغم من أن القرآن نفسه يوضح منهاجه لمن يريدون الأخذ به بوضوح، إذ يقول (واتقوا الله ويعلمكم الله، والله بكل شيء عليم)..



    (8)

    من المؤكد أن هناك الكثير من النقاط التي لم يتم تناولها، مما جاء في كتاب (الحزب الهاشمي)، في هذا المكتوب.. ولعل النقاط التي تناولها المكتوب هي أهم النقاط، من وجهة نظري، وتعتمد النظرة فيها على النظرة للنقاط الأخرى التي وردت في الكتاب موضع النقد..

    ولكن بصفة عامة، فتحليل موضوع ظهور الإسلام، وانتشاره، لا يستند عندي، ولا يقوم على محاولة إيجاد التبريرات، وربط القصص ببعضها، في محاولات قد تصيب أو تخطئ.. يخطيء الكثير من محللي التاريخ اليوم عندما يعاملون الظاهرة التي ظهرت في أرض العرب، في القرن السابع الميلادي، معاملة مادية بحتة، يحاولون فيها بشتى السبل أن ينسبوا العوامل التي صنعتها للأوضاع السياسية والإقتصادية وحسب.. كما يخطئ أيضا أولئك الذين يلحقون المسألة كلها بالبهموت، ويضعون لها صورا خيالية، لا تمت لأرض الواقع بصلة.. الطرفان، في نظري غير واقعيين.. فالواقع أساسا يخبرنا أن البيئة التي نعيش فيها مكونة من عنصرين، مادة وروح، وأن البشرية سائرة ومتطورة من بدايتها اتكاءا على هذين العنصرين… فإذا حاولنا نحن اليوم تحليل أي حقبة من الحقب التاريخية بواسطة عنصر واحد، دون اعتبار الآخر، فنحن خرجنا عن العلمية، والموضوعية، والواقعية، وإن ادعيناها.. ولعله من أوضح سمات الغفلة في تحليل التاريخ الإسلامي عند الكثير من المحللين التاريخيين اليوم هو تجافيهم الغريب عند دراسة الفكر والتاريخ الصوفي الإسلامي، رغم أن المدرسة الصوفية الإسلامية هي أكثر المدارس الإسلامية عمقا في الفكر، ونموذجا في التجسيد لقيم الإسلام الحقة عبر تاريخ أهلها.. حتى الكثير من أولئك الذين حاولوا دراسة تلك المدرسة من الناحية التاريخية لم يستطع معظمهم أن يكون بالعمق والحياد المطلوب، ومن كان منهم على قدر مقبول من العمق لم يحظى بالإهتمام الإعلامي الذي يستحقه.. وفي واقع الأمر، قولا واحدا، لا يوجد في تاريخ الإسلام، قبل هذا العصر، مدرسة فكرية مثلت الإسلام كما مثلته المدرسة الصوفية فيه..


    قصي همرور
    أبريل 2005


    [1] منصور أبو الشافعي – سيد القمني ومركسة الإسلام- مارس 2005
    http://www.islamonline.net/arabic/arts/2004/10/article05.shtml

    [2] كارل ماركس و فردريك إنجلز – بيان الحزب الشيوعي – مايو 2004
    http://www.annahjaddimocrati.org/pages/theorie/maifest_comuniste.htm

    [3] موقع الفكرة الجمهورية – لمحات من فكر وحياة الأستاذ محمود محمد طه
    http://www.alfikra.org

    [4] فقه السنة – السيد سابق – المجلد الأول، الطبعة الشرعية الثامنة – صفحة 248

    [5] سيد القمني – الحزب الهاشمي – بنو هاشم من التكتيك إلى الأيدولوجيا
    http://www.sonsofi.org/hashemy_index.html

    (عدل بواسطة Yaho_Zato on 04-08-2005, 09:50 PM)

                  

04-04-2005, 08:39 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الحزب الهاشمي.. وحول جذور الأديان.. (Re: Yaho_Zato)
                  

04-08-2005, 03:40 PM

قصي مجدي سليم
<aقصي مجدي سليم
تاريخ التسجيل: 03-09-2004
مجموع المشاركات: 1091

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الحزب الهاشمي.. وحول جذور الأديان.. (Re: Yaho_Zato)

    up
                  

04-09-2005, 09:43 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن الحزب الهاشمي.. وحول جذور الأديان.. (Re: قصي مجدي سليم)

    شكرا أخي العزيز قصي (سيد الإسم) على اهتمامك، وعلى رفع الخيط..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de