الدكتور القراي (تعقيب على ورقة د. غازي صلاح الدين )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 04:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-02-2005, 05:25 AM

قصي مجدي سليم
<aقصي مجدي سليم
تاريخ التسجيل: 03-09-2004
مجموع المشاركات: 1091

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الدكتور القراي (تعقيب على ورقة د. غازي صلاح الدين )

    تعقيب على ورقة د. غازي صلاح الدين "دعوة لإحياء العمل الاسلامي"
    فاقد الشئ لا يعطيه!!

    (قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا يا ويلنا إناكنا طاغين)!!
    صدق الله العظيم

    في محاولة تتسم بقدر كبير من التضليل ، ونذر يسير من الصدق ، سعى د. غازي صلاح الدين العتباني عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، لرأب التصدع ، وتهدئة التناحر ، ومحاولة لم الشمل ، بين اعضاء الجبهة الاسلامية ،استعداداً للمرحلة القادمة. ولقد تعرضت الورقة ، التي قدمها في حلقة النقاش ، التي نظمتها هيئة الأعمال الفكرية ، وعقدت بقاعة الزبير للمؤتمرات ، لنقد للتيار الحاكم من الجبهة ، والتيار المعارض ، بصفة عامة ، مما جعلها تعبر عن راي قطاع واسع ، وسط اعضاء الجبهة ، يرى ان ما حدث من شقاق ، وتراشق ، واعترافات على انفسهم بظلمهم لبعضهم ، ولغيرهم ، ما كان ينبغي ان يحدث ، بين جماعة تزعم انها قد اتت بالاسلام الصحيح ، وتريد تطبيقه على المجتمع .
    على ان من يقرأ بتعمق ، يرى بوضوح ، انما حرك د. غازي في هذا الوقت ، بالذات ، ليست دواعي الاخاء الديني ، وروح المحبة الاسلامية الخالصة ، وانما هو التحولات الكبيرة ، التي فرضت على حكومة الجبهة بارادة دولية ، وهي لا تملك لها دفعاً . ذلك ان دخول اطراف أخرى في السلطة ، انما يحرم الجبهة من استغلال كافة طاقات ، وامكانات البلاد لخدمة اغراض تنظيمها السياسي ، كما كانت تفعل من قبل ، وضياع المكاسب المادية ، التي كانت المحرك الاساسي ، انما يزيد من تفكك الجماعة ، و يهددها بالفناء!!
    يقول د. غازي (فاتفاقيات السلام تعيد تشكيل البلاد بصورة جذرية والعلاقات والتحالفات التي تنشأ في ظل الواقع الجديد ليست بواضحة المعالم ولا مؤكدة الخواتيم . ويجري هذا في وقت طغت فيه رؤية مستفردة للنظام الدولي تنحو باستمرار الى فرض صيغها ووصفاتها العلاجية بأسلوب يلغي مفاهيم السيادة الوطنية التي سادت النظام الدولي القديم . وليس السودان بمفازة من هذه الإرادة الجديدة ، ومساحات العمل والمبادرة تتقلص امام الدولة بسبب تلك التحولات الجذرية)[1] .. فلو لم تكن الدولة مضطرة ، لما سمحت للنظام الدولي ، ان يفرض عليها وصفاته العلاجية ، التي من ضمنها ، اتفاقية السلام .. هذا ما اراد د. غازي ان يوصله لشباب الجبهة الذين كانوا يستمعون له!!
    ولعل خطورة مثل هذا الاتجاه ، تكمن في انه ينطوي على تحريض مستتر، للتنصل عن الاتفاقية ، متى ما سمحت الظروف ، بحجة انها لم تكن في الاساس ، متفقة مع مبادئ الجماعة الاسلامية ، وانما اضطرت لقبولها اضطراراً.. وهو في نفس الوقت ، محاولة لتبرير الاتفاقية ، بفقه الضرورة ، امام الجناح المتطرف من الجبهة الذي يرى فيها تنازلاً عن الجهاد ، وخيانة لأرواح القتلى ، الذين كانت الجبهة تعتبرهم شهداء ، وتملأ الاعلام ، والمآتم ضجيجاً ، بالحديث عن الحور العين ، اللائي ينتظرنهم!!
    و د. غازي نفسه ، لا يؤمن في دخيلة نفسه ، بالسلام!! رغم انه كان مستشار الحكومة للسلام ، و ممثلها في مفاوضات السلام .. ولعل هذا ما كان يعوق محادثات السلام ، فلم تنجح الا بعد ابعاده منها. فهو قد كان يعتقد ان د. جون قرنق عدو للمسلمين ، يتربص بهم الدوائر. وانه حين وقع إعلان القاهرة مع الحزبين الكبيرين ، ووقع اتفاقاً مع حزب المؤتمر الشعبي ، انما فعل ذلك ليفرق بين المسلمين!! ولذلك قال (خلو زعيم الحركة من مشاعر الغضب أو الدهشة ناشئ من ان نظرته للاعلان أصلاً لم تتجاوز الانتهازية السياسية طلباً لتسجيل نقطة على الحكومة واحراجها في المفاوضات واحداث مزيد من الانقسام في الصف الاسلامي)!![2]
    وحتى يجد حديثه قبولاً، وسط جماهير الجبهة ، كان لا بد لدكتور غازي ان يبدأه بالاشادة بالجبهة .. وكيف انها هي التي قدمت رؤية شاملة للاسلام ، تتجاوز الرؤية التقليدية ، وانها ارجعت المجتمع السوداني الى صحيح العقيدة ، والسلوك ، والعبادات ، وطرحت مفاهيم متقدمة ، نافحت بها المناهج الغربية والماركسية!! أسمعه يقول (واختصت المجموعات التي نشطت في هذه المجال واستحقت وصف الحركة الاسلامية المعاصرة أو الحديثة برؤية شاملة للاسلام تتجاوز الرؤية التقليدية التي تجعله محصوراً في بعض جوانب الحياة ... وبرغم ان خصوم الحركة الاسلامية المعاصرة ظلوا يلحون في تلخيص منهجها بتعبير الاسلام السياسي ، الا ان مكتسبات الحركة تجاوزت بعيداً محض السياسة . صحيح ان الرؤية السياسية والمدافعة بمقتضاها ظلت مكوناً جوهرياً في فكر الحركة ، لكن كسبها طرز رقعة كبيرة ومتوسعة من نسيج الحياة المعاصرة ، تمتد من مسائل العقيدة والمفاهيم الى مسائل السلوك والعبادات... كما انها مضت في نهجها سباقة ومبادرة نحو تجديد المفاهيم والفقه لمقابلة الحوادث والاقضية . وقدمت في هذا الصدد بدائل لاساليب الحياة المعاصرة في السياسة والاقتصاد وحركة المجتمع نافحت بها الاساليب والمناهج الغربية الحديثة والماركسية)[3]!!
    ونحن لا نعرف للجبهة الاسلامية ، منذ ان كان اسمها جبهة الميثاق الاسلامي ، وحتى اليوم ، اجتهادات تطور بها المفهوم العام للمسلمين، لا في مجال العقيدة ، ولا في مجال السلوك ، ولا في مجال العبادات .. ولوكان د. غازي يملك نماذج لما تردد في ان يدعم وجهة نظره .. هنالك بعض الفتاوي المتطرفة ، قام بها د. الترابي ، ولكنه لم يلبث ان تراجع عنها ، بغرض المصالح السياسية . ومن ذلك مثلاً ، فتواه بان من يموت في الحرب بين الشمال والجنوب ، من الشماليين ، يعتبر شهيداً، وعلى اثر هذه الفتوى ، حرك التنظيم والسلطة الحاكمة لتسخير الاعلام ، واقامة عرس الشهيد ، في بيوت ضحايا الحرب ، وحين اختلف مع الحكومة ، افتى فتوى مضادة ، مفادها ان الحرب جائرة ، وان القتلى فيها ليسوا شهداء!!
    ولم تنافح الجبهة الاسلامية الفكر الغربي ، بل كانت على طول المدى معجبة به ، ومفتونة بحضارته.. وظلت قياداتها هي التي ترسل ابناءها للدراسة في الخارج .. وحين وصلت الجبهة للسلطة ، وسخرت كل امكانية البلاد لافرادها، عاشوا داخل السودان ، في العمارات العالية ، والفرش الفاخر الوثير، والسيارات الفارهة ، التي يتشبهون فيها بالغربيين ، ويترسمون حياتهم .. ولم تستطع الجبهة الاسلامية ، مواجهة الماركسية ، كما زعم د. غازي ، بل انهم لعجزهم الفكري ، سعوا لاسكات الشيوعيين، بحل حزبهم وطرد نوابهم ، في مؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني المعروفة ، والتي ساقوا فيها الطائفية في ركابهم ، تنفذ لهم مخططهم ، حين عجزوا من المنازلة ، في ميدان الحوار الفكري ، في ظل النظام ، الذي يفترض ان يكون ديمقراطياً!!
    ولما كان د. غازي يهدف أصلاً ، الى إرضاء الجناح المنشق ، بحكومة الانقاذ ، فقد ركز على الثناء عليها ، فقال: (فترة الانقاذ ايضاً اتسمت بمكتسبات كبيرة لا يمكن تجاوزها ... ومهما أسرف المنتقدون في الحديث عما رافق تجربة الاسلاميين من إخفاقات ، بل حتى من خيبات ، لا يمكن لأحد ان ينكر ما في حقيبة التجربة من حصاد وفير من المكاسب والانجازات)[4] ومن تلك المكاسب التي ذكرها: (المشروع الجهادي الذي تصدت له بفلذات أكبادها من بين أكثر ابناء السودان نضجاً ، واميزهم عطاء وافضلهم استعداداً للفداء والتضحية . فما انثنى عود الإنقاذ أمام حرب الاهل والقوى الدولية ، وقاتلت حتى أوصل ميزان القوة المتقاتلين حد التراضي على الدخول في السلم . وقد قدمت الانقاذ ههنا تجربة حية في تعبئة المجتمع وتعبيره عن استقلاله ، فكراً وخطاباً وسياسة عملية ، واستفرغت طاقتها وطاقة ابنائها في المدافعة عن أرض السودان ومصالحه من خلال مسيرة جهادية متميزة تجاوب معها السودانيون جمعياً وابرزوا استعدادات مذهلة للتضحية بالنفس والمال والولد)[5]!!
    الذي يسمع مثل هذا الكلام الانشائي ، الفارغ ، يظن ان حكومة الانقاذ ، كانت تحارب دولة معتدية على السودان، لا جزء من شعبها ، ظلم عبر التاريخ ، وحين نهض يطلب حقوقه ، فلم يجد من الحكومة الا الحرب!! ومع ان بعض المضللين من اعضاء الجبهة ، كانوا فعلاً يعتقدون ان هذه الحرب جهاداً في سبيل الله ، الا ان القادة المرفهين ، المترفين ، من أمثال د. غازي ، لم يؤمنوا في اي وقت بانه جهاد ، وان عاقبته الجنة ، والا لما تاخروا عنه ، وتركوا فضله لمن هم دونهم في قيادة التنظيم!!
    وحكومة الانقاذ ، لم تعتمد على التعبئة ، أو الخطاب الفكري ، كما اشار غازي . ولو كان كان ذلك شأنها ، ما وجدت من يحارب معها ، من الشعب .. ولكنها اجبرت السودانيين ، على المشاركة ، في هذه الحرب الغادرة ، فباءت باوزارهم .. ألم تجمع الشباب من الشوارع ، وتسجنهم في المعسكرات وتقتلهم حين حاولوا الفرار منها، كما حدث في العيلفون؟! ألم ترسل هؤلاء الشباب ، المجبرين الى جبهة القتال ، دون تدريب كاف ، وتجعلهم دروعاً بشرية ، تفجر بهم الالغام؟!
    فاذا توصلت الحكومة أخيراً، لقبول السلام ، فهذا يعني انها اقتنعت بانه الخيار الافضل . ويعني في نفس الوقت، ان الحرب قد كانت الخيار الخاطئ .. ولن يستطيع د. غازي ، ان يقنع الشعب السوداني ، ولا حتى عناصر الجبهة انفسهم ، بان الحكومة محقة ، وحكيمة ، وهي تختار السلام ، وقد كانت أيضاً محقة ، ومجاهدة ، حين رفضت السلام ، واختارت الحرب!!
    ومن الايجابيات ، التي ذكرها د. غازي لحكومة الانقاذ ، إنجازاتها الإقتصادية .. فقال (فقادت نهضة في البناء والنماء أثبتت بها صحة رؤاها الإقتصادية ، وفتقت موارد البلاد الكامنة مما استعصى على مختلف حقب الحكم الوطني السابقة فعله . ما تركت حجراً حسبت ان اسفله ثروة الا قلبته ، ثم توجت ذلك بانتاج البترول في ظل ظروف داخلية وعالمية معوقة)[6] .
    وانه لحق ان السودان ، شهد تطوراً عمرانياً ، وتجارياً طفيلياً ضخماً، أدى الى زيادة الاموال ، وانفتاح الاسواق، وكثرتها، وتبع ذلك اصلاحات في المواصلات ، وبعض المرافق خاصة في العاصمة .. ولكن هذه التحولات المالية على ضخامتها ، لا تعتبر انجازات اقتصادية . فمشاريع البنية التحتية ، كالطرق ، والسكة حديد ، والطائرات ، ومحطات الكهرباء ، ومياه الشرب النظيفة في الريف ، لا تزال بعيدة عن الاصلاح والكفاءة. والتعليم العام ، والمستشفيات العامة ، خالية من الدواء والخدمات . بينما انتشر العلاج الخاص ، والتعليم الخاص ، الذي يملكه غالباً اعضاء الجبهة انفسهم ، ثم لا يطوله الفقراء من عامة الشعب . ولقد قلبت حكومة الجبهة ، كل حجر، كما ذكر متحدثها ، وجمعت كل ثروة ، واخذت من التجار الضرائب الخرافية ، حتى اخرجتهم من السوق . وفرضت على المواطنين الزكاة ، فيما لا تجب فيه الزكاة .. ولكنها لم توظف كل هذه الاموال ، لمصلحة الشعب ، الذي ما زال يعاني الفقر، والفاقة . وانما وزعتها على أفرادها ، فصار من تزوج منهم بامراتين ، يبني لكل واحدة منهن عمارة!! بينما يعيش آلاف النازحين ، من مناطق الحروب، ومواطن المجاعات ، في اصقاع السودان المختلفة ، حول العاصمة ، في مساكن من الكرتون ، والصفيح ، لا يجدون تحت هجيرها ما يسد الرمق.
    ولقد تم انتاج البترول ، على يد حكومة الجبهة ، بكميات اكبر، فرفع ذلك من معدل النمو الاقتصادي عموماً، ولكن لم يرفع من معاناة الشعب!! وذلك لأن الحكومة ، وظفته لشراء السلاح ، حين ظنت انها بهذه الاسلحة ستقضي تماماً على حركة الجيش الشعبي ، ومن ثم يقع البترول ، لقمة أخرى سائغة لافرادها ، فيزيد من تخمتهم ، على حساب جوع الشعب .. ولكن السحر قد انقلب على الساحر، واصبح وجود البترول ، هو دافع الدول الكبرى للحرص على السلام والاستقرار، مما حدا بها لفرضه على حكومة الانقاذ ، من خلال المؤسسة الدولية ، رغم تضجر افراد الجبهة من ذلك ، بما فيهم د. غازي ، الذي اصبح الآن يتحدث عن الظروف العالمية ، ويريد للجماعة ان تتجاوب معها!!
    مشكلة الجبهة الاسلامية ، على حسب رأي غازي ، هو ان آلياتها القديمة ، ومؤسساتها التقليدية ، لم تستطع استيعاب الدولة الاسلامية الجديدة ، بكل مشاكلها ، وتعقيداتها .. فكأن المشكلة في رأيه ، مشكلة تخطيط ، وتنسيق ، بين الحكومة ، والتنظيم السياسي ، الذي يفترض انها تعبر عنه ، وتحاول تحقيق ما ظل يطرحه .. يقول غازي (فما كان للمهمات الجديدة التي جلبتها الدولة بكل تعقيداتها ان تتصدى لها الآليات والمؤسسات الحركية القديمة. بتلك النقلة انقطع التواتر التاريخي للحركة ومؤسساتها وحلت محلها تماماً الدولة بجميع همومها وحاجاتها العاجلة والملحة)[7] وليس هناك تقرير، ابعد من الصواب من هذا!! لانه يتجاوز جوهر المشكلة ، الى مظاهرها السطحية ، فان ما جعل التنظيم ، عاجز عن استيعاب الواقع الجديد ، ليس أمراً تنسيقياً ، وانما هو امر جوهري ، هو غياب التربية الدينية ، عن قاعدة التنظيم ، وعن قمته . فقد ضحى افراد التنظيم بقيم الاسلام ، التي تقوم على الاخاء ، والمحبة ، والادب ، في سبيل الحصول على مواقع في السلطة ، لكبر الدنيا في نفوسهم ، وصغر المعاني الدينية في صدورهم ، رغم جعجعتهم بها ، وتضليلهم للبسطاء بشعاراتها!!
    يقول د. غازي (كان الحدث التالي زماناً لقيام الانقاذ ولكنه الابعد اثراً في تطور الحركة ، هو انشقاقها واحترابها حول السلطة ... لقد تضافرت فتنة الشقاق ، والارتباك في الرؤية الى دور الحركة ووظائفها بين من يرى بقاءها ولو لاداء وظائف مرجعية محدودة ومن يرى ذوبانها في المؤسسات التي انشاتها المرحلة الجديدة ، وقد توافقت تلك العوامل لتحدث اكبر عملية تعرية وإضعاف في بنائها . لقد افقدتها الصدمات المتتابعة تماسكها ووحدة صفها وفاعلية قيادتها ومقدرتها على المبادرة . ومن ثم فقدت التكافل التاريخي المتين بين افرادها ، الذي قام على الإخاء في الدين . وفي احيان كثيرة انقلب التكافل مقاطعة وتحارباً بين اخلاء الأمس).[8]
    ان افادة د. غازي هذه ، لا تثبت مفارقة الجبهة لقيم الدين ، واحترابها على السلطة فحسب ، بل تؤكد ان التنظيم سعى لاستيعاب السلطة، وذاب فيها ، حتى اختلط الامر على افراده .. ولم يتم هذا الأمر عفوياً ، وانما خطط له بدقة ، فيما سمي ببرنامج "التمكين"!! فقد تخلصت الجبهة من العاملين في القطاع العام ، بفصلهم ، وسمت ذلك الاحالة للصالح العام . وغيرت لجنة الخدمة العامة ، لتمنع قبول الخريجين ممن ليسوا من اعضاء الجبهة ، حتى تضمن المواقع لاعضاء التنظيم من ناحية ، وتامن الاضرابات من الناحية الأخرى .. ثم بعد الاستيلاء على القطاع العام ، اتجهت للقطاع الخاص ، فحاربت التجار التقليديين ، بعناصر الجبهة . ففرضت الضرائب العالية على منافسي عناصرها ، واحتكرت لعناصرها الاستيراد ، والتصدير، واعفتهم من الجمارك ، في الوقت الذي حجزت بضائع غيرهم في الميناء حتى تلفت ، ووجهت المصانع المحلية ، لتعطي عناصر الجبهة ، وتمنع غيرهم ، حتى خرج كبار التجار من السوق ، وحل محلهم في وقت وجيز، شباب الجبهة ، الاقل خبرة ، وتجربة ، والمدعوم من الحكومة .
    وحين قضت الجبهة ، على خصومها تماماً ، وتم لها "التمكين" ، أتاها أمر الله من حيث لا تحتسب . فقد توزع افرادها ما سلبوا من الشعب ، بصورة غير عادلة ، استاثر فيها طامعيهم باكثر من الآخرين .. ولما كان الأمر كله ، امر دنيا ، فقد حنقوا على اخوانهم ،الذين ظلموهم ، وحاربوهم بضراوة ، واخذ اصحاب المصالح ، يدافعون عن مصالحهم ويتشبثون بها اكثر ، حتى وصل الحال ، الى ما وصفه د. غازي في عباراته السابقة .
    يقول د. غازي (وعندما ضعفت الثقة بالنفس وبالجماعة ، وانبهم النظر الى طرائق الخلاص ذوت المبادرة الى العمل وتراجع روح المدافعة والمناجزة ، وتخلخلت الارادة الجماعية والذهنية الموحدة ، فتفرقت بالناس السبل بين باحث عن نجاة في مذهب جديد ياوي الى فيئه ، او آبق الى جماعة أخرى تحتضنه وتهبه نصرتها. ولكن اشد الادواء مضاضة وابلغها اثراً كان احساساً مداخلاً بتآكل المشروعية وفقدان المصداقية الذاتية ، ذلك الاحساس الذي يضعف الإيمان بالنفس وباحقية المطلب الذي اجتمع عليه من اجتمعوا وتواثقوا على نصرته. ومعلوم انه عندما يضيع إيمان صاحب الحق بحقه فمن المحال ان ينيب عنه من يقتضيه له مجاناً. وكان من نتائج أزمات العمل الاسلامي ضموره في التيارات الحية والمتجددة التي كانت له فيها الصدارة على من عداه . وهذه حقيقة تشهد بصحتها انتخابات الاتحادات الجامعية ونسب العضوية في القطاعات الطلابية والشبابية عامة)[9]
    ان اعضاء الجبهة لم يفقدوا الايمان بفكرتهم ، وفي قادتهم ، دون سبب ، أو لمجرد طمع افراد منهم في السلطة .. وانما لأنهم رأوا باعينهم ، مبلغ المفارقات ، التي تورط فيها بعضهم ، ولم يستطيعوا ان يجدوا لها مبرراً من الدين!! فلقد كلفهم التنظيم ، بالتجسس على أهلهم وذويهم ، وبالتآمروالاعتداء على الابرياء ، وتعذيبهم في بيوت الاشباح ، بالضرب ، وهم مكتوفي الايدي ، ومعصوبي الأعين ، مما يتنافى مع قيم الرجولة ، والمروءة ، التي تربى عليها السودانيون ، في البيوت الكريمة .. وبلغ بهم التناقض ، ان الشخص الذي يعتدي على المعتقلين بالضرب ، والايذاء، والسب ، بأقذع الالفاظ ، هو نفسه ، الذي يجمعهم ليصلي بهم إماماً!! وكان لابد لمثل هؤلاء ، ان تلم بهم ، ولو للحظة ، يقظة ضمير ، يسألون فيها انفسهم ، هل يمكن ان يكون هذا العمل من الدين؟! ولأن التنظيم في الجامعات ، صورة مصغرة للتنظيم في الخارج ، فقد درج زعماء الطلاب ، من اعضاء الجبهة ، على الظهور بافخر البدل، لتقديم الخطب السياسية ، والترشح لمقاعد الاتحاد، بينما يكلف من هم في قاعدة التنظيم ، ممن يؤمون الصلاة الجماعية ، بكل اعمال العنف ، ضد خصومهم ، وتحمل تبعاتها .. فكان طبيعياً ان يحاسب الطلاب تنظيم الجبهة ، بفشل حكومته ، وان يتزمر اعضاؤه ، على التمييز التنظمي ، في محيطهم الطلابي ، وهكذا سقطت الجبهة ، في مؤسسات التعليم ، ولم يشفع لها، عنفها بالطلاب وارهابها لهم ..
    وحين اعلن التنظيم ، ان حرب الجنوب تعتبر جهاداً في سبيل الله ، وان من يقتل فيها ، يعتبر شهيداً ، دفع بعض المتحمسين من اعضاء الجبهة بابنائهم ،الى اتون الحرب .. ولكنهم بعد ان فقدوهم ، نظروا فاذا بابناء قادتهم ، يتمتعون بكل الاموال ، والاوضاع التي حصلها التنظيم باستيلائه على السلطة ، دون ان يغادروا العاصمة ، الى ميدان القتال!! ولما كان هؤلاء المتدينين الصادقين ، يقرأون السيرة الاسلامية ، التي حدثهم عنها زعماؤهم ، ويقرأون فيها، وصف علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، للنبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله (كنا اذا اشتد الباس وحمي الوطيس إتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أقربنا الى العدو) وقوله في خطابه لمعاوية (فكان اذا حضر البأس ودعيت نزال قدم أهل بيته فوقى بهم اصحابه . فقتل عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، وجعفر يوم مؤته)[10] ، فقد شعروا بان زعماءهم ، لا يلتزمون بالنهج الديني ، الذي يدعونهم اليه ، ويعظونهم به ، وانهم انما يستغلونهم باسم الدين ، لتحقيق مصالحهم الدنيوية الضيقة ، لا أكثر ولا اقل!! من هنا جاء فقدان المصداقية ، الذي تحدث عنه د. غازي ، ولم يقف على حقيقته ..
    ورغم ان اعضاء الجبهة ، يؤمون المساجد ، ويستمعون الى خطب زعمائهم ، وائمتهم فيها ، الا انهم نظروا لهم في السوق ، فرأوهم يحتكرون البضائع ، وينشئون الشركات الضخمة ، ويسخرون الاموال لافساد من يعملون معهم ، في وقت يعاني فيه غيرهم ، من المواطنين ، ضنك الحياة .. ولان النسيج الاجتماعي في السودان ، لازال متماسكاً ، فان أعضاء الجبهة ، يرون الفقر، والحاجة ، والذل، والاستغلال المفسد ، يقع على اقاربهم ، ممن ليسوا من اعضاء الجبهة ، فلا تقبله نفوسهم ، ويتساءلون لماذا لا تعود الحكومة الاسلامية ، بالخير والامن والرخاء على كل الناس؟! وحين وقع الخلاف بين الوطني والشعبي ، رأى اعضاء الجبهة الاسلامية ، حكومتهم الاسلامية ، تعتقل مرشدهم الديني ، وتلاميذه بالأمس ، يكيلون عليه الهجوم اليوم ، فانهار في نفوسهم ، بنيان التنظيم ، الذي لم يؤسس أصلاً ، الا على شفا جرف هار!!
    وحتى يستفز د. غازي اعضاء الجبهة ، ويدفعهم الى التوحد مرة أخرى ، حاول ان يقنعهم بان خلافهم هذا، أدى الى تضرر الاسلام نفسه!! فقال (لقد تضررت صورة العمل الاسلامي كثيراً بسبب المشكلات الموصوفة ووهنت وحدته واصبح تاثيره محدوداً فيما يجري . ويتنامى لدى ابناء الصف الاسلامي عامة الاحساس بتراجع العمل الاسلامي ومحاصرته مضموناً ومظهراً وخطاباً ، وظهور الجرأة على الدولة ، وعلى قيم المجتمع ، بل وعلى الاسلام في أصله)!![11] والحق ان ما حدث لا يضر الاسلام ، بل لعله لم يحدث الا لمصلحة الاسلام .. فلقد ضللت الجبهة الناس، ردحاً من الزمان ، باسم الاسلام ، ولما وصلت الى السلطة ، انكشف أمرها للناس اولاً، ثم لاعضائها أخيراً.. وهو ما لن يستطيع د. غازي تداركه ، لأنه هو نفسه ، من النماذج المنتفعة ، داخل الجبهة، والتي شكلت الطبقة العليا، التي دفعت بالبسطاء الى كافة التضحيات ، وجنت ثمرة تضحياتهم .. فهو يفقد المصداقية ، ويفقد الايمان ، فلن يستطيع ان يعطي هذه القيم للآخرين!! ولقد تنامى الوعي بالسودانيين ، بسبب كل هذه التجارب ، واستطاعوا ان يبرءوا الاسلام ، من سوءات الجبهة ، ثم يبحثوا عنه في مصادر أخرى ، وهذا ما يزعج أمثال د. غازي من المنتفعين ، من الوضع القديم!!
    ورغم ان د. غازي حاول كثيراً خلال ورقته هذه ، الا انه لم يستطع ان يخفي الدافع الاساسي وراءها ، وهو الخوف من الرقابة الدولية ، وعدم امكانية ان تنفرد الجبهة بالسلطة بعد الآن ، وان بعض عناصر الجبهة قد تقدم لمحاكمة دولية ، وفي ظل الشقاق ، ربما قدم بعضهم ، افادات ضد الآخرين .. لذلك قال (فاتفاقيات السلام تفتح مجالاً للرقابة الدولية من خلال وحدات نظامية تتجاوز عشرة الآف ومئات من الشرطة المدنية والموظفين الدوليين ومراقبي حقوق الانسان. ويقيم بالخرطوم ممثل للأمين العام يخدمه جيش من الموظفين ويرفع تقاريره لمجلس الأمن مباشرة . ومجلس الأمن قد أصدر فعلاُ من القرارات ما يقيد به الإرادة الوطنية وهو الآن بصدد النظر في مشروع قرار يشكل به لجنة دولية من أعضائه لمتابعة تنفيذ اتفاقية السلام والاوضاع في دارفور ، مع احتمال توقيع عقوبات جديدة على الحكومة والمطالبة بمثول مواطنين سودانيين وربما بعض المسؤولين امام المساءلة الدولية . وهذه هي الاعتبارات التي تبرر الدعوة الى النقاش الحر البناء لمشكلات الساعة وتحدياتها وصولاً الى صيغة قومية لمواجهتها)!![12]
    أقرأ مرة اخرى قوله (وهذه هي الاعتبارات التي تبرر الدعوة الى النقاش الحر البناء لمشكلات الساعة وتحدياتها وصولاً الى صيغة قومية لمواجهتها) اذن النقاش لم يحدث بسبب دواعي الاخوة الدينية ، واصلاح ذات البين ، والامر بالمعروف؟! ألم نقل ان د. غازي ليس مؤهل دينياً ليقود أي إصلاح؟!
    ولماذا يخشى د. غازي من المساءلة الدولية ، لمرتكبي فظائع دارفور، ألم يشر في ورقته هذه ، الى عناصر الجبهة ، ويحملها ولو ضمناً ، المسؤولية عما حدث هناك؟! يقول د. غازي (وعندما أدرك كثيرون انكشاف ظهورهم وزوال الحصن المتين من جدار الإخاء ورابطة الجماعة وحصانة الفكرة الرفيعة ، مما كان يمنحهم أقوى مبررات الوجود وأجدى وسائل التضامن والحماية ، هربوا الى قبائلهم وتفرقوا الى جهاتهم نجاة وطلباً للنصرة والعدالة . وبلغ ذلك أحياناً الخروج الصريح بالقوة المسلحة والى موالاة المحاربين الناصبين من أعداء البلاد . وألجاتهم بذلك الفتنة الى نكارة منهي عنها طمعاً في انتصار زائف أو مكسب قصير الاجل)[13].. هذا هو المنطق الذي بررت به الحكومة تسليحها للقبائل الموالية لها ، من مليشيات الجنجويد ، ومشاركتها لها ، فيما ارتكبت من جرائم ضد مواطني دارفور!! وهو تبرير لن يقنع به د. غازي ، جماهير الجبهة من جناح الشعبي ، ولن يقنع به ممثلي المحاسبة الدولية ، حين يحين حينها.. ولما كان هنا يتبنى دور المصلح ، الموفق بين اطراف الجبهة المتنازعة ، فان تبنيه الكامل لوجهة نظر الحكومة ، انما يشكك في مصداقيته ، وامانته ، وحياده .. وابناء دارفور ممن كانوا من اعضاء الجبهة ، وقد رأوا بأعينهم قراهم تدمر، واهلهم يقتلون على ايدي قوات الجنجويد، المواليه للحكومة ، ويضطرون الى النزوح من وطنهم، والعيش في معسكرات اللاجئين ، لا يغنيهم دفاع غازي عن الحكومة ، ولا محاولته لجمع اطراف التنظيم المتنازعة ، عن الحقيقة السافرة ، وهي ان الجبهة بشقيها ، لا تهتم بارواحهم ، ولا ترعى فيهم دينا ولا ذمة ، وانما تحرص على مكاسب قادتها السياسية ، على حساب دماء ابناء دارفور.. وهذا هو ما جرد الجبهة الاسلامية ، من مثقال ذرة من دين ..
    وكعادة جماعة الجبهة ، في وقت الازمات ، يلجأ د. غازي الى التنظيمات الأخرى ، ويحاول ان يجد السند منها ، بحجة ان التكاتف بين جميع الاطراف ، هو الحل للازمة!! فيقول (في ظل هذه الاوضاع تتعرض الوحدة الوطنية ، التي هي العاصم الأقوى من المطامع الاجنبية ، لامتحان عسير. وربما لم تمر البلاد باوضاع أجدر بالتوقف والاعتبار ، ثم باجهاد الفكر طلباً للراي والحكمة المنقذة مما نحن بصدده تناصراً نحو عمل وطني شامل يتعاضد فيه السودانيون جميعاً).[14] وهو حين يدعو للعمل المشترك ، ويطلب التحالفات ، يرمي ببصره في استحياء ، الى حزب الامة ، ويقول (فالعمل الاسلامي ، باعتبار أن التجربة القائمة تسود باسمه يمتلك مسؤولية خاصة تجاه كل السودانين أفراداً وتنظيمات. كما ان كثيراً من القوى السياسية والاجتماعية التي يتشكل منها السودان اليوم لها تحالفات تاريخية مع الحركة الإسلامية وتراث جهاد وكفاح مشترك وهي لذلك لا يمكن تجاهلها أو التنكر لها ، بل الواجب ان تستدرك أي تقصيرات صدرت تجاهها منذ قيام الثورة باي ذريعة)!!
    واذا كانت الجبهة جناح الحكومة ، لا تستطيع ان تغفر للجبهة جناح الترابي ، فلماذا يريد غازي للآخرين ، ان ينسوا ما فعلت بهم حكومة الجبهة؟! لماذا احالت حكومة الجبهة المواطنين الى الصالح العام ، وطردت خصومها من مواقعهم في القوات المسلحة ، واعتقلت اعضاء الاحزاب الاخرى ، وعذبتهم الى حد الإعاقة ، وقتلتهم ، ثم جاءت تحدثهم اليوم ، عن عمل وطني يتعاضد فيه السودانيون جميعاً ، وهي تمد اليهم يداً ملطخة بدماء ابنائهم؟!
    ولئن دفعت المطامع في السلطة ، السيد الصادق لأن يتناسى ما فعلته الجبهة به ، وباتباعه ، فيتحالف معها ، بعد كل هذا، حتى تصعد مرة أخرى على كتفه ، الى سدة الحكم ، ثم تركله ، كما فعلت من قبل ، فان من اعضاء حزب الأمة، من لن يقبل بتكرار هذه المشاهد السخيفة ، على حساب مصلحة الوطن .. ولو لم يسمع صوت هؤلاء، داخل الحزب ، وانساق السيد الصادق وراء حلفائه القدامى ، وقبل اعتذارهم عن سوء معاملته ، كما يريد له د. غازي، فان هذا التحالف الجديد ، سيقضي ايضاً على حزب الامة ، او على زعامة السيد الصادق له ، ولكنه لن يرفع من شان الجبهة مرة أخرى ..
    ورغم ان د. غازي قد اشاد بحكومة الجبهة ، في حربها مع الجنوب ، وسماها جهاداً ، إلا انه يحاول أيضاً ، في خطوة عكسية في نفس الورقة ، ان يطمئن الجهات الدولية ، بانه كقيادي في حكومة الجبهة ، يؤمن بكل الاطروحات المقدمة ، لخلق السودان الجديد ، فيقول (إن الوحدة المطلوبة في صعيدها الارفع هي الوحدة الوطنية الشاملة المؤسسة على ركائز المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين ، المتجذرة في قيم العدالة والحرية للجميع ، بلا مداهنة ولا تردد في إعلان ذلك والالتزام به ... فلن تتحقق وحدة وطنية دون التزام صريح بمطلوباتها المتمثلة في توفير الحريات السياسية للجميع ، والقبول بالتداول السلمي للسلطة ، والقسمة العادلة لمصادر القوة والثروة ، واللامركزية الحقيقة التي تتيح لمجتمعات الريف والاطراف ان تلتحق بركب المدنية وتتساوى مع غيرها في الحقوق. وان التسويف في هذه المبادئ لن يورث البلاد سوى مزيد من الانقسام ويدفع بالقوى الطرفية الى التمرد المسلح ، كما يدفع بالقوى الوطنية والفاعليات الاجتماعية المتنامية الى الانعزال)!![15] ولو كانت الجبهة تؤمن بكل هذا، وتفعله ، لما كانت هناك مشكلة بينها وبين الشعب السوداني ، ولا بينها وبين مواطني الاطراف المهمشة ، أو المجتمع الدولي بأسره .. فاذا كانت الجبهة فاقدة لكل هذه الاشياء ، ود. غازي يحاول ان يقنعها بها ، لتخرج من مأزقها ، لينعم السودان بالاستقرار، فان مجرد العبارات ، لا تكفي لهذا الاقناع .. وانما لابد من تغيير مفهوم اعضاء الجبهة للاسلام نفسه . ذلك ان هذه القيم هي جوهر الدين الاسلامي ، ولكنها لم تظهر في الشريعة ، لأن الشريعة مقيدة بظروف الواقع ، الذي نزل عليه الدين، ومن هنا ، كانت احكامها مرحلية . فاذا لم ير المسلمون جميعاً ، بما فيهم أعضاء الجبهة ، الفرق بين الدين والشريعة، فانهم لن يملكوا الفهم النظري، الذي يجعلهم يتقبلون هذه المفاهيم ، وان اضطروا للحديث عنها ، خوفاً من عواقب مخالفة المجتمع الدولي ، كما يفعل د. غازي الآن!!
    يختم د. غازي ورقته بقوله (إن المشكلات الراهنة التي تواجه التجربة الاسلامية لا يمكن تلخيصها في انها مشكلة قيادات . إنها تسري في أغوار أعمق من ذلك ، تسري في البنيات التنظيمية وفي الأفكار والنظريات التي تشكلها ، وفي سلوك القاعدة والؤسسات الشورية والقيادية والتنفيذية وتقاليدها الموجهة . لذا فإن مقصود الاحياء ينبغي أن يتجاوز المعالجات السطحية وينفذ الى المحركات الروحية والوجدانية والثقافة الموجهة للجماعة والعمل)!![16]
    ونحن نتفق مع د. غازي في عمق المشكلة ولكن هل استطاعت ورقته هذه ان تقدم حلاً لهذه المشكلة؟! أو تطرح وسيلة عملية لهذا الاحياء الذي يتحدث عنه؟! اللهم لا!!
    فان اراد غازي ان يعرف لماذا لم تستطع ورقته تقديم الحل فان الجواب عتيد: فاقد الشئ لا يعطيه!!

    د. عمر القراي

    ________________________________________

    1 - د. غازي صلاح الدين: دعوة لاحياء العمل الاسلامي الوطني . سودانايل 18 مارس 2005
    2 - د. غازي صلاح الدين : عبقرية الاخفاق في معالجة قضية الشريعة . الصحافة 5 يوليو 2003
    3 - د. غازي صلاح الدين: دعوة لاحياء العمل الاسلامي الوطني . سودانايل 18 مارس 2005
    4 - المصدر السابق.
    5 - المصدر السابق.
    6 - المصدر السابق
    7 - المصدر السابق
    8 - المصدر السابق
    9 - المصدر السابق .
    10 - طه حسين : الفتنة الكبرى 2 ص 67
    11 - د. غازي صلاح الدين: دعوة لاحياء العمل الاسلامي الوطني . سودانايل 18 مارس 2005-
    12 - المصدر السابق .
    13 - المصدر السابق
    14 - المصدر السابق
    15 - المصدر السابق
    16 - المصدر السابق
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de