|
|
 نوبيون غاضبون
|
نوبيون غاضبون
بقلم: رجاء النقاش
الانسان النوبي، في مصر والسودان، هو انسان جميل في صورته وجميل في داخل
نفسه وهو انسان متحضر مهذب بطبيعته وفطرته، وما من مرة رأيت أخاً نوبياً
إلا وابتهجت، ذلك لأن النوبي مولود وفي فمه ابتسامة، ولا أذكر مطلقاً إنني
رأيت نوبياً لا يبتسم، وابتسامة النوبيين هادئة وديعة، وهي تدل على الرضا
وإنشراح الصدر، وليس في هذه الإبتسامة مرارة و لا رغبة في الصراع مع
الآخرين، وقد عرفت كثير من النوبيين وأحببتهم جميعاً من أول نظرة، رغم أنني لم
أكن على إتفاق فكري أو سياسي مع بعضهم، ومن يستطيع ان ينسى صفاء القلب عند
زكي مراد الذي كان يفرض على الآخرين حبه ومهابته حتى لو كانوا معه على
خلاف شديد ومن كان يستطيع ان يقاوم ذلك السحر البريء في شخصية "مبارك عبده
فضل"، وهو انسان لم أعرف أبداً ماذا كان يعمل في هذه الدنيا، ولكن لقاءاتي
القليلة معه كانت تشعرني بأنه ولد متصوفاً وسوف يرحل عن الدنيا وهو من كبار
الأتقياء المتصوفين، فقد وهب حياته لشيىء جميل لا أعرفه ولم أكن أسعى
لمعرفته، فلماذا نفتش في أسرار القلوب العاشقة ما دامت الوجوه تعكس النور الذي
في القلب وقد كان وجه "مبارك عبده فضل" يفيض بكثير من النور.
ومن ينسى من المحبين للأدب الجميل رواية "الشمندورة" التي هي إحدى روائع
الأدب العربي في القرن العشرين، والتي أغناني حبي لها وعطلني عن السعي إلى
معرفة صاحبها الفنان "محمد خليل قاسم" وقد رحل عن دنيانا سنة 1968م وهو في
السادسة والأربعين دون أن أعرفه، ولكنني عرفت فنه الجميل وأحببته من
القلب، ومن ينسى تلك الأسماء الأخرى الموهوبة من أمثال محمد منيب ومحمد همام،
ومحمد منير، فهؤلاء المحمدون الثلاثة من كبار أصحاب المواهب في الغناء
والموسيقى، وهم جميعاً من الذين تركوا على أذواقنا أثراً لا ينساه أصحاب
الأذواق، وهنالك أسماء أخرى عزيزة وغالية من المبدعين الموهبون من أهل النوبة،
أذكر منها على سبيل المثال الناقد المثقف القنان "محي الدين محمد"،
والروائي اللامع "ادريس علي" صاحب الرواية المهمة الجميلة "إنفجار جمجمة".
هذا ما كنت أعرفه عن النوبة وأهلها ولولا الحياء لتحدثت عن جمال النساء،
فهو جمال فريد له سحره وفتنته بين كل ألوان الجمال في الوجود، وأنا مندهش
إلى أبعد الحدود من عدم وجود وجوه نوبية على شاشة السينما أو شاشة
التلفزيزن فهذا نوع من التفريط الشديد في جمال طبيعي تزخر به أرض النوبة المصرية.
على أنني بصراحة لم أكن أعرف أن النوبيين متألمون وغاضبون ولديهم جراح
كثيرة تنزف على طريقتهم النبيلة، أي في هدوء ودون صخب أو ضجيج، وكيف لا يحدث
ذلك وقد كان أحد رؤساء مصر وهو اسماعيل صدقي باشا ينظر اليهم نظرة غريبة،
ولن ينسى التاريخ لهذا السياسي الكبير أنه كان رغم نبوغه وذكائه من كبار
المستبدين، وكان يتفنن في إحتقار جماهير الشعب ومعاملتهم كالأغنام، وقصة
اسماعيل صدقي يرويها لنا النوبي المثقف الفصيح الأستاذ ماهر أحمد زكي في
كتابه الموسوعي البديع "هكذا تكلم النوبيون" حيث يقول "للتعويضات عن النوبيين
وقفة اليمة لايزال أبناء النوبة يتذكرون مهازلها، فعندما تقرر إقتلاع قسم
من نخيل أبناء النوبة بسبب التوسع في بعض المشروعات دارت مناقشة طويلة في
مجلس النواب والشيوخ تقرر فيها أن تدفع الحكومة بضعة مليمات مقابل كل نخلة
مخلوعة ومثمرة، وكانت النخلة هي عماد وحياة النوبيين التي تسد إحتياجاتهم،
وعندما سأل أحد الشيوخ وكان منتمياً لحزب الوفد "القديم" الطاغية اسماعيل
صدقي باشا في براءة: عشرة مليمات بس عن كل نخلةَ؟ أجاب صدقي: عايزهم أي
النوبييين يغتنوا؟ أمال من يشتغل بوابين وسفرجية؟!
وقصة أخرى يرويها النوبي الفصيح الأستاذ ماهر زكي في كتابه الجميل
فيقول"كان الحكام في مصر قبل الثورة النوبية في يد المستعمر والمستشارين الانجليز
الذين كانوا يقبضون على زمام الحكم والأمور في مختلف الوزارات ومنهم
المستشار الانجليزي"دنلوب" الذي كان يدير شؤون التعليم في مصر، وقد أمر عؤلاء
المستشارون المحتلون للبلاد بإغلاق مدرسة "الدر" الإبتدائية في النوبة،
لأنهم وجدوا طلابها يحققونا نتائج طيبة ويحتلون مراكز متقدمة على مستوى القطر
كله، فأمروا بإغلاقها حتى يتفرغ أبناء النوبة لخدمة الأغنياء والباشوات
والخواجات، وحتى يتم إسقاط التهمة الموجهة إلى قرار إاغلاق الإبتدائية بانه
محاربة للتعليم، أمروا بتحويل المدرسة إلى "مدرسة لتخريج الطهاة والخدم"
وهذع الفكرة وجدت مقاومة من أبناء النوبة السمتنيرين في ذلك الوقت، وأصروا
على إعادة فتح المدرسة الإبتدائية في ثلاثينات القرن الماضي.
وقصة ثالثة يرويها النوبي الفصيح ماهر احمد زكي في نفس الكتاب" هكذا تكلم
النوبيون" حيث يقول: طوال القرن العشرين والنوبة تتجرع الآلام والإذلال،
فمنذ بناء خزان اسوان سنة 1902م في جنوب مصر وكل التصرفات من الحكومات
المتعاقبة تقومن على الإستهانة بجموع النوبيين في مجال التعويضات المجحفة عما
يتم الإستيلاء عليه وإغراقة من أرضهم وممتلكاتهم، حتى وصل التعالي عليهم
تحت قبة البرلمان سنة 1938م إلى حد غير مقبول، ففي ذلك العام، وفي داخل
البرلمان، قال حسين سري باشا وزير الأشغال في ذلك الوقت ورئيس الوزراء فيما
بعد عن النوبيين: أنهم ليسوا مصريين؟!
من ناحية أخرى يشير النوبي الفصيح ماهر أحمد زكي في كتابه الجميل إلى أن
بعض الأوباش قد أطلق علي النوبيين اسم "البرابرة" وهو اسم سخيف وخال تماماً
من الصدق والذوق، ولكنه للأسف إنتشر وشاع حتى ان الفنان الكبير "على
الكسار" وعو نوبي فيما اعلم، لم يجد حرجاً في إستخدامه فأطلق على نفسه "بربري
مصر الوحيد" وقد كان في ذلك نوع من التحدي وتقديم البرهان على أن هؤلاء
البرابرة هم من أذكى وأرق وألطف خلق الله وأكثرهم تسامحاً حتى مع الذين
يسخرون منهم.
هذه نماذج من الآلام التي تعرض لها النوبيون في العصر الحديث، والحق انها
آلام موجعة جداً وأشهد أنني لم أكن على معرفة بمعظم هذه الأمور، وكل ما
كنت أعرفه من آلام النوبيين هو آلام السياسيين اليساريين منهم، وللنوبة مع
اليسار قصة دقيقة ومهمة ولكن المجال لا يتسع للحديث عنها هنا، وقد كنت أفسر
آلام اليساريين النوبيين بأنها آلام راجعة إلى المواقف السياسية والإخلاص
والوضوح والبعد التام عن المكر والدهاء وإتساع الحيلة، مما يحتاج اليه
فيما أظن، كل المشتغلين بالسياسة العملية وما فيها من صراعات رهيبة، ومن هنا
كان اليساريون النوبيون أكثر من غيرهم فريسة سهلة لإصتيادهم والضغط عليهم
وقد كانت آلام هؤلاء عندي مصدرها السياسة وليس مصدرها لأنهم نوبيون،
ولكنني تعلمت من كتاب "هكذا تكلم النوبيون" أن هناك آلاماً أخرى عامة، وهي أشد
واوجع، وقد أصابت معظم النوبيين سياسيين وغير سياسيين، واعتقد أن النوبيين
لا يستحقون مثل هذه الآلام، وأن من الضروري التعرف عليها بأمانة لرفعها
عنهم، فهم قوم شرفاء طيبون ومخلصون للوطن الذي ينتمون إليه وهو مصر، وللأمة
التي هم فيها زهرة جميلة داخل حديقتها الكبيرة وهي الأمة العربية، وقبل أن
نترك الحديث عن كتاب "هكذا تكلم النوبيون" للنوبي الفصيح ماهر أحمد زكي،
أقول أن هذا الكتاب الواضح السهل البديع فيه معلومات غزيزة لا أظن ان أحداً
يختلف حولها، ولكن الكتاب فيه بالإضافة إلى المعلومات وجهات نظر للمؤلف
أعتقد أنها لا بد أن تثير الإختلاف معها، وخاصة من جانب الذين يعرفون بواطن
الأمور في تاريخ مصر السياسي المعاصر، ولعل الذين يعرفون حقيقة ما جرى في
النوبة بعد بناء السد العالي بالتحديد يتناولون هذا الكتاب بالتعليق.
على أنني لم يخطر على بالي إطلاقاً أنني سوف أكون مسبباً لغضب النوبيين من
حيث لا أدري، فلا أنا اسماعيل صدقي باشا ولا حسين سري باشا، ولا انا من
الرأسماليين ولا الإقطاعيين ولا الوزراء ولا الأعيان، بل أنا مواطن يحمل
قلماً لا يزيد قيمته كثيراً عن "نخلة النوبيين" أما قلبي فممتلىء بالمحبة
الصادقة لأهل النوبة، ولا أذكر أنني عرفت من أحدهم عيباً، ومع ذلك فقد غضب
النوبيون مني، لأنني قلت في مقال سابق بالأهرام أن هناك محاولات لاحياء
اللغات المحلية مثل اللغة البربرية في المغرب واللغة النوبية في مصر، والحق
أنني لم أجد سبباً للغضب النوبي ضد هذا الكلام.
لقد تلقيت رسالة غاضبة ولكنها مهذبة من أهل النوبة، من الأستاذ الفاضل
"عبد الرحمن عوض" وهو " باحث في تاريخ وادي النيل" يقول ما معناه إن إحياء
اللغة النوبية ليست قضية لها صلة بضرب اللغة العربية أو أي إسقاطات أخرى
بعيدة عن البحث العلمي وكنا نأمل من قلمك أن ينصفنا فإذا بك تطعننا، لقد
ذكرتني ببيت أبي تمام
ليس منا من شكى علته
من شكى ظلم حبيب ظلما.
منقول بلا تصرف
وحزن احتوانى
فانا نوبى
حزين
لا اعرف الغضب
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: نوبيون غاضبون (Re: sharnobi)
|
شرنوبي..الآن فقط قلبت صفحة بوستك عن النوبيين..هممت أن اسأل: هل هذا اسقاط؟ ولكنني أحجمت..هممت أن أقول ماذا أفاد مثقفو وطليعيو النوبة النوبيين في كل تلك الوقائع التي أوردها كاتب المقال؟ ولكنني خشيت الغمز واللمز..ضحكت يومها وأنا اشاهد جلسة مجلس وزراء السودان تبث على الهواء، بالله أنظر أهكذا تكون جلسة مجلس الوزراء؟ والمهم أن جلسة الوزراء في منطقة سد مروي..وان السد لتوليد الكهرباء..وأن أحد الوزراء حكى عن زيارة للبشير إلى حلفا حدث خلالها أن سأل البشير سكان المنطقة عن طلباتهم فأجابه احدهم: نريد أن نرأك يوميا..كناية عن فقدانهم للكهرباء..أين كهرباء السد العالي؟..كلهم غاندي ياشرنوبي.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
شرنوبي (Re: sharnobi)
|
اخي شرنوبي
دا الكلام البيصل اللحم الحي
موضوع ساخن يجب التطرق له والكتابة واثارته بالصوت العالي
في جنوب مصر وشمال السودان ثقافة وحضارة اذهلت العالم فلماذا التعتيم
اذكر صديقي
في ندوة بالشارقة عن مأزق الثقافة العربية تحدث فيها الناقد السعودي الكبير
عبد الله الغذامي وامها اسماء كبيرة في الثقافة العربية
سألتة ماذا يعرف المثقف العربي عن ثقافات الاكراد في شمال العراق والامازيغ في
المغرب العربي والنوبيين والهدندوة والدينكا والفور
هل هذه الثقافات جزء من ثقافة الدول العربيةهل يتم الاعتراف بهذه الثقافات
والحديث الان يدور حول العولمة والخوف من ذوبان الثقافة العربية امام طوفان العولمة الجارف الحل في التحاور والتثاقف داخل المحيط المحلي العربي واحترام هذه الثقافات
| |
|
|
|
|
|
|
| |
sharnobi
banadieha
mohmmed said ahmed
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست