|
|
 قراءات-الفرية الكبيرة التى تداولها سياسيون ومتعلمون جنوبيون وصدقها شماليون واوربيون
|
الفرية الكبيرة التى تداولها سياسيون ومتعلمون جنوبيون وصدقها شماليون واوربيون
حديث الوثائق من ظلم من بالجنوب؟... «1-2
محمد سعيد محمد الحسن - جريدة الصحافة-20 مارس
الذى يطالع احاديث بعض السياسيين والمثقفين من جنوب الوطن والتى تنحو بشكل خفى أو علنى باللائمة علي الشمال ويحملونه اسباب التخلف والبدائية، ويبدون الشكوك بشكل حاد فى النوايا الحسنة والصادقة من جانب الشمال والى اغفال جهود مخلصة والى حد الايثار فى محاولات لتحقيق الحياة الكريمة لكافة أهل السودان، وبوجه خاص فى الجنوب.
ولكن نبرة هذه المآخذ والشكوك أخذت تتمدد مما جعلت محللين محايدين يعتقدون بوجود اغفال او اهمال تام للسياسات التى وضعتها الادارة التركية ومن بعدها الادارة البريطانية 1889م-1956م وشكلت فجوة بين أهل الجنوب وأهل الشمال وصنعت الشكوك وغياب الثقة، لأن تلك السياسات استخدمت كافة الوسائل المتاحة لديها فى ذلك الاتجاه اى حجب الثقة المرسوم وليس ادل من الوثائق والحقائق والمذكرات والسياسات المرسومة التى وضعها الانجليز انفسهم لعزل الجنوب عن الشمال من جهة واثارة الشكوك والمخاوف من جهة أخرى.
السيطرة على الشمال اولاً
عندما هزم جيش الامبراطورية البريطانية التى لا تغيب شمها آنذاك جيش دولة المهدية ورفع علمى الحكم الثنائي على مبنى السرايا المطل على النيل فى 2 سبتمبر 1898م جاء التركيز على السيطرة على الخرطوم وما جاورها وارسال تعزيزات للمناطق الاخرى ليس من بينها الجنوب الذى كانت تكتنفه اوضاع مغايرة لاحوال الشمال، فالشمال بالنسبة إليهم أهله عرب ومسلمون، واكثر وعياً لتوفر وسائل أتصال بشكل ما مع مصر من جهة والمملكة العربية السعودية حيث قوافل السفر السنوى «موسم الحج» من جهة ثانية وضرورة احكام السيطرة للحيلولة دون التطلع للشمال، حتى وان كان هذا الشمال هو الحليف الثنائى لحكم السودان استناداً على الوثائق الموقعة كذلك ومنع التعامل مع الدولة المجاورة المسلمة «الاراضى المقدسة» عبر البحر الأحمر «جدة» وجاء إعتقاد الادارة البريطانية أن دخول المبشرين المسيحيين الجنوب وأقامة أول كنيسة كاثوليكية فى عام 1945م ونشاط المبشرين الواسع بين القبائل الوثنية لاعتناق الديانة المسيحية تجعل احكام السيطرة عليهم اكثر سهولة من الشمال، ووقتها كانت معلوماتهم ضئيلة عن الجنوب وأهله وعدم معرفتهم بوجود نحو 48 قبيلة كبيرة وصغيرة بجانب لغاتهم ولهجاتهم المحلية وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم المغايرة تماماً للشماليين ووجود معارك واشتباكات مستمرة بين العديد منهم حيث يصعب فى كثير من الأحيان السيطرة علىهم.
وعندما اتجهت الادارة البريطانية لاثبات وجودها كدولة هنالك وكقوة فإنها وجدت مقاومة من جانب القبائل الجنوبية و اضطرت الحكومة الى ارسال حملات عسكرية كبيرة وتعزيزات للسيطرة على الاشتباكات القبلية وللتمهيد لنوع من الإدارة لم يألفها أو يعرفها الجنوبيون اى الاحتكام للقانون، ولانهاء العداوات السائدة بينهم ولم تستقر الاحوال لها إلا فى نهاية عام 1929م وبداية عام 1930م.
السياسة الجنوبية
كان جنوب السودان، استناداً للمؤرخ د. محمد سعيد القدال مشكلة فهو جزء من السودان ولكنه فى نفس الوقت ليس جزءاً منه، فمنذ ضم المديريات الجنوبية الثلاث فى منتصف القرن التاسع عشر لتصبح جزءا من التكوينة السياسية للسودان وحتى مجئ الاستعمار البريطانى، كانت خطاه تقترب من الشمال حينا لتبعتد حيناً آخر، ولم تأت الادارة البريطانية بسياسات وحلول لتقريب الشقة والخروج من مأزق التناقض بين الانتماء والاغتراب وانما عمقت الأزمة حتى غدا الجنوب البؤرة الساخنة فى الحياة السياسية السودانية، فتصدت الادارة البريطانية فى البداية للجنوب من مركز الصلف الاستعمارى القائم على القهر، حتى اخضعته للدولة المركزية، وكانت تبحث اثناء قهره على الأسس التى تتعامل معه لأقامة القواعد التى تشيد بها الصرح الادارى ثم تعاملت معه مرة أخرى من منطلق الصلف الاستعمارى ولكن بعد ان استبانت خطاها فوضعت سياسات تؤدي الى فصله عن الشمال وهى التى تعرف باسم «السياسة الجنوبية».
قامت الادارة البريطانية بين 1900-1930م بقمع الحركات القبلية فى الجنوب التى رفضت الخضوع للتدخل الاجنبى لفرض سيطرة الدولة المركزية، وتشكل تلك المقاومة فصلاًِ فى تاريخ الحركة الوطنية السودانية، وتضعضعت المؤسسة القبلية من جراء ذلك القمع ثم اخذت تسترد انفساها عندما بدأت الادراة البريطانية تسعى لاستقطاب عناصر محلية لتشاركها بعض مهام الحكم، حيث نشأت المحاكم الأهلية فى الجنوب وظلت السياسة البريطانية خلال تلك الفترة 1900-1930م تمارس سياسة فى الجنوب لا تهدف الى فصله وإنما لتطوير الحكم المحلى فيه، «ولكن الواقع ان الفصل ظل قائماً باشكال ومستويات مختلفة».
الجنوب منطقة محظورة ومقفولة
واستناداً على «السياسة الجنوبية» لفصله عن الشمال جاء التركيز على التكوين القبلى والأسرى فى مناطق الجنوب مغايراً فى كل اشكاله للترابط الأسرى والمجتمعى فى الشمال «وفسر الأختلاف الى ان مرده هو تشبع الشماليين بالأسلام وتأثرهم بالتقاليد العربية واللغة العربية فى حين ان الجنوب وثنى افريقى بدائى ، ذلك هو تفسيرهم وجاءت السياسة ونفذت على النحو التالى:
ü تشجيع التكتلات القبلية و خلق جمعيات عنصرية ووحدات قبلية، كل منها يتميز بطابع الذاتية القائمة اساساً على المحلية البحتة والعادات والتقاليد والاعراف الموغلة في البدائية.
üجعل المناطق الجنوبية خاضعة لادارة منفصلة من ادارة المناطق الشمالية و عدم تسريب اى معلومات عنه للشماليين.
ü منع الجنوبيين ممارسة السلوكيات والعادات الشمالية.
ü منع وحظر استخدام الأسماء العربية او التحدث باللغة العربية.
ü تشجيع العودة للهجات المحلية المتداولة، فأصبح لكل قبيلة لغتها ولهجتها وبلغ عدد اللهجات واللغات نحو 48، وكانت هنالك قبائل صغيرة وفى اماكن نائية تجد صعوبة فى المخاطبة مع قبائل اخرى.
ü تشجيع العرى بين الصغار والكبار والرجال والنساء، ومنع أرتداء اى نوع من الملابس حتى ما يغطى العورة، وبالطبع منع بشكل خاص ارتداء الملابس الشمالية، بكافة اشكالها، واستناداً لصور اخذت عام 1953م و1954م و1955م فإن غالبية أهل الجنوب ظلوا عراة اذعاناً للسياسة الجنوبية التى وضعتها الادارة البريطانية، وكانوا يشاركون فى لقاءات كبيرة وهم عراة مثلما حدث لدى لقاء وفد مصرى فى نوفمبر 1952م.
ü رفض تسجيل الاسماء العربية او الاسلامية والاستعاضة عنها بالارقام 2و5و6و8و9 أو إطلاق أسم العملة «تعريفة» «قرش» «شلن» أو أيام الاسبوع، سبت، أحد، خميس، أو اسماء مسيحية جون، قرنق، كلمنت، الير سانتينو،.. الخ.
ü ابعاد الشماليين الذين كانوا يشغلون وظائف ادارية، كما ارغم صغار التجار الشماليين على اغلاق محالهم والعودة للشمال.
üواصبحت مناطق الجنوب وسكانها فى تلك الفترة وربما بعدها مناطق مغلقة تماماً امام الشماليين وتحولت الى وحدة منفصلة قلباً وقالباً حسبما رسمت السياسة الجنوبية.
دور الارساليات فى اثارة الشكوك
اما الارساليات التبشيرية. والتى احيطت بعناية ودعم من حكومة الادارة البريطانية فأعطيت الضوء الاخضر للقيام بنشاطها بين اهل الجنوب، في ترغيبهم من جهة فى الديانة المسيحية وتنفيرهم واثارة شكوكهم فى الإسلام والعرب والشمال باعتبارهم تجار رقيق ينبغى عدم الاقتراب منهم او التعامل معهم او الثقة فيهم.
نموذج من التبشير ضد الاسلام
فى مجلة المؤتمر العدد الخامس مايو 1939م نقلت فقرات من كتاب صغير باللغتين الانجليزية «والباريه» «لغة محلية» يدرس فى المدارس الاولية «الأساس» فى الجنوب، وقالت مجلة المؤتمر انها تنقله لكى ندرك الى أي مدى تسير هذه الجمعيات التبشيرية والتى تساعدها الحكومة من مال دافعي الضرائب المسلمين فى دعايتها ضد الاسلام والمسلمين .
والمادة على شكل اسئلة، وعلى هذا النحو:
س: من أين اتت الديانة المحمدية؟
ج: جاء بها محمد وهو عربى ظهر فى جزيرة العرب عام 600 بعد المسيح وقد سمى نفسه نبيا.
س: على أى أساس تقوم هذه الديانة؟
ج: اساسها القرآن وهو مكتوب باللغة العربية ولا يستطيع قراءته إلا العلماء.
س: ما هى محتوياته؟
ج: يحتوى على بعض القصص حقيقية من التوراة ومعها اشياء اخرى غير صحيحة.
س: كيف نعرف أنه لم يأت من الله؟
ج: لأن هناك دعوة أنه جاء ليحل محل التوراة ولانه يحتوى على اشياء غير صحيحة.
س: اذكر بعض الأشياء الموجودة فى القرآن
ج: التصريح بزواج اربعة وأباحة السراري وامتلاك الرقيق وقتل الذين يدينون بديانات اخرى.
س: ما هى اعتقادات المحمديين فى الجنة؟
ج: يقولون أنها مكان يجدون فيها مئات الزوجات حيث يستطيعون الأكل والشرب كما يفعلون الآن.
س: ما هى مبادئ الديانة المحمدية؟
ج: قول الشهادتين واعطاء الزكاة والصلاة خمس مرات و الصوم والحج.
س: هل فعل هذه الاشياء يكسب الانسان ثواباً؟
ج: لا، فقط الأعتقاد فى عيسى الذى ارسله الله هو الذى يسبب ذلك
س: ما هى معتقدات المحمديين الأخرى فى هذه البلاد؟
يعتقدون فى التمائم والأحجبة أنها تساعدهم وتحميهم.
س: كيف تجزم أن الديانة المحمدية لم تكن ديانة صحيحة؟
ج: لأنها لا تذكر شفيعاً، ولا تساعدنا ان ننعم بحياة جديدة، والكتاب الذى يدينون به لم يرسله الله.
س: ما هى الاشياء الكاذبة حقيقة فى الديانة المحمدية؟
ج: القول أن عيسى لم يكن ابن الله، وانه لم يمت مصلوباً واباحتها الرق وتعدد الزوجات والطلاق لأى سبب كان.
س: لماذا يعتنقها الكثيرون؟
ج: لأنها ديانة سهلة للإنسان ان يفعل كل ما يحلو له من اشياء رزيلة وتعلمه أن يكره الاخرين.
اكتفت مجلة المؤتمر بنشر هذه الفقرات دون تعقيب لأن سوء النية والقصد من جانب الارساليات التبشيرية فى اثارة الكراهية ضد الاسلام والمسلمين، والمقصود الشماليون كانت بغير حاجة لتعليق او اضافة.
كيف نقلوا صورة الشمالى للتلاميذ؟
واستخدمت الادارة البريطانية الارساليات التبشيرية فى الاشراف على المدارس الاولية والابتدائية فى الجنوب ولم تكن بحاجة للتذكير او المتابعة لجهدم ودورهم فى اثارة الشكوك والمخاوف والكراهية ضد العرب، والمقصود هم اهل الشمال، وهذه الوقائع سجلها البروفسير يوسف الخليفة والذى عمل سنوات طويلة فى حقل التعليم بالجنوب ويعتبر خبيراً فى اللغة العربية لغير الناطقين بها فى العديد من المعاهد والجامعات بافريقيا وشغل منصب وزير الشؤون الدينية فى حقبة الثمانينات.
وقد وضع لها عنواناً:
رواية الفرية التى ترددت حتى صدقناها وبدأنا نرددها.
قالت الوقائع: أنه فى الاسبوع الاول من شهر أغسطس 1955م، انعقد اجتماع فى مدرسة رمبيك الثانوية: والمجتمعون هم:
عبد الحليم علي طه نائب مدير وزارة المعارف وجاء فى زيارة للجنوب وسر الختم الخليفة مساعد مدير المعارف للمديريات الجنوبية الثلاث وحسن احمد الحاج ناظر مدرسة ثانوية ورؤساء الشعب بمدرسة رمبيك الثانوية وبينهم مسجل هذه الوقائع، الى جانب احد عشر ناظر مدرسة وسطى من المديريات الجنوبية الثلاث وبعضهم بريطانى الجنسية والآخر ايطالى الجنسية.
الغرض من الاجتماع:
التنسيق بين مدرسة رمبيك الثانوية وهى الوحيدة التى سمحت الادارة البريطانية بانشائها فى الجنوب وعلي مدى خمسين سنة، وهى التى يتنافس على الوصول إليها تلاميذ احدى عشرة مدرسة وسطى في المديريات الجنوبية. والاجتماع للتنسيق بين المدرسة الثانوية الوحيدة ونظار المدارس الوسطى فيما يتعلق بامتحانات الدخول لمدرسة رمبيك الثانوية.
المداولة:
تم الأتفاق على مواد الامتحانات لدخول مدرسة رمبيك الثانوية ولكن اختلف المجتمعون حول منهج التاريخ في المدارس الوسطى، واثار سر الختم الخليفة نقطة نظام حيث نبه نظار المدارس الانجليز والأيطاليين الى ان كتاب التاريخ المقرر على طلاب السنة رابعة الوسطى فيه صفحة مسيئة، ولا بد من نزعها من الكتاب وهى صفحة رسم فيها جمل يمتطيه عربى بعمامته «شمالى» ويربط فى ذيل الجمل حبلاً، وفى نهاية الحبل انسان افريقى «جنوبى» يجره الجمل وشخص اخر وراءه يرفع يده الممسكة بسوط!
قال سر الختم الخليفة هذه صورة تشويهية متعمده فلا يوجد مثل هذا المشهد الصارخ اللا انسانى فى أي مكان، وأهل الشمال بوجه خاص أبعد ما يكونون عن هذا المسلك بأىة صورة، ولا بد من نزع هذه الصفحة من الكتاب وسوف يحاسب الناظر الذى نجد فى مدرسته هذا الكتاب وبه هذه الصورة المشينة والمسيئة.
إقتراح: واستناداً الى وقائع هذا الاجتماع المهم فى مطلع اغسطس 1955م جاء اقتراح تدريس كتاب التاريخ الذى يدرس فى المدارس الوسطى فى الشمال والذى يخلو من اى تشوهات او معلومات خاطئة او مضللة او مسيئة، فهو عبارة عن 12 شخصية منها 4 شخصيات من التاريخ القديم و4 شخصيات اوربية وانجيلزية من العصور الوسطى و4 شخصيات عربية هم عمر بن الخطاب والمنصور ومحمد الفاتح وصلاح الدين الايوبى، وأعترض ناظر مدرسة على وجود شخصية عمر بن الخطاب وطالب بحذفه، فرد: سر الختم الخليفة: لا نوافق علي حذفها.
انتهت وقائع الاجتماع
ثم نأتى للفصل الثانى لحديث الوثائق والمستندات ومن المضابط الرسمية لكى نلفت انتباه الشماليين والجنوبيين على حد سواء ان الجنوب وأهله وعلى مدى اكثر من خمس وخمسين سنة كانوا يحكمون بواسطة الحكومة البريطانية، وكانت لهم ادارة منفصلة تماماً عن ادارة مناطق الشمال، وكانت الخدمات الصحية والعلاجية والتعليمية وغيرها تقررها الادارة البريطانية وتنفذها وتعين لها من تريد من موظفين بريطانيين او ايطاليين او يونانيين وكانت تغطي هذه الخدمات من الضرائب التى يدفعها اهل الشمال و حدهم، والذين هم أيضاً بحاجة ماسة للخدمات كأخوانهم فى الجنوب.
ثم نأتى لنماذج ومن مضابط الجمعية التشريعية 1948م لاقوال نواب من الجنوب وكيف جاءت متطابقة مع المفاهيم الخاطئة التي غرستها الادارة البريطانية لدى السياسيين والمتعلمين، وكيف جاءت رؤيتهم لدى مشاركتهم فى اول برلمان وطنى منتخب عام 1954م وماذا فعلت اول حكومة وطنية للجنوب فى مدى عامين فقط؟
ان وضع هذه الحقائق والوثائق والمضابط والمستندات امام ابناء الوطن «الشماليين والجنوبيين» مسألة ضرورية وحيوية لتصحيح ملامح الصورة لصالح الوطن ولنفع الجميع.
|
|
 
|
|
|
|
nile1
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست