الدولـــة العلمانيــة الحديثـــة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 04:43 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-01-2005, 04:18 PM

د.أمين حامدزين العاب-كاتب زائر


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الدولـــة العلمانيــة الحديثـــة

    الدولـــة العلمانيــة الحديثـــة
    د.أمين حامدزين العابدين


    " لا اعارض كمسلم على اى شئ يمارسه البوذيين وأصحاب الملل الأخرى حسبما تقتضيه اديانهم...ولكن تبني الدولة للبوذية كدين رسمي سيؤدي الى تصور البوذيين بان لهم دور خاص فى الحياة الإدارية، الإقتصادية، الإجتماعية والتربوية لبورما...كما سيقود تبني ديانة رسمية للدولة الى فتح الباب للمتطرفين وازدياد مطالبهم استناداً على الدين...وعلمنا بأن الدستور المقترح سينص على ان يكون رئيس الجمهورية والوزراء ورئيس القضاء وقائد الجيش من البوذيين الأمر الذى ستقاومه الأقليات الدينية."
    رشيد، زعيم المسلمين فى بورما.
    Cited in D. Smith, ed, Religion, Politics and Social change in the Third World (New York, 1971) pp.26-27.

    كان من أهم اهداف الحركة الشعبية لتحرير السودان عند ظهورها فى عام 1983 تأسيس دولة علمانية يعترف دستورها بمبدأ فصل الدين عن الدولة باعتباره الإطار الأمثل لإعادة صياغة السودان الموحد على أسس جديدة لأجل تحقيق الاشتراكية والعدالة والوحدة الوطنية. ولم تطرح الحركة الشعبية فى أدبها السياسي شرحاً لمفهوم الدولة العلمانية يتجاوز الخطاب الهتافي الذى يطالب بفصل الدين عن الدولة. فهل يشير مبدأ فصل الدين عن الدولة أيضا الى فصل الأحكام الأخلاقية عن العملية السياسية والقانونية؟ وهل يؤكدون على الإستقلال الشخصي للذات وحرية الفرد للإختيار بغض النظر عن الواجبات الأخلاقية للمجتمع؟ وهل يتفقون مع الرأى العلماني المتطرف الذى يعتقد بضرورة "وضع معتقداتنا الأخلاقية والدينية بين قوسين عندما نتناقش فى أمور السياسة والقانون." والذى يترتب عليه منع إصدار اى تشريع يستند على حجة دينية؟ ويعزى التفسير الضيق والمحدود لمفهوم العلمانية الذى طرحته الحركة الشعبية الى اعتبارها له ككتلة واحدة صماء Monolithic وتناوله من منظور أحادي مما ادى الى إختزاله فى معنى وحيد وهو فصل الدين عن الدولــة.ويفسر هذا السبب ايضاً رفض الحركة الإسلامية لمفهوم الدولة العلمانية بحجة عدائها للدين واستبعادها له عن الحياة العامة والمجتمع.

    وسنتناول فى الجزء الأول من هذا الفصل تطور مفهوم العلاقة بين الدين والدولة عبر التاريخ حيث يتضح من خلاله وجود عدة معاني لمصطلح العلمانية واعتراف الدولة العلمانية بدور الدين فى الحياة العامة وموائمته فى شئون الدولة. ويعالج الجزء الثاني طبيعة وخصائص الدولة العلمانية الحديثة ويناقش بعد ذلك الأصول التاريخية للدولة العلمانية الديمقراطية التى توائم بين الدين والدولة كما يمثلها النموذج البريطاني. كما نناقش فى هذا الجزء النموذج الأمريكي للدولة العلمانية والظروف التاريخية التى ادت الى تأكيده على مبدأ فصل الدين عن الدولة. ونختتم الفصل بنبذة موجزة عن الدولة العلمانيـــة الإستبداديــة فى العصر الحديث.



    I

    العلمانيـــة وتطور مفهوم العلاقــة بين الدين والدولة عبر التـــاريخ

    يشتق مصطلح العلمانية من الكلمة اللاتينية saeculum التى تعنى العصر فصارت تفهم بمعنى حياة البشر الزمانية فى هذا العالم. وكان تعريف د. جونسون فى قاموسه لمعنى العلمانية بأنها الإهتمام بالأشياء التى تخص الحياة الراهنة. وينعكس هذا المعنى فى الترجمة العربية للمصطلح، إذ يقول د. زكي نجيب محمود "سواء كان المتحدث مهاجماً أم مدافعاً فكلاهما ينطق اللفظة المكسورة العين وكأنها منسوبة الى العلم مع ان حقيقتها هى العين مفتوحة نسبة الى هذا العالم الذى نقضي فيه حياتنا الدنيا..."2 واستخدم المصطلح فى العصور الوسطى كصفة للتمييز بين المجال الديني والمجال المدني، كما استخدم للإشارة الى الأشخاص المدنيين العاديين لتمييزهم عن رجال الدين مثل القساوسة والرهبان. وبعد ظهور حركة الإصلاح الديني فى اوروبا فى القرن السادس عشر واحتدام النزاع بين الكاثوليكية والمذهب البروتستانتي الجديد، بدأ استخدام مصطلح العلمنة Secularization للإشارة الى مصادرة السلطات المدنية لممتلكات الكنيسة وتحويل المؤسسات الكنسية الى هيئات مدنية تديرها وتشرف عليها الدولة.3 وطرأ تغيير على مفهوم العلمنة بهذا المعنى الأخير بعد التطور التكنولوجي الذى شهدته اوروبا بعد الثورة الصناعية لتعنى التحديث ونظرية العلمنة التى ترى " بأن التحديث يقود بالضرورة التى تقهقر الدين فى المجتمع وفى أذهان الأفراد."4

    ويتضمن المعنى العام للعلمانية فكرة تحديد العلاقة فى المجتمعات الحديثة بين مؤسستي الدين والدولة التى وصفها الفيلسوف جون لوك بقوله "اعتقد انه من الضروري بمكان التمييز بدقة بين الحكومة المدنية والدين لكى تتم تسوية الحدود العادلة التى تقع بينهما."5 وتعرض مفهوم العلاقة بين الدين والدولة فى المراحل المختلفة لتطوره عبر التاريخ الى عدة تغييرات تراوحت بين الدمج او الموائمة أو الفصل بينهما. وكان الدين هو الإطار الشامل للحضارات القديمة و داعى وجودها فارتبطت عبادة الملك او الفرعون المقدس فى الممالك المصرية القديمة وعبادة تموز وعشتار فى ممالك سومر وأكاد بالحماية التى توفرها لمدن هذه الحضارات. وكان سكان الحضارة اليونانية القديمة يعتقدون بأن الآلهة ترعى وتحمي معظم الوظائف الدينية والمدنية وأن الآلهة زيوس واثينا وهيرميز يشرفون على معظم نشاطات المسئولين فى مكان التجمع السياسي الرئيسي للمواطنين والذي يناقشون فيه شئون الدولة والمعروف بالأغورا Agora.6 وتم تأسيس معابد فى الأغورا للآلهة زيوس، ابولو وأثينا.7 وينعكس الدمج والتداخل بين الدين والدولة فى المدن اليونانية القديمة فى المكانه الهامة للطقوس الدينية فى الحروب وإعتقاد المواطنين بأن الآلهة قد ساعدتهم فى تحقيق النصر والتعبير عن شكرهم للآلهة فى معابدهم مثل تعليق الدروع فى حائط المعبد أو نصب تمثال جديد للآلهة فى معبده.8
    أدى التعايش بين الدين والدولة فى المجتمعات اليونانية القديمة وافتقارهم لكتاب مقدس الى ظهور النظرة العلمية والإيمان بقدرة العقل البشري لفهم وحل مشكلات الكون والوجود الإنساني. لذلك نجد ان الدين هو أحد المكونات الأساسية للعقلانية الإنسانية فى الفكر اليوناني القديم. فاعتبر اناكسيمان الوجود الإنساني بأنه "عمل ظالم غير تقي واغتصاب خاطيء يستوجب معاناة الأفراد والتكفير عن ذنوبهم."9 واتسمت عقلانية سقراط بالتدين العميق كما انعكست فى آرائه التى تحث البشر على" الإهتمام بأرواحهم" وأزلية الروح كما اوضحها أفلاطون فى الجمهورية وفايدو.10 وأفرزت العقلانية اليونانية قيم الديمقراطية والتسامح والتى صارت من أهم سمات المجتمعات المعاصرة. فوصف بركليس الديمقراطية فى القرن الخامس قبل الميلاد بقوله: "تكفل قوانيننا المساواة فى العدل لكل الأشخاص عند النظر فى خصوماتهم الشخصية...ولا نتجاهل ما يستحقه التميز، فالشخص المتفوق يمنح الأفضلية فى الخدمة العامة ليس كامتياز ولكن كمكافأة لجهده...ولا ينظر للنقاش كعقبه فى طريق الممارسة السياسية وانما شرط ضروري للتصرف بحكمة...كما نعتقد ان السعادة هى ثمرة للحرية."11

    وتم استلهام مفهوم التسامح من مقولة سقراط "اعرف نفسك واعترف كم هو قليل ما تعرفه." فقد ذكر الفيلسوف كارل بوبر ان هذه المقولة تتضمن مفهوم تعرض الإنسان للخطأ "التى جعلها نيكولاسي القوصي وايرازمس ومونتاني ولوك وفولتير وجون ستيوارت مل وبرتراند رسل أساساً لمذهب التسامح."12 وكان تعريف فولتير للتسامح فى قاموسه "انه النتيجة الضرورية لإنسانيتنا فنحن عرضه للوقوع فى الخطأ فدعنا نغفر لكل شخص خطأه."13 وتأثرت الثورة العلمية الحديثة التى انعكست فى نظرية كوبرنكس بفكرة الخير الدينية لأفلاطون والذى احتلت فيها الشمس المكان الأعلى فى السلسلة العظمى للصيرورة. وإشارة كارل بوبر الى ذلك بقوله "كان من الصعب تصور ان تدور الشمس حول الأرض بعد ان منحت المكانة الأولى وتم وضعها فى مصاف الآلهة فى ترتيب الأشياء المحسوسة. لذلك فإن مركز الكون هو أنسب مكان لنجم له هذه المكانة السامية."14 وأوضح كارل بوبر أثر النظرية الأفلاطونيه للمصدر الإلهي للمعرفة Anamnesis فى نظرية المعرفه لدى بيكون وديكارت التى تستند على "المذهب الذى يقول بأن حدسنا الفكرى لا يخدعنا لان الله هو الحقيقة ولا يخدعنا."15

    وكان الدين جزءاً لا ينفصم من الدولة والحياة العامة فى الإمبراطورية الرومانية التى ورثت التراث الفكري اليوناني.16 وكان الحكام الذين ينتخبهم الشعب الروماني يقومون بأداء اهم الطقوس الدينية ويقوم الكهنة بأداء النصح للحكام فى إحتفالات أداء القسم والقرابين والصلاة.17 واستمر مفهوم الدمج بين الدين والدولة فى الإمبراطورية الرومانية بعد ان تخلت عن الوثنية واعتناق الإمبراطور قسطنطين الدين المسيحي فى القرن الرابع الميلادي.
    وبإنهيار الإمبراطورية الرومانية فى غرب اوروبا عندما عزلت القبائل الجرمانية الإمبراطور رومولوس فى عام 476 وتنصيبها لقائدهم اودواكر ملكاً لإيطاليا، بدأت اوروبا فى الإنقسام تدريجياً الى عدة دويلات لتبدأ الحقبة المعروفة فى تاريخ اوروبا بالعصور المظلمة. واستغل البابا فترة الفوضى التى عمت اوروبا لتنظيم الكنيسة كمؤسسة مستقلة عن الدولة استناداً على التراث الإداري للإمبراطورية الرومانية ولنشر المسيحية وسط قبائل الجرمانية. وعندما نجح شارلمان فى مشروعه لإحياء الإمبراطورية الرومانية قام البابا ليو الثالث بعقد مراسم تتويجه كإمبراطور للإمبراطورية الرومانية المقدسة فى ديسمبر 800 الأمر الذى يعكس نمو نفوذ الكنيسة وخضوع الإمبراطور الجديد لسلطتها التى أضفت الشرعية على حكمه.

    واتسمت فترة العصور الوسطى بظهور التمايز الواضح بين مؤسسة الكنيسة التى يرأسها البابا والتى يختص سلطانها بالشئون الروحية والدينية ومؤسسة الدولة أو الإمبراطورية التى تشمل صلاحياتها تنظيم شئون المجتمع الزمانية والإجتماعية والاقتصادية. وظهر فى هذه الفترة أيضا الصراع بين هاتين المؤسستين بسبب تغول احداهما على صلاحيات الأخرى وذلك عندما احتج البابا جريجوري السابع فى القرن الحادى عشر على تدخل سلطة الإمبراطور الدنيوية فى تعيين الأساقفة فى المناصب الشاغرة. وكان البابا جريجوري السابع يعتقد بعلو سلطاته على كل الحكام الدنيويين لمسئوليته لحكم كل العالم المسيحي.18 فقام بعزل الامبراطور هنرى الرابع وطرده من رحمة الكنيسة مما اضطر الأخير الى زيارته فى كانوسا طلباً للمغفرة والصلح. وبدأ الإمبراطور فى استعادته لنفوذه بعد فترة قصيرة ليقوم بعدها بعزل البابا من منصبه بعد ان احتلت قواته مدينة روما فى عام 1084.
    كان من نتائج الصراع بين الكنيسة (الدين) والدولة فى العصور الوسطى بداية ظهور مفهوم الدولة العلمانية بمعنى الدنيوية او الزمنية والذى انعكس فى كتاب مارسيليو اوف بادوا "حامى السلام" Defensor Pacis الذى صدر فى عام 1324. وكانت اطروحة الكتاب الأساسية ان طموح البابا الذى دفعه الى التدخل فى الشئون الدنيوية قد ادى الى غياب السلام ونشوب الفتن الأمر الذى يستلزم استعادة الدولة لسلطاتها الدنيوية (العلمانية) وحصر صلاحيات البابا والقساوسة فى الشئون الروحية والدينية للمجتمع.19 واشار مارسيليو الى استقلال حقوق المواطنين عن الدين الذى يعتنقونه "ولا يمكن عقاب أى شخص بسبب الدين الذى يعتنقه.20
    اختلفت تجربة الحضارة الإسلامية فى قضية العلاقة بين الدين والدولة عن تجربة اوروبا فى العصور الوسطى التى اتسمت بالتمييز الواضح بين صلاحيات مؤسسة الكنيسة فى المجال الديني والسلطة العلمانية الدنيوية للحكام. فابتدع المسلمون بعد وفاة الرسول (ص) مؤسسة الخلافة لحماية الإسلام وحفظ أحكامه وقيمه الروحية وذلك بإنتخاب ابى بكر الصديق لتولى قيادة دولتهم الناشئة .
    لذلك ارتبطت الدولة منذ نشأتها بالدين وتم اعتبار الشريعة مصدر السلطة وشرعية الخليفة والذى كانت ضمن أهم وظائفه حماية أحكام الشريعة الإلهية.21

    يتضح مما سبق صلة المعنى العام للعلمانية بالسلطة السياسية التى تسعى عبر اطار مؤسسة الدولة الى تنظيم شئون المجتمع الدنيوية. وكان هناك اندماجاً تاماً بين الدين والدولة فى الحضارات القديمة التى ظهرت فى مصر وبابل واليونان وروما. وبدأت الكنيسة المسيحية فى اكتساب شخصيتها المستقلة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية مما نتج عنه ظهور التوتر والنزاع بينها وبين سلطة الحكام الدنيوية فى اوروبا فى العصور الوسطى والإبتعاد التدريجي بين مؤسستى الكنيسة والدولة والتى ستتحول فى بعض المجتمعات فى فترة لاحقة الى الفصل بينها. واتسمت طبيعة العلاقة بين الدين والدولة فى الحضارة الإسلامية بالإندماج بينهما كما كان الحال فى الحضارات اليونانية والرومانية. واستبعدت طبيعة الإسلام وجود طبقة خاصة برجال الدين (كهنة) وغياب مؤسسة خاصة بهم مثل الكنيسة فى اوروبا المسيحية مما استلزم دمج السلطتين الدنيوية (العلمانية) والدينية فى مؤسسة الخلافة. ويمكن اعتبار العقلانية الإنسانية التى تسعى الى ايجاد الحلول لمشكلات الإنسان الدنيوية واحدة من المعاني المتعددة لمصطلح العلمانية. ويجب الإشارة الى ان المنهج العقلاني قد كان من ابرز سمات الحضارة الإسلامية وينعكس فى اعتماد الفقهاء على العقل والرأى لإستنباط الأحكام من الوقائع الجديدة التى لم يرد لها ذكر فى القرآن والسنة.


    II
    طبيعة الدولة العلمانية

    وضعت حركة الإصلاح الديني التى ظهرت فى اوروبا فى القرن السادس عشر نهاية لوحدة العالم المسيحي تحت لواء المذهب الكاثوليكي. فاعتنقت العديد من الولايات الألمانية المذهب البروتستانتي الجديد بمقتضى صلح اوغسبرج (1555) الذى نص على ان تتبع الدولة الدين الذى يعتنقه حاكمها Cuius Regio, cuius Religio . وترتب على ذلك تأسيس الدولة للكنائس القومية التى تعرف بالكنائس المؤسسة الرسمية Established Church وذلك مثل الكنيسة البروتستانتية الإنجليكانية فى بريطانيا والغالية Gallic فى فرنسا. ونتج عن تأسيس الكنائس القومية تعرض الأقليات الدينية التى لم تعتنق الدين الرسمي للإضطهاد من قبل الدولة وحرمانهم من اداء شعائرهم الدينية مما ادى الى نشوب الحروب الدينية فى فرنسا بين الكاثوليك والهيوجونوت البروتستانت (1562-159 واندلاع الحرب الأهلية فى انجلترا بين الملك الذى يرأس الكنيسة الإنجليكانية والبيوريتان (1643-1649)

    ساهمت الثورات الإنجليزية (168 والأمريكية (1776) والفرنسية (1789) فى ترسيخ اهم المبادئ التى تميز الدولة العلمانية الحديثة وهى حرية الأديان، المواطنة، فصل الدين عن الدولة واستخدام المنهج العقلي فى سن التشريعات بالإضافة الى التقاليد القانونية التى ورثها المجتمع. ويشير مبدأ حرية الأديان الى حق الأفراد والمؤسسات الدينية بحرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية دون اى قيود من قبل الدولة. ويقصد بمفهوم المواطنة ما نصت عليه المادة السادسة من إعلان حقوق الإنسان الذى أصدرته الجمعية الوطنية الفرنسية فى 1789 بقولها: "...يتمتع كل المواطنون بالمساواة فى نظر القانون الأمر الذى يؤهلهم لتولى كل المناصب السامية وكل الوظائف والمهن العامة بدون اى تمييز عدا فيما يتعلق بفضائلهم ومواهبهم."22 ويعنى مبدأ فصل الدين عن الدولة الغاء الكنيسة الرسمية التى تؤسسها الدولة بمقتضى القانون. وينعكس هذا المعنى فى تعليق توماس بين على نقد ادموند بيرك لتخلي الجمعية الوطنية الفرنسية عن التقليد المتبع فى الدول الأوروبية الذى يدمج الكنيسة والدولة وذلك عندما قال:"ينتج عن دمج الكنيسة مع الدولة ولادة بغل يفلح فقط فى التدمير وليس الإنجاب ويسمى "الكنيسة المؤسسة طبقاً للقانون the church established by law... وليس الإضطهاد من الصفات الأصلية لأى دين ولكنه السمة الأساسية لكل اديان القانون أو الأديان التى تؤسس بواسطة القانون."23
    لذلك يمكن تعريف الدولة العلمانية كما اقترح بروفسور دونالد سميث بوصفها انها "الدولة التى تضمن حرية الدين للفرد والهيئات وتعامل الفرد كمواطن بغض النظر عن دينه ولا ترتبط دستورياً باى دين معين ولا تسعى الى ترقية الدين أو التدخل فى شئونه."24 ويكون من الأفضل لكى نكمل تعريف الدولة العلمانية ان نضيف عنصر توظيف الدولة للمنهج العقلاني فى سن التشريعات وتطبيق هذا المنهج على التقاليد القانونية المو######## لكى تتماشى مع روح العصر. وتبرز أهمية هذا العنصر فى المجتمعات التى لها تراث قانوني ديني يمارسه سكانها منذ فترة طويلة وذلك مثل الأقطار التى يكون اغلبية سكانها من المسلمين وتعتمد أحكام احوالهم الشخصية والإجتماعية على مصدر ديني.

    وتعتبر الدولة الدينية Theocratic state النقيض المقابل للدولة العلمانية وذلك لإستنادها على النصوص المقدسة كالمصدر الوحيد للتشريع ومنحها رجال الدين صلاحيات رفض اى قانون يجيزه المجلس التشريعي بحجة عدم انسجامه مع النص المقدس حسب تفسيرهم. ولا تقر الدولة الدينية مبدأ المواطنة لاعتمادها الهوية الدينية بدلاً عن الهوية الوطنية كأساس لمعاملة أفراد المجتمع ولا تمنح حرية العبادة للأديان التى لا يعترف بها كتابها المقدس. وتعتبر جمهورية إيران الإسلامية ابرز مثال للدولة الدينية فى العصر الراهن حيث يستند دستورها على نظرية ولاية الفقيه واعتباره اعلى سلطة دستورية فى البلاد. ويعاون الفقيه كما نصت المادة 96 من الدستور الإيراني مجلس الولاة الذى يشرف على انتخابات الرئيس ومجلس الشورى ويفسر الدستور ويملك حق النقض ضد اى قانون يجيزه البرلمان ولا يتفق فى نظرهم مع الإسلام.25
    ويمكن تقسيم الدولة العلمانية الى نوعين: دولة علمانية ديمقراطية ودولة علمانية استبداية. ويوجد فى النوع الأول نموذجين: النموذج البريطاني الذى يؤسس كنيسة رسمية بمقتضى القانون ومستبعداً بذلك مبدأ فصل الدين عن الدولة مع المحافظة على مبادئ المواطنة وحرية الأديان واستخدام المنهج العقلاني فى التشريع والنموذج الأمريكي الذى يحافظ على كل عناصر الدولة العلمانية. ويوجد أيضاً فى الدولة العلمانية الإستبدادية نموذج ينفذ مبادئ فصل الدين عن الدولة والمواطنة وتقييد مبدأ حرية الدين، ونموذج آخر يقوم بدمج الدين والدولة و/أو تحديد دين رسمي للدولة والإلتزام بمبدأ المواطنة وإتاحة قدر معقول من حرية العبادة للأقليات الدينية.
    وسنناقش بإسهاب فى الجزء التالي الظروف التاريخية التى ادت الى ظهور النموذجين البريطاني والأمريكي للدولة العلمانية الديمقراطية ونختمه بنبذة موجزة عن الدولة العلمانية الإستبدادية.

    (أ‌) النموذج البريطاني للدولة العلمانية

    نشأت الكنيسة القومية الإنجليزية بعد قرار الملك هنرى الثاني انهاء صلاحيات الكنيسة الكاثوليكية فى إنجلترا بسبب خلافاته مع البابا كلمنت السابع وإصدار البرلمان فى عام 1534 لقانون السيادة الذى اعلن "بأن الحق والعدل يستوجبان ان يكون جلالة الملك الرئيس الأعلى لكنيسة إنجلترا."26 وحافظت كنيسة انجلترا على التنظيم الكنسي الكاثوليكي الذى يعتمد على نظام رئاسة الأساقفة للكاتدرائيات فى المدن الكبرى التى تشرف على كنائس الإبرشيات التى تقع فى نطاق صلاحياتها والقساوسة الذين يقومون بخدمتها. وأبقت فى تعاليمها على بعض المعتقدات الكاثوليكية مثل الإعتقاد بأن أداء القسيس لطقوس القربان المقدس Eucharist يؤدى الى تحويل الخبز والنبيذ الى جسد ودم المسيح عليه السلام.27

    وبدأت الكنيسة الإنجليزية فى تطبيق افكار الإصلاح البروتستانتية الداعية الى اداء الطقوس والتراتيل الكنسية باللغات القومية بدلاً عن اللغة اللاتينية عندما أصدرت الدولة كتاب الصلاة المشتركة بمقتضى قانون التماثل The Act of Uniformity فى 1549 الذى فرض صلوات محددة باللغة الإنجليزية لتؤدي فى جميع أنحاء انجلترا. وتم التأكيد فى عهد الملكة اليزابيث الأولى (1558-1603) على ان الدمج هو الصيغة المثلى للعلاقة بين الدين والدولة وذلك بإصدار قانون السيادة فى 1559 الذى طلب من كل المسئولين المدنيين والدينيين الإعلان على القسم بان الملكة اليزابيث هى الحاكم الأعلى الوحيد لإنجلترا في الشئون الدينية والزمنية.28 وفرض قانون التعهد Subscription Act الصادر فى 1571 على السكان بما فيهم قساوسة الأقليات الدينية مثل الكاثوليك والبيورتان الإيمان بتسعة وثلاثين عقيدة إيمانية Thirty-Nine Articles of Religion التى أصدرها مجلس الكنيسة الرسمية للدولة. 29
    ظهرت فى عهد الملكة اليزابيث بعض الطوائف البروتستانتية المتشددة التى عارضت تبني الدولة للتنظيم الكنسي الكاثوليكي وتسرب بعض الأفكار الكاثوليكية فى كتاب الصلاة وبعض الطقوس الدينية وسعوا الى تطهير حركة الإصلاح فى انجلترا من كل الشوائب الكاثوليكية مما ادى الى تسميتهم بالمتطهرين Puritans. واستهدى البيورتان بافكار المصلح الديني كالفن الذى تمنع تعاليمه تولى رجال الدين لوظائف فى الحكومة المدنية وذلك لأن المسيح عليه السلام لم يعتقد فقط ان وظيفة القسيس تختلف عن وظيفة الأمير وانما هناك إختلاف هائل بين المنصبين الأمر الذى يجعل من غير المستطاع الجمع بينهما فى شخص واحد. 30 وتبنوا آراء كالفن عن التظيم الكنسي الذى يقوم على إدارة الشيوخ Presbyters لشئون الكنيسة بمعاونة بعض القساوسة الذين ينتخبهم الجمهور ويتساوون مع الشيوخ بحكم انها اقرب الى الإصلاح البروتستانتي من التظيم الأسقفي للكنيسة الإنجليكانية. وعندما ذكر توماس كارترايت فى محاضرة ألقاها فى جامعة كامبردج فى 1570 بأن نظام حكم الشيوخ للكنيسة هو ما امر به الله فى الإنجيل، تم طرده من منصبه الجامعي واضطر الى الهروب الى جنيف خوفاً من بطش الحكومة. واصدر بعد عامين من منفاه كتاباً بعنوان "نصح وتحذير للبرلمان" طالب فيه بإلغاء النظام الأسقفي لكنيسة انجلترا واستبداله بنظام حكم الشيوخ المنصوص عليه في الإنجيل.31 واصدر زعماء البيورتان فى 1578 "الكتاب الثاني لضبط السلوك" طالبوا فيه باستبدال الأساقفة بمجالس تتكون من الشيوخ والقساوسة على المستوى المحلي، الإقليمي، القومي والدولي.32

    تفرغت من وسط البيورتان فرقة متزمتة عرفت بالإنفصاليين Separatists تاثروا بافكار اليهود بانهم شعب الله المختار واستهدوا بها لعزل انفسهم عن بقية المسيحيين. واعتمدوا فى تبرير سلوكهم الإنفرادي وتعاليهم عن الآخرين بتعاليم كالفن الذى فسر نصوص الكتاب المقدس (جيرمايا) بقوله: "اسس الرب حائطاً لفصل شعبه عن الأجانب كمقدمة لعطاياه وهباته وتوجيه الدعوة للأميين Gentiles وازال السيد المسيح الحائط الذى يفصل بين اليهود والأميين لكى يمنح الأميين حائط يفصلهم عن بقية الشعوب." 33 وكان كالفن من المؤمنين بمذهب القدرية الذى يعتقد بأن الله قد اختار منذ الأزل عدد قليل من صفوة المسيحيين والهمهم شدة الورع والتقوى ليكونوا فى مكانة اسمى من بقية اخوانهم المسيحيين كما قدر لهم. وأدان زعماء الكنيسة المشيخية Presbyterians الذين يمثلون التيار الرئيسي للبيورتان تطرف الإنفصاليين الذين طبقوا أفكارهم بتأسيس مجتمعات خاصة بهم يعاهدون فيها الله لفرض تعاليمه بصرامة على العامة لكى يلتزموا بأحكامه. وتم قمعهم بواسطة الدولة حيث تم شنق اثنين من أتباعهم فى 1583 لتوزيعهم كتيبات تدعو لمذهبهم، كما اعدم ثلاثة من زعمائهم الدينيين فى 1593 مما دفع العديد من أنصارهم للهجرة الى هولندا.34
    بدأ البيورتان نتيجة للاضطهاد الديني الذى تعرضوا له المطالبة بالحرية الدينية بحجة ان تعاليم الإصلاح البروتستانتي تؤكد أهمية الضمير ودوره فى التجربة الداخلية للفرد واعتقاده الديني الذي يجب ان يكون بمنأى عن اى تدخل وتقييد من قبل السلطة الزمنية. وادركوا ان سبب اضطهادهم الديني هو وحدة الدين والدولة وتأسيس الحكومة لكنيسة رسمية بمقتضى القانون تفرض عليهم الإعتراف بعقائدها الدينية وتمنعهم من حرية العبادة واداء طقوسهم طبقاً لمذهبهم. لذلك اعتبروا ان الغاء الكنيسة الرسمية Disestablishment ، والذى يقصد به فصل الدين عن الدولة، هو السبيل الوحيد الذى يتيح لهم التمتع بحرية الضمير التى يدعو اليها مذهبهم. ودعموا رايهم بتفسير بعض الطوائف المسيحية التى تعتقد ان الكنيسة هى عروس المسيح عليه السلام وان محاولة دمجها مع سلطة الأمير الدنيوية بمثابة خطيئة الزنا التى تحط من قدرها وتؤدي الى فسادها.35
    وأصدر هادريان سارافيا كتاب "حول درجات قساوسة الإنجيل" فى 1590 لدحض آراء البيورتان التى تطالب بإلغاء النظام الأسقفي الإنجليكاني الذى يربط بين الدين والدولة ويسمح للحاكم الذى يجمع بين السلطتين المدنية والدينية بتعيين القساوسة فى مناصب مدنية لا تليق بوظيفتهم الدينية. وعارض آرائهم باعتبارها طلاق خطير بين الكاهن والحاكم المدني وخاصة وانه "لا يوجد ارتباط بين هذه المسألة والرأى الشائع بأن السلطة الدينية تختلف وتتميز عن المؤسسة المدنية...إذ لا يصيران شيئاً واحداً حتى وان تقلدهما شخص واحد وذلك مثل ان يكون نفس الشخص طبيباً وفقيهاً (قاضى او محامي) فى نفس الوقت."36 وأشار الى ان منع القساوسة من اداء مهامهم المدنية فى المجالس العامة (البرلمان) يتناقض مع مبدأ الحقوق المتساوية لكل المواطنين.37
    كما انتقد ريتشارد هوكر دعوة البيورتان للفصل بين الدين والدولة والغاء النظام الأسقفي الانجليكاني بحجة وجود حائط فاصل بين الكنيسة والحكومة المدنية. اذ لاحظ انهم يعتقدون "بعدم إمكانية تدخل الأساقفة فى شئون الدولة لأنهم يحكمون مؤسسة اخرى، كما لا يمكن للملوك سن القوانين للكنيسة لأن حكومتهم المدنية لا تنتمي لهذه المؤسسة، وإنما لمؤسسة اخرى مفصولة عنها وهى الدولة ويجب الإحتفاظ الى الأبد بالجدار الذى يفصل بين هاتين الموسستين."38 وكان رأى هوكر ان السلطتين السياسية والروحية فى المجتمع المسيحي متحدتين بدون ان يتم الخلط بينهما "وليس الفرق بين مهام وشئون كل من السلطتين الكنسية والعلمانية (Secular) بدليل على ان الدولة (Commonwealth) والكنيسة فى حالة إنفصال دائم واستقلال كل واحدة عن الأخرى".39

    استمرت معاناة الطوائف البروتستانية المنشقة عن الكنيسة الإنجليكانية من قهر الدولة طوال عهد الملك جيمس الأول (1603-1625). وكان للكنيسة الرسمية سلطان واسع على المواطنين وذلك مثل تعرضهم لعقوبات صارمة فى المحاكم الكنسية اذا لم يدفعوا العشر من محصولهم الزراعي أو ارباحهم لقسيس كنيسة الإبرشية. كما يتم عقاب المرء إذا ارتكب خطيئة الزنا أو تعامل بالربا أو لم يحضر الصلاة فى الكنيسة فى يوم الأحد أو يزاول العمل فى يوم الأحد الذى يعتبر عطلة دينية.40 واحتكرت الكنيسة التعليم حيث اقتصرت مهنة التدريس فى جامعتى اوكسفورد وكامبردج على رجال الدين ولا يسمح لأى شخص بالتدريس فى المدارس او تقديم دروس خصوصية ما لم ينل رخصة التدريس من أسقف المدينة.41
    واتسم عهد الملك شارلز الأول (1525-1649)42 بقسوة بطش الحكومة لكل من ينتقد الكنيسة الرسمية التى توسع نفوذها فى شئون الدولة عندما تم تعيين الأسقف ويليام لود لمنصب كبير أساقفة كانتربري فى 1633.43 فتم بتر أعضاء من جسد المحامي ويليام برين والكاهن المبجل هنرى بيرتون ودكتور جون باستويك والحكم عليهم بعد ذلك بدفع غرامة مالية باهظة والسجن المؤبد.44 وفرض لود رقابة صارمة على البيوريتان لمنعهم من أداء الشعائر حسب مذهبم وإجبارهم على الإلتزام بكتاب الصلاة وطقوس الكنيسة الإنجليكانية "مما أدى الى هروب عشرين الف منهم (البيوريتان) الى امريكا الشمالية وإجتماع الآخرين سراً فى الغابات والحجرات السرية لوعظ انصارهم وإقامة الصلاة."45
    انتهج البيوريتان طريق النشاط السياسي لكى يتخلصوا من ظلم الدولة التى قيدت حريتهم الدينية واجبرتهم على دفع ضريبة العشر لقساوسة الكنيسة الرسمية رغم عدم إيمانهم بطقوسها وتعاليمها. وتحالف انصارهم الذين دخلوا البرلمان مع النواب الراديكاليين الذين ارادوا تقييد سلطات الملك الواسعة التى اتاحت له تعطيل وحل البرلمان لأجل غير مسمى بمقتضى الإمتياز الملكي الذى كفله له الدستور.وقاد الخلاف العميق بين الملك والبرلمان حول بعض القضايا السياسية والدينية الى اندلاع الحرب الأهلية الإنجليزية فى اكتوبر 1642. وسيطر البيوريتان على القيادة العسكرية لقوات البرلمان ونجحوا بعد عدة معارك فى هزيمة قوات الملك وتقديمه الى محاكمة حيث تم إعدامه بعدها فى 30 يناير 1649. وتمكن الجناح المتشدد للبيوريتان الذى عرف بالإستقلاليين Independents من الهيمنة على شئون الحكم وأصبح قائده كرومويل الحاكم العسكري لإنجلترا بعد ان تم إلغاء الملكية ومجلس اللوردات.46

    أصدر البيوريتان فى 1653 أداة الحكومة the instrument of Government وهى عبارة عن وثيقة دستورية تم بمقتضاها منح كرومويل لقب اللورد الحامي ويعاونه فى الحكم مجلس الدولة ومجلس تشريعي واحد (مجلس العموم).47 وتجاهل البيوريتان مبادئهم حول العلاقة بين الدين والدولة بمجرد توليهم مقاليد السلطة اذ فرضوا تعاليم مذهبهم الكالفني الذى اسموه المسيحية الإصلاحية Reformed Christianity ليكون الدين الرسمي للدولة بعد إلغائهم الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية وكتاب الصلاة الذى فرضته على السكان. ونفذوا جزئياً مبدأهم حول حرية الضمير والعبادة التى منحوها لأتباع الطوائف البروتستانتية التى ساندتهم أثناء الحرب الأهلية وحجبها عن الذين ينتمون للكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الإنجليكانية وعن انصار الكنيسة المشيخية بسبب وقوفهم مع الملك شارلز الأول فى آخر مراحل الحرب الأهلية.48
    ويعكس الإضطهاد الديني الذى مارسه البيوريتان ضد من لا يؤمنون بكنيستهم الرسمية التى أسسوها بحكم القانون بان ذهنية اقصاء الآخر خصلة متأصلة فى فكرهم وسلوكهم وذلك بسبب ايمانهم الكالفني بانهم الصفوة التى اختارها الله منذ الازل ليفضلهم على الاخرين. ولاحظ بروفسور فيلدمان ان مفهوم حرية الضمير لدى البيوريتان لا يرقى الى التزام سياسي بإحترام الحرية الدينية للاخرين وانما "يعكس اعتقاد ديني بيورتاني بأولوية الضمير والإيمان."49 لذلك كانت الضرورة السياسية هى العامل الرئيسي الذى دفع البيوريتان لمنح حرية الضمير والعبادة للطوائف الدينية التى ساندتهم فى الحرب الأهلية وساعدت فى توطيد حكمهم الإستبدادي.50
    تعمقت الخلافات وازداد النزاع بين حكومة البيوريتان والبرلمان بعد وفاة مؤسسها كرومويل فى سبتمبر 1658، وبدأت الفوضى تسود فى البلاد الأمر الذى ساعد أنصار الملكية والكنيسة الإنجليكانية والكنيسة المشيخية فى الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان فى انتخابات عام 1660. وقرر البرلمان فى الآجتماع الذى عقده فى 25 ابريل 1660 استعادة الملكية وعودة شارلز الثاني من منفاه فى فرنسا لكي يتولى حكم البلاد. وترتب على استعادة الملكية إعادة تأسيس الكنيسة الإنجليكانية بمقتضى القانون لتصبح مرة اخرى الكنيسة الرسمية للدولة . واصدر البرلمان فى الفترة ما بين 1661 الى 1665 سلسلة من القوانين العقابية "قهرت وأخرصت الى الأبد ادعاءات البيوريتان للسيادة السياسية وتم اختزال كمية وتصفية نفوذهم الدينى...وتقسيم انجلترا الى الكنيسة والمنشقين."51

    ومن ضمن هذه القوانين التى عرفت بقوانين كلارندون قانون الهيئة (1661) الذى حصر عضوية المجالس البلدية، التى كانت تسيطر على انتخابات اعضاء البرلمان، على الأشخاص الذين يؤدون القداس حسب طقوس الكنيسة الانجليكانية الرسمية، وقانون التماثل Uniformity Act الذى فرض كتاب الصلاة بعد اداء القسم كشرط لتعيينهم فى الكنائس المحلية. وحظر قانون اماكن العبادة Conventicles Act الذى اصدر فى عام 1664، على المواطنين حضور اى اجتماعات لأداء طقوس دينية تختلف عن طقوس كنيسة انجلترا والا تعرضوا لعقوبات قاسية تصل الى عقوبة الإعدام. ومنع قانون الخمسة أميال (1665) القساوسة والمدرسين من الإقتراب الى مسافة خمسة اميال من المدن ما لم يتعهد ويصرح بانه لن يحاول فى اى وقت احداث تغيير فى الحكومة او الكنيسة الرسمية.52 واستهدف هذا القانون كنائس البيوريتان التى تركزت فى المدن لحرمان انصارهم من تلقى اى تعليم او مواعظ دينية من قساوستهم.

    حاول الملك جيمس الثاني (1688-1685) الذى تولى الحكم بعد وفاة شقيقه الملك شارلز الثاني فى 1685 اعادة الكاثوليكية كالديانة الرسمية لإنجلترا. وبدا التمهيد لذلك باصداره فى عام 1687 تصريح الغفران الذى كفل لرعاياه حرية لعبادة والغى بعض القوانين التى تمنع الكاثوليك والمنشقين من تولى المناصب الحكومية وذلك بهدف تعيين الكاثوليك فى المناصب الحساسة للدولة. وكشف التصريح الملكي الهدف الحقيقي لهذه الإجراءات عندما ذكر "نتمنى من اعماق قلوبنا ان يكون كل ابناء مملكتنا من اعضاء الكنيسة الكاثوليكية."53 واثارت الإجراءات التى بدأ الملك فى اتخاذها لاستعادة الكاثوليكية سخط اغلبية السكان البروتستانت فتحالفت الكنيسة الانجليكانية الرسمية مع طوائف البروتستانت المنشقين عنها وقرروا توجيه الدعوة لملك هولندا البروتستانتي ويليام اوف اورانج (زوج مارى الابنة البروتستانتية لملك انجلترا) لغزو انجلترا ومساعدتهم فى خلع الملك جيمس الثاني.

    نجحت خطة البروتستانت عندما غزا ويليام اوف اورانج انجلترا فى نوفمبر 1688 وهرب الملك جيمس الثاني من البلاد وتحققت بذلك الثورة التى عرفت فى التاريخ بالثورة الإنجليزية المجيدة.54 وقرر البرلمان فى 13 فبراير 1689 منح السيادة الشرعية لحكم انجلترا لويليام اوف اورانج وزوجته مارى "بارادة الأمة وليس بامتياز اعلى من القانون."55 واصدر البرلمان فى 1689، تحت ضغط الظروف السياسية التى اجبرتهم على التحالف مع المنشقين البروتستانت، قانون التسامح الذى منح كل الطوائف البروتستانية التى لا تؤمن بالكنيسة الإنجليكانية الرسمية، عدا الموحدين البروتستانتUnitarians والكاثوليك، حرية العبادة وأداء الشعائر الدينية. وذكر بروفسور تريفليان ان البرلمان قد اصدر "قانون التسامح كضرورة عملية وليس كمبدأ يؤمن به ويتفق عليه اعضائه."56 كما لم تكن المساواة وحقوق المواطنة من المبادئ التى يؤمن بها قادة ثورة 1688 اذ اصدر البرلمان قانوني الإختبار والهيئة Test and Corporation Act لمنع المنشقين البروتستانت والكاثوليك الذين لا يؤمنون بتعاليم الكنيسة الرسمية للدولة من تولى اى منصب مدني او عسكري فى الدولة.57

    وضعت ثورة 1688 اسس الدولة الحديثة فى إنجلترا بعد ان تخلى البرلمان عن مفهوم الحق الإلهي لحكم الملوك وتبنيه لفكرة السيادة الشعبية التى عين بمقتضاها الملك ويليام وزوجته ماري حكاماً لإنجلترا مع إخضاع السلطة التنفيذية لحكم القانون الذى يشرف عليه الجهاز القضائي المستقل. ويعكس منح حرية العبادة للأقليات الدينية بعد نجاح الثورة عدم وجود تناقض بين وجود كنيسة رسمية للدولة والحرية الدينية. ويلاحظ ان الدستور الإنجليزي قد تبنى آراء الفيلسوف توماس هوبز حول العلاقة بين الدين والدولة التى وصفها بقوله: "ان الكنيسة القادرة على إصدار الأمر والحكم والغفران والإدانة او القيام بأى عمل آخر هى نفسها الحكومة المدنية التى تتكون من المسيحيين، وتم استخدام المصطلحين حكومة زمنية وحكومة روحية لكى يكون للناس ازدواج فى النظر ويخطئون فى التعرف على حاكمهم الشرعي...كذلك لا توجد حكومة اخرى فى هذه الدنيا للدولة او للدين وانما حكومة واحدة فقط هى الحكومة الزمنية ولا يمكن تدريس اى مذهب ديني للرعايا يحظر تدريسه الحاكم المسئول عن الدولة والدين ...ويجب ان يكون حاكم الدولة والكنيسة شخصاً واحداً والا حدث انشقاق واندلعت الحرب الأهلية فى البلاد Commonwealth بين الكنيسة والدولة وبين الروحيين والزمنيين وبين السيف والعدالة."58

    ورغم تبني الدستور الإنجليزى افكار الفيلسوف جون لوك حول التسامح الديني، إلا انه لم يأخذ بآرائه حول العلاقة بين الدين والدولة والتى عبر عنها بقوله: "استطيع ان اؤكد ضرورة ان لا تمتد سلطات الحاكم لتأسيس اى عقيدة دينية او اى شكل من أشكال العبادة بقوة القانون."59 ولم تكتسب الدولة فى انجلترا اهم خصائص الدولة العلمانية الحديثة، أى مبدأ المواطنة، الا بعد مرور اكثر من مائة عام على نشوب الثورة الإنجليزية المجيدة وذلك عندما الغى البرلمان قوانين الإختبار والهيئة فى عام 1828 لكى ينفذ مبدأ المواطنة المتساوية وضمان القانون لكل المواطنين بتولي مناصب الدولة بدون تمييز وبغض النظر عن دينهم.60 وتم تمديد هذا الحق الإنساني للمواطنين الكاثوليك فى السنة التالية عندما اصدر البرلمان فى عام 1829 قانون التحرير الذى منحهم حق المساواة فى تولي المناصب الحكومية ودخول البرلمان وحرية العبادة واداء الشعائر الدينية.61
    وهناك العديد من الدول التى تبنت النموذج البريطاني للدولة العلمانية الذى ينص دستورها على تأسيس كنيسة رسمية بمقتضى القانون (اى عدم فصل الدين عن الدولة) وضمان حرية الأديان ومساواة المواطنين امام القانون. ومن امثلة ذلك النرويج التى تنص المادة الثانية من دستورها "سيظل الدين اللوثري التبشيري الدين العام للدولة. ويلتزم السكان الذين يعتنقونه على تنشئة أطفالهم عليه."62 وتنص المادة الخامسة على "ان شخص الملك مقدس ولا يمكن توجيه اللوم له أو اى اتهام ضده."63 ونصت المادة 65 من دستور الدنمارك "يجب ان يكون الملك عضواً فى الكنيسة اللوثرية التبشيرية."64
    كما تنص المادة 69 منه على مسئولية الدولة فى سن القوانين التى تعمل بمقتضاها المؤسسات الدينية المنشقة عن الكنيسة الرسمية.65
    وتنص المادة 62 من دستور ايسلندا "تعتبر الكنيسة اللوثرية التبشيرية الكنيسة الرسمية للدولة ويجب على الدولة دعمها وحمايتها."66 ويعتبر الإسلام الدين الرسمي لماليزيا التى ضمن دستورها حرية الأديان لكل الطوائف الدينية الأخرى فى الإتحاد.67

    (ب) النموذج الأمريكي للدولة العلمانية

    اتخذت العلاقة بين الدين والدولة أشكال مختلفة فى المستعمرات الإنجليزية التى تم تأسيسها فى أمريكا الشمالية منذ مطلع القرن السابع عشر. فتم دمج الدين والدولة فى مستعمرة فرجينيا عندما قرر مجلسها التشريعي فى 1619 تأسيس الكنيسة الإنجليكانية بمقتضى القانون لتكون الكنيسة الرسمية للمستعمرة.68 وتم إصدار قانون فى عام 1662 يلزم سكان المستعمرة باداء العبادات والطقوس الدينية طبقاً لتعاليم الكنيسة الرسمية فقط ويشترط على الكهنة الذين يدخلون فيرجينيا تقديم وثائق اعتماد تثبت التزامهم بتعاليم الكنيسة الرسمية للحاكم الملكي لكى يقوموا بمهام التدريس والوعظ الدينى العام.69 وتعرض اتباع الطوائف البروتستانتية المنشقة مثل البيوريتان والكويكرز والمعمدانيين، الذين بدأوا الإستقرار فى فرجينيا فى اواخر القرن السابع عشر وزاد انتشارهم فى القرن الثامن عشر، للإضطهاد الديني ومنعهم من أداء شعائرهم الدينية بالرغم من إدراك انجلترا لعدم وجود تعارض بين تأسيس كنيسة رسمية والحريات الدينية واصدارها قانون التسامح فى 1688.
    ومن امثلة ذلك المضايقات التى واجهها القسيس صمويل ديفز الذى جاء الى فرجينيا فى 1747 لوعظ انصار الكنيسة المشيخية وتقييد سلطات فرجينيا لتحركاته داخل المستعمرة ومنعه من الوعظ الديني واداء مراسم الزواج.70 كما تعرض انصار الكنيسة المعمدانية فى فرجينيا للجلد والتهكم والإعتداء وتم اعتقال ستة اشخاص منهم فى عام 1774 .71 وكانت فرجينيا من أشد المستعمرات تعصباً ضد الأقليات الدينية التى لا تؤمن بالعقائد والطقوس التى فرضتها الكنيسة الإنجليكانية الرسمية.72 كما تم تأسيس الكنيسة الإنجليكانية لتكون الكنيسة الرسمية الوحيدة فى بقية المستعمرات الجنوبية وهى ماريلاند، شمال كارولينا، جنوب كارولينا وجورجيا.

    تمكن البيوريتان الذين بدأت هجرتهم الى امريكا الشمالية فى عام 1620 من تأسيس مستعمرات انجليزية فى الأراضي التى تقع شمال مستعمرة فرجينيا وهى مستعمرات ماساشوستس، كونيتيكيت ونيوهامبشاير. واصبحت الكنيسة الجماعية او المستقلة الابرشانية Congregational هى السائدة فى هذه المستعمرات حيث تمكن البيوريتان من تطبيق تصورهم للعهد Covenant مع الكنيسة الذى يؤكد العلاقة الوثيقة بين المجتمعين المدني والديني. وأصدرت مستعمرة ماساشوستس مثلاً فى عام 1648 قانوناً "يأمر المواطنين بالحضور الى الكنيسة وفرض غرامات مالية لمن لا يلتزم بذلك، ودفع ضرائب اجبارية لدعم الكنيسة وفرض العقوبة لمن لا يلتزم بتعاليم المسيح والأحكام الإلهية."73 وقال جون وينثروب حاكم مستعمرة ماساشوستس بأنهم جاءوا الى المستعمرة "كمجموعة مؤمنة وكنيسة حق وصفاء وكأعضاء فى عهد مع بعضنا البعض ومع الرب."74 ووصف كاري اريكسون نزعة التعالي لدى البيوريتان بقوله: "كانت الحقيقة فى نظر البيورتان شديدة الوضوح، اذ اختار الرب صفوة لتمثله على الأرض وتلحق به فى السماء. وعرف الأشخاص الذين ينتمون الى هذه الصفوة بانه قد تم اختيارهم لهذه المكانة عن طريق تجربة تحول روحي عميق منحهم المسئولية للسيطرة على أقدار الآخرين."75

    لذلك لم يكن من المستغرب ان يظهر البيوريتان العداء الشديد ضد كل من يجهر بآراء تخالف تعاليم الكنيسة الرسمية التى اسسوها فى مستعمراتهم الأمريكية، إذ قال أحد أشهر قساوستهم وهو جون كوتون: "لقد كان التسامح هو المسئول عن جعل العالم مضاداً للمسيحية."76 وأصدرت حكومة ماساشوستس فى عام 1647 قانوناً يمنع أنصار المذهب المعمداني من دخول المستعمرة.77 وتم اعتقال ثلاثة قساوسة من المعمدانيين فى عام 1651 وجلدهم بالسياط لدخولهم المستعمرة بغرض التبشير لمذهبهم.78 كذلك تم اعدام ثلاثة قساوسة ينتمون لطائفة الكويكرز وهم مارمادوك ستيفن، ويليام روبنسون ومارى داير فى عام 1659 و1660 لدخولهم مدينة بوسطن.79

    وكان الواعظ ويليام روجرز الذى ينتمي الى طائفة الإنفصاليين البيورتانية، أحد ضحايا تعصب الكنيسة الجماعية Congregational فى ماساشوستس والتى قامت بطرده من المستعمرة لمجاهرته بآراء طائفته التى تدعو الى الفصل بين الكنيسة والدولة. كما رفض ان يؤدي القداس فى كنيسة سالم طبقاً لطقوس الكنيسة الرسمية خشية ان لا يكون طاهراً ونقياً بسبب اختلاط صفوة المهتدين مع الضالين.80 وجادل ويليام روجرز بأن صلاحيات السلطة المدنية تقتصر على شئون المجتمع الدنيوية وتنظيم العلاقات بين افراد المجتمع وعقاب من يرتكب جرائم السرقة والقتل. "كذلك يختص المسئولين الروحيون الذين يشرفون على مدينة المسيح او مملكة الله بالشئون الروحية وتحقيق النجاة لأرواح المؤمنين."81
    لاحظ بروفسور تيموثي هول بان آراء روجر ويليامز تشير الى "ضرورة ان تكون السلطات التى تمارسها الحكومة المدنية ممنوحة بواسطة الشعب ولكن لم يمنح الشعب اى سلطات لحكم الكنيسة عروس المسيح...لذلك يكون غير شرعياً ان تشرف السلطة المدنية على الدين وتسيطر عليه لأن ذلك يرقى الى اضطهاد حرية الضمير."82 لذلك نجد ان روجر ويليامز قد ربط توفر الحريات الدينية بإلغاء الكنيسة الرسمية التى تؤسس بمقتضى القانون لكى يسود اعتقاد ديني واحد فى المجتمع. وكان يري ان النتيجة الحتمية لفرض الدولة لدين رسمي واحد هو مقاومة الطوائف الدينية الأخرى لذلك وظهور الفتن والحروب الأهلية فى هذه الدنيا واللعنة الأبدية فى العالم الآخر.83 وتظهر اهمية التسامح الديني فى فكر روجر ويليامز بدعوته الى منح الحريات الدينية لكل الطوائف الدينية المسيحية وغير المسيحية بقوله: "إنها ارادة وامر الرب بان تمنح حرية العبادة والضمير للوثنيين واليهود والأتراك (أى المسلمين) أو المضادين للمسيحية فى كل الأمم والأقطار ولا يمكن قتالهم الا بالموعظة الحسنى والسيف الذى يغزو الأرواح اى سيف روح الله وكلمة الله."84
    وتوسع روجر ويليامز فى تفنيد وإدانة تقليد دمج الكنيسة والدولة السائد فى مستعمرة ماساشوستس فى كتيب نشره عام 1644 يرد فيه على خطاب ارسله له القسيس جون كوتون فى 1636 لتبرير قرار سلطات ماساشوستس بإدانته وطرده من المستعمرة فأشار الى ان عدم فصل سلطات ماساشوستس للكنيسة عن شئون الحكم والدنس الدنيوي هو بمثابة إقرار بالنجاسة التى تترتب على هذا الوضع. 85 وذكر ان إجبار حكومة ماساشوستس لسكان المستعمرة بالخضوع لأعراف الكنيسة الرسمية ودفع الضرائب لتوفير الدعم المالي لقساوستها يعكس إصرارها على مزج الطاهر مع النجس ورعية المسيح مع رعية العالم الدنيوي.86 واستخدم روجر ويليامز تشبيه الجدار العازل بين الكنيسة والدولة لتأكيد رأيه بان الفصل هو أنسب الطرق لتنظيم العلاقة بينهما. فشبه الكنيسة بالحديقة والعالم الدنيوي بالأرض اليباب وان المزج بينهما قد أثار غضب الرب فأزال السياج الفاصل بينهما لتصبح الكنيسة مثل الأرض اليباب. لذلك "يجب إقامة الجدار الفاصل ليعيد الرب الكنيسة الى بهاء الحديقة والجنة."87
    وجد روجر ويليامز الفرصة لتطبيق آراءه حول العلاقة بين الدين والدولة عندما اسس مستعمرة رود ايلاند فى عام 1636 "وعقد العزم على ان لا يكون للحكومة المدنية اى صلة بالدين عدا ما يتعلق بحفظ السلام والنظام الإجتماعي."88 فكانت رود ايلاند بذلك اول مستعمرة انجليزية فى امريكا الشمالية لم تؤسس فيها كنيسة رسمية بمقتضى القانون وسمح فيها لكل الطوائف الدينية بحرية العبادة واداء الشعائر الدينية. وانعكس هذا فى الميثاق الذى منحه الملك شارلز الثاني للمستعمرة فى عام 1663 والذى نص على "يجب ان لا يتعرض اى شخص يعيش فى هذه المستعمرة للتحرش والمضايقة والعقاب والإزعاج بسبب اختلاف الراى فى شئون الدين."89
    وتم تطبيق التجربة التى ابتدعتها مستعمرة رود ايلاند لتنظيم العلاقة بين الدين والدولة فى مستعمرة بنسلفانيا التى اسسها فى عام 1682 القس ويليام بن (1718-1644) الذى ينتمي الى طائفة الكويكرز الدينية. وعرض ويليام بن آرائه حول اهمية الحريات الدينية فى كتابه "الحجة العظمى لحرية الضمير."الذى صدر فى عام 1670 وهاجم فيه تدخل الحكومة المدنية فى حرية الضمير ومعتقدات الطوائف الدينية.90 وهاجر العديد من انصار الطوائف الدينية المختلفة من المستعمرات الأخرى للإستقرار فى بنسلفانيا التى سمحت لهم سلطاتها بحرية العبادة دون اى مضايقة من الحكومة المدنية وذلك مثل الايميش وال Mennonites و Anabaptists وألالمان اللوثريين والألمان الإصلاحيين (اتباع كالفن) والايرلنديين الكاثوليك والمعمدانيين من اقليم ويلز فى بريطانيا.91
    وتميزت العلاقة بين الدين والدولة فى مستعمرات نيويورك وديلاوير ونيو جيرسي بتأسيس حكوماتها لأكثر من كنيسة رسمية وهو النوع الذى اطلق عليه بعض المؤرخين اسم الكنائس المتعددة Multiple Establishments.92 وكان سبب ظهور هذا النمط للعلاقة بين الدين والدولة خضوع هذه المستعمرات فى السابق لإستعمار هولندا والسويد حيث اسست الأولى الكنيسة الإصلاحية الهولندية فى نيو امستردام فى عام 1629 والثانية الكنيسة السويدية فى مستعمرة السويد الجديدة بالقرب من نهر ديلاوير فى عام1643 .93 واستمرت الكنيسة السويدية على حالها بعد احتلال هولندا لمستعمرة السويد الجديدة فى عام 1645، كما سمحت انجلترا ببقاء الكنيسة الإصلاحية الهولندية بعد ان استولت على مستعمرة هولندا الجديدة فى عام 1664 وغيرت اسمها الى نيويورك.94 وتميزت هذه المستعمرات بكثرة التنوع الديني الأمر الذى اقنع حكامها بضرورة كفالة الحريات الدينية لجميع سكانها. ووصف حاكم نيويورك ادموند اندروس التنوع الديني السائد فى المستعمرة فى عام 1678 بقوله: "يوجد لدينا هنا كل انواع الأديان: كنيسة انجلترا و العديد من أنصار الكنيسة المشيخية والكنيسة الجماعية والكويكرز وانصار مذهب تجديد التعميد Anabaptists وبعض اليهود.95


    يتضح مما سبق الدور الرئيسي الذى قامت به بعض الطوائف البروتستانتية فى مستعمرات انجلترا فى اميركا الشمالية فى ظهور مبدأ فصل الدين عن الدولة والمطالبة بعدم تأسيس كنائس رسمية Disestablishment ونجاحهم فى تطبيقها فى مستعمرتى رود ايلاند وبنسلفانيا فى القرن السابع عشر. وانضم الى هؤلاء بعد منتصف القرن الثامن عشر صفوة من الفلاسفة والسياسيين ومؤلفى الكتيبات الذين تأثروا بأفكار فلاسفة عصر التنوير وطالبوا بإلغاء الكنائس الرسمية باعتباره السبيل الوحيد لضمان حرية الأديان لكل الطوائف الدينية.96 وكما ذكر بروفسور جون فيت "اتحد اعضاء هذه المجموعة رغم تباين آرائهم الدينية ووضعهم الإجتماعي، فى جهودهم لتحويل قيم عصر التنوير الى واجبات دستورية والتزامهم بالآراء السياسية لبنجامين فرانكلين، توماس جيفرسون، جيمس ماديسون، توماس بين وآخرين."97
    وساهمت حروب الإستقلال الأمريكية ضد الإستعمار الإنجليزي فى الفترة ما بين 1776و 1783 فى تسريع عملية إلغاء الكنائس الإنجليكانية الرسمية بسبب السخط العام ضد النظام الملكي البريطاني وكنيسة انجلترا التى ارتبطت به. فقررت مستعمرة شمال كارولينا فى الدستور الذى اصدرته فى عام 1776 إلغاء القانون الذى منح الكنيسة الإنجليكانية وضع الكنيسة الرسمية الوحيدة وحرمانها من كل الإمتيازات التى تمتعت بها. كما قامت بنفس هذا الإجراء مستعمرة جورجيا فى عام 1777 ونيويورك فى 1777 وجنوب كارولينا فى عام 1778. وذكر ويليام تينيت احد زعماء الكنيسة المشيخية فى المجلس التشريعي لجنوب كارولينا "اعتقد ان السبب الأساسي لإعتراضى على اى كنائس رسمية تؤسس بمقتضى القانون هو انها تمثل انتهاك للحرية الدينية.98
    وحافظت فرجينيا على الوضع القانوني الرسمي للكنيسة الانجليكانية لفترة بعد اندلاع الثورة الأمريكية وان كان مجلسها التشريعي قد اصدر فى عام 1776 قانون الحقوق الذى نص فى احد مواده على إعفاء البروتستانت المنشقين من دفع ضرائب العشور للكنيسة الانجليكانية.99 واحتجت الكنيسة المعمدانية فى عام 1783 ضد التمييز الذى يمارس ضد البروتستانت المنشقين فى القوانين التى تنظم المجالس الكنيسة والزواج وطالبوا فى مذكرة قدموها الى حكومة فرجينيا بحق المساواة "وان السبيل الوحيد للخلاص من الظلم الواقع عليهم هو عدم اصدار اى قانون يربط الكنيسة بالدولة فى المستقبل."100 واحتدم النقاش حول الغاء الكنيسة الاسقفية الرسمية فى عام 1784 عندما قدم باتريك هنري للمجلس التشريعي مشروع قانون يقترح فيه فرض ضرائب لتوفير الدعم لمرتبات قساوسة الكنيسة الرسمية. وعارض المنشقون البروتستانت الإقتراح بحجة ان اجبارهم على دفع الضرائب يمثل عقوبة ضدهم وانتهاك لحرية الضمير الى جانب منحه امتيازات لقساوسة الكنيسة الرسمية.101
    وتصدى النائب جيمس ماديسون للهجوم على اقتراح باتريك هنري الذى يسعى الى ترسيخ الكنيسة الرسمية وذلك بتقديم اقتراح مضاد اسماه "مذكرة واستنكار" يهدف الى فصل الكنيسة عن الدولة بإلغاء الكنيسة المؤسسة الرسمية وعدم تأسيس اى كنيسة رسمية فى الولاية. وقال فى معرض ذلك "من لا يرى بان نفس السلطة التى تؤسس المسيحية كديانة رسمية وتقصى كل الأديان الاخرى قد تؤسس بنفس السهولة واليسر لطائفة مسيحية معينة واقصاء كل الطوائف المسيحية الاخرى."102 وجادل ماديسون بان الحكومة المدنية لا تحتاج الى التأسيس الرسمي للمسيحية خاصة وان معظم الحكومات المدنية تستخدم الكنائس الرسمية من أجل الطغيان.103
    وأشار الى دور الكنائس المؤسسة بمقتضى القانون فى تأجيج الصراع والحروب الأهلية والتى تعتبر الحرية الكاملة والمتساوية العلاج الحقيقي لها.104 واعتبر اجبار المواطنين على دفع الضرائب للكنــائس الرسمية انتهاك "لحرية ممارسة الشعائر الدينية حسب ما يمليه عليه الضمير."105 ومما ذكره ماديسون فى "مذكرة واستنكار": "ابانت التجربة ان تاسيس الكنائس الرسمية لا يحفظ نقاء الدين وفعاليته بل العكس من ذلك. وظل تأسيس المسيحية بمقتضى القانون قيد المحاكمة خلال ما يناهز الخمسة عشر قرناً. فماذا كانت نتيجة ذلك؟ غرور وكسل الكهنة وجهل وعبودية جمهور المؤمنين وتفشي الشعوذة والتعصب والإضطهاد وسط كل منهما."106
    اقتنع نواب المجلس التشريعي بمذكرة ماديسون ورفضوا التصديق على اقتراح باتريك هنري. وأجاز المجلس فى عام 1786 "قانون تاسيس الحرية الدينية" (الذى سبق ان قدمه جيفرسون للمجلس فى عام 1779 ولم ينجح فى نيل الموافقة عليه فى ذلك الوقت) حيث تم بمقتضاه الغاء الكنيسة الأسقفية الرسمية فى ولاية فرجينيا وضمان حرية العبادة واداء الشعائر الدينية لكل المواطنين.107 لم تواجه الكنائس الجماعية Congregational المؤسسة بمقتضى القانون فى نيو انجلاند مصير الكنائس الانجليكانية فى الولايات الجنوبية لدورهم القيادي فى الثورة الأمريكية واصرار سكانها على بقائها. وقال جون ادامز فى هذا السياق "قد نتوقع قريباً حدوث تغيير فى المجموعة الشمسية اكثر مما نتوقع ان يتخلى سكان نيوانجلاند عن كنائسهم المؤسسة."108 لذلك استمر وجود الكنائس المؤسسة فى ولايات ماساشوستس، كونيتيكيت، ونيوهامبشير وفيرمونت لفترة طويلة بعد استقلال الولايات المتحدة ولم يتم الغائها الا فى عام 1834 .109
    وتم التأكيد على مبدأ المواطنة الذى يمنع التمييز ويساوي بين كل افراد المجتمع امام القانون فى الدستور القومي للولايات المتحدة الذى تم التصديق عليه فى عام 1789. فنصت المادة السادسة فقرة 3 "يجب عدم الاختبار الديني كمؤهل لتولي اى منصب او وظيفة عامة فى الولايات المتحدة."110 وتفوق الدستور الأمريكي بذلك على الدستور البريطاني الذى ابقى مبدأ الاختبارات الدينية لمنع اى شخص لا ينتمي للكنيسة الانجليكانية من تولى اى وظيفة فى الدولة والذى لم يتم الغائه الا فى عام 1829 كما ذكرنا سابقاً.111 وتم تضمين العناصر الأخرى للدولة العلمانية (فصل الدين عن الدولة وحرية الأديان) فى الدستور الأمريكي عندما تم التصديق على قانون الحقوق فى عام 1791 ونص التعديل الأول للدستور "يجب ان لا يصدر الكونجرس قانون لتأسيس الدين او منع حرية ممارسة الشعائر الدينية."112
    ولم تبد الحكومات الأمريكية العداء تجاه الدين مثلما كان الأمر فى الأقطار التى قررت فصل الدين عن الدولة. ويعزى ذلك الى الدور الذى قامت به بعض الطوائف البروتستانتية فى ظهور مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة والذى ينعكس فى استخدام الرئيس جيفرسون لتشبيه الجدار الفاصل لوصف التعديل الأول للدستور الأمريكي فى الخطاب الذى أرسله الى إحدى جمعيات الكنيسة المعمدانية فى عام 1802 وذكر فيه "أتأمل بتبجيل سيادي ما قام به الشعب الأمريكي عندما اعلن مجلسه التشريعي بانه لن يصدر "اى قانون لتأسيس الدين او منع حرية ممارسة العبادة الدينية" حيث انشأ بذلك جدار فاصل بين الكنيسة والدولة.113

    وقدمت المحكمة العليا تفسيراً مفصلاً لمبدأ فصل الدين عن الدولة فى الحكم الذى أصدرته فى عام 1947 فى قضية ايفرسون ضد مجلس إدارة التعليم والذى ذكر:

    "تعنى مادة تأسيس الدين فى التعديل الأول على الأقل ما يأتي: لا يمكن للولاية ولا الحكومة الفدرالية تأسيس كنيسة رسمية، ولا يمكنها إصدار قوانين لمساعدة دين واحد، مساعدة كل الأديان أو تفضيل دين على دين آخر. ولا يمكنها إجبار او التأثير على شخص بالذهاب او الإمتناع عن حضور الكنيسة ضد رغبته او إجباره على اعتناق معتقد ديني او عدم الإيمان بأى دين. لا يمكن معاقبة شخص لإعتناقه دين معين او عدم إيمانه او لحضوره المراسم الدينية فى الكنيسة او عدم حضوره. ولا يمكن فرض الضرائب مهما كان مقدارها المالي لدعم اى نشاطات دينية او مؤسسات دينية مهما كان اسمها او الشكل الذى تبنته لتدريس او ممارسة الدين. ولا يمكن للولاية او الحكومة الفدرالية المشاركة سراً او علناً فى شئون اى منظمة دينية او العكس. وقصدت المادة ضد تأسيس الدين حسب كلمات جيفرسون تاسيس "جدار فاصل بين الكنيسة والدولة".114

    ويمكن ان نتخذ الهند والمكسيك كأمثلة للدول الى اقتبست مبدأ فصل الدين عن الدولة من النموذج الأمريكي للدولة العلمانية. فلا توجد اى مادة فى دستور الهند تشير الى تحديد دين رسمي للدولة، ونصت المادة 27 منه على عدم جباية اى ضرائب من المواطنين لإعلاء منزلة او صيانة اى دين معين او طوائف دينية.115 كما نصت المادة 28 على منع تدريس مادة الدين فى اى مؤسسة تعليمية تعتمد على الدعم المالي للدولة.116 كذلك تم النص على حرية الدين فى المواد 25،26،30 وتم تضمين مبدأ المواطنة فى المواد 15،16،29،325،330،332..117
    وتم النص بتفضيل مسهب على "المبدأ التاريخي لفصل الكنيسة عن الدولة" فى المادة 130 (المعدلة فى عام 1992) من دستور الولايات المتحدة المكسيكية، كما ضمنت المادة 24 منه مبدأ حرية الأديان.118

    (ج) الدولة العلمانية الإستبدادية

    يوجد هناك أيضاً نوع استبدادي للدولة العلمانية الحديثة يتميز بالنزعة الشمولية وهيمنة حزب ايدولوجي على الدولة والعمل السياسي بهدف تنفيذ الأهداف والقيم التى تبشر بها ايدلوجيته.
    وينقسم هذا النوع الى نموذجين مثلما هو الحال فى الدولة العلمانية الديمقراطية. ويتسم النموذج الأول بالتطرف فى تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة بسبب عدائه الشديد للدين ومحاولة إقصائه كلية من الحياة العامة. لذلك يفتقر هذا النموذج لمبدا حرية الأديان فيتم حظر او تقييد العبادة وممارسة الشعائر الدينية فى الأقطار التى يسود فيها. ويحافظ هذا النموذج على مبدأ المواطنة ومساواة الجميع امام القانون. وازدهر هذا النموذج بعد نجاح الثورة الروسية فى عام 1917 وتأسيس النظام الشيوعي فى الإتحاد السوفيتي السابقه وتبنت هذا النموذج تركيا فى عهد كمال اتاتورك ويسود حالياً فى الصين وكوريا الشمالية وكوبا.

    اما النموذج الثاني للدولة العلمانية الإستبدادية فيمتاز بوجود علاقة قوية بين الدين والدولة تصل الى درجة الدمج بينهما مع المحافظة على مبدأ المواطنة ومنح الأقليات الدينية قدر مناسب من حرية العبادة. ومن أمثلة هذا النموذج النظام السياسي فى جمهورية مصر بعد ثورة عام 1952 حيث نص الدستور منذ عهد جمال عبد الناصر على ان الإسلام هو الدين الرسمي للدولة. وذكرت المذكرة الإيضاحية لتطوير الأزهر قانون رقم 603 بتاريخ 22/6/1961 "ان الإسلام لا يفرق بين علم الدين وعلم الدنيا لأنه دين إجتماعي ينظم سلوك الناس فى الحياة ليحيوا حياتهم فى حب الله. فكل مسلم يجب ان يكون رجل دين ورجل دنيا." 119 وأشار د.محمد عماره الى ان الدولة فى عهد عبد الناصر قد انجزت العديد من الأعمال فى المجال الديني مثل تعمير المساجد وزيادة ميزانية الأوقاف ودورها فى تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي ولجان إحياء التراث الإسلامي والتوسع فى التعليم الإسلامي.120 كما لاحظ تامر مصطفى بان الرؤساء جمال عبد الناصر، انور السادات وحسني مبارك قد استفادوا من سيطرة الدولة على مؤسسة الأزهر الدينية للحصول على فتاوى دينية تمنح الشرعية لسياساتهم.121
    ويمكن إدراج انظمة الحكم فى السودان فى فترات حكم الفريق إبراهيم عبود (1958-1964) والمشير جعفر نميري (من 1969والى سبتمبر 1983) ضمن هذا النموذج لوجود علاقة قوية بين الدين والدولة فى ظل هذه الأنظمة واحتفاظها بمبدأ المواطنة وإتاحة بعضها لقدر محدود من الحريات للأقليات الدينية.

    الهوامش
                  

02-05-2005, 00:58 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36923

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولـــة العلمانيــة الحديثـــة (Re: د.أمين حامدزين العاب-كاتب زائر)

    الاخ العزيز.د.امين احمد زين العابدين
    تحية طيبة
    موضوع مصطلح العلمانية كيف يفهمه الغربيون يختلف عن ما يفهمه الشرقيون...حيث العلمانية الغربية غيبت الدين عن المجتمع..بينما نحن فى الشرق نرى انه يعنى فصل الدين عن السياسة..لان الاسلام عقيدة عالمية مركزها الفرد وحدودها العالم والسياسة علم..ونعرف ان الدولة الدينية انتهت بموت آخر نبى الرسول(ص). وبدات الدولة السياسية منذ ثقيفة بنى ساعدة مرورا بمعركة الجمل الى التوجه الحضارى وما يعرف بالانقاذ.وتبقى حقيقة اوضح من الشمس لا يمكن حصر الاسلام فى منطقة ونسبه الى شخص او حزب او طائفة او دولة
    وفى نموذج السودان للدولة الدينية الذى تم تطبيقه وفقا لما يعرف بالشريعة...اثبت تماما تناقضه مع الواقع الموضوعي ...لان الشريعة كما يفهماالاخوان المسلمين فى السودان او فى العالم تدعو للوصاية ..وصاية المسلم على غير المسلم ووصاية الرجل على المراة وبذلك تتناقض مع المباديء الاساسية للاعلان العالمى لحقوق الانسان القائم على الحرية الفردية ..ونحن نرى فى احزاب السودان القديم الشمالية كلها وآخرها المؤتمر الوطنى الحاكم احزاب سياسية فقط ليس لها علاقة بالدين ولكنها تزايد به وتستلب الوعى الجماهيرى وتفرز ديموقراطية مشوهة مبنية على الولاء الطائفى وليس الوعى بالبرنامج الحزبى ..ونرى ان دستور الفترة الانتقالية يجب ان يتضمن الحقوق الاساسية للانسان فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان ويحظر الاحزاب الدينية ..ولقد دخلت الحركات الاسلامية من وهابيين واخوان مسلمين واصحاب ولاية الفقيه فى نفق مظلم ولا يجدى معه ابدا عمليات شد الجلد والتجميل التى تقوم بها الفضائيات الجزيرة والمستقلة والمنار ..لا مستقبل لدولة التمييز الدينى او العرقى..بل دولة المواطنة المتساوية..وهذا الحل يوجد فقط فى الفكرة الجمهورية وفى الكتب ادناه ...ولنا عودة
    كتاب الرسالة الثانية
    ديباجة الدستور
    مشلكة جنوب السودان الازمة والحل
                  

02-05-2005, 05:20 AM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولـــة العلمانيــة الحديثـــة (Re: adil amin)

    UP
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de