|
(Lost Boys of Sudan)
|
فتيان السودان أو :الفلم الأمريكي (Lost Boys of Sudan) الثلاثاء 1 فبراير 2005
الفلم الأمريكي (Lost Boys of Sudan)
توفيق عبد الرحيم منصور [email protected] (نقلاً عن أخبار اليوم السودانية) 24 / 1 / 2005
العنوان أعلاه هو بالطبع لفلم تسجيلي يخص بعض أولادنا من جنوب بلادنا الحبيب نذكر أن أمريكا (نقلتهم!) خلسة من كينيا لأمريكا (ليس عنوة ولكن بخاطرهم) , وقد أثار موضوعهم في حينه بعض الضجة السياسية الخجولة . هذا وقد بثت قناة الحرة (الأمريكية) الفلم الذي تٌرجم للعربية بعنوان (فتيان السودان الضائعون) يوم الثلاثاء الموافق (11 / 1 / 2005 ) . وبداية ونسبة لأهمية الأمر أرجو السماح لي بإعطاء القارئ فكرة عن صُنع هذا الفلم . هذا الفلم يُعد من الأفلام الأمريكية التسجيلية التي بُذل فيها جهدٌ كبيرٌ .. فقد تم له حشد ثلة من المخرجين أصحاب الصيت , جاءت على رأسهم المنتجة والمخرجة ابنة (سان فرانسيسكو) وصانعة الأفلام التسجيلية المتميزة والحائزة على عشرات الجوائز الكبرى (ميقان ميلان), وهي صاحبة الفلم التسجيلي (باتيدانيا) الذي يتناول ملف شباب البرازيل من اصلٍ زنجي وقضيتهم مع المخدرات والضياع والعنصرية . أيضا شاركها في الإخراج والتصوير (جون شينك) الذي يُعد من مبدعي أمريكا في عالم السينما و من أصحاب الجوائز . وأيضاً من المخرجين التنفيذيين لهذا الفلم نجد (فرنسيس ريد) التي أخرجت عشرات الأفلام على مدى ثلاثين عاماً . أما التحرير والسيناريو فقد أسند (لكيم روبرتس) الحائز على عدة جوائز عالمية , إضافة إلى (مارك بيكر) وهو أيضاً من صائدي الجوائز الكبرى .. كذلك تم انتقاء أهم المبدعين في أمريكا للصوت والموسيقى التصويرية وكذلك لما سمي بالموسيقى الإضافية . باختصار لم يضع يده على هذا الفلم من لا جوائز له ! هذا وقد بلغ عدد المنتجين المشاركين في هذا الفلم ستة . والأجهزة المقتدرة المشاركة في الإنتاج ثمانية . وشارك العشرات من الشخصيات الأمريكية المرموقة في تكلفة الفلم . وتُرجم الفلم إلى عدة لغات منها العربية والسواحيلي ولغة الدينكا .. أسوق كل ما تقدم ليس من باب التسلية أو مضيعة وقت القارئ ولكن للمغزى الذي يحمله كل ذاك الجهد . هذا وقد بات للفلم موقع (بشبكة المعلومات) يعلن عن بيع الفلم على (دي في دي) و (في أش أس) ولم ينس الموقع الإشارة إلى دارفور ومأساتها حيث أفرد لها ركناً بالموقع تلج إليه فتجد المثير ! هذا وقد بدأت بالفعل دور السينما الأمريكية بعرض الفلم قبل فترة من الزمن . وقد حاز الفلم على عدة جوائز وما زال طريق الجوائز أمامه ممهداً . أما موقع الفلم على (ألنت) فهو .. (www.lostboysfilm.com) .. أما الفلم فيبدأ بمجموعة من أبناء الدينكا الأيتام وهم في معسكرٍ للاجئين بكينيا يسردون مأساتهم وماذا فعل بهم وبأهلهم الأعداء (العرب) . ويركز الفلم على اثنين من المجموعة هما (سانتينو ماجوك شور) و (بيتر نيارول دت) , حيث يجسدا معاً قضية البقية من الفتيان .. يحكي (بيتر) في المعسكر كم كان هو من المحظوظين الذين وصلوا كينيا بعد أن نجوا من المليشيات المعادية وهجوم الأسود عليهم حتى وصلوا لمعسكرات اللاجئين التي تأوي الآلاف من أمثالهم . ثم بعد ذلك (يُصور) الوداع والانسلاخ المؤلم من أخوتهم وركوب الطائرة التي أطعموا فيها ما لم يروه من قبل , ثم الاستقبال المرتب والمنظم من قِبل الأمريكيين الذين قالوا لهم (أنتم مستقبل السودان) . وكيف أنهم هناك وجدوا الطعام والأمان . والفلم يركز على مدرسة (بيتر) في (كنساس) وتعليمه وتدريبه وكسب عيشه حيث أراد له مشرفوه الاعتماد على نفسه وكذلك يركز على (سانتينو ماجوك) في (هيوستن) (بتكساس) .. ومن وقتٍ لآخر يبرز الفلم مجموعة الفتيان كلها .. هذا ويقفز الفلم ما بين (هيوستن) و (كنساس) .. يبدو أن الفلم هدف إلى إضفاء روح التشويق والصراحة على لقطاته فعرض كيف تدرب (بيتر) على كرة السلة وكيف أنه عندما تقدم للتسجيل في أحد الفرق لم ينجح حيث صرفه المدرب بلباقة وشجعه على المزيد من التدريب , وكيف أنه رسب في امتحان الحصول على رخصة (السواقة) . هذا ويشير الفلم على لسان أحدهما بأن لونه قد حرمه من الحصول على صديقة , وأن لون زنوج أمريكا يختلف عنهم فهو يميل إلى البني وأن زنوج أمريكا هم أكثر عنفاً من البيض ولذلك كانوا يأخذون حذرهم منهم !!. وعموماً الفلم قمة في جمال ونقاء الصورة والصوت والموسيقى التصويرية وتسلسل الأحداث ونجح فيما كان يرمي إليه في جذب الانتباه أو توصيل أمور مضمرة عن السودان! و عَكَس مأساة الاقتتال ومعاناة أبناء الجنوب , وبالطبع الكثير من الأشياء أتت من وجهة النظر الأمريكية ولا غرو في ذلك فأمريكا هي صاحبة فكرة تبني هؤلاء الفتيان , وهي التي صرفت ودعمت واختارت فطاحل السينما التسجيلية الأمريكية لهذا الفلم , ولكن ومع ذلك فهناك عدة أشياء مدهشة يجب أن يتوقف عندها المرء! وقد أتت إما بطريقة تلقائية نسبة لما يربط أبناء الجنوب بالشمال من وشائج هي أكبر مما يتخيله الأمريكان أو فات على مخرجي الفلم فهمها أو تحسس أبعادها وهي كالآتي .. أولا وعندما كان أحد البطلين في الفلم يستقل سيارته الفارهة في مشوارٍ و (يفضفض) عن أحاسيسه بالغربة كان مسجل السيارة يترنم بأغنية (لا أقول شمالية) ولكن (سودانية) وهي للبلابل !. هذا ولم تصدق أذني ذاك الشىء في البداية .. لا ! لا ! لا أقول بأن الأخوة في الجنوب لا يستمتعون بالبلابل , فالبلابل والفن السوداني جزء من كيانهم ولكن هل فات أمر بلابل الشمال على الأمريكان أم الأمر تكمن من خلفه فلسفة أخرى ؟! المهم هو أن (بيتر) عبّر عن أحاسيسه الصادقة وغربته وحبه لوطنه بتلك الأهزوجة , ويقيني أنه اصطحب معه لأمريكا (كاسيتات) سودانية وعاش معها وبها فنياً ووجدانياً . هذا وقد تكرر منظر السيارة وبأغنية أيضاً مرة أخرى من شمال السودان ! غريبة ! كان من الممكن أن تكون (لمايكل جاكسون) , ولكن يبدو أن أبننا الجنوبي أبت نفسه إلا أن تكون صادقة مع أحاسيسها الحقيقية حتى بعد التبني الأمريكي . كذلك أفصح بطلا الفلم عن أنهما والبقية من الفتيان قد عانوا من التفرقة العنصرية. وأفصحا عما يجيش في داخلهما من حنين لبلدهما على الرغم من رغد العيش وجمال المكان .. هذا وقد أعجبت كثيراً بما التزمت به (المجموعة) من أدب وهدوء ولم يلجأ أبداً أحدهم للمهاترات أو المبالغات في طرح قضيتهم وقد كان بإمكانهم ذلك حتى بعد توجيهات المخرجين أو كاتب السيناريو! ولم تكن لديهم أية أحقاد (طافحة) على الرغم من أنهم في الحقيقة أيتام وعانوا كثيراً من جراء الحرب اللعينة , وقد ذكروا كلمة (العرب) كأعداء ربما ثلاث مرات وكان من الممكن أن يهجوا العرب شعراً لو أرادوا . هذا وقد هزتني كثيراً أهازيجهم (الدينكاوية) التي مجدوا فيها السودان وتغنوا بالحنين تجاهه وهي التي أتت عفوية وجماعية في إحدى الحفلات التي أقيمت للمجموعة . هذا وقد جاء على لسان بطلي الفلم بأن أمريكا ليست الجنة وأن أهلها يتعاطفون معك ولكن ليس بالصدق والمعنى المطلوب وأن أهلها يلهثون خلف المادة والتملك والاستهلاك !. هذا وقد تناولت معظم الصحف الأمريكية أمر الفلم نقداً وتقريظاً .. فكتبت (أتلانتا) أن الفلم يستحق المشاهدة .. ومجدت الفلم (شيكاغو تريبيون) وأشارت إلى أن الفلم أثبت بأن أمريكا ليست هي الجنة بدليل أن فتيان السودان كانوا يتوقون للرجوع لبلادهم ولم تكن حياتهم بالسعيدة في أمريكا .. و (نيويورك تايمز) وصفت الفلم بالمبدع الذي يشد المشاهد بقوة .. و(سان فرانسيسكو مونيتور) أشارت إلى أنه يستحق الأوسكار .. و (سان فرانسيسكو كرونيكول) وصفت الفلم بالإنساني الذي ابتعد عن ساحة الوعظ وركز على المؤلم من الحقائق .. كذلك تناولت الفلم (لوس أنجلوس تايمز) و (الواشنطن بوست) وجميع صحف نيويورك .. أخيراً أقول .. أن هذا الفلم له أبعاد يجب أن نتحسسها بعمق وتروي ودون انفعال .. هناك مآرب وأهداف أمريكية للفلم لا شك في ذلك , ولكن هناك أيضاً إفرازات طيبة ما بين اللقطات والموسيقى التصويرية والأهازيج ونبرات أصوات أولادنا وتطلعاتهم وعلينا أيضاً تحسس أبعادها .. والفلم بالطبع ليس بالبريء ولم يُصنع لتمجيد فتيان السودان ومع هذا فمشاهدته ودراسته على الأقل من قبل من يهمهم الأمر واجبة . وعلى العموم لنا عودة لإلقاء نظرة فلسفية ووطنية وسلمية وسودانية ووحدوية من خلال الأبعاد التي فاتت على الأمريكان في فلمهم هذا!! .. وإلى لقاء .. توفيق عبد الرحيم منصور الرباط : المملكة المغربية [email protected]
|
|
|
|
|
|