ثقافة ما بعد السلام (1)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 07-01-2025, 09:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-08-2005, 11:47 AM

مختار عجوبة

تاريخ التسجيل: 01-02-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ثقافة ما بعد السلام (1)

    هذه المقالة للتعليق وهي جزء من سلسلة مقالات, فهل ترغبون في المزيد؟



    ثقافة ما بعد السلام (1)
    جريدة الخرطوم 25/12/2004

    برعت عقلية " الجلابة في إنتاج ثقافتها الإبداعية وبطرق متعددة
    يجب أن نستوعب اتفاقية السلام في بعدها الثقافي قبل بُعديْ السلطة والثروة

    قرأت فيما قرأت أخيراً بأن أحد ممثلي الحركة الشعبية لتحرير السودان في الخرطوم، قد شارك في ندوة علنية في أحد الأحياء الهامشية – وقد ذكر فيما ذكر بأن الحركة ستطالب بعدم إعلان الخرطوم عاصمة للثقافة العربية لعام 2005م، وقد قال : إن مثل هذا المنشط يتعارض مع اتفاقيات السلام، التي نصت على أن الخرطوم عاصمة قومية تتساوى فيها جميع الثقافات والأعراق والديانات .
    ويقال كذلك، أنه وتحسباً لهذا الموقف، فقد بادرت أجهزة ما لتعديل الشعار، وصياغته على نحو لا يؤدي إلى إستفزاز الحركة الشعبية، وتعطيل عجلة السلام، فأصبح الشعار" الخرطوم : عاصمة ثقافية .. أو " الخرطوم عاصمة الثقافة" دونما إلحاقها بصفة العربية – ولا أدري ما مدى صحة ما يُردد من أقوال ؟ ولكن مثل هذه الشعارات الأخيرة بدأت أطالعها في كتابات بعض المعلقين على الأمر في بعض الصحف السودانية اليومية السيارة وشبه الرسمية!!

    وعلى كل حال، ففي اعتقادي أن ممثل الحركة ليس محقاً في إعتراضه، ولا يمكن تبرير إعتراضه، إلا إذا كانت قد صحبت طرح الشعار الأول، أقوال فيها استفزازات مباشرة من قبل بعض القائمين على أمر الاحتفالات أو بعض من ساروا في دربهم مسرعين وجاهلين، فمثلما يمكن أن تكون الخرطوم عاصمة للثقافة العربية لسنة واحدة، فإنها يمكن أيضاً أن تكون عاصمة للثقافة الأفريقية ولسنوات، والأفريقية والعربية مصطلحان يجب ألا يكونا متضادين أو متعارضين ما لم تسع جماعات لتوظيف هذه المصطلحات توظيفاً سياسياً، وهذا أمر وارد، سواء من قبل من يسمون الأفارقه المهمشين أو من قبل مفكري الجلابة المهيمنين صراحة أو ضمناً .. وما أكثرهم- أعني ثقافة وسط النيل وشماله – ثقافة الجلابة.
    إن من الأخطاء الأساسية لاتفاقيات السلام وبروتوكلاته التي وقعت سواء في مشاكوس أو نيكارو أو نيفاشا أو إنجمينا أو أبوجا أو ما سيوقع في القاهرة مع التجمع، إنها لم تعط البعد الثقافي للسلام في السودان أهميته، فالمخاطر الثقافية المتزامنة مع السلام أو التي تتقدمه أو تتلوه . ستكون هي المخاطر الحقيقية التي تهدده أكثر من المشكلات التي تنطوي على تقاسم السلطة أو الثروة، صحيح أن الثروة وتقاسمها يمثل البنية التحتية التي تؤثر في البنية الفوقية المتمثلة في توزيع الثقافة والسلطة أو تقاسمها، وللثقافة مكوناتها بكل أبعادها .. المعنوية.
    إن تقاسم الثقافة أو الشراكة الثقافية المتساوية، ستصبح هي التحدي الحقيقي أمام السلطة، ولذلك لابد من معالجة هذا الأمر متزامناً مع معالجة قضايا السلطة والثروة، وإغفال هذا الجانب أو الأبعاد الثقافية .. سيعجل بالقضاء على كل الاتفاقيات والبروتوكلات، فاتفاقية " اديس أبابا" عام 1972م إزدهرت أول ما ازدهرت في بعدها الثقافي، وسقطت أول ما سقطت في بعدها هذا أيضاً، فهناك آليات تعمل وتنشط في المجتمع وهي ما يمكن أن نطلق عليه آليات العزل والاستبعاد أو الاقصاء من جهة وآليات التقريب والضم أو الدمج والاستقطاب من جهة أخرى، سواء بصورة غير واعية، وهذا هو التفاعل الحر للثقافة في بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات – أو بصورة واعية حين يتم التشكيك في كل هذه الآليات وبذل محاولات متعمدة للسيطرة عليها، وخاصة من قبل السلطة، وهذا هو ما حدث في عهدي عبود ونميري، وما حدث في عهد الإنقاذ على حد سواء، من منطلق الشمولية والوصاية المطلقة على أجهزة الثقافة وآلياتها وإبداعاتها مع التحيز المسبق لجهة دون أخرى من مكوناتها .
    وفي معظم الأحوال فإن رعاة الثقافة أو الكتاب الذين لا يمتلكون نظرية الفن والإبداع أو الذين ينقلبون على ما كانوا يحملونه من نظريات، أو الذين لم يستوعبوا نظريات أدعوها. سيتحولون تلقائيا إلى أبواق للسلطة ويعزفون على كل الأوتار المتغيرة بتغير السلطة الشمولية، فكانوا أبواقاً لعبود ومن بعده لنميري، ومن عاش منهم- أطال الله أيامهم – أصبحوا حماة للإنقاذ، ولم يكن كثيرون منهم – أصلاً من صفوف الحركة الإسلامية ولكن آليات الضم والاستقطاب قد تمكنت من استيعابهم لإبعاد غيرهم في كل العصور الشمولية، وفي مثل هؤلاء يكمن الخطر على اتفاقيات السلام، لأنهم بارعون في التخفي والتستر، والضرب من الداخل وتحت الحزام !!
    اتفاقية " اديس أبابا" في الواقع الثقافي دفعت بالثقافة السودانية إلى أوج مجدها الحقيقي فعلى مستوى الجانب الرسمي تولى أمر الثقافة " بونا ملوال" لسنوات وكان منفتحاً على أبناء الجنوب والشمال على حد سواء، وأوكل أمر الثقافة والإعلام إلى قادة مهنيين حقيقيين كالدكتور أحمد الزين صغيرون وإداراته للتلفزيون، على الرغم من أنه لم يتخل عن مقعده لحظة في قاعات المحاضرات سواء في جامعة الخرطوم أو في المعهد الفني أو في معهد الموسيقى والمسرح، كما أوكل " بونا ملوال" أمر مصلحة الثقافة أو على الأقل إصداراتها للدكتور محمد عبد الحي، وحوله لفيف من المثقفين، لم يتلفوا حوله لأغراض سياسية لأن الدكتور عبد الحي بطبيعته عاش ملهماً حراً يأبى الاستقطابات، فقد حاولنا في مرحلة تاريخية سابقة أن نستقطبه في جماعة " أبا دماك" وكثيرون منا زملاؤه وأصدقاؤه، ولكنه رفض ذلك بقوله بأن الابداع لا يحتاج إلى منظمات أو مراكز قوى سياسية، ولعل مثل هذا الرأي ذهب إليه الأستاذ جمال محمد أحمد، الذي كان يرى بأن وزارة الثقافة لا تخدم غرضاً ثقافياً حقيقياً، على الرغم من أنه شغل بعض المناصب في المجلس الأعلى للآداب والفنون ولفترة وجيزة من الزمن عمل أميناً عاماً له، ومعه قد تعاونا تعاوناً صادقاً، خاصة وأنه كان يولي إهتماماً للثقافة الأفريقية لا يقل عن اهتمامه بالثقافة العربية، بل إنه كان يدمج بين المصطلحين، وفي عهد " بونا ملوال" انتعش المسرح والشعر والقصة والفنون التشكيلية والغناء.
    من المأمن المأمول، يأتي الخطر المهول، كما يقول الحكماء، فمن أين أتى الخطر على اتفاقية " أديس أبابا " ؟؟ أتاها الخطر من جماعة تكونت من قبل أو من بعد، لا أدري، ولكن أطلقت على نفسها " جماعة الثقافة السودانية "أو " جماعة الفكر" وهذه الجماعة كانت فيما يبدو بقيادة السيد الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي والدكتور مدثر عبد الرحيم وكان لهم ظل أو ذراع في الجامعات يمثله على الأقل في ذلك الوقت شاب صديق اسم عائلته " الشنقيطي " هذه الجماعة سواء كانت لها أجندة علنية أو سرية أو كانت نشطة جداً أو نائمة أو خاملة إلى حد ما، إلا أنها تكونت كرد فعل أو محاولة لإلجام أو كبح جماح الانطلاق نحو البعد الأفريقي على حساب الثقافة العربية الإسلامية في السودان، كما ظنوا هم ذلك، وخاصة أن الاهتمام بالبعد الأفريقي لم يكن قاصراً على الأنشطة التي تتولاها وزارة الثقافة والإعلام ولكنه إنعكس على اهتمامات الأكاديميين أيضاً سواء تمثل في قام معهد الدراسات الآسيوية الأفريقية أو في إسهامات الأستاذ محمد عمر بشير، أو إسهامات أستاذة اللغة الفرنسية العائدين لتوهم لجامعة الخرطوم بأفكار جديدة عن الأدب الأفريقي وعن التهميش والمهمشين، كالدكتور يوسف إلياس والدكتور نور الدين ساتي، ولهؤلاء خيوط أو خطوط امتدت إلى مصلحة الثقافة وإصداراتها وندواتها، ولاحتواء هذا البعد أو تحجيمه بذلت جهود أيضاً، وقد أثمرت في النهاية للسيطرة على حركة المبدعين السودانيين فتم حظر نشاط جماعة " أبا دماك" أو لتخلي عرافها عنها طواعية أو لاختفائه السياسي المتعمد وهو الدكتور " الآن" عبد الله علي إبراهيم، كما تخلي عنها طواعية أو كرهاً قادتها البدلاء، كالنور عثمان أبكر، ومحمد المكي إبراهيم، وعبد الباسط سبدرات، وقد تخلينا عنها نحن أجمعين بما فينا حادي ركب الجماعة وشاعرها " عبد الله جلاب" بالإضافة إلى محمد المهدي بشرى وعبد الهادي الصديق والفيل، ففي لحظة بريق اليسار تجمع حول " أبا دماك" الكثيرون وعندما خفت بريق اليسار انفضوا عنها أجمعين، وتركوا الساحة الرسمية للمحافظين الذين تصدروا من خلال انتخابات لا أدري مدى ديمقراطيتها، إتحاد الأدباء، ومنهم – إن لم تخن الذاكرة، الأستاذ عبد الله الشيخ البشير والأستاذ طه الكد والأستاذ مصطفى عوض الله بشارة ولفيف من اليساريين الهاربين إلى حضن مايو كالأستاذ عبدالله حامد الأمين وأبو بكر خالد. خطوط الدفاع الثقافية الأولى، الفعلية والمحتملة عن اتفاقية أديس أبابا، قد انهارت جميعها بنهاية السبعينيات، وفتحت الأبواب على مصاريعها لرؤى ثقافية جديدة، بدأت تتبلور معالمها من خلال انضمام الحركة الإسلامية بقيادة الدكتور حسن الترابي إلى الاتحاد الاستراكي ولثورة مايو المنتصرة دائماً وأبداً كما يقول قادة الفكر والمنهجية فيها- وهم من المؤسسين أو قد كانوا هم رعاة جماعة، " أبا دمادك" في أواخر الستينيات أو أوائل السبعينيات، أو على الأقل في بداية تكوينها، وقد بدأ الدكتور الترابي يكتسب أراضي جديدة يوماً بعد يوم داخل الاتحاد الاشتراكي من اليساريين السابقين، ومنذ البداية سواء بالسيطرة على بعض الصحف أو الضغط على نميري لإلغاء اتفاقية " أديس أبابا" بجرة قلم، وبإلغائها إنفتح باب الصراع على مصراعيه مرة أخرى على حد سواء، فدفعت " ثقافة الجلابة " بمرتكزاتها وآلياتها نحو الأمام فتسارع إحياء طبقات ود ضيف الله كمرجعية ووحدة أساسية للثقافة السودانية كلها، على الرغم من أن الطبقات كمرجعية لا تحوي سوى ثقافة وتاريخ الوسط وصوفية الوسط، التي يتهددها تيار سلفي شبابي جلابي الآن، ولذلك بقيت الهوامش مستثناة من التأثير الثقافي الروحي وخاصة على مستوى أجهزة الإعلام الرسمية، فالمدائح النبوية، التي تم أحياؤها بكثافة هي مدائح الوسط والشمال الجلابي العربي أو المعرب، وإلى الآن لا ندري كيف يمدح أهل غرب السودان أو شرقه، وهذا منشط ثقافي استثنى كل مواطني الهوامش. ولم يجهد الناس أنفسهم للتعرف على ما تحتويه اللغات غير العربية من مدائح نبوية أو مدائح تقرظ رجال الصوفية في السودان أو خارجه في جذورها الأصلية الضاربة شرقاً وغرباً وشمالاً.
    هذا على مستوى الإبداع الشعبي الروحي، أما على مستوى الإبداع الفني للأغنية السودانية، فقد تسارع أحياء الحقيبة كمرجعية أساسية للأغنية السودانية بجهود " على المك " وغيره من أبناء أم درمان،كما هو معلوم فإن الحقيبة من إبداعات وعطاء الوسط "الجلابي" أو فلنقل من إبداعات أم درمان، وإذا ذكرت أم درمان في ماضيها، فإنها ينبغي أن تكون عاصمة الثقافة الأفريقية، لأن تركيبتها السكانية وأغانيها كانت في معظمها كما توحي بذلك آراء اسماعيل عبد المعين، ودارسين آخرين . سواء في أيام المهدية أو بعد ذلك، تغلب عليها المكونات الأفريقية، لأن العالم العربي الشمالي من العراق إلى المغرب ومن الشام إلى جزيرة العرب لا يستسيغونها، ولكن الحقيبة نفسها وقعت أسيرة للصفوة الجلابية في أم درمان، وهذه الصفوة هي التي أبرزت قيماً جمالية، ربما لم تكن سودانية في المقام الأول،ومن ذلك " لي في المسالمة غزال"، أو " شامية في السودان " أو حتى " سال من شعرها الذهب" في نهاية المطاف، علماً بأنه لا يوجد أي عربي من البلدان العربية قد تغزل في سودانية حتى الآن، وعندما داعب الوضاعون ورواة العرب " عنتره" نسبوا إليه شعراً قاله في أمه يعكس نظرة العرب قديماً للسوداوات الساق منها مثل ساق نعامة، والشعر منها مثل حب الفلفل .. وسوداء الجبين كأنها ذئب ترعرع في نواح المنزل، وهذا ما لم يقله " راغب علامة " وإذا كان للجنة القومية للخرطوم عاصمة الثقافة العربية من منجزات نأمل أن ننجزها معها، هي أن تقنع العرب والفضائيات العربية التي تتجه شمالاً إلى لبنان بكل كيانها ووجدانها بأن في السودان قيماً جمالية تختلف عن قيم الجمال اللبنانية وأغان تختلف عن أغاني" روتانا" فهل إلى ذلك سبيل، أم أننا سنظل ثقافة متلقية، سواء كنا عرباً أو أفارقة؟؟ وسيظل مذيعونا في الفضائيات العربية وراء الكواليس لقراءة التقارير خلف الشاشة البلورية؟؟
    في أم درمان، كان قديماً، العمل في الخرطوم والسهرة في أم درمان، ولذلك ظلت أم درمان مبدعة، ولكن إبداعاتها أيضاً تأطرت حول الأعراق والجهوية، بما في ذلك الجمعيات الأدبية، فلابروف جماعته، وللهاشماب جماعتهم وللموردة جماعتها ن وهذا جانب أفاض فيه الدكتور خالد الكد، قبل إن تعاجله المنية وهو في ريعان عطائه، كان رحمة الله عليه، مختلفاً ومنصفاً وحادباً على تطوير ثقافة سودانية برؤى تستوعب المهمشين قبل أن تستوعب الجلابة، وقريبنا الدكتور محمد ابراهيم الشوش وغيره لم يستوعبوا أو يستشرفوا آفاق السلام، فكأنهم يريدون سلاماً بلا " جون قرنق " أو سلاماً بدون أن يكون لأبناء دارفور المتمردين قول فيه، وهذا أمر مستحيل يا أصدقائي، وعلى رأسهم الدكتور عبد الله علي ابراهيم، فهل سيطلب الدكتور عبد الله يوماً ما من كاتب أفريقي أن يكتب له مقدمة لكتاب يؤلفه كما طلب ذلك من كتاب عرب خارج الحدود، وكأنه لا يوجد في السودان رجال يقدمون لكتب عبد الله علي ابراهيم، هذه نزعة عقدة نقص متأصلة لدى الكتاب السودانيين الذين يتجهون فقط إلى شمال ما وراء الحدود !!
    والاتجاه إلى ما وراء حدودنا الشمالية لن يعفى كتابنا من ضرورة الاتجاه إلى ما قبل حدودنا الجنوبية، إلى أبناء جلدتنا من أجل السلام، وإلى جذور أو بعض جذور ثقافتنا الحقيقية، وبعض هذه الجذور الأفريقية هي التي ميزت ثقافتنا عن بقية الثقافات سواء كانت عربية أو أفريقية – فالثقافة السودانية لا هي عربية خالصة كما يدعي البعض، ولا هي أفريقية خالصة كما يدعي آخرون، هكذا تفاعلت في الماضي بحرية وعفوية، ومحاولة التحكم في هذا التفاعل هي التي عصفت بالسلام والأمن الاجتماعي والثقافي والسياسي في السودان من قبل، ومن هنا – ومن هنا فقط، فإن علينا أن نستوعب اتفاقيات السلام في بعدها الثقافي قبل أن نستوعبها في بعدي السلطة والثروة، والتحدي الحقيقي الذي أمامنا كجلابة هو كيف نقنع العرب بأن أغانينا عربية، وكيف نقنع الأفارقة بأننا أفارقة؟

    وفي هذا الصدد لابد من أن نترك للمراكز الثقافية والكيانات الثقافية حريتها في ممارسة عملها، وعدم التمييز المسبق بينها أو محاولة إقامة كيانات ثقافية الغرض منها استباق تداعيات وأحقيات اتفاقيات السلام، فإذا كان للسلام رجاله على المستوى السياسي فإنه ينبغي أن يكون للسلام رجاله على المستوى الثقافي، وحتماً فإن رجال المستويين ليسوا هم من يغيروا جلودهم مع كل نظام أو مع طلائع كل نسمة تهب – ففي السودان الآن تمييز مسبق بين المراكز الثقافية، والثقافة حركة شعبية تلقائية، وعلى الحكومة أن تدع الرياح تهب بحرية وأن ترفع الدعم السخي عن بعض المراكز المفتعلة أو الفرق المفتعلة، فرق ومراكز الأنابيب، التي تكرم ضيوفها من " الهيلتون" مباشرة، وتوجه دعواتها في أوراق مصقولة زينة يلتقطها الغلابة من سلات النفايات لأنهم لا يطالونها، والمراكز الحقيقية هي التي تعتمد على مواردها الذاتية في الأحياء الشعبية، وليس في الأحياء الفاخرة، المراكز التي تقدم للمدعويين " البركاوي الكرموش" أو " الجاو العاول " أو " الترمس المسوس " والتي تقدم لك الشاي من " ستات الشاي" وليست التي تقدم لك كاسا يكاد يكون من الفضة أو الذهب، فمن أين لهم بهذا الكأس، وتلك الوجبة التي تشهيها الأنفس ولو كان إفطاراً دفع بالكثيرين لحضور أنشطتها طمعاً في طعام يؤكل وليس في معرفة تكتسب ؟
    وفي مفترق الطرق من الحرب إلى السلام الثقافي، علينا ونحن نحتفل بالخرطوم عاصمة للثقافة العربية أن ندرك أن مدخل الرأي العام العربي للسودان ليس هو العروبة وحدها، وإنما مدخلهم الإسلام، وفي المقام الأول وإلى حد بعيد، ولذلك لم يتحرك العرب لحل مشكلة الجنوب وإنما تحرك الأفارقة، وتحركت " دول الإيقاد " والعرب عموماً كانوا يناصرون الشمال بصورة مسبقة وعبر كل مراحل الصراع، إن لم يكن بعض دعاة الرأي العالم الإسلامي والعربي قد أججوا الصراع المسلح بين الشمال والجنوب سواء باسم الجهاد أو بتعلة تدخل الصهيونية العالمية في الصراع المسلح، سواء كان في جنوب السودان أو في شرقه أو غربه، ومن واجبنا الثقافي ألا نغذي مثل هذه المفاهيم الخاطئة أحياناً وتغذيتنا لهذه المفاهيم الخاطئة هي التي أفشلت جهود بعض الناشطين الإسلاميين في التوسط أو حتى مجرد التعرف على الأبعاد الحقيقية لمشكلة دارفور، فقد ظنوها صراعاً بين عرب مسلمين وأفارقه غير مسلمين، ولكنهم عندما لامسوا أرض الواقع وجدوا الأمر قتالاً بين سود وسود، حتى أن أحدهم تساءل عن : أين يوجد العرب " الجنجويد" ؟؟ وعندما أشاروا لبعضهم – هزواً- لم يخف دهشته قائلاً : ما الفرق بين الذي يدُعي بأنه القاتل وبين الذي يدعي بأنه المقتول؟

    - ومثل هذه التساؤلات قد يثيرها من لا يدرك المشكلة في أبعادها الحقيقية فأبعادها ليست هي مشكلة سوء تقاسم السلطة والثروة فحسب، ولكن المشكلة أن سوء هذا التقسيم يتبعه سوء في تقاسم الثقافة على المستوى الوطني، فالإسلام قديوحد بين الناس إلى أبعد الحدود، ولكن الانتماءات العرقية والجهوية والمعيشية والغوية قد تباعد بين الناس إلى أبعد الحدود أيضاً، ولن تقرب بين الناس، ثقافياً، أغنية من غرب السودان أو شرقه تقدمها فرقة عقد الجلاد أو فرقة أولاد البيت أو غيرها – كما أنه لن تقرب بين الثقافات السودانية ما يعاد انتاجه من مدائح في صورة ألحان غنائية أو أغان أو أناشيد حماسية في صورة ألحان أغانٍ عاطفية، لقد برعت عقلية " الجلاية" في إعادة انتاج ثقافتها الإبداعية، وبأشكال عدة لن تستوعب بكل تأكيد متطلبات أو استحقاقات اتفاقيات ما بعد السلام، فاستشراف المستقبل يتطلب إبداعًاً وعطاءً مستشرفاً للأمام، ارمي قدام اغنية أو قصيدة أو قصة أو لوحة بدلاً من أن ترمي دانة أو رصاصة، سواء كنت في صفوف الحكومة أو صفوف المتمردين أو المعارضين.
    إن استشراف ثقافة السلام يتطلب مبدعين يستطيعون أن يسبحوا عكس التيار، وليس مبدعين يستعجلون الامتيازات والمكافآت تيمناً بالقول المأثور " الحشاش يملأ شبكته " وهذا قول سليم بشريطة المساواة بين الحشاشين، والكارثة ستحل بنا أجمعين لو سمحت بعض القوى السياسية للحشاشين بأن يملأوا شباكهم من شباك الآخرين، ولو كان ذلك على مسرح الثقافة دع عنك مسرح الثروة.
    وفي النهاية أتمنى ألا تكون تلك سباحة مع التيار الذي جرف الكثيرين، وإذا جرفنا التيار في هذا الوقت والأوان، فإننا سنصبح حتماً – زبداً جفاءاً يغوص في أو يغطي سهول السودان وسهوبه الرملية .. وماأكثرها.

    (عدل بواسطة مختار عجوبة on 01-08-2005, 11:51 AM)

                  

01-09-2005, 02:04 AM

هشام مدنى

تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 6667

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة ما بعد السلام (1) (Re: مختار عجوبة)

    الاخ مختار عجوبة
    تحيه طيبه
    واصل والمرحلة تحتاج المزيد من التنوير على حرب مابعد السلام
    وهى حرب المصالح.
    Quote: إن استشراف ثقافة السلام يتطلب مبدعين يستطيعون أن يسبحوا عكس التيار، وليس مبدعين يستعجلون الامتيازات والمكافآت تيمناً بالقول المأثور " الحشاش يملأ شبكته " وهذا قول سليم بشريطة المساواة بين الحشاشين، والكارثة ستحل بنا أجمعين لو سمحت بعض القوى السياسية للحشاشين بأن يملأوا شباكهم من شباك الآخرين، ولو كان ذلك على مسرح الثقافة دع عنك مسرح الثروة.
    وفي النهاية أتمنى ألا تكون تلك سباحة مع التيار الذي جرف الكثيرين، وإذا جرفنا التيار في هذا الوقت والأوان، فإننا سنصبح حتماً – زبداً جفاءاً يغوص في أو يغطي سهول السودان وسهوبه الرملية .. وماأكثرها.


    مع تحياتى
                  

01-09-2005, 03:23 AM

Muna Khugali
<aMuna Khugali
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 22503

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة ما بعد السلام (1) (Re: هشام مدنى)

    Dear Ustaz AJOUBA,

    This is Soooo beautifuL, please continue.
    If I may ask can we also bring girl's songs to this area? I have in mind some of the girls songs or Aghani elbanat, and their roles in highlighting, complaining, expressing the socio-economic and political situation in Sudan, all in one popular artistic way.
    For instance,when they express their hatred to the pressure put on them by the political body in Sudan (dagat elturabi-one violent way but still admired) and the desire and the dream to join those who are asylum seekers as one way to enjoy better social and economic life as they imagine and also find the space of freedom.,

    For example they sang:

    حـبيبى جـدع الباسـبورت
    يسـكـن ارلس كـورت
    بياخـد انكـوم سـبورت

    My sweet heart threw the passport,
    Lives in Earls Court
    and takes income support

    Muna Khugali

    Another thing I wish to see you discussing or enlightening us about, is the history of Public Order code, especially its effect on women since the Mahdyya and may be in other times I am not aware of

    Please accept my greetings,
    Muna Khugali.
                  

01-09-2005, 08:58 AM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة ما بعد السلام (1) (Re: مختار عجوبة)

    بروف عجوبة
    اولاً الف مرحب بك
    ثانياً

    Quote: هذه المقالة للتعليق وهي جزء من سلسلة مقالات, فهل ترغبون في المزيد؟
    دي دايرة كلام
    المزيد والمزيد عن ثقافة السلام
    فلن ينجز سلام حقيقي دونها

    كثير احترام وعميق مودة
                  

01-09-2005, 09:26 AM

Salwa Seyam
<aSalwa Seyam
تاريخ التسجيل: 04-12-2004
مجموع المشاركات: 4836

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة ما بعد السلام (1) (Re: مختار عجوبة)

    Quote: وعلى الحكومة أن تدع الرياح تهب بحرية وأن ترفع الدعم السخي عن بعض المراكز المفتعلة أو الفرق المفتعلة، فرق ومراكز الأنابيب، التي تكرم ضيوفها من " الهيلتون" مباشرة، وتوجه دعواتها في أوراق مصقولة زينة يلتقطها الغلابة من سلات النفايات لأنهم لا يطالونها، والمراكز الحقيقية هي التي تعتمد على مواردها الذاتية في الأحياء الشعبية، وليس في الأحياء الفاخرة، المراكز التي تقدم للمدعويين " البركاوي الكرموش" أو " الجاو العاول " أو " الترمس المسوس " والتي تقدم لك الشاي من " ستات الشاي" وليست التي تقدم لك كاسا يكاد يكون من الفضة أو الذهب، فمن أين لهم بهذا الكأس، وتلك الوجبة التي تشهيها الأنفس ولو كان إفطاراً دفع بالكثيرين لحضور أنشطتها طمعاً في طعام يؤكل وليس في معرفة تكتسب ؟



    الاستاذ مختار عجوبة

    الف مرحب بوجودك في المنبر

    والتحية لك علي هذه الكلمات ... اذ نحن احوج مانكون لنشر ثقافة السلام في هذا الوقت .

    في انتظار المزيد
                  

01-09-2005, 12:59 PM

أبكر آدم إسماعيل
<aأبكر آدم إسماعيل
تاريخ التسجيل: 10-05-2002
مجموع المشاركات: 549

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة ما بعد السلام (1) (Re: Salwa Seyam)


    د. عجوبة
    سلام
    أولا أرحب بك باعتباري من ديناصورات هذا البورد، واعلن سعادتي بوجودك
    وأرجو أن تواصل



    أبكر آدم إسماعيل
                  

01-09-2005, 01:03 PM

وليد شريف

تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 1982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة ما بعد السلام (1) (Re: مختار عجوبة)

    الاستاذ مختار عجوبة
    لك التحية
    أليس من الاولي ان نقنع انفسنا اولا بأننا سودانيين وسودانيين فقط .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de