حوار مع ماريو فارغاس لوسا : الثقافة هي الملاحة في أحاسيس الناس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 02:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-04-2005, 11:54 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار مع ماريو فارغاس لوسا : الثقافة هي الملاحة في أحاسيس الناس

    اهدي هذا الحوار بصفة خاصة للصديق الشاعر عصام عيسى رجب



    ========================
    لوزا: الثقافة هي الملاحة في أحاسيس الناس:


    القاهرة - ''الاتحاد'':


    يتكلم ''ماريو فارغاس للوزا''·· فيقول كما لو أن اميركا اللاتينية كلها هي التي تتكلم· ذلك الآتي من غابات الصفيح في البيرو يكتب ضد العدم لأنه موظف لدى ربة عمل تدعى الحياة· ويقول: أن تكون مثقفا يعني أن تتقن الملاحة في أحاسيس الناس!
    أفكار ساحرة انتشرت على صفحات الدوريات الفرنسية بمناسبة وجود الكاتب الكبير الحائز جائزة نوبل في باريس التي يمضي فيها شهرين كل عام: ''الحرية معتقة هنا وانني العاشق''·
    يفصل بين العولمة والأمركة، ولكن ليستدرك ان العولمة ظاهرة وتحمل على ظهرها كل أشيائها· الغث والسمين بطبيعة الحال·

    ''الكتابة هي، أو يفترض ان تكون، الرغبة في المستحيل· أعتقد ان تلك الصفقة القبيحة مع الممكن هي التي جعلت المجتمعات تتفاعل هكذا مع المأزق· ألستم معي في ان الثقافة الراهنة إنما تحاول- فقط- أن تصنع معطفا لائقا للمأزق''·
    أيها السيد ''ماريو فرغاس للوزا'' لقد اتهمت دائما بأنك، في أدائك، إنما تلقي بقنبلة صوتية داخل غرفة زجاجية· ها انك تتلذذ وأنت ترى العالم يتحطم· بعض النقاد يقول إنك استحدثت نوعا معينا من ''التواطؤ النبيل'' كي توقف الايقاع الراهن للأشياء· حقا، انك متهم في كل شيء·
    يقال هذا للكاتب البيروفي (من البيرو) الحائز جائزة نوبل والذي يصف التاريخ بـ ''الوحش المقدس'' فيعلق: ''إنني أعمل ضد الركام· تلاحظون الزمن في اميركا اللاتينية· إنه كسول ولا مبال، انه يلعب ضد الوجوه وضد الأنهار· ها انه يدفعنا الى اللحظة القاحلة، ويوهمنا بأنها لحظة الخلاص· أنا أحاول، كما توحون، تفجير هذه اللحظة· لا أبني، بكلماتي، الصحراء، بل الحلم· الحلم يأتي بعذاب كثير ويذهب بعذاب كثير، لكنه الحلم''·
    ثقافة الذباب وثقافة البنفسج

    ؟ دعنا نسألك، لقد انتهت الايام الجميلة في اميركا اللاتينية، ذات يوم تحدثت عن أرض حائرة بين ثقافة الذباب وثقافة البنفسج؟
    ؟؟ لعلك نسيت انني قلت آنذاك، اننا نترعرع كما النسيان· لنتصور تلك الكمية من البشر التي تشبه النسيان· هكذا كان يخيل للبعض، لكنني، ككاتب، كنت أرى الحجارة وهي تسقط من أفواه الطيور· لعلها دعوة لكي نعطي ايدينا للنيران التي تغسل كل شيء· هذه نظرة بعيدة· أبعد من كل العيون· لم تسألني عن حقول الصفيح في البيرو· بالأحرى عن وجوه الصفيح· أحيانا اشعر بأنني اكتب لكي يصل صدى الصفيح الى الازل·
    ؟ ذات يوم، قلت ساخرا، أن الكهنة يحاولون إقناع الناس بأن البؤس الذي هو جلجلة العصر، إنما هو صيحة الخلاص·
    ؟؟ لم أقل هذا ساخرا· أنا أريد للصيحة أن تكون عارية، وأن تدرك ان الانسان هو المقدس ايضا· الحقيقة أن هذه مسألة معقدة، لكنني شددت دائما على ضرورة الا نلقي بجثثنا في النهايات المعلبة· أحد ابطالي سأل: ''يا أمي لماذا لم تتزوجي الهواء''· هذا لكي تنجبي هواء آخر· كان صاحبنا وراء القضبان، وكانت الايام تختنق، وكان يقول إن قدميه لم تعودا صالحتين للاستعمال· لم يكن خائفا من الكرسي المتحرك، بل كان خائفا من ان تصاب الحرية بلعنة الممكن· في كتاباتي وقفت دوما ضد الممكن· ما المشكلة إذا حملت المطرقة ورحت أهدم كل ابواب الغبار· لا أريد ان اكون مثل صعاليك الحي اللاتيني احصر قضيتي في أعقاب السجائر· هناك محاولات متواصلة لاغتصاب الحرية· اعتقد ان الكتابة تصل في الوقت المناسب·
    صلاحيات الخبز وصلاحيات الحرية
    ؟ لتكن شاهدا!
    ؟؟ إنك تتحدث كما لو أنك تقرن بين الفضيحة والحرية· هذه معادلة فظيعة· حيثما لا توجد الحرية توجد الفضيحة· ولكن عليكم ان تعلموا ان الصلاحيات التي يعطيك اياها الخبز غير الصلاحيات التي تعطيك إياها الحرية· المسافة شفافة بين الخبز والحرية، ولكن يفترض ان تكون هناك مسافة كي لا نخلط، كما يحلو لنا، بين بطوننا وارواحنا·
    ؟ لطالما اعتراك الجزع من تلك العدمية التي تأكل الداخل البشري··
    ؟؟ حقا هذا صحيح، ولذلك اتهمت من أحدهم بأني محامي الفظاعات، هذا لأنني أدافع عن العصر· لا ريب أن هناك آلاما كثيرة تكمن لنا عند كل مفترق، كما لو ان مهمتنا الوحيدة هي القتال السيزيفي ضد الألم، لقد فتنني ''فيكتور هوغو'' كثيرا· قرأت روايته ''البؤساء'' عندما كنت في الرابعة عشرة من العمر· ربما كنت آنذاك بحاجة الى من يعلمني الكآبة كي لا تكون المراهقة حلبة للعشوائية والبلاهة والرغبة فقط· أخيرا طلب الي ناشر اسباني أن أضع مقدمة لها· اعدت قراءتها، ولكن بالفرنسية هذه المرة وليست بالترجمة الاسبانية، كان علي ان اصرخ·· يا الهي!
    لم أكن أتصور أبدا ان تطرح رواية ما كل ذلك الصراخ الفلسفي: العلاقة مع الآخر، العلاقة مع السماء، مع الذات· كان كل شيء يتفجر بين يدي· كيف يمكن لكاتب ان يضع كل هذا بين دفتي كتاب· المسألة لا تتعلق أبدا بتقنية الدموع، وإنما بتقنية الخلاص· كيف يفتح المعذبون، ولو بعيونهم، بوابات الخلاص·
    لا شك انك يمكن ان تجد نماذج مماثلة في زمننا الراهن، ولكن علينا الاعتراف بأنه ما من زمن بذات فيه مثل هذه الجهود للحد من المرض والجهل والتعسف·
    القمر ونهاية التاريخ
    ؟ ولكن ألا تلاحظ ان التكنولوجيا تبدو وكأنها تضع نهايات قاسية لأشيائنا الدافئة؟
    ؟؟ ليست التكنولوجيا وانما الذين يستخدمونها· لا ريب ان الذي حدث في القرن الماضي كان مذهلا· حين شاهدت ''نيل ارمسترونغ'' يطأ أرض القمر، كتبت عن نهاية التاريخ· لست منظرا لكي تعلق على الفور بأن ''فرنسيس فوكوياما'' كتب هذا بعد عشرين عاما· أنا نقلت احاسيسي كما هي· لكن الكاتب الاميركي كان يريد القول ان ثمة نوعا معينا من البشرية انتهى· استخدم كلمة ''التاريخ'' للخداع فقط·
    لقد شعرت بشيء من الاطمئنان لأن ''فوكوياما'' عاد بغضب عن نظريته· لا أتصور أن ثمة كاتبا يمكن أن يتآمر ابداعيا ضد أولئك الذين يعتبرون ان الكلمة وحدها هي التي تدافع عنهم بعدما تعرضوا لكل اشكال الخيانة·ان العدم يزحف، ان العدمية تزحف· هذا طوفان من الجراد الايديولوجي ''أو اللاايديولوجي''· أكتب ضد العدم لأنني موظف عند ربة عمل تدعى·· الحياة!
    ؟ أنت الآن في بارس، بعيد جدا عن ليما، مدينتان بل ثقافتان· لنقل إنك هنا تعيش صدام الحضارات··
    ؟؟ هذه عبارة تخيفني فعلا، لا يمكن أبدا أن أجري مقارنة ميكانيكية أو غرائزية أو حاقدة· ان ليما هي ليما وباريس هي باريس· لكل مدينة عظمتها وعذابها· لا اتردد في القول ان عظمة ليما هي في عذابها، أما عظمة باريس فهي في عظمتها، نكهة مختلفة، رؤية مختلفة، عالم مختلف· ربما العصافير تشعر بالأمان أكثر من اكتاف الفقراء· لكن باريس مدينة باهرة، أنها مدينة ''هوغو'' لكنها ايضا مدينة ''اندريه مالرو'' و ''الوضع الانساني''، هذا الكتاب هزني· شعرت بأن ثمة كتابا مقدسا وضع من أجل الانسان فقط·
    إننا بحاجة، أحيانا، الى مثل هذه الهزة· الكاتب لا يدري ما إذا كانت اصابعه عالقة بدقات قلب أم بما يقوله العقل· هذه هي لحظة الضياع التي هي، عمليا، لحظة الابداع·
    أدب النخبة
    ؟ انتقدت بشدة أدب النخبة؟
    ؟؟ هذا صحيح، لا يمكنني ان اتصور كاتبا أو فنانا يمكن ان يكون منشقا عن الحالة ''الشعبية''· لقد سقط ''جان بول سارتر'' في تلك النخبوية القاتلة· حاول ان يهرب من كتاباته الى الشارع ليقول إن قانون الفرد هو قانون الجماعة· قد يصدقه البعض، لكن الوجودية أحدثت لدي صدمة· ان تكون مثقفا يعني أن تتقن الملاحة في أحاسيس الناس·هنا عبقرية الأدب في اميركا اللاتينية· تدخل الى عظام الآخرين وتسأل، سواء بالازميل أم بالكلمة· الأدب هو الذي وضع حدا لجمهوريات الموز· كتب ''خورخي بورخيس'' الذي اعتبره كبير أساقفة الأدب في اميركا اللاتينية عن ''تلك الريح التي تهب من أجل النورس''·
    كل هذا الكون من أجل ذاك النورس البشري الذي لا يجد له موطئ قدم· لماذا يقل خيالنا هكذا ليغدو خيال فأرة؟
    ؟ لكن آراء مثيرة للجدل حول العولمة··
    ؟؟ هذا لأنني أراها كما افهمها أو افهمها كما أراها· صحيح ان اميركا ليست حالة عابرة، بل انها تلتصق بكل مستقبل العالم ولعقود طويلة، وربما لقرون طويلة· ولكن لماذا يفترض ان نربط بين العولمة والأمركة· هل الحرية أميركية؟ النمو، تبادل الأفكار، حوار الحضارات، اللاحدود، التفاعل الجيويوليتيكي، هذه قضايا كونية ''إنسانية'' وليست، فقط، قضايا اميركية·
    ليس من مصلحتنا ان نخترع عدوا حتى ولو كان هذا العدو موجودا بحكم واقع معين· هنا واقع القوة التي نستطيع ان نحاصرها بالوهي الكوني· صحيح ان هناك داخل المؤسسة الاميركية من يعمل ضد الوعي، ولكن في اي خانة نضع ''جون شتاينبك'' أو ''توني موريسون'' أو ''بنيامين فرنكلين'' أو ''جيمس بولدوين''· وحتى في السينما كيف لا ننحني أمام ''فرنسيس فورد كوبولا''؟ ألا يجسد العولمة في الفن الذي يحرض في اتجاه الإنسان، وضد التداعي في لعبة الشيطان؟ العولمة لا تخيف، بل ذلك النقص في الديموقراطية، وفي العدالة، وفي الحرية، بالطبع هناك جوانب في العولمة تثير الارتياب، انها ظاهرة وتحمل على ظهرها كل أشيائها· هنا تتبلور مهمة الوعي: أن يقتل كل ما هو دون الوعي·
    ؟ ولكن ألا يقال ان ثمة شعوبا لا ''تليق'' بها الديموقراطية؟
    ؟؟ هذا كلام يثير الهلع فعلا، كما لو انك تقول ان هناك طرازا من البشر لا يزال في حالة ما قبل البشر· لنبتعد عن الشأن السياسي· ان قوة المجتمعات مرتبطة، عضويا، بقوة التعبير، لا يمكنني ان اتصور وجود حارس حديدي على العقل·
    ؟ ألا تتصور إنك أحيانا تقترب أكثر من اللازم من المثالية؟
    ؟؟ لا، لا، منذ زمن بعيد جدا قلت للسيد ''افلاطون'' ان لا مكان له في هذا العالم· أنا واقعي ، واعمل لتغيير الواقع··
    انظر، لم يعد المثقفون يرتدون ملابسهم البيضاء ويعقمون أيديهم· لقد اختلطوا بالآخرين· الكثيرون منهم ابتلعتهم المؤسسة· لكن الكثيرين ما زالوا هناك··
    ؟ هل تقرأ كثيرا··؟
    ؟؟ القراءة هي حجتي الوحيدة للبقاء· الكلمة هي التي تحميني من ذلك العدم الذي يتربص بي ويأخذ اشكالا شتى· أقرأ، أمتلئ، تستعيد قامتي معناها، ذاك هو البحث عن عبقرية المعنى·
    ؟ عادة ماذا تقول للحياة؟
    ؟؟ إنني هناك، وإنني آت اليك·
    ؟ لماذا أنت الذي تأتي؟
    ؟؟ لأن الأشياء الميتة وحدها هي التي تنتظر·


    أورينت درس

    http://www.alittihad.ae/details.asp?M=4&A=1&ArticleID=1...602&Journal=1/5/2005


                  

01-14-2005, 04:38 AM

عصام عيسى رجب

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 193

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار مع ماريو فارغاس لوسا : الثقافة هي الملاحة في أحاسيس الناس (Re: sympatico)

    الصديق الجميل سمبتيكو،

    مساءاً جميلاً كجمالك، وشكراً صديقاً وأنت تُهديني هذا الحوار الممتع مع "ماريو فارغاس يوسا" .... وتؤمي إلى روايته "في مديح زوجة الأب" كما ترجمها "صلاح صلاح"، التي أهديتني لها حين زورتي لك في فبراير 2004..... أنا أحبذ ترجمة العنوان "امتداح الخالة" كما شاء ذا "صالح علماني"، دون أن ينتقص هذا من ترجمة "صلاح صلاح" لروايةِ "ماريو" الفالتةِ العيارِ بجَمالٍ (لا أظن أن هناك نص جميل ليس فالت العيار، والظنُّ مردودٌ إليّْ ...!!!"

    أمس مساءاً (12 يناير 2005)، لا قبل، دخلت "سودانيز أون لاين"، بعد انقطاع قارب عشرة أيام، ووجدت بوستك الصديق، طبعته صباح اليوم وقرأت الصفحة الأولى منه بعد الظهر بعد عودتي من المكتب، وشغلني عنه شاغل فلم أكمله ....

    بعد المغرب مباشرةً، أخذت ابني "محي الدين" لحلاقة شعره الذي طال واستطال .... أخذت الحوار معي وقلت أقرأه بينما الحلاق يمارس هوايته على شعر "محي الدين" .....

    وقرأت الحوار هناك .... يا صديقي، هذي القراءة شيءُ بديع ...!! وخاصة إن كنت تقرأ شيئاً يلامسُ روحك أو ... هو ما قاله "ماريو" / القراءة هي حجتي الوحيدة للبقاء ... الكلمة هي التي تحميني من ذلك العدم الذي يتربص بي ويأخذ أشكالاً شتى ... أقرأ، أمتلئ، تستعيد قامتي معناها، ذاك هو البحث عن عبقرية المعنى ...
    عادتي ألا أقرأ إلا وفي يدي قلم رصاص، أضع به خطوطاً تحت الجمل التي تستوقفني وأنا أقرأ ما أقرأ وأكتب به تعليقاتي على ما أقرأ .... وبلغ بي الأمر أني لا أستطيع أن أقرأ بدون قلم الرصاص، إطلاقاً ...
    إذاً إليك ما خطًّطت وأنا أقرأ ما باح به "ماريو" /

    الكتابة هي، أو يفترض أن تكون، الرغبة في المستحيل ... أعتقد أن تلك الصفقة القبيحة مع الممكن هي التي جعلت المجتمعات تتفاعل هكذا مع المأزق ...

    أحد أبطالي سأل: يا أمي لماذا لم تتزوجي الهواء ...؟! ... هذا لكي تنجبي هواء آخر ... كان صاحبنا وراء القضبان، وكانت الأيام تختنق، وكان يقول إن قدميه لم تعودا صالحتين للاستعمال .... لم يكن خائفاً من الكرسي المتحرك، بل كان خائفاً من أن تصاب الحرية بلعنة الممكن ...

    المسافة شفافة بين الخبز والحرية، ولكن يفترض أن تكون هناك مسافة كي لا نخلط، كما يحلو لنا، بين بطوننا وأرواحنا ...

    لا ريب أن هناك آلاما كثيرة تكمن لنا عند كل مفترق، كما لو أن مهمتنا الوحيدة هي القتال السيزيفي ضد الألم، لقد فتنني ''فيكتور هوغو'' كثيرا ... قرأت روايته ''البؤساء'' عندما كنت في الرابعة عشرة من العمر ... ربما كنت آنذاك بحاجة إلى من يعلمني الكآبة كي لا تكون المراهقة حلبة للعشوائية والبلاهة والرغبة فقط ... أخيراً طلب إلي ناشر أسباني أن أضع مقدمة لها ... أعدت قراءتها، ولكن بالفرنسية هذه المرة وليست بالترجمة الاسبانية، كان علي أن أصرخ يا إلهي ...!!
    لم أكن أتصور أبدا أن تطرح رواية ما كل ذلك الصراخ الفلسفي: العلاقة مع الآخر، العلاقة مع السماء، مع الذات ... كان كل شيء يتفجر بين يدي ... كيف يمكن لكاتب أن يضع كل هذا بين دفتي كتاب ... المسألة لا تتعلق أبدا بتقنية الدموع، وإنما بتقنية الخلاص ... كيف يفتح المعذبون، ولو بعيونهم، بوابات الخلاص ...

    أكتب ضد العدم لأنني موظف عند ربة عمل تدعى الحياة ...!!

    ليما هي ليما وباريس هي باريس ... لكل مدينة عظمتها وعذابها ... لا أتردد في القول أن عظمة ليما هي في عذابها، أما عظمة باريس فهي في عظمتها، نكهة مختلفة، رؤية مختلفة، عالم مختلف ... ربما العصافير تشعر بالأمان أكثر على أكتاف الفقراء ... لكن باريس مدينة باهرة، أنها مدينة ''هوغو'' لكنها أيضا مدينة ''اندريه مالرو'' و ''الوضع الإنساني''، هذا الكتاب هزني ... شعرت بأن ثمة كتاباً مقدساً وضع من أجل الإنسان فقط

    أن تكون مثقفا يعني أن تتقن الملاحة في أحاسيس الناس ... هنا عبقرية الأدب في أميركا اللاتينية ... تدخل إلى عظام الآخرين وتسأل، سواء بالأزميل أم بالكلمة ... الأدب هو الذي وضع حداً لجمهوريات الموز ...

    صحيح أن هناك داخل المؤسسة الأميركية من يعمل ضد الوعي، ولكن في أي خانة نضع ''جون شتاينبك'' أو ''توني موريسون'' أو ''بنيامين فرنكلين'' أو ''جيمس بولدوين'' ... وحتى في السينما كيف لا ننحني أمام ''فرنسيس فورد كوبولا''؟ ألا يجسد العولمة في الفن الذي يحرض في اتجاه الإنسان، وضد التداعي في لعبة الشيطان؟ العولمة لا تخيف، بل ذلك النقص في الديمقراطية، وفي العدالة، وفي الحرية، بالطبع هناك جوانب في العولمة تثير الارتياب، إنها ظاهرة وتحمل على ظهرها كل أشيائها ... هنا تتبلور مهمة الوعي: أن يقتل كل ما هو دون الوعي ...
    ياله حوار جميل، أليس كذلك ...؟! ذكرني بحوار آخر أُجريَ مع "إيزابيل الليندي" عقب صدور روايتها قبل الأخيرة "بنت الحظ" ... وجدت الحوار في موقع "بانرز أند نوبل" وترجمته للعربية، ولكن لشقوتي انمسح قبل نحو شهرين هارديسك كومبيوتري نتيجة خطأ أرتكبه فني الكومبيوتر، أو هكذا زعم لي، فانمسح ذلك الحوار وسواه ... ولكني كنت بعثت به لصديق، أرجو أن يكون في حوزته حتى يمدني به، وقتها سأنشره في "سودنيز أون لاين" ....

    ما قولك إن أوردنا هنا مقطعاً من "امتداح الخالة" بترجمة "صالح علماني" /

    "كان الطفل قد نهض ووقف على قدميه فوق السرير ... وكان يبتسم لها وذراعاه مفتوحان ... وبينما دونيا لوكريثيا تتقدم نحوه مبتسمة أيضاُ، فوجئت – أم تراها حدست؟ - في عيني ابن زوجها، بنظرة تتحول من السعادة إلى الاضطراب وتنصبَّ ذاهلة على قدميها، ففكرت: "رباه، إنك شبه عارية ... كيف نسيت ارتداء الروب أيتها الحمقاء ... أي مشهد هذا بالنسبة إلى صغير مسكين ...؟!" أتكون قد شربت كؤوس خمر أكثر مما يجب ...؟!
    ولكن ألفونسيتو عانقها: "عيد ميلاد سعيد يا خالتي!" كان صوته الطازج المنطلق دون قلق يعيد الحيوية إلى الليل ... أحست دونيا لوكريثيا بشبح القامة ذات العظام الهشة يلتصق بجسدها وفكرت بعصفور صغير ... وخطر لها بأنها إذا ما ضمته بقوة أكبر، فإن الطفل سينكسر مثل نبتة كاريثو ... وهكذا، وبينما هو فوق السرير، كانا متساويين في طول القامة ... كان قد طوق عنقها بذراعيه النحيلتين وراح يقبلها بحب من خدها ... وعانقته دونيا لوكريثيا أيضاً، وانزلقت إحدى يديها إلى أسفل قمص البيجاما ذات اللون الأزرق البحري والحواف الحمراء، وداعبت ظهره وربتت عليه، شاعرة في أطراف أصابعها بتدرج عموده الفقري الهش ... "أحبك كثيراً يا خالتي"، همس الصوت النحيل في أذنها، وأحست دونيا لوكريثيا بشفتين نحيلتين تتوقفان عند شحمة أذنها، تدفئانها بأنفاسهما، تقبلانها وتعضانها لاعبتين ... وبد لها أن ألفونسيتو يضحك في الوقت الذي يتودد فيه إليها ... كان صدرها طافحاً بالتأثر والانفعال ... وفكرت كيف أن صديقاتها تنبأن بأن ابن زوجها سيكون العقبة الكبرى، وأنها بسببه لن تكون سعيدة أبداً مع ريغوبيرتو ... وفي خضم تأثرها وانفعالها، قبلته أيضاً من خديه، من جبهته، من شعره المشعث، بينما كان إحساس غامض، كأنه آتٍ من بعيد، دون أن تدركه جيداً، يتسرَّبُ بين فينة وأخرى من جسدها ..."


    .... طبعاً لهذي الرواية تتمة في رواية تالية لـ"ماريو" هي روايته "دفاتر دون ريغوبيرتو"، فاتنة ومجنونة هي الأخرى ... وصدر له بعده رواية "حفلة التيس"، والتي خطر لي وأنا أقرأها، أنه ينبغي علينا، نحن أبناء العوالم الغارقة في الديكتاتوريات، أن نقرأ مثل هذي الرواية لنتعرف كيف يتخلَّق الطغاة من عجزنا من أن نتصدى لهم ونقاومهم وهم لم يستووا على سوقهم بعد، لأن مقاومتهم ستكون جد صعبة حين استوائهم على سوقهم وعلى رقابنا ... كما صدرت له سنة 2003 روايته الأخيرة "الطريق إلى الفردوس"، والتي اقتنيت ترجمتها الإنجليزية "The Way to Paradise" قبل شهور ولم أشرع في قراءتها بعد ...

    بقيت ملاحظة يتيمة تتعلق بما ورد في مقدمة الحوار من أن "ماريو فارغاس يوسا" حاصل على جائزة نوبل للآداب، وهذا ما لم يحدث على حد علمي إلى الآن، مع قناعتي الشخصية باستحقاقه لها، تماماً مثل ما هي قناعتي باستحقاق كاتبة مثل "أليس ووكر" و "إيزابيل الليندي" و آخرين وأخريات، ولكن أنت تعلم أنَّ لجائزة نوبل للآداب مِزَاجُها النوبلي جداً في اختيارِ كُتَّابِها ...

    وعاشرةً لك محبتي وشكري،









                  

01-14-2005, 04:59 AM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار مع ماريو فارغاس لوسا : الثقافة هي الملاحة في أحاسيس الناس (Re: عصام عيسى رجب)

    عصام

    تحياتي ايها الصديق العزيز

    كنت اخطط للقائك في الشارقة وحضور الامسية الشعرية ولكن حال ضغط العمل دون ذلك فمعذرة.

    هكذا انت دوما جميلا في قراءتك جميلا في ملاحظاتك وجميلا في تعليقاتك.

    شكرا على ايراد المقتبس من ترجمة الاستاذ صالح علماني .
    ليتك تحدثناايضا عن " اليس ووكر " فأنا اعرف شغفك بها وبأعمالها .

    مع كل الود

                  

02-04-2005, 01:21 PM

nassar elhaj
<anassar elhaj
تاريخ التسجيل: 05-25-2003
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار مع ماريو فارغاس لوسا : الثقافة هي الملاحة في أحاسيس الناس (Re: sympatico)

    صديقي سمبتيكو
    شكرا لإضافة هذا الحوار البديع
    الذي يضيف الكثير
    وهكذا انت دائما تشرع أمامنا مختارت متنوعة
    ومعارف متنوعة تؤكد بقوة كم انت مبدع رصين في اختياراتك
    ولك وقدرة فذة على رفد هذا المنتدى بمساهمات قيمة وجميلة
    وها
    أنت دفعت صديقي الشاعر الجميل عصام عيسى رجب
    لهذا البحر من التداعي
    واللغة الباذخة
    وهذا التقاطع مع ماريو فارغاس
    وصالح علماني وأليس ووكر ويزابيل الليندي
    والترجمة ورهاناتها
    ونوبل
    والكثير الكثير قاله عصام هناك
    وحركته انت وأضفته انت عبر قراءتنا لهذا الحوار

    شكرا لكم يا اصدقائي .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de