"المنعطف".. كتاب جديد لأسامة أحمد المصطفى: الهجرات العربية والاستيعاب الكوشي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 01:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-01-2005, 10:18 PM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
"المنعطف".. كتاب جديد لأسامة أحمد المصطفى: الهجرات العربية والاستيعاب الكوشي

    الهجرات العربية والاستيعاب الكوشي:


    يقدم هذا الكتاب قراءة واعية للحالة السودانية ـ إن جاز التعبير ـ لجهة التأكيد على أن تلك الدولة ذات المسافة الواسعة، والتعدد الثقافي والعرقي، ليست كما نتصورها قد ضاقت على أهلها بما رحبت، وظنوا أن لا ملجأ إلا للعنف العشوائي أو المنظم ·· إنها تتحرك بالفكر حينا وبالفعل الدموي حينا آخر وبالصبر بحثا عن الانتماء والهوية أحيانا أخرى، لتثبت أنها اكبر وأبقى من لحظة انفعال زائلة لدى هذا الفريق أو ذاك·
    تلك حقيقة أدركتها حين غصت في قراءة كتاب ''المنعطف''، وما إن انتهيت منه حتى أدركت خسارتي الكبيرة في أزمنة قصيرة ومختلفة قضيتها مع مؤلفه الكاتب السياسي والأديب المبدع ''أسامة أحمد المصطفى''، لكوني لم أسأله أو أثير معه النقاش حول الشأن السوداني لجهة الفهم ·· ربما لأن المسألة السودانية ظلت بالنسبة للعرب حالا من المشاهدة العابرة، وكانت ـ ولا تزال ـ أقل تأثيرا على الوعي من حيث الدعوة أو المساهمة في إيجاد حل، الأمر الذي يفنده هذا الكتاب، والذي يجذبنا ثم يدفعنا أو حتى يجبرنا على الاعتراف بأهمية الشأن السوداني، ويجعل المعرفة هاجسا ومطلبا ·· فهو كتاب للسودانيين موضوعا وهدفا، وللعرب والمسلمين قضيةً وآثارا وتاريخا وللإنسانية تنوعا ·· إنه عروبة ابتلعتها الأفريقية، وحالاً إسلامية ميزتها الخصائص الثقافية والعلاقات الاجتماعية، وإنسانية عالمية، حين غدت ـ بعد عقود ـ قضية دولية لجهة المتابعة ورفض المظالم أو توظيفها طبقا لمصالح تتعلق بمستقبل السودان، في انتظار ثروة قرب قطف ثمارها·
    يغوص الكاتب ''أسامة أحمد المصطفى'' في الهم السوداني، فيخرجه من تلك الخصوصية، ويجعل القارئ يتابعه - إن تأثر أو كان له عقل أو قلب يعي - ويتفاعل معه، حتى لكأن الحديث عن الهوية والشعب والقوم والأمة هم مشتركً، يُفصح عن نفسه، ويفضح الأفعال السياسية التي فضل أصحابها الظهور، بغية ركوب مطية النظام أو المعارضة، عن المتابعة المتأنية لمعرفة التراكمات وحالات الطغيان وجذور المشكلات، وينتهي إلى نتيجة مفادها: أن ظاهر السودان الآن لن ينتهي بثرائه الإنساني إلى الزوال، ولو كانت هذه النتيجة الوحيدة لهذا الكتاب لعد منّةً، لكن النتائج أكبر من ذلك وأهم ·· لهذا وجب التنويه والتبليغ أن هذا العرض لايعتبر بديلا عن الكتاب، ولايغني عنه لذلك فلمن أراد أن يعرف الشأن السوداني ـ كأنه يعيشه أو يراه ـ أن يعود إلى قراءة هذا الكتاب- كاملا- بوعي وصبر، وهو ليس فقط كما يرى صاحبه منعطفا للسودانيين في جدلية الانتماء ونوافذ السلام، ولكنه منعطف في حياتنا العربية والإسلامية لجهة تحديد مسار حركة الحياة، لأمة يراد لها أن تغرق في إرث الماضي وعجز الحاضر وجهل المستقبل ·· يبقى أن العرض هنا يتسم بطريقة جريدة ''الاتحاد ''الخاصة بعرض الكتب، وأنه ينشر باتفاق خاص مع المؤلف قبل تداوله في الأسواق، وأنه سيعرض على خمس حلقات
    يبدأ الكاتب بالقول: إن المجتمع السوداني، كما ننظر إليه هنا، تآلف معقد يشمل بين مقوماته الأساسية الأفراد والجماعات والوطن البيئة والسكان والتنظيم الإجتماعي والمؤسسات والبنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بمختلف تفرعاتها واتجاهاتها، متفاعلة فيما بينها ومع المجتمعات الأخرى عبر تاريخ سحيق في قدمه، وبمواجهة مستقبل شديد الغموض، ونعتقد هنا أيضا تحديدا نسبيا مرنا لمصطلح المجتمع السوداني وليس مطلقا جامدا فلا نرى من مشكلة أو تناقض حين نتحدث في آن معا عن وجود مجتمع سوداني مكون من قوميات متنوعة مثل قومية النيليين، وقومية البقارة والأبالة والقومية النوبية في الشمال وفي الغرب وقومية البيجا في شرق السودان ··الخ
    نبدأ بالتمهيد بمسألة الهوية في مختلف أوجهها بوصف عدد من السمات أو الخصائص التي تميزها، فلمعنى الهوية أوجه عديدة كما يشير الأستاذ ''طه إبراهيم'' في كتابة ''الهوية السودانية'' إلا أن جميعها تقوم على أصل واحد هو الشعور بالإنتماء إلى جماعة وأن أهم ركيزة في بناء الهوية هو عدم السماح لجماعة في المجتمع أن تضطهد جماعة أخرى· يذكر الكاتب هنا أنواع الهوية والتي منها: القبلية والطبقية والعرقية واللونية (لمعرفة المزيد حول هذا الموضوع يمكن العودة إلى الكتاب)
    الشماليون والجنوبيون ·· الإسلام والأفريقية
    إن عدم الثقة متبادل بين السودانيين، وقد تعزز خلال عملية التفاعل الطويلة بين سكان أطراف السودان وبين السودانيين الشماليين) حيث شعر الطرف الأول أنه بلا نفوذ للتأثير على الدولة لمصلحته ليس لعدم كفاءته ولكن بسبب المحسوبية والقبلية والأثنية، و إذا كانت ردود أفعالهم جزءا طبيعيا من عملية فقدان النفوذ هذه، فقد استدعوا أيضا ردود أفعال من جانب المجموعات المسيطرة التي تخشى أن تفقد موقعها المسيطر، فاستخدام السودانيين الشماليين الإسلام كأيديولوجيا لتعزيز موقعهم المسيطر طامحين ليس في تكتيل جمهورهم الخاص من الشماليين بل أيضا السودانيين المسلمين غير العرب من دارفور وشرق السودان·
    وعلى الطرف المقابل استخدم الجنوب الذي تقهقر إلى داخل أفريقيته المناسبة كايديولوجيا آملا ليس فقط في تكتيل جمهوره الجنوبي، بل أيضا وضع يده على مناطق غير العرب من المسلمين في غرب وشرق السودان، وتستخدم المسيحية، التي ليست هي ديانة جنوبية شاملة وإنما ديانة النخبة، عندما تكون مفيدة فقط، إن هذين الموقفين الأيديولوجيين اقتصرا على أهلهما حصرا ومخيفان لبعضهما ويحملان ضمنا سيادة الواحد على الآخر، ولعل في هذا يكمن عجز السودانيين عن بلوغ حل في هذا السياق، لذا فمن الطبيعي أن أي حل لا يعطي موقفا مسيطرا لواحد أو لآخر، بفيتو متبادل لكليهما، وإلا فلا يمكن تجنب العيش المنفصل، ذلك لأن إعادة إنتاج الدولة السودانية في شكلها الراهن من السيطرة القبلية والإثنية للشمال والتي قامت على المحاباة فسيتعذر الدفاع عنها كلية الآن خاصة وأن المنعطف أصبح حرجا لإصلاح هذا الوضع
    ( يعتمد الكاتب بخصوص موضوع المحاباة بين السودنيين على ما ذكره الدكتور فرنسيس دينق في كتابه صراع الرؤى ·· يمكن العودة إلى الكتاب لمعرفة التفاصيل)
    من جهة أخرى فإن ترسيخ نظرة المحسوبية هو احد المداخل العديدة التي يمكن أن تحقق تحليل جدل الإنتماء ونشأة الهويات المتنافسة في الشمال والجنوب عبر مراحل مختلفة من تاريخ المجتمع السوداني ، بعربه وأفارقته في شماله وجنوبه مما يدعونا إلى البحث في حقيقة الهجرات العربية التي وفدت إلى السودان عبر التاريخ·
    الهجرة إلى ''كوِش''
    جسدت الهجرات العربيَّة الى كوش التحرك السكاني الأكثر تأثيراً فى تاريخ السودان وأدت تلك الهجرات، خلافاً لهجرات تمت فى أزمنة سابقة الى تبدل رئيس فى مركب الثقافات الكوشيَّة المحليَّة وفى التركيبة الاثنية للسكان الأصليين· يؤكد الواقع الأنثروبولوجى الماثل فى السودان الحالي حدوث عمليَّة تماثل من جانبين، فمن جانب تمَّ تأصيل العرب الوافدين ومن جانب ثانٍ استعراب جزء كبير من سكان الشمال الجغرافي للسودان· وتشير المعطيات الاثنو- تاريخيَّة الى أن الغالبيَّة العظمى من العرب الوافدين كانوا من الأعراب البدو، وكان تأثيرهم الذى مارسوه على الكوشيين الأصليين آحادياً غير متنوع، هذا بينما أظهر الأخيرون الذين استضافوا الوافدين تشكيلة متنوعة من الثقافات واللغات، وبالتأكيد كان تأثيرهم على العرب بالقدر نفسه من التنوع·
    فوق ذلك كانت هناك اختلافات بيئيَّة أساسية فى كوش، المهجر الجديد للوافدين، فرضت عليهم سرعة الاستجابة تكيفاً مع ظروف بيئيَّة متنوعة· وهكذا فان عمليَّة التمثل أدَّت الى نشوء مركب فسيفسائي للشعوب وللثقافات واللغات يؤلف السودان الحالي· ولاشكَّ أنَّ تريمنجهام كان محقاً فى القول بأنه أينما تغلغل العرب كان النصر دائماً حليفاً لدينهم الذى يدفع بمنافسيه الى الوراء، ومن ثمّ لا خلاف حول حقيقة كون الدين الإسلامى يمثل حالياً القاسم المشترك الأعظم للقبائل العربيَّة والمستعربة فى الشمال الجغرافي للسود الحالي· من جانب ثانٍ أخذت لغة العرب الوافدين فى الانتشار مع ملاحظة أن شعوباً كوشيَّة محليَّة مثل النوبيين والبجة نجحت ليس فى الصمود أمام تيارها الكاسح فحسب بل إنها استوعبت عدداً من الوافدين الناطقين بالعربيَّة فى مجموعة لغاتها المحليَّة المختلفة·
    مائة قبيلة عربية
    رغم أن أبناء الشمال الجغرافي للسودان يعدون أنفسهم اليوم منتمين الى مائة قبيلة عربيَّة منفردة وقد يكون أكثر، فان الواقع الأنثروبولوجى يشير الى وجود خمس مجموعات ثقافيَّة ولغويَّة وسط هذا الكم الهائل من تلك القبائل· فإذا بدأنا بقبائل الشرق فانه يصعب علينا إفراز حدث بعينَّه كبداية لتحركات عربيَّة جارفة الى منطقة ساحل البحر الأحمر والتلال المتاخمة له، إلا أنَّ بينَّة تاريخيَّة غير مكتملة نوعاً ما تشير الى أن الفترة التى أعقبت حملة المعتصم فى عام 831 شهدت تحركاً واسعاً للعرب فى منطقة تلال البحر الأحمر الى الشرق والجنوب قادمة من مصر، وقد عدَّ يوسف فضل أن حملة المعتصم شكلَّت الحدث الهام فى فتح تلال البحر الأحمر أمام ما أسماه الاستيطان العربى، ورغم أن هذا الاستيطان العربى انحصر فى الفترة من القرن التاسع حتى الرابع عشر فى المنطقة الواقعة الى الشرق من النيل، فان قبائل البجة مع اعتناقها الدين الاسلامى ظلت ولازالت تحافظ على لهجاتها المحليَّة التى تنتمى الى مجموعة اللغات الكوشيَّة من عائلة اللغات الآفرو-آسيويَّة، ذلك أن تلك القبائل لم تمسسها عمليَّة التمثل، وان كانت قد فعلت فإنما بصورة طفيفةُ·
    وفى أقصى شمال الشمال الجغرافى تعيش على ضفتى النيل المجموعة الإثنيَّة الثقافيَّة المعروفة باسم المحس امتداداً من المحرقة فى الشمال حتى الشلال الثالث (تُمبس) فى الجنوب، ويعد المحس أنفسهم منتمين الى ثلاث مجموعات هى المحس والسكوت والفديجا، والتى تعبر عن مسميات جغرافية أكثر منها إثنية ثقافيَّة· والواضح أن المحس من بين كافة أهل الشمال الجغرافى للسودان هم الأقل تأثراً بالهجرات العربيَّة، ومن ثمَّ الأقل استعراباً، والسبب فى ذلك هو تجنب التحركات السكانيَّة، فيما يبدو، لإقليم المحس بفعل عاملين تمثلا فى الجفاف والظروف الجغرافيَّة التى جعلت من الإقليم منطقة معزولة عن المراعى المأهولة بسبب امتداد شريط صحراوى هو الأكثر عرضاً فى كل وادى النيل·
    إقليم ''الدناقلة''
    الى الجنوب من الشلال الثالث يمتد إقليم الدناقلة حتى انحناءة النيل الكبرى فى الدَبَّة، ورغم أن الدناقلة لايزالون، شأنهم شأن المحس يحتفظون بلهجتهم الدنقلاويَّة التى هى فرع من اللغة النوبيَّة، فإنهم يظهرون تأثراً بالمظاهر العربيَّة أقوى بكثير مما هو ملاحظ عند المحس، مرد ذلك أنه ومنذ الإطاحة بمملكة دنقلا المسيحيَّة من قبل قبائل عربيَّة وبنى كنز العرب المتنّوبنين ظلَّ الدناقلة فى حالة احتكاك وثيق ومتواصل بالوافدين العرب، هذا بالإضافة الى أن إقليمهم الاثنى كان ملتصقاً فى الجنوب وفى الغرب بمراعى هامشيَّة احتلتها منذ بداية التدفق العربى قبيلة الكبابيش التى هى فرع لاحق من جهينة، وقبيلة الهواوير البربريَّة المستعربة· وأهم فروع الدناقلة هم البديريَّة والطريفاب والحكيماب والجوابرة، ويدَّعون جميعهم تحدراً من العباس شأنهم فى ذلك شأن قبائل الجعليين·
    النوبيون ·· والأربعون قبيلة
    الى الجنوب من الدَبَّة على ضفتى النيل تعيش المجموعة الجعلية امتداداً حتى ملتقى النيلين الأبيض والأزرق عند الخرطوم، وتتكون هذه المجموعة من نوبيين مستعربين بصورة أساسية يؤلفون ما يتجاوز الأربعين قبيلة مختلفة أهمها من الشمال الى الجنوب بمجرى النيل: الشايقية والمناصير والرباطاب والميرفاب والجعليين، وتتقاسم كل قبائل هذه المجموعة شجرة نسب واحدة يبدأ تسلسلها من العباس عم النبى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم عن طريق جدهم المسمى إبراهيم جعل· الى الشرق والغرب من المجموعة الجعليَّة تعيش مجموعة لا حصر لها من العرب البدو رعاة الابل الذين يمارسون نمط حياة بدوى متنقل ويرجعون نسبهم الى جهينة· وفى أراضي العشب الجنوبيَّة فى كردفان ودارفور تعيش مجموعات عربيَّة نالت التسميَّة العامة البقارة والتى ترعى الأبقار بدلاً عن الابل وينسبون أنفسهم بالمثل الى جهينة، واستوعبت جماعات البقارة جزءاً كبيراً من السكان الأصليين·
    وبعد أن تمَّ استعراب غرب السودان بدأت وفق ما تشير اليه البيَّنة التاريخيَّة موجة ختامية من هجرات العرب البدو الى السودان مباشرة عن طريق مصر الى كردفان ودارفور بعيداً عن النيل عبر طريق القوافل الواقعة الى الغرب منه والذى صار يعرف لاحقاً بدرب الأربعين، وكان بعض الوافدين عبر هذا الطريق من عرب الهوارة المصريين، وبعضهم الآخر من قبيلة فزارة التى ربما تكون ممثلة لفرع من قبيلة قيس عيلان·
    قبائل الجنوب
    وفى الجنوب الجغرافي تعيش القبائل النيليَّة: الشلك والدينكا والنوير، وتعد مجموعة الدينكا أكبر المجموعات الاثنية ليس على نطاق جنوب السودان فقط بل على نطاق السودان ككل وتنقسم الى عدد كبير من القبائل الصغيرة· هذا وتعد مجموعة النوير أقرب المجموعات الإثنيَّة فى الجنوب اليالدينكا، ولازالت المجموعتان تحتفظان بالكثير من السمات الثقافية المشتركة· ويمثل الشلك المجموعة الإثنيَّة النيليَّة الثالثة فى الجنوب ويتمركز إقليمها الإثنى فى الأجزاء الشماليَّة من أعالي النيل، وخلافاً للدينكا والنوير ال ن يعيشون فى مجموعات صغيرة متفرقة فان الشلك استطاعوا منذ القرن السادس عشر إقامة نظام ادارة مركزى تحت زعامة الرث الذى لا يُعدُّ ملكاً عادياً بل هو شخص تحل فيه روح قائدهم الاسطورى المؤسس الأول للمملكة نيكانغ·
    وفى الجزء الأعظم من الاستوائيَّة تعيش المجموعات الإثنيَّة السودانيَّة التى تشير المعطيات الاثنو- تاريخيَّة الى أنها وفدت الى المنطقة فى ثلاث موجات، كانت الأولى من منطقة بحيرة تشاد ومن أهم مجموعاتها البونغ باكا، والمورو مادي، وتقول التحدارات الشفاهيَّة بأن مجموعة منها قد توغلت شمالاً فى مناطق جنوب دارفور التى تعرف الآن ببلاد الفرتيت؛ والموجة الثانيَّة قامت بها مجموعة من المانغبوتو التى نجحت فى إقامة مملكة قوية؛ أما الموجة الثالثة وهى الأبعد أثراً فقامت بها مجموعة الزاندى تحت قيادة زعماء الأفونغارا·وفى الأطراف الغربيَّة للسودان تعيش مجموعات إثنيَّة لم تتم عمليَّة تمثلها الكامل لكنها اعتنقت الاسلام ديناً: الفور، والزغاوة، والقمير، والمساليت، والتاما، ومجموعة الميدوب، والبرتى، فى حين تعيش فى مرتفعات جبال كردفان مجموعات النوبة الاثنية التى ظلت معظمها بعيدة كلياً عن عمليَّة التمثل·
    أن ما يميز السودان الشرقي عن باقي الحزام السوداني الأفريقي الواسع هو ذوبان البلاد كليا في العروبة والعالم العربي ·· هناك نزعة في السودان الحديث الآن يتباهى فيها كل القطر بالانتماء إلى الممالك والحضارات السودانية القديمة في النوبة وكوش والفونج وإلى كل هذه الموروثات التي قامت جنوب مصر ورغما عن فهم دواعي هذه النظرة المراجعة للتاريخ من أجل بناء الأمة، إلا أنها تثير ضبابا حول التعقيدات والتباين والتنوع للتجارب التاريخية التي عاشتها البلاد، والتي تمثل المساحة الأكبر في القارة الأفريقية، احتوى السودان على مجموعات سكانية كبيرة كانت لكل منها تجاربها التقليدية في العلاقات الخارجية والتأثير، تختلف تماما عما كان للمجموعات السكانية في الشمال، السودانيون حساسون حيال النظرة لتاريخ البلاد من خلال التأثيرات الخارجية التي يرجعها أحد الكتاب لعامل (التحيز الدفين ضد مقدرة القارة الفريقية في إقامة حضارة محلية) على كل إن الكثير مما يحدث في السودان، وبخاصة ما يتعلق بتشكيل الهوية ورموزها، ويمزق أواصر البلاد الآن، ظل نتاجا للتفاعل مع عناصر خارجية (لمزيد من التفصيل حول هذا الموضوع يمكن العودة إلى الكتاب)
    العروبة ·· وتكتيك أهل السودان
    التحول للعروبة حدث أيضا بطريقة أكثر مباشرة عبر تأثيرات المهاجرين من شبه الجزيرة العربية، الذين اختلطوا مع السكان وأقاموا بينهم، وتحدثوا لغتهم، وتزوجوا منهم، من خلال ذلك أصبحوا عمليا مشابهين لهم، ولكن تمتع العرب بمكانة مميزة ومفضلة نتيجة امتلاكهم لقدرات متقدمة في التجارة والزراعة· إن تسمية مثل تلك العملية المبكرة للاستعراب، يمكن أن تكون مبالغا فيها بالنسبة للعرب، يبدو أن ما حدث، هو أنه قد تم استيعابهم في المجتمع السوداني التقليدي، مع تمتعهم بمكانة مميزة واضحة، إن ذلك يفسر بوضوح حقيقة أنه برغم التقدم النشط في الاستعراب والأسلمة عند دخول الإسلام، إلا أن تلك المناطق ظلت في موقف حساس بين تمسكها العاطفي بشخصيتها الأصلية بكبرياء ،وبين تبنيها العملي للثقافة ووجهات النظر السياسية العربية·
    ورغما عن بعد معظم الجنوب عن تلك التطورات، إلا أن المجموعات الشمالية التي كانت نتاجا للاستعراب، لم تكن تخلو من الخصائص والسمات الأفريقية بسبب تداخل الجنوب مع الأقاليم الشمالية، لا بد أن يكون لذلك تأثير على القبائل الشمالية، والذي يتواصل دون انقطاع لقرون قدرا من التجانس المزيف غير الحقيقي بين كل أولئك النوبيين·
    وتشير طبيعة الاستعراب الحر في السودان إلى أن التحول كان بدرجة كبيرة موضوعا اختياريا تحت وطأة قدر من التهديد المخطط المتحفظ، من السهل إدراك السبب الذي جعل السود الذين تعرضوا لهيمنة العرب، يتقبلون بسرعة عمليات الاستعراب، لأن التوجه كان يرتقي بمكانتهم لوضع متميز، هناك رأي يفيد بأن التحول كان حقيقة نتيجة استغلال القوة وأن تحول السودانيين الأوائل إلى العروبة كان تكتيكا لحماية النفس من جانب أناس يرون المجموعات المعاضة في الشمال التي حملت أسماء العرب الأوائل المؤسسين لتلك المجموعات التي كانت في بعض الأحيان تدعي نسبها وارتباطها بقبائل عربية مهيمنة في الحجاز، والمؤكد أن إدعاءات النسب هذه كانت تتم عبر العديد من عمليات الوثوب عبر الزمن مع عدم وجود الوثائق لترتبط بالحجاز وفي الحالات التي تكون فيها النسب السوداني مرموقا سياسيا أو دينيا يتم إرجاعه ونسبته إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قريش أو لأقربائه وصحابته رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
    ينتقل الكاتب ''أسامة أحمد المصطفى'' إلى الحديث بالتفصيل عن المكون العربي في الهوية السودانية، وهو موضوع على غاية من الأهمية ولكن يتعذر نشره لضيق المساحة، وعلى القارئ المهتم بالهوية السودانية في شقها العربي وتأثير ذلك كله على ما يحدث الآن، العودة إلى الكتاب لمعرفة المزيد من التفاصيل)·


    (الاتحاد الاماراتية)
                  

01-03-2005, 02:14 AM

محمد عبدالقادر سبيل
<aمحمد عبدالقادر سبيل
تاريخ التسجيل: 09-30-2003
مجموع المشاركات: 4595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "المنعطف".. كتاب جديد لأسامة أحمد المصطفى: الهجرات العربية والاستيعاب الكوشي (Re: خالد عويس)

    الاخ خالد العويس
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    من خلال ما رفعتم هنا يبدو ان الكتاب المعروض ذو بال فعلا ، وقد صدر في الوقت المناسب، ولا ادري كيف يرد عليه زملاء هنا يدمنون نفي (التمثل) الاثنوثقافي الذي حدث فعلا والذي اشار اليه العرض اعلاه ..
    ولكن مما يشغلني فعلا ، هو الوقوف على جلية الأمر فيما يخص مدى عمق مثل هذا التماثل في خصوص قبائل الشمالية ذات اللهجات المحلية ( كالمحس والدناقلة والحلفاويين )
    البينة الفيزيكية لهذه القبائل تنحرف بها كثيرا عن النمط التقليدي للفيزيك النوبي الصرف ، لا بل يبدو الفرد من هذه القبائل اقرب الى الملامح العربية التقليدية من بعض القبائل السودانية الافروعربية .
    واذا كان عندي ظن قديم قائل بأنهم عرب فقدوا لسانهم نهائيا واستبدلوا بعض دمهم ببعض دم النوبيين ، فان ما ورد اعلاه يعزز هذا الظن ، وذلك حينما تقول:
    Quote: الهجرة إلى ''كوِش''
    جسدت الهجرات العربيَّة الى كوش التحرك السكاني الأكثر تأثيراً فى تاريخ السودان وأدت تلك الهجرات، خلافاً لهجرات تمت فى أزمنة سابقة الى تبدل رئيس فى مركب الثقافات الكوشيَّة المحليَّة وفى التركيبة الاثنية للسكان الأصليين• يؤكد الواقع الأنثروبولوجى الماثل فى السودان الحالي حدوث عمليَّة تماثل من جانبين، فمن جانب تمَّ تأصيل العرب الوافدين ومن جانب ثانٍ استعراب جزء كبير من سكان الشمال الجغرافي للسودان• وتشير المعطيات الاثنو- تاريخيَّة الى أن الغالبيَّة العظمى من العرب الوافدين كانوا من الأعراب البدو، وكان تأثيرهم الذى مارسوه على الكوشيين الأصليين آحادياً غير متنوع، هذا بينما أظهر الأخيرون الذين استضافوا الوافدين تشكيلة متنوعة من الثقافات واللغات، وبالتأكيد كان تأثيرهم على العرب بالقدر نفسه من التنوع•
    فوق ذلك كانت هناك اختلافات بيئيَّة أساسية فى كوش، المهجر الجديد للوافدين، فرضت عليهم سرعة الاستجابة تكيفاً مع ظروف بيئيَّة متنوعة• وهكذا فان عمليَّة التمثل أدَّت الى نشوء مركب فسيفسائي للشعوب وللثقافات واللغات يؤلف السودان الحالي• ولاشكَّ أنَّ تريمنجهام كان محقاً فى القول بأنه أينما تغلغل العرب كان النصر دائماً حليفاً لدينهم الذى يدفع بمنافسيه الى الوراء، ومن ثمّ لا خلاف حول حقيقة كون الدين الإسلامى يمثل حالياً القاسم المشترك الأعظم للقبائل العربيَّة والمستعربة فى الشمال الجغرافي للسود الحالي• من جانب ثانٍ أخذت لغة العرب الوافدين فى الانتشار مع ملاحظة أن شعوباً كوشيَّة محليَّة مثل النوبيين والبجة نجحت ليس فى الصمود أمام تيارها الكاسح فحسب بل إنها استوعبت عدداً من الوافدين الناطقين بالعربيَّة فى مجموعة لغاتها المحليَّة المختلفة•
    مائة قبيلة عربية
    رغم أن أبناء الشمال الجغرافي للسودان يعدون أنفسهم اليوم منتمين الى مائة قبيلة عربيَّة منفردة وقد يكون أكثر، فان الواقع الأنثروبولوجى يشير الى وجود خمس مجموعات ثقافيَّة ولغويَّة وسط هذا الكم الهائل من تلك القبائل• فإذا بدأنا بقبائل الشرق فانه يصعب علينا إفراز حدث بعينَّه كبداية لتحركات عربيَّة جارفة الى منطقة ساحل البحر الأحمر والتلال المتاخمة له، إلا أنَّ بينَّة تاريخيَّة غير مكتملة نوعاً ما تشير الى أن الفترة التى أعقبت حملة المعتصم فى عام 831 شهدت تحركاً واسعاً للعرب فى منطقة تلال البحر الأحمر الى الشرق والجنوب قادمة من مصر، وقد عدَّ يوسف فضل أن حملة المعتصم شكلَّت الحدث الهام فى فتح تلال البحر الأحمر أمام ما أسماه الاستيطان العربى، ورغم أن هذا الاستيطان العربى انحصر فى الفترة من القرن التاسع حتى الرابع عشر فى المنطقة الواقعة الى الشرق من النيل، فان قبائل البجة مع اعتناقها الدين الاسلامى ظلت ولازالت تحافظ على لهجاتها المحليَّة التى تنتمى الى مجموعة اللغات الكوشيَّة من عائلة اللغات الآفرو-آسيويَّة، ذلك أن تلك القبائل لم تمسسها عمليَّة التمثل، وان كانت قد فعلت فإنما بصورة طفيفةُ•
    وفى أقصى شمال الشمال الجغرافى تعيش على ضفتى النيل المجموعة الإثنيَّة الثقافيَّة المعروفة باسم المحس امتداداً من المحرقة فى الشمال حتى الشلال الثالث (تُمبس) فى الجنوب، ويعد المحس أنفسهم منتمين الى ثلاث مجموعات هى المحس والسكوت والفديجا، والتى تعبر عن مسميات جغرافية أكثر منها إثنية ثقافيَّة• والواضح أن المحس من بين كافة أهل الشمال الجغرافى للسودان هم الأقل تأثراً بالهجرات العربيَّة، ومن ثمَّ الأقل استعراباً، والسبب فى ذلك هو تجنب التحركات السكانيَّة، فيما يبدو، لإقليم المحس بفعل عاملين تمثلا فى الجفاف والظروف الجغرافيَّة التى جعلت من الإقليم منطقة معزولة عن المراعى المأهولة بسبب امتداد شريط صحراوى هو الأكثر عرضاً فى كل وادى النيل•
    إقليم ''الدناقلة''
    الى الجنوب من الشلال الثالث يمتد إقليم الدناقلة حتى انحناءة النيل الكبرى فى الدَبَّة، ورغم أن الدناقلة لايزالون، شأنهم شأن المحس يحتفظون بلهجتهم الدنقلاويَّة التى هى فرع من اللغة النوبيَّة، فإنهم يظهرون تأثراً بالمظاهر العربيَّة أقوى بكثير مما هو ملاحظ عند المحس، مرد ذلك أنه ومنذ الإطاحة بمملكة دنقلا المسيحيَّة من قبل قبائل عربيَّة وبنى كنز العرب المتنّوبنين ظلَّ الدناقلة فى حالة احتكاك وثيق ومتواصل بالوافدين العرب، هذا بالإضافة الى أن إقليمهم الاثنى كان ملتصقاً فى الجنوب وفى الغرب بمراعى هامشيَّة احتلتها منذ بداية التدفق العربى قبيلة الكبابيش التى هى فرع لاحق من جهينة، وقبيلة الهواوير البربريَّة المستعربة• وأهم فروع الدناقلة هم البديريَّة والطريفاب والحكيماب والجوابرة، ويدَّعون جميعهم تحدراً من العباس شأنهم فى ذلك شأن قبائل الجعليين•

    مما سبق يمككنا ان نقف على مايلي/
    اولا/ لابد من الوقوف على الحدود الجغرافية والاثنية لمصطلح ( الكوشيين) أو كوش. واذا كانت كوش تشمل مناطق المحس فلماذا جرى استثناؤها من الخضوع للتأثير العربي؟ خاصة وان حجة الجفاف تعد غير كافية حينما يتعلق الأمر بعرب بدو بيئتهم اصلا قاحلة واشد فقرا، بينما مناطق المحس تحضن النيل بحاله، بل تكثر فيها الجزر الخضراء ويكثر فيها النخل العربي الاصيل!.
    ثانيا/ ان الاشارة الى ان العرب القدماء الذين قدموا الى كوش في الفترات السحيقة قبل الميلاد كانوا بدوا ، تعد غاية في الاهمية ، اذ من خلالها يمكن تفسير تأثيرهم الاثني ( المنعكس بوضوح على الفيزيك) بينما نجد انهم استسلموا ثقافيا ( من حيث اللسان والعادات )، حيث لم تكن لهم ثقافة ناضجة آنئذ فبل الاسلام.
    ثالثا/ لابد من تفسير تمسك الدناقلة بلهجتهم في ظل كل هذا التأثير الاسلامي عليهم فضلا على تجلي الاثر العربي في ملامحهم بوضوح كبير ( دعني اسميها البينة الفيزيكية) فضلا عن التاريخية. وهنا لابد من التساؤل حول تقويم البحث لما حدث بالنسبة للحلفاويين جراء تلك الهجرات.
    رابعا/ الاسماء العربية تبدو فاقعة في التراث الحضاري لتلك المنطقة محل النظر ، ويمكن ان استشهد باسم : الملكة اماني الكنداكة والمقرة وعلوة وسوبا( سبأ) وباعنقي ونبتة ومروي الخ فلابد من تأثير عربي انتج هذه المفردات واجراها على السنة السكان الاصليين. وهذا ما اتمنى ان يكون البحث الذي قام به صديقنا الاديب والروائي اسامة احمد المصطفى قد وقف عليه .
    خامسا/ هل يمكننا القول بأن ملامح الدنقلاوي المختلفة عن الملامح الافريقية التقليدية هي ملامح مكتسبة من العرب وبالتالي فان اصولهم العربية راسخة وقاطعة من الناحية الاثنية؟
    سادسا/ ان اخطر ما يمكن ملاحظته مما سبق هو ان الوجود العربي في السودان ليس طارئا، بل هو قديم بمقدر قدم تاريخنا المرصود ، فحينما نتحدث عن التماثل في ظل كوش ، فاننا نتحدث عن ماقبل التاريخ بكثير جدا. فهل يحق لنا القول اثر ذلك بأن تاريخ الوجود العربي في السودان هو من جنس تاريخ السودان نفسه؟ .

    _______________
    رب اشرح لي صدري

    (عدل بواسطة محمد عبدالقادر سبيل on 01-03-2005, 02:56 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de