نص حوار محمد إبراهيم نقد بصحيفة البيان الإماراتية اليوم 4/5/2005

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 07:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-04-2005, 04:20 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نص حوار محمد إبراهيم نقد بصحيفة البيان الإماراتية اليوم 4/5/2005

    سكرتير الحزب الشيوعي السوداني في حوار شامل مع «البيان»:
    وضع الوطن تحت الحماية أخطر من تسليم مواطنين للمحاكمة
    بقلم :عمر العمر
    اعترف سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد الخارج إلى العلن بعد أحد عشر عاماً في العمل السري بوجود خلل صاحب عودته من الاختباء وقال ان أبرز ملامح المجتمع السوداني حالياً يتمثل في الأجيال الجديدة المتحفزة للاندماج في العصر وبحور الفوارق الاجتماعية حيث يوجد ثراء فاحش مقابل فقر مدقع.
    وقال نقد رغم انهيار الموديل السوفييتي وانحسار خط التوجه الاشتراكي في البلدان النامية لا يزال على قناعة بأن إسهامات ماركس تمثل أفضل أداة للصراع ضد الرأسمالية، غير انه اعترف في الوقت نفسه بتخلف الخطاب السياسي لحزبه وبضرورة تطويره وإثراء لغته وقال ان التحديات التي تواجه السودان عامة والحزب خاصة مصيرية وتتطلب خطاباً بحجمها، وأكد ان الشباب من الجنسين ستكون له الغلبة في القيادة المرتقبة للحزب.
    وقال نقد في حوار مع «البيان» ان اتفاقات نيفاشا تمثل بارقة أمل للخروج من المأزق السوداني إذا أفلح طرفاها في تمليكها للمجتمع السوداني وطالب دعاة الوحدة بالعمل معاً والاتفاق على برنامج عمل لضمان خيار الوحدة ودرء الانفصال، مؤكداً على ان الوحدة ليست معركة قرنق وحده بل هي قضية وطنية في الشمال والجنوب.
    ونادى كذلك بتبني خطة تنمية شاملة تعمل على التكامل بين كل أقاليم السودان ولا تعتمد على استبدال خام النفط بخام القطن إنما تلج عالم صناعة البتروكيمائيات وتعيد رسم خارطة التنمية على مستوى القطر وإعادة توزيع الموارد والثروات وفق معادلة تفضيلية للمناطق المتأثرة بالحرب والمجاعة.
    وتلك المتأثرة بالنازحين من جحيمي الاقتتال والجوع، وطالب بعقد مؤتمر لقبائل دارفور، وقال ليس بابوجا وحدها يتم حل أزمة دارفور كما انه ليس بالجنوب وحده يتوحد السودان وقال في الشرق أزمة منسية لا تقل معاناتها عن الجنوب، والغرب، وأضاف ان المحافظة الشمالية تعرضت لتفريغ سكانها وقصدها الهاربون من الجنوب والغرب.
    وانتقد بشدة أداء الحكومة ومواقفها إزاء القرارات الدولية وقال إن الأخطر من تسليم بعض المواطنين للمحاكمة في الخارج هو وضع الوطن تحت الحماية وفيما يلي نص الحوار:
    * خروجك إلى العلن صاحبته دراما أبطالها قادة جهاز الأمن. هل كان ذلك بفعل خلل في التأمين الحزبي أم اختراقاً من رجال الأمن؟
    ـ سؤالك أو واشفاقك عن خلل التأمين أو الاختراق أمران مشروعان. عندما نفرغ من تجميع الخيوط والملابسات سننشرها على الرأي العام وذلك من حقه علينا سواء ما أبداه من اشفاق أو غمرنا به من ترحاب.
    * كيف كان صدى العودة داخل المحيط الخاص؟
    ـ الاحتفاء والترحيب من الأهل والأصدقاء ومواصلة الحديث كأنما افترقنا البارحة وليس قبل أحد عشر عاماً.
    * ما هو إحساسك تجاه المشهد السوداني العام بعد الرجوع العلني إليه؟
    ـ الإحساس بديمومة الأزمة الوطنية ـ الأجندة ذاتها والمواضيع ذاتها وذات الأسئلة الجماعية والبحث عن إجابات عن أزمة مستمرة ومستفحلة.
    * هل راكم لديك ذلك المشهد قدراً من التشاؤم أم ترى فيه ما يعين على التفاؤل؟
    ـ بل قل ثمة رنة حزن وشائية تشاؤم غشيت عفويتنا السودانية المحببة وذلك الفيض من التفاؤل الذي استعنا به على اجتياز المفازات والموانع المتعاقبة أو قل هي أزمة ممتدة متعددة الفصول والمنعطفات، لكني واثق تماماً من قدرة حركتنا السياسية والنقابية والاجتماعية والقبلية والجهوية على استرداد عافيتها مع تسارع إيقاع النشاط السياسي فلهذه الحركة السياسية بكل روافدها مخزون يعينها على ذلك.
    * ثراء فاحش قليل الحياء
    * ما هو الملمح الذي لفتك أكثر في النسيج الاجتماعي بعد هذا الغياب؟
    ـ الأجيال الجديدة، وهي ليست جديدة فقط من زاوية العمر وإنما نوعياً كذلك ـ فهي مندمجة مع العصر في علومه ومخترعاته وموسيقاه ووسائله للترفيه وبطولاته الرياضية وبتطلعها الجاد نحو اقتناء المعرفة المتواجدة في الخارج فهي لا تمارس السفر من أجل الترفيه وإنما في سبيل الاكتشاف والمعرفة حتى لا يفوتها قطار المعرفة.
    * ألم تر ملمحاً شائعاً في النسيج الاجتماعي؟
    ـ ذلك يتجسد في فجور الفوارق الاجتماعية حيث يوجد ثراء فاحش قليل الحياء بل هو لا يستحي مطلقاً في مواجهة فقر مدقع.
    * هل هناك بارقة في هذه العتمة؟
    ـ بين جميع المشاهد انفة الذكر تبدو نيفاشا وكأنها كوة ضوء وبارقة أمل ان أفلح طرفاها في تمليكها للمجتمع السوداني بوصفها حقاً مشتركاً ينعم به الجميع دون توزيع أنصبة بترولية وغير بترولية وهذا أمر ممكن ومتاح.
    * هل ثمة قيادي آخر من الحزب لايزال في حالة اختباء؟
    ـ ربما نخص «البيان» باعلان خروج الاستاذ سليمان حامد يوم «الاثنين 2 مايو» من الاختباء لـ «شم النسيم» وبالمناسبة فان الاستاذ سليمان حامد حول البيت الذي اختبأ فيه إلى حديقة منزلية أنيقة وبخروج الأستاذ حامد نسدل الستار على ممارسة الاختفاء وفقاً لقرار الدورة الاستثنائية للجنة المركزية في 14 يناير 2005 التي قررت خروج الكادر المختبيء في الوقت المناسب وتركت للسكرتارية تنفيذ القرار.
    * اسأل المهدي والميرغني وطه كذلك عن الاختباء
    * ما هي فلسفة الاختباء؟
    ـ الاختفاء أسلوب وممارسة في ظروف الديكتاتورية والقمع من أجل ضمان وجود واستقرار حلقة صغيرة من الكادر القيادي لمواصلة حياة الحزب ونشاطه ولو في أضيق نطاق إذ ان أغلبية الكوادر تتعرض في مثل هذه الظروف للملاحقة والرقابة والاعتقال والاختباء بهذا المعنى ضرورة وليس خياراً إذا أجبرتك الظروف للاختباء يوماً فتجربتنا تحت تصرفك. ربما لا يجافي الحقيقة القول إن في العيش خارج السودان ضرباً من الاختباء.
    * لماذا يمارس الشيوعيون وحدهم الاختباء مع ان كل القوى السياسية تتعرض إلى ظروف القمع والديكتاتورية في منعطفات من الزمن؟
    ـ إذا كان الاختباء حصراً على الشيوعيين في فترات ماضية فقد أصبح ممارسة مشاعة بجميع الأحزاب.لماذا لا تسأل السيد محمد عثمان الميرغني أين قضى العشرة الأوائل بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو 1989؟ ولماذا لا تسأل السيد الصادق المهدي أين قضى الأيام السبعة التي أعقبت الانقلاب؟ ولماذا لا تسأل الأستاذ علي عثمان محمد طه اين قضى ثلاثة أسابيع بعد حملة نميري ضد قادة الجبهة وحتى انتفاضة 6 ابريل 1985؟
    ـ هكذا في السودان يمكن ان تكون رئيس وزراء وتختبيء وتختفي وتصبح فيما بعد نائباً لرئيس الجمهورية أو زعيماً للتجمع الديمقراطي المعارض. المرحوم الدكتور عمر نور الدائم قال إن العيش في السودان دون ديمقراطية ممارسة مستحيلة.
    * هل توازي عائدات الاختباء السياسية عدد سنواته؟
    ـ لم تهدر سنوات العمل السري في العمل السياسي وحده رغم ضيق مساحة هذا العمل وضآلة عائده وبطء تواتر تراكماته،ولعلك تعلم ان أخطر المحاذير في العمل السري تتمثل في استعجال النتائج وتجاهل العائد البسيط. أحياناً يصبح مجرد عقد اجتماع انجازاً.
    رغم ذلك ابتدرنا مناقشة عامة لمواجهة المستجدات والتحديات منذ العام 1993 ـ 1994 ذات خمسة محاور.
    الأول: أسباب انهيار وفشل النمط ـ الموديل ـ السوفييتي للاشتراكية وانحسار نمط التوجه الاشتراكي في البلدان النامية مثال التجربة الناصرية ومدرسة الاشتراكية الافريقية بقيادة نايريري وسيكوتوري ونكروما.
    الثاني: أزمة الجمود في الفكر الماركسي.
    الثالث: الثورة العلمية التكنولوجية ودورها في تجديد بنية الرأسمالية في بلدان المتروبول أي أميركا ودول السوق الأوروبية المشتركة واليابان الرابع: تقويم ناقد لتجربة الحزب وتطوير برنامجه ونظامه الداخلي ومواصلة الإعداد لعقد مؤتمره الخامس العام وانتخاب قيادة جديدة.
    * خطابنا السياسي متخلف
    * ما هي توقعاتك لقسمات القيادة الجديدة المرتقبة؟
    ـ في سباق الفئات العمرية للكادر فإن الشباب من الجنسين سيشكل أغلبية القادة.
    * إلى أي مدى سيتمسك الحزب بتراثه الماركسي وإلى أي مدى سيذهب على طريق التجديد؟
    ـ الماركسية وحدها لن تسعفك إن لم تمتلك ناصية خصائص شعبك بدءاً من تراثه وتاريخه ومعتقداته وحتى تكوينه النفسي ومزاجه... الخ.
    * أما زلت أنت قابضاً على قناعتك في الماركسية؟
    ـ مازلت على قناعة فكرية وعقلانية أن فهم ماركس وإسهامه في علم الاجتماع والاقتصاد السياسي يشكل أفضل أداة للصراع ضد الرأسمالية ومنازلتها وهي في أوج سطوتها وغلوائها.
    * الا يحتاج الخطاب السياسي للحزب إلى تطوير؟
    ـ تسعدني إشارتك إلى خطابنا السياسي واعتقد ان تستعمل كلمة «خطاب» على نهج المدرسة البنيوية أو كما يستعمله محمد عابد الجابري وأركون وكتاب المغرب العربي.
    لا أجد حرجاً في الاعتراف بأن خطابنا لا يزال متخلفاً ونمطياً إذ يكتفي بتوصيل الموقف أو إعلانه ويلزمنا بالتأكيد تطوير خطابنا ولغتنا ومفرداتنا وتوسيع مخزوننا اللغوي وإتقان التنوع في الخطاب بما يستجيب ويتجاوب مع تنوع وتعدد ثقافتنا وأعراف المجتمع السوداني إضافة إلى استيعاب ما يضيفه العصر من علوم ومخترعات وإبداع. التحديات المطروحة أمامنا مصيرية وتستلزم خطاباً بحجمها.
    * كيف تنظر إلى مصير السودان في ضوء العلاقة المستجدة بين الشمال والجنوب؟
    ـ الخيار للوضع السوداني من زاوية الجنوب يبدو وكأنه محدد بحد السيف فاما وحدة أو انفصال. وأنا متفائل ومن يتعاطى مع السياسة في السودان يلزمه التحلي بفضيلتين هما التفاؤل والنفس الطويل. إذا أحسنا التعامل مع مستلزمات الفترة الانتقالية ونأينا بها عن المماحكات السياسية سوف ينتصر خيار الوحدة. ذلك ان دعاة الانفصال ينظرون إلى الماضي بينما ينظر دعاة الوحدة إلى المستقبل ويستخلصون من الماضي العبر وليس المرارات.
    * إذن هناك صراع بين دعاة الوحدة وأنصار الانفصال؟
    ـ من أهم عناصر الوحدة ان قرنق قائد الحركة الشعبية رجل وحدوي وهذا يشكل وزناً لا يستهان به داخل الحركة وفي مجتمع الجنوب ولكن للانفصال أنصاره داخل الحركة خاصة وفي مجتمع الجنوب عامة. أما في الشمال فتيار الانفصال ضعيف ويتصرف برد الفعل ولا يطرح أفقاً بديلاً مقنعاً.
    * برنامج عمل وليس ميثاقاً
    * كيف يمكن حسم الصراع لصالح الوحدة؟
    ـ المعركة من أجل الوحدة ليست معركة قرنق وحده، كما انها ليست مهمة تيار الوحدة داخل الحركة فقط، بل هي معركة وطنية في الشمال والجنوب. ولهذا أرى أن تتفق قوى الوحدة في الشمال والجنوب على برنامج عمل ـ أقول برنامجاً وليس ميثاقاً ـ لأن هذا المصطلح تم استهلاكه من ميثاق الجامعة العربية إلى ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي.
    * هل نستبق التقاطعات الخارجية؟
    ـ المناخ الأفريقي من حولنا لا يشجع على الانفصال. إذ يخشى هذا المحيط انتقال العدوى. فباستثناء مصر كل دول الجوار لديها مشكلات أقليات ومشكلات قومية.
    * مصر نفسها لا تخلو من مثل هذه المشكلات...
    ـ هذا كلامك وليس قولي.
    * لنعد إلى القضية السودانية، فما هو العنصر الحاسم فيها؟
    ـ العنصر الحاسم في رجحان خيار الوحدة هو استقرار وحسن أداء حكومة الجنوب، لأنها أولاً باكورة خيار الوحدة، فإذا اقتنع المواطن الجنوبي بأدائها سينحاز إلى الوحدة. أقول هذا وأنا أعلم حجم المشاكل التي تواجه كل الحكومات الأفريقية بما في ذلك حكومة جنوب أفريقيا وحكومة ناميبيا (أحدث الحكومات في القارة) هذه الحكومة الجديدة تشكِّل نواة لما ينبغي أن يكون من عمل سياسي كبير ومبرمج تتفق عليه القوى المناصرة للوحدة، فلدعاة الانفصال أسلوبه وحججه، وهو لا يتردد في استخدام وسائل غير جديرة بالاحترام.
    * قبل إطلاق برنامج ضمان الوحدة، نحن نواجه مأزق المرحلة الانتقالية؟
    ـ لدينا أكثر من تجربة انتقالية، فقد اختزلنا الأولى وهي مرحلة الاستقلال بإعلانه من داخل البرلمان، ثم حكومة أكتوبر الانتقالية واستمرت نحو ستة أشهر، ثم الحكومة الانتقالية التي أعقبت انتفاضة أبريل 1985 وامتد عمرها سنة. ورغم أن أوان الفترة الانتقالية الناجمة عن نيفاشا يستمر ست سنوات، إلا أنها فترة مزدحمة.
    لا أحتاج إلى استدلال منطقي ولكني أقول: كان من المفروض عقب التوقيع في 6 يناير إعداد الدستور في غضون شهر، غير أن شهوراً مرّت ولم يتم إنجاز المهمة. أعتقد أن مثل هذا التأجيل سيتجدَّد مع كل البنود، ولكننا سنصل إلى الاستفتاء في النهاية.
    * ما السمة الغالبة لهذه المرحلة الانتقالية؟
    ـ الفترة الانتقالية نفسها فترة صراع بين الحكومة المركزية والحكومة الإقليمية في الجنوب.. صراع حول كل البرامج، مثال إزالة آثار الحرب، عودة اللاجئين، إعادة تشكيل الولايات في الشمال، توزيع الموارد. السودان يغلب عليه الازدحام بطبعه على نحو لا يصبح مهيأ لمزيد من الأثقال.
    طبيعة المجتمع هكذا، لعلك تلاحظ ذلك في البيت والشارع والسوق، فالاستعداد لرمضان لا يكون إلا عشيته، وفي كل مرة نقول العيد فاجأنا. لذلك استمر الجدل طويلاً قبل بدء المحطة الأولى لتنفيذ نيفاشا.
    * ما أبرز المحطات التي قد تستنزف مثل هذا الجدل؟
    ـ تشكيل هياكل الحكم في مستوى قاعدته الولائي في الشمال والجنوب يتطلب وقتاً طويلاً، فالكيانات القديمة لن تستسلم بسهولة الجديدة، تحتاج إلى وقت وتمويل. مشكلة إعادة توزيع الثروات ـ وليس البترول وحده ـ الطريقة التي تم بها التوزيع أشبه بممارسات تجار السوق.
    * الزراعة أهم من البترول
    * لو أخذنا مسألة توزيع الثروة، ما هو في تصورك النموذج الأفضل لتجنب ممارسات التجار؟
    ـ خطة التنمية الشاملة التي على أساسها يتم توزيع الثروات من بترول وذهب أو غيرهما مع معادلة تفضيلية أولاً للمناطق المتأثرة بالحرب وفي مقدمتها الجنوب، ثم جبال النوبة، ثم الفونج، ويشمل ذلك دارفور والشرق. هناك موارد أكثر أهمية من البترول كالزراعة.
    النفط له عائدات جاهزة لذلك هو أكثر إغراءً ولكنه في الوقت نفسه أكبر مصدر لفساد الحكام. وأكتفي بالإشارة إلى تجربتي نيجيريا والمكسيك. لا بد من وضع خطة شاملة للتنمية الكلية من نيمولي إلى حلفا. بالطبع الأولوية للجنوب، ولكن إذا كانت الأولوية فيه للطرف فإنها تكون لجهة الشمال.
    حيث السوق السودانية المشتركة. أفهم أن يكون هناك خط حديدي أو طريق بري إلى ممبسا لاختصار الزمن، ولكن الأولوية لطرف داخل الجنوب نفسه، ولاختصار المسافات مع الشمال، حيث السوق التي يمكن تأريخها منذ تم في عهد محمد علي وضع حدود السودان.
    * ما هي الخطوط الحمراء التي يمكن إضاءتها أمام الحكومة الجنوبية؟
    ـ المرحلة الانتقالية فتحت أبواباً واسعة أمام المناصب الدستورية. حكومة الإنقاذ أعادت تقسيم ولايات الجنوب من ثلاث إلى عشر، بعضها كان مركزاً، فهناك عشر حكومات وهذا استنزاف للكثير من المال والامتيازات والتجهيزات. آمل أن يتجنب قادة الحركة مخاطر ما حدث عند تنفيذ اتفاق أديس ابابا.
    توزيع المناصب كشف عن صراعات وتطلعات غير مؤسسة. وعندما أعاد نميري هيكلة الولايات دمّر أبناء الجنوب المسؤولون كل ما كان تحت أيديهم، فيما أطلقوا عليه ممارسة «الكوكورو» حتى لا يعثر من يخلعهم على شيء مفيد.
    ربما يكون في وجود قادة سياسيين عاصروا تلك الفترة ممن نثق في رجحان عقولهم، من يعين حكومة الجنوب الجديدة في تفادي الكثير من المشكلات والمصاعب.
    * إعادة هيكلة التجمع
    * كيف تنظر إلى التجمع في المرحلة الانتقالية؟
    ـ كل أطراف التجمع مقتنعة بضرورة استمراره، لكن هناك ظروفاً جديدة أهمها أن هذا الاستمرار في الداخل ولا بد من إعادة هيكلة التنظيم وتحديد مهامه. بحيث يواكب الفترة الانتقالية وهذا أمر مفتوح للجدل والنقاش بين الفصائل وسبق أن قدمنا مقترحات وأبرزها أن يضع التجمع برنامج عمل يتم الاتفاق عليه للسنوات الست .
    ولا بد أن يتسم التنظيم بالمرونة واستيعاب القوى الراغبة في الانضمام والتقيُّد بمواثيقه والعمل على تنفيذ برنامجه، ولا بد من بناء الجسور كذلك للتواصل مع القوى التي تظل خارجه، وحدث أن تم تبني خوض الانتخابات المرتقبة بقائمة موحّدة وهي فكرة جيدة، لكنها تتطلب المزيد من النقاش لمعرفة إمكانية تطبيقها.
    * وماذا عن مأزق المشاركة في لجنة الدستور الذي يواجه التجمع حالياً؟
    ـ تجاوز مطب الدستور رهين بمحادثات القاهرة. هناك عقبة لم يتحسسها اتفاق السلام الذي لابد أن ينص أو يتسم بالمرونة. المشكلة فرضها طرفا الاتفاق النص لا يتضمن أنصبة. الدستور قضية تتطلب إجماعاً وطنياً. أنا مدرك للمصاعب التي ستعترضنا في الفترة الانتقالية وذهني مهيأ لاستمرارها أكثر من 6 سنوات.
    ولكن هل يخدمنا الحظ مرة ثانية. ففي اتفاقية 1953 كان هناك نص على إجراء استفتاء على الوحدة مع مصر أو الاستقلال وتم الاستغناء عن الاستفتاء والإجماع على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان.فهل يخدمنا الحظ هذه المرة ونستغني عن الاستفتاء؟ هذا ليس بكثير على الله وليس بالكثير على تقلبات السياسة السودانية.
    * الإنقاذ فاقمت أزمة دارفور
    * وماذا عن تطورات الصراع الدامي في دارفور؟
    ـ تلك حرب موارد بين الرعاة والزرّاع على الأرض والماء، وهو صراع تقليدي له آلياته الأهلية لحلّه كلما تصاعد. سياسات حكومة الإنقاذ في دارفور على وجه التحديد أخلّت بالتركيبة الإدارية والقبلية، وفرضت أجهزة إدارية في «حواكير» بعض القبائل.في العُرف الأهلي يتم فتح المسارات أمام الرعاة في رحلاتهم السنوية من الشمال إلى الجنوب وعند العودة تغشى حيواناتهم الأرض الزراعية لتخصيبها.
    إعادة تقسيم المحافظات في عهد الإنقاذ انحاز إلى قبائل ضد أخرى وتبنى فكرة لا مبرر لها تتمثل في إيجاد حزام عربي إسلامي في الغرب، وهذا لا يكون إلا على حساب «قبائل الزرقة» التي سُمي الإقليم باسمها. هذا التدخل فاقم الأزمة وأدى إلى تفجرها.كان من الممكن احتواؤها بموجب توصيات «مؤتمر الفاشر» غير أن الحكومة رفضتها.
    * ما هو المخرج؟
    ـ محادثات أبوجا أو طرابلس لن تغني عن عقد مؤتمر قومي، شامل ـ سمه ما شئت ـ يجمع كل قبائل دارفور، ويتم تقنينه. لعلك تذكر في حواري معك قبل 3 سنوات ناديتُ بعقد مشاكوس أهلي من أجل إنقاذ دارفور.ليس بأبوجا وحدها تتم معالجة الأزمة هناك.
    ليس سوء الطالع وحده الذي حوّل السودان من مكان تتم فيه معالجة الأزمات الأفريقية حيث شهد لقاءات لحل مشاكل بلاد مثل أوغندا والكونغو وكينيا، إلى بلد يُصدّر مشاكله إلى الخارج بحثاً عن حلول في نيروبي، القاهرة، طرابلس وأبوجا.
    * السودان مثل طائر السمندل
    * هل أصابك قدر من القنوط؟
    ـ أبداً، فالسودان مثل طائر السمندل قادر على النهوض من تحت الرماد، غير أن الكُلفة أصبحت باهظة. أخطر ما في الأمر أن تركيبة وسط السودان بدأت تتغير ملامحها نتيجة تدفق أبناء غرب أفريقيا على السودان. وعندما تتوقف حرب الجنوب ستحدث هجرة مماثلة من دول الجنوب الأفريقي الملامسة للإقليم.
    * إذا حملت سياسات الإنقاذ مسؤولية تفاقم الأزمة في دارفور، فهل نُسائلها عن المشكلة مع مجلس الأمن بشأن تسليم المطلوبين للمحاكمة؟
    ـ السودان قبل استقبال لجنة التحقيق الدولية التي وضعت تقريراً اشتمل على حيثيات واضح توجهها نحو المحاكمة. وقبل ذلك شكّلت الحكومة لجنة برئاسة القانوني المعروف دفع الله الحاج يوسف، وقد اطلعت بنفسي على تقريرها وفيه مؤشرات واضحة لمن يجب محاكمته، أي أن هناك تهمة. ولو أن الحكومة بادرت لعقد محاكم لحالت دون التدخل الدولي أو على الأقل خففت من غلواء ذلك التدخل.
    ثانياً عندما صدر قرار مجلس الأمن كان على الحكومة عدم التعامل برد الفعل، بل تطلب من وزيري العدل والخارجية دراسة القرار وتقديم بدائل. أنا واثق أنه كان من الممكن الوصول إلى مخارج ـ القضية قانونية ومثل هذه القضايا تتطلب جهداً من الدفاع والاتهام ـ رد الفعل الغاضب فاقم الأزمة.
    الأخطر من المحاكمات والذي كان يتطلب تعاملاً حكومياً أكثر وعياً ومبادرة هو وضع السودان تحت الحماية، ذلك يتمثل في قبول قوات أجنبية وشرطة متعددة الجنسيات وقيادات عسكرية ومدنية، فهذه مسألة أخطر من تسليم عدد من الناس للمحاكمة إذ أنها تمس سيادة دولة وشعب ووطن، لكن الحكومة تصرفت برد الفعل تحت هواجس من هُم المطلوبون للمحاكمة؟
    * الحكومة اعتبرت في المطالبة بالمحاكمة في الخارج مساساً بالسيادة من منطلق انتقاص القضاء السوداني؟
    ـ محاكمة مرتكبي الجرائم في الداخل أو الخارج مسألة لا خلاف عليها، أما الحديث عن القضاء السوداني فلا يُقصد منه المساس بهيبته أو النيل منه، بل هو نتيجة منطقية للكثير من الممارسات المتراكمة منذ العام 1989. وهي ممارسات أفقدت المواطن السوداني الثقة في النظام القضائي، إذ غلبت عليه السياسة فتم تشريد عدد كبير من القضاة لأسباب سياسية.
    تصرف الحكومة حرمنا من مهاجمة موقف أميركا اللاأخلاقي، فهي لا تسمح بمحاكمة أي من جنودها في الخارج ومارست مناورة مكشوفة عندما امتنعت عن التصويت من أجل تمرير القرار في مجلس الأمن. لو عرفنا استثمار ذلك الموقف لقدنا حملة عالمية ضد أميركا ولكننا أضعنا الفرصة.
    * هل ترى في الشرق جذوة يمكن أن تشتعل على نحو ما حدث في دارفور؟
    * صندوق لترويض الحكام
    ـ لو عايز الجد، فالشرق أولى بالثورة أكثر من الجنوب والغرب، فتلك أزمة منسية وفيها معاناة لا تقل مأساوية من المنطقتين.أعتقد أن التوجه نحو منبر خاص بمناقشة مشاكل الشرق يمثل خطوة نحو الحل.
    * هل يطال سيناريو الثورة الشمال حيث توجد إرهاصات؟
    ـ السؤال عن الشمال مشروع حتى الآن، ولكنه مجرد احتمال، لكن ضع في الاعتبار أن عدد سكان منطقة أم بدة يتجاوز حالياً عدد سكان المديرية الشمالية التي تمتد من شمال الخرطوم إلى جنوبي مصر. هذا وفقاً للإحصاءات الحكومية الرسمية.
    مشكلة الشمالية أنها تم تفريغها من السكان وأصبحت مفتوحة لهجرة النازحين من مناطق الحرب والجوع في الجنوب ودارفور، وعلى نحو يومي إذ يجد فيها هؤلاء متسعاً للاستقرار في ظل وفرة الأرض والماء والأمن.تخصص الدولة أموالاً للشمالية أكثر من ولايات دارفور الثلاث من صندوق دعم الولايات، وهو صندوق مهم في رئاسة الجمهورية وغايته ترويض حكام الأقاليم.
    وفيما تبدو الشمالية بولايتها تأخذ نصيباً أوفر، إلا أن هذه المبالغ تصرف على الأجهزة البيروقراطية وأجهزة الحزب الحاكم والموالين له. جانب مهم آخر يجب أخذه في الاعتبار أن الحقبة الاستعمارية ركزت على تنمية مثلث الخرطوم ـ سنار ـ كوستي، ولم تعد الحكومات الوطنية التي أعقبت الاستقلال رسم خارطة التنمية خارج المثلث.
    لكنه انهار فيما بعد، فمشروع الجزيرة انهار تماماً والسكة الحديدية توقفت وصناعات النسيج في الوسط لم تعد تعمل بأكثر من 15 في المئة، والصناعات القائمة حالياً لا تتعدى الحلويات والبسكويت والصابون والمياه الغازية، فالحكومة لم تعد تهتم حتى بالوسط.
    * إذن كيف تعيد رسم خارطة التنمية؟
    ـ القضية تتطلب خطة تنمية شاملة تقوم على أساس التكامل بين المناطق والأقاليم والموارد السودانية، فلا يتحول الاعتماد من القطن الخام إلى البترول الخام. يجب التفكير في صناعات البتروكيمائية الحديثة، ليس بالجنوب وحده يتوحد السودان، يجب العودة إلى منصة الانطلاق وتجميع الموارد القومية ورسم خطة تنمية شاملة توزع الموارد حسب الأولويات مع معاملة تفصيلية للمناطق التي تأثرت بالحرب والمجاعة والتي تأثرت كذلك بالنازحين من جحيمي الحرب والجوع.
    حوار ـ عمر العمر
                  

05-04-2005, 02:09 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نص حوار محمد إبراهيم نقد بصحيفة البيان الإماراتية اليوم 4/5/2005 (Re: عاطف عبدالله)

    up
                  

05-04-2005, 05:04 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نص حوار محمد إبراهيم نقد بصحيفة البيان الإماراتية اليوم 4/5/2005 (Re: elsharief)






    سكرتير الحزب الشيوعي السوداني في حوار شامل مع «البيان» (2 ـ 2):
    الخطاب الديني يمثل غطاءً لفساد النظام والهوس الديني أخطر منه




    هذه الحلقة وهي الثانية والأخيرة من الحوار مع سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد، استهدفت التوغل في الجانب الإنساني لسياسي محترف عاش نصف سني عمره في العمل السرّي هرباً من القمع، وألقى الرجل السبعيني في الحوار معه إضاءات على مشاهد من حياته الخاصة إبان فترة الاختباء ضمّنها مشاهد يشوبها الحزن والغضب والعجز.


    وطرح نقد قراءة نقدية للتغييرات التي طرأت على المجتمع السوداني عامة والخرطوم خاصة، من كوة الاختباء فانتقد بشدة مظاهر تزييف المدينة والتغيير الديموغرافي الذي «جرح وجه العاصمة بكتلة بشرية مرهقة متربة متحركة دون دافع وعلى غير هدى وبلا هدف»، حسب تعبيره، كما انتقد الرغبة الجامحة في الاستحواذ على السيولة والثراء غير المشروع بحيث أصبح اختلاس المال العام بنداً ثابتاً في موازنة الدولة الرسمية، وعرض نماذج من فنون «الاستهبال» المُمارس لتحقيق تلك الرغبة.


    كما انتقد تغييب الثوب السوداني التقليدي للمرأة والاستعاضة عنه ببرقع وافد لا يلائم البيئة السودانية، وليس أكثر حشمة من ثوبها. وسخر من إطلاق أسماء مستجلبة على أحياء سكنية وشوارع ومشاريع. وقال إن الحياة المسائية في الخرطوم فقدت حيويتها وغاب البديل عن التلفزيون أمام العائلات للترويح والتثقيف.


    ووصف المجتمع بأنه في حالة انتظار، ولكنه «الانتظار المتبلّد»، إذ يخلو من القلق المصاحب للانتظار عادة كما يغلب عليه الاكتئاب الصارم، حسب وصفه. وأكد سكرتير الحزب الشيوعي أن كل القوى السياسية في السودان عانت من قهر الشمولية، ودخلت مرحلة من الكمون أورثها التخلّف.


    وراهن على نقلة نوعية داخل حزبه بموجب مؤتمره المرتقب، لكنه راهن أكثر على أن تتحوّل الديمقراطية المنتظرة إلى تجربة دائمة. وأكد ثقته في قدرة النقابات على استعادة حريتها وفاعليتها، ونفى اللامبالاة عن المجتمع السوداني، وعزا ركونه إلى السلبية تجاه أحداث ساخنة، إلى سعة طاقته على التخزين وامتصاص الأزمات بعدما أرهقته الأنظمة الشمولية بالصدمات والجوع. وشدد على أن الخطاب الديني قصد نشر مظلة لغطاء فساد النظام وأصحاب المصالح. وقال إن الأخطر من الخطاب الديني هو الهوس الديني الذي أفضى إلى مصرع مصلين داخل مسجد.


    * يبدو ثمة مشابهة بين من يعيش تجربة الاختباء ويقع في الأسر، هل راودك إحساس من هذا المنوال؟


    ـ بل سقطت أسيراً للحزن الفادح والعجز عندما توفيت شقيقتي وهي عزيزة عليّ بداء السرطان. بلغني الخبر بعد ساعة على وفاتها، وبالطبع أعلم عنوان سكنها وأدرك مدى حزن الأهل ولم أستطع المشاركة.


    أنت هنا في حالة تنازع تود المشاركة والمقاسمة والعزاء ولو لخمس دقائق لكنك لا تستطيع ذلك.


    شعب أرهقته الأنظمة الشمولية


    * هل يمكن أن يتحوّل هذا الإحساس إلى غضب؟


    ـ بل انتابني شعور بالحزن الغاضب، عندما وصلني نبأ وفاة عضو الحزب عبدالمنعم رحمة تحت التعذيب المُمارس من قبل أجهزة الأمن في مدني. لا أنسى أنني ظللت طوال ذلك اليوم في حالة من الغضب والصمت.


    الذي لم يكسره سوى بيانات الاحتجاج التي أصدرناها. كانت بالفعل صدمة أخرى مماثلة انتابتني عندما اتصل أحد أعضاء الحزب من الطلاب طالباً مقابلتي على عجل على غير المألوف، فخرجت سائراً مسافة ربع الساعة حيث المكان المحدد للقاء، فوجدت صوته مختنقاً بالعبرات.


    وذلك أن طالباً جامعياً اسمه محمد عبدالسلام مات تحت التعذيب دون جريرة، فقد كان أحد مجموعة من الطلاب الذين دفعوا رسوماً مقابل الحصول على «مراتب» للنوم عليها. ولمّا لم يتم الوفاء مقابل الرسوم قصدوا مستودعاً وأخذوا ما يستحقون، فتم اعتقالهم وتعذيبهم حتى الموت.


    هذا مشهد يوضح إلى أي مدى أصبح الإنسان رخيصاً.


    * عندما لقي طالب جامعي مصرعه برصاص العسكر أشعل ثورة. كان ذلك الطالب يدعى أحمد القرشي وكانت تلك ثورة أكتوبر 1964، ثمة عدد من الطلاب الجامعيين لقوا مصرعهم، فيما بعد، برصاص العسكر أو بأيديهم ولكن لم يشعلوا شرارة ثورة. لم ذلك؟


    ـ بالفعل حدثت تصفية جسدية وراء تصفية جسدية.


    واغتيال بعد اغتيال، وموت وراء موت وسط الطلاب دون رد فعل مماثل لما حدث في أكتوبر. الشعب لم يصب باللامبالاة غير أن المجتمع أصبح قادراً على امتصاص الأزمات. طاقة التخزين لدى الشعب للصدمات أصبحت أوسع وأعمق، فقد أرهقته الأنظمة الشمولية بمسلسل من الصدمات المتنوّعة والمتعدّدة.


    التغيير الديموغرافي في الخرطوم


    * كنت قد ناديتُ في حوار لي معك سبق تفاقم أزمة دارفور ومع بدء مفاوضات مشاكوس بالإعداد لـ «مشاكوس» خاصة بمعالجة أزمة دارفور، هذا التنبيه المبكر ولّد لديّ إحساسا بأنك تتأمل في عزلتك الوضع السوداني من الخارج بذهنية صافية. إذا صح هذا الانطباع فما هي التضاريس المستجدة التي طرأت على المجتمع السوداني كما بدا لك المشهد من كوة الاختباء؟


    ـ أولاً من الواضح التغيير الديموغرافي الذي طرأ على العاصمة بالإضافة إلى تزييف المدينة. عندما تكون في مشوار في أي من الشوارع يكون المشهد مألوفاً لديك بسكان الطريق ومنعرجاته ومعالمه الرئيسية، غير أن ذلك الشارع لم يعد ذلك المكان الذي عرفته وألفته، فالأهم من الأبواب والنوافذ البشر الذين كنت قد ألفتهم ولم تجدهم. بدلاً عن أولئك تصادفك كتلة بشرية متربة مرهقة لفتحها الشمس وهي كتلة متحركة دون دافع وبلا هدف كأنما من لا مكان إلى لا مكان.


    * ما هي المفارقات الجارحة التي طرأت على المشهد الاجتماعي في الخرطوم؟


    ـ كان من المألوف خروج سكان العاصمة في الصباح من منازلهم إلى أماكن العمل ثم العودة عند الظهيرة لتناول وجبة الغداء ـ جماعة داخل الأسرة ـ وعقب القيلولة يخرجون لممارسة ضروب من النشاط الاجتماعي كالمزاورة والترويح الثقافي والسياسي. هذا النمط الحياتي لم يعد موجوداً. العربة أصبحت سيدة الشارع وليس الإنسان. العربة بكل أنواعها وأشكالها بدءاً من «الكارو» وانتهاء بالمرسيدس.


    فنون الاستهبال من أجل المال


    * هل صاحب ذلك تحول في سلوك البشر؟


    ـ من الملاحظ الرغبة الجامحة في الاستحواذ على السيولة يتجلى هذا في مستويات متعددة على نطاق المجتمع.


    على المستوى العام أصبح اختلاس المال ظاهرة لم تعد تثير الانتباه أو المشاعر، وأصبح بنداً ثابتاً في ميزانية الدولة السنوية. فمع تقديم كل موازنة يعلن وزير المالية عن مبلغ محترم مختلس، وتأكيد استعادة ذلك المال المختلس أو إعلان استرداد جانب منه.


    غير أن العالمين ببواطن الأمور يقولون إنك تستطيع اختلاس 50 مليون دينار مثلاً، وتعقد بها صفقات رابحة ومن فائض أرباح المبلغ المختلس يمكنك أن تعيد للدولة مالها. أي ان المال العام يدور في المسافة الزمنية التي تحدد دورات عدة، ويحقق أرباحاً من باطنها يسدد المختلس ما حصل عليه دون وجه حق، الاسترداد لا يشمل بالطبع خسارة إضافية تتمثل في الفرق الناتج عن قيمة العملة بين وقت سرقتها وموعد إعادتها.


    وتشكل الجباية الحد الأدنى لظاهرة الاختلاس، إذ أصبح من الممكن أن يستوقفك أي شخص، وربما أشخاص عدة تحت أي مظلة على أي طريق بري بذريعة جمع رسوم ولا يتردد أي منهم في تزويدك بإيصال استلام وأنت لست على يقين ما إذا هو مفوض بالفعل من جهة رسمية للقيام بهذه الجباية، أم انه «مستهبل»، إذا كان ذلك الرجل محقاً، فهناك آخرون ليس معهم وجه حق في ممارسة ضرب آخر من «الاستهبال»، لنفترض انك رجل أعمال مقيم في الخرطوم.


    واتفقت مع شركة في الخارج على صفقة وطلبت منها أو رغبت هي في إيفاد مندوب لاستكمال الصفقة. إذا علمت جهة رسمية بهذا الأمر ولها مصلحة في الصفقة، فستعمل بما لديها من نفوذ في السفارات السودانية وإدارات الجوازات والمطار لمعرفة وصول الوفد إلى الخرطوم.


    وتلتقطه وتذهب به إلى مكان مريح وتقنعه بأنها أفضل من الزبون المعني، وتستخدم في ذلك أدوات الدولة وسطوتها. هذه ليست قصة من نسيج الخيال وإنما تجربة واقعية حدثت مع عدد من رجال الأعمال الذين تدخل عدد من شاغلي المواقع المتنفذة على صفقاتهم وتركوهم مكشوفين في العراء.


    الثوب أكثر حشمة من البرقع


    * هل هناك ملمح يتعلق بالمرأة خاصة؟


    ـ نعم، الأثر السلبي الذي تركه ما أطلق عليه «النظام العام» في الشارع، كانت المرأة السودانية محتشمة في ثوبها السوداني التقليدي، وهو أكثر حشمة من البرقع الإيراني أو السعودي. كما ان اللون الأسود الذي يميز البرقعين الدخيلين لا يناسب البيئة السودانية، في حين ان اللون الأبيض الذي يغلب على الثوب السوداني بل هو طابع المرأة العاملة يمتص الحرارة.


    في سياق هذا الاستجلاب والاستلاب تجد تبديل أسماء الأماكن السكنية منها والحضرية والريفية من أسماء تاريخية سودانية صرفة إلى أسماء من الخارج كأنما وضع البعض خريطة الجزيرة العربية وأخذوا منها أسماء لأحياء وشوارع سودانية.


    هل سمعت بمشروع زراعي اسمه سندس. هذا المشروع أعلن عنه في بداية التسعينات في منطقة جبل أولياء شرقي شارع الخرطوم ـ ربك وجمعت أمواله من المغتربين، وتم الاتفاق مع شركات صينية لجلب معدات حفر القنوات وتمهيد الأرض ولم يقم المشروع، وظل اسمه بينما توجد أصلاً قرى لها أسماء. فمن فرض الاسم سندس؟ هل هي مسألة مزاج؟ لو نقلنا اسم «الربع الخالي» مثلاً إلى منطقة في السودان، فهل يزيدنا ذلك إسلاماً؟


    ـ هذا الهوس الديني في التشكيلات هو الذي فرض تغيير أسماء الأحياء والشوارع أو استجلابها كأنما لم يعرف السودان الإسلام قبل الإنقاذ.


    الاكتئاب الصارم


    * أود التركيز على الإنسان أكثر من المكان في استكشاف التحولات.


    ـ وأنت تتأمل تلك الكتل البشرية الساهمة تحس قدراً من الاكتئاب الصارم، إذا جاز هذا التعبير وإذا جاز وصف إنسان به.


    الاكتئاب الصارم سمة عامة تقرؤها في وجوه الجميع.


    كما انك تكتشف ان جميع السودانيين في حالة انتظار. فهناك من ينتظر وسيلة مواصلات أو من ينتظر شخصاً لاستكمال مهمة أو إنجاز معاملة رسمية، وهناك من ينتظر استصدار شهادة سواء كانت شهادة دراسية أو إخلاء طرف من الخدمة الإلزامية وهناك من ينتظر إبرام صفقة، وهناك من ينتظر تأشيرة لمغادرة الوطن، رغم ذلك فإن المجتمع يخلو من ذلك القلق الذي يصاحب الانتظار عادة، فالحاضر هنا هو الانتظار المتبلد.


    وبلفت النظر كذلك ان الحياة المسائية في الخرطوم فقدت حيويتها. وحياة العاصمة المسائية لم تكن ماجنة دائماً كانت في غاية الانضباط ومنتهى التحضر ولكن العائلات لم تعد قادرة على الخروج لتروح عن نفسها، فهي لا تجد أماكن مناسبة بأسعار مناسبة، وعليها أن تدفع كلفة باهظة مقابل المواصلات ورسوم الدخول والخدمات، لذلك أمسى التلفزيون هو البرنامج اليومي والسعداء هم الذين يملكون أطباقاً لاقطة تتيح لهم التنقل بين المحطات ولكن الوسط العام يواجه تلفزيون السودان بكل ما فيه من رتابة.


    * ألم تكن هناك مفارقة سعيدة إبان الاختباء؟


    ـ بلى فقد دأب عدد من أبناء الدفعة الذين تلاقوا في مدرسة حنتوب الثانوية على تنظيم لقاءات شهرية في منزل أحدهم في احدى ضواحي الخرطوم، وحدث أن دعوني وستكتشف بعد طول الغياب ما كنتم عليه وأنتم في سن تتراوح بين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة، وأصبحتم على عتبة السبعينات، ماذا فعل بك الزمن؟


    أنت تكتشف ذلك في الآخرين، حيث باتت الاخاديد وسرح الصلع واحدودب الظهر وكثرت الشكوى من أمراض كالضغط والسكري وتنصلت الأسنان.


    كان تواجدنا معاً فرصة لإحياء ذكريات الشباب وليس الشباب نفسه، فكان واحداً من أسعد أيامي بالفعل إبان الاختباء فهو يوم جميل بشكل مطلق.


    الوالدة تحملت كثيراً كثيراً


    * بعد قضاء نحو 36 سنة في العمل السري على ثلاث مراحل، ألم يترك ذلك انعكاساً على المحيط العائلي يفرض عليك احساساً خاصاً تجاهه؟


    ـ الوالدة عانت كثيراً كثيراً بسببي من وراء الملاحقة والتشريد والاعتقال والسجن والاختفاء. هي حالياً طريحة السرير، وقد لطف بها الله وحباها بنات يبادلنها وفاء بوفاء. كنت دائماً أدخل عليها فأجدها في حالة حركة. حالياً أمست في حالة سكوت تغيب عن الذاكرة أحياناً.


    هذه الصورة في حد ذاتها ومنفصلة عن كل الصور الأخرى فيها من العزاء الكثير، إذ إنني أستطيع أن أكون إلى جانبها في هذه المرحلة من حياتها.


    *ما هي التغييرات التي لامستها داخل المحيط العائلي وأنت عائد إليه هذه المرة عمّا كانت عليه في المرتين السابقتين؟


    ـ عندما بدأت مؤخراً فض الحقائب والصناديق من محتوياتها التي تركتها يوم اختبائي في 18 فبراير 1994 أصابني فيض من الحنين (نوستاليجا) وأنا أراجع مذكرات العمل اليومي ومشاريع المقالات والدراسات التي كنت قد بدأتها.


    هناك فارق، فعندما خرجت من الاختباء الذي صاحب عهد عبود من 58 إلى 1964 كنت أواجه أزمة سكن. إذ كان عليّ البحث عن مكان للإقامة، وقد تنقلت من صديق إلى آخر. كذلك كان الحال عندما خرجت من الاختباء في فترة نظام نميري من 1971 إلى 1985، هذه المرة وجدت العائلة قد شيّدت منزلاً وتجمعت فيه وحفظت أمتعتي وأغراضي ومكاناً لي.


    الأحزاب في منطقة رمادية


    * ننتقل الآن من العائلة إلى الحزب، فهل المؤتمر الذي تعدون إليه هو الخامس أم أنه الأول من حيث طريقة الإعداد إليه والقضايا التي تناولها؟


    ـ أياً كانت القرارات التي سينتهي إليها المؤتمر، فهو الخامس من حيث الترتيب الزمني. نحن لسنا بصدد تأسيس حزب جديد، وإنما نعتزم تجديد حزبنا بمعنى تطوير برنامجه ونظامه الداخلي وتطوير حياته الداخلية وتطوير خطابه السياسي حتى يواكب المتغيرات المحلية والعالمية ويتأثر بها ويؤثر فيها.


    هذه العملية لا تنتهي بانفضاض المؤتمر وإنما يضع المؤتمر قرارات ويحدد مهام من شأنها أن ترقى بمستوى أداء الحزب وتعالج السلبيات.


    * ما هي أبرز تلك السلبيات؟


    ـ السلبيات نوعان، أولاً الحياة السرية بطبيعتها سلبية وقد عاش الحزب نحو 36 سنة في العمل السري مما فرض عليه الكمون والموقف الدفاعي.


    * معظم الأحزاب ـ إن لم يكن جميعها ـ دفعت ضريبة عالية بفعل الأنظمة الشمولية في السودان؟


    ـ كلنا أمل أن تستقر ديمقراطية مستدامة في السودان كيلا تعود الحركة السياسية إلى المربع الأول. صحيح أن المسألة ليست وقفاً على حزبنا، بل أصبحت كل القوى السياسية تعاني من قهر الشمولية الذي صادر نشاط الأحزاب ولاحق القيادات. كل الحركة السودانية السياسية عانت ودخلت حقبة من الكمون مما أورثها التخلف والرهان على استدامة الديمقراطية المقبلة.


    * يتحدثون حالياً عن هامش ديمقراطي؟


    ـ هناك نوع من الانفراج السياسي الناجم عن خلل في موازين القوى المنهكة ولكن لا يوجد استقرار ديمقراطي تحت قوانين الطوارئ. الأحزاب تتحرك حالياً في منطقة رمادية ولن تكون هناك ديمقراطية ما لم يسترد الناس حقوقهم. حقوقهم في التنظيم والتعبير وبما في ذلك حقوقهم في العمل ذلك بالنسبة لمن تم تشريدهم.


    * ما هي ملامح التغييرات المحتملة في مؤتمر حزبكم؟


    ـ ستتم إجازة الدستور وطرح برنامج التطوير لمواكبة المتغيرات التي يشهدها العالم، مثل المتغيرات في بنية النظام الرأسمالي العالمي سواء في البلدان الرأسمالية المتقدمة أو انعكاساته على دول العالم الثالث بالإضافة إلى أثر الثروة العلمية الاجتماعي ومصير التجارب الاشتراكية في الصين وفيتنام وكوبا وتوجه الحركة المعادية للامبريالية فهي حركة أصبح لها وجود ونشاط وتتسع صفوفها وهي حركة عمالية تكتشف أراضي جديدة وشعارات حديثة.


    العراق مدخل وليس نهاية


    * ألا تشهد المنطقة العربية ما يستوجب الدراسة؟


    ـ خذ عندك حرب العراق، فهي مدخل لتغييرات وليست نهاية أو هدفاً في حد ذاتها. وهناك الاستراتيجية العسكرية التي تدخل السودان ضمن القرن الافريقي وتلحق منطقة القرن باستراتيجية ممتدة إلى أواسط آسيا.


    * هل تعتقد أن في وسع مؤتمر واحد بحث كل هذه المتغيرات وبلورة مهام وأفكار بشأنها؟


    ـ في تصوّري أن المؤتمر سيكسر حاجزاً طال أمده، وهذا أمر في غاية الأهمية وكلنا سنتجه حتماً إلى عقد مؤتمرات خارج الشكل التقليدي لإشراك كادر الحزب في بحث هذه المتغيرات بما في ذلك عقد مؤتمرات تداولية بغية توحيد الحزب ومواقفه تجاه تلك القضايا أو على الأقل تبني مواقف سليمة.


    * على الصعيد المحلي، ما هي القضايا التي تتصدر الأجندة؟


    ـ بين كل حين وآخر لا تملك إلا أن تسحب حبات المسبحة متسائلاً عمّا إذا كان الجنوب سينفصل أم هناك وحدة وطنية، وتتلمس حسب الحاسة السياسية مؤشرات ذلك الحدث المهم. هناك العديد من مثل هذا النوع يشغل كل السودانيين، بل ربما شعوب المنطقة.


    أضف إلى ذلك قضية الإصلاحات والتطوير للمظاهر الشائهة والمشوهة في ميادين الاقتصاد والتعليم وتخطيط المدن والتعامل مع عائدات النفط والقضايا المصاحبة والناجمة عن الأشكال الجديدة للدولة السودانية في ضوء تطبيق اتفاقات نيفاشا.


    * لم يعد الحزب يتمتع بذلك الكادر الوافر المتفرغ الزاهد من جيل: كامل محجوب وعبدالحليم عمر، كما ان ظروف الحياة تعقد إيجاد مثل ذلك الكادر، فما العمل؟


    ـ نحن ندرك هذا التحدي الكبير وندرك كمّ الهموم، لكننا نحاول التغلب على مثل تلك المصاعب وقد ابتكرنا في هذا الصدد «التفرغ المؤقت» خاصة بين الشباب بحيث يتفرغ شاب سنة لإنجاز مهمة محددة في غضون السنة نفسها نوفر له فيها راتباً مناسباً ربما كان يحلم به ذلك الجيل القديم.


    * هل أثبتت هذه التجربة جدواها؟


    ـ تفرغ بالفعل في الفترة الأخيرة عدد كبير من الشباب وهناك عدد تطوّع وقدم جميعهم تجارب جميلة. نحن نحاول الاستفادة من قدرات الشباب في مناطق محددة، قفد نطلب من شاب جنوبي مثلاً تجميع أعضاء الحزب الذين عزلتهم الحرب أو استمالة أعضاء جدد. على فكرة قد يستغرق خريج الجامعة سنة أو أكثر انتظاراً لفرصة عمل.


    النقابات لم تندثر


    * هل يملك الحزب القدرة المالية لإعادة إصدار صحيفته وماذا هو فاعل في غياب وسيلته الإعلامية؟


    ـ نحن نستعين بما يتاح لنا من الصحف حتى نستطيع إصدار صحيفتنا.


    * اكتسب الحزب تعاطف قاعدة عريضة من الجماهير ليس اقتناعاً بعقيدته السياسية وإنما إعجاباً بطروحات قياداته والتأثر بها، كيف تستعيدون تلك العلاقة الحميمة مع الجماهير؟


    ـ بدأنا نفكر في تنظيم المهرجانات السياسية، حالياً مطلوب منك الحصول على تصريح من السلطات ولا تستبعد أن تطالبك ـ إذا وافقت ـ بتنظيم تلك المهرجانات نهاراً، لن ترفض، من المهم مخاطبة الجماهير بصورة مباشرة، ونحن نلحظ المتغيرات في هذا المجال حيث لم تعد الندوات مجرد مناسبة يخطب القادة ثم يذهبون وإنما يواجهون سيلاً من الأسئلة والاستفسارات تشتمل على قدر من التحدي.


    * فقد الحزب النقابات التي كانت تشكل أذرعته في العمل الجماهيري والسياسي؟


    ـ النقابات لم تندثر رغم أن النظام لم يكتف بإصدار القوانين التي عرقلت النقابات كما فعل عبود ونميري وإنما زاد الإنقاذ عليهما تشريد النقابيين وأعاد بناء تنظيمات نقابية جديدة وفرض عليها قيادات إن لم تكن من أعضاء الجبهة الإسلامية فهي إما من الموالين لها أو انها لا لون لها ولا طعم.


    من المؤكد أن تدرك معنى فصل أربعة آلاف من عمال السكة الحديد وإغلاق مصانع الغزل والنسيج والذي ظل منها بات يعمل بطريقة متدنية وتوقفت صناعة الزيوت. كانت هذه هي عماد الصناعات التي نشأت في ستينات القرن الماضي وتلامس الصناعة الحديثة وكان قوام العاملين فيها من الشباب الذين جاءوا من مختلف أنحاء السودان.


    * رغم ذلك فلم تتعطل حركة الصناعة في السودان تماماً؟


    ـ المصانع التي تعمل حالياً محدودة مثل صناعة الاسمنت في ربك وعطبرة ومصانع السكر في حلفا الجديدة والجنيد وغرب سنار.


    كنانة مثل الكيان الأجنبي في المجتمع السوداني وصناعات خفيفة لا تتعدى الحلويات والمياه الغازية والصابون، لكن السوق مفتوحة لكل من يريد الاستيراد.


    * أنت تتحدث رغم ذلك عن عدم اندثار النقابات؟


    ـ هذا التوجه المستهدف أدى إلى إضعاف حركة الطبقة العاملة لكنه لم ينجح في القضاء عليها أو إزالتها من الوجود.


    النقابات القائمة بشكلها الحالي بدأت تمارس حقها في الاجتماع والإضراب وبالتالي فهذا جرس إعلان يعلن فشل سياسة الإنقاذ لمحو الحركة النقابية السودانية، والمسألة أصبحت رهينة بعنصر الوقت من أجل استعادة النقابات فاعليتها الكاملة، أكاد أجزم أن نقابات المهنيين والمعلمين ستقوم بالدور الريادي في هذا السياق ثم تلحق بها نقابات الموظفين والعمال.


    المعركة شاقة وطويلة لكنها ليست مستحيلة وهذه سياسة معلنة من قبل حزبنا وليست خفية فالنقابات ستستعيد حرياتها وما حدث في الجامعات ليس استثناء، فقد نجح الطلاب في استعادتهم منظماتهم في الجامعات الواحدة تلو الأخرى. هذه طبيعة المجتمع السوداني بكل ما فيه من حيوية، هو حالياً فقط مجتمع معاق فهذا بلد يعيش الجوع.


    الهوس الديني


    * أنت تتحدث في ظل نظام ينشر الهوس الديني حتى تحول إلى ما يشبه الواعظ الديني يحث الناس على الزهد في الدنيا من أجل الآخرة؟


    ـ هذا صحيح لكن انظر إلى الشرق فهو لا يطالب بحجز مساحة في الجنة دائماً يطرح مطالب دنيوية تتمثل في حقه في السلطة والثروة والتنمية رغم كل الوعظ الديني.


    الشرق منطقة موبوءة بالجوع والسل وقضايا مزمنة تعرض إسماعيل الأزهري في سبيلها إلى السجن.


    الشرق يطالب بحقه في قسمة الذهب وحقه في عائدات الميناء وسكانه مسلمون يؤدون الصلاة والعمرة والحج لمن استطاع.


    * إذن ماذا تقرأ في الخطاب الديني وأبعاده؟


    ـ الخطاب الديني مفرغ من حمولة الصدق فهو غطاء لفساد النظام وأصحاب المصالح، كيف يمكن قبول اختلاس من ديوان الزكاة تحت نظام يبشر بالخطاب الديني وينشره.


    ومع ذلك فإن الأخطر من الخطاب الديني هو الهوس الديني ذلك الذي أدى إلى مصرع مصلين داخل مسجد في الجرافة.


    * أتعتقد أن هناك فرصة لاحتواء مثل هذا الهوس؟


    ـ أعرف أن العمل الصبور المثابر يؤتي ثماره دائماً.


    * هناك قلق من حدوث انفلات أمني داخل الخرطوم مع التوغل في المرحلة الانتقالية؟


    ـ ما هو مصدر القلق؟


    * تدفق أعداد من المحاربين من الحركة لديهم تقاليد وثارات أو قل هم اعتادوا على نمط حياة لا توفرها الخرطوم ولا تملك الداخلية القوة القادرة على ضبط النظام؟


    ـ هناك اتفاق يحكم وجود القوات وهي قوات منظمة قادرة على الانضباط كما أن قرنق رجل سياسي حصيف وشخصية منضبطة.


    * قال المهدي وأكدت أنت لقاء بينكما إبان الاختباء ماذا بحثتما فيه؟


    ـ كان المهدي يركز على تأكيد عقد المؤتمر الجامع حتى إذا رفضت الحكومة فعلى القوى السياسية عقده داخل السودان أو خارجه.


    من جانبنا كان همنا كيف تضع القوى السياسية ذات القواعد برنامج عمل قابلاً للتنفيذ تجاوزاً للتعامل بردود الأفعال كما دأبت الحركة السياسية ونحن لا نزال نتمسك بهذه الرؤية، ففي اقتراحاتنا المقدمة للتجمع وضعنا اقتراحاً ببرنامج عمل للسنوات الانتقالية الست، أصر من جانبي على تفادي المقدمات والديباجة والرغبات الذاتية والتركيز على مهام محددة لكل حزب وللأحزاب مجتمعة.


    حوار: عمر العمر






                  

05-06-2005, 10:36 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نص حوار محمد إبراهيم نقد بصحيفة البيان الإماراتية اليوم 4/5/2005 (Re: elsharief)

    شكرا ياشريف
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de