كنت أريـد أن أنتظـر حتى أرفـع أشـرطـة الفيديـو التى بحوزتى، لمحاضـرة الأستاذة رقيـة أبوشـرف، وكذلك الأمسيـة الجميلـة التى أقامتهـا الجاليـة السـودانيـة بمدينـة واشنطـون، ثم بعـد ذلك أقـوم بالتعليق، على هـذين الحدثين. ولكن يبـدو أن المعالجـة الفنيـة للأشـرطـة ستـأخـذ بقيـة هـذا الأسبـوع، وعليـه أبـدأ الأن بالتعليق ولو كان موجـزا.
الملاحظـة الأولى هى أن إســم الإتحـاد النسـائى الســودانى، وبالتحـديـد الإستاذة فاطمـة أحمـد إبراهيـم، كان هـو القاسـم المشترك للمتحدثين فى نيويورك وواشنطـون.. وكان التركيز على إنجازات الإتحاد، وكفاحـه من أجل المســاواة فى العمل، والخـروج، والأجـر المتسـاوى للعمل المتسـاوى، فى كلا الندوتين.. ولذلك، يمكن أن يكون التعليق فى بوست واحـد، ثم التعليق على ما دار بصـورة مفصلـة.
أما الأستاذه رقيـة أبو شــرف، وبالرغـم من أن عنـوان المحاضـرة كان "حقوق المـرأة فى السـودان" والذى يوحى أن الحـديث سـوف يتناول حقوق المـرأة بصـورة مجـردة، إلا أن محـور الحـديث كان كتاب الأستاذة فاطمـة أحمـد إبراهيـم "حصـاد عشـرون عاما" (أسف إن أخطأت فى العنوان)، ترجمتـه الأستاذه رقيـة من العـربيـة إلى الإنجليـزيـة.. وليس هناك بالطبـع غبار على هـذا، ولا أن ترفـع قامـة الأستاذة فاطمـة فى مناسبـة يوم المرأة العالمـى. ولكنى هنا أناقش الكتاب نفسـه كما نقلتـه لنـا الأستاذة إشـراقـة.
يمكن إيـراد نقطتين أساسيتين للإتكـاء عليهـما لمصلحـة النقاش، ثم التعليق.. فلقـد أوردت الأستاذة رقيـة عن الأستاذة فاطمـة ما يلى:
1- قوانين الأحوال الشخصيـة لا تقـوم على الإســلام، وإنما على فهـم المجتمـع الذكورى الذى فســر الإســلام لخـدمـة مصالحـه. Interpretation of male-dominated society 2- الإتحـاد النسـائى لم ينشــط فى الأقاليـم والأرياف، وذلك لقلـة الكادر والإمكانيـات. 3- الإستعمـار كان لـه دور فى قعـود المـرأة وعـدم تعليمـهــا.
فى النقطـة الأولى، طبعـة هـذه هى نفس العبارة التى ترددهـا كل المثقفات فى الســودان، وليس الإتحاد النسـائى وحـده، وهن بذلك يتوهمن أنهن ربمـا أقنعن أحـدا بهـذه العبارة السحريـة!! ثم يقفزن فجـأة بقـدرة قادر، ليسوقـن لنـا الحل العلمـانى، تاركين الشـريعـة، بتفسيـرهـا الذكورى والأناثى!! ولكن فليســأل سـائل: فما هـو إذن التفسيــر الغيـر متأثـر بالسيطـرة الذكوريـة؟ والمنطق يفترض أنك إذا نفيت صحــة معلومـة، فإنك بالضـرورة تعـرف مكان المعلومـة الصحيحـة.. أليس كذلك؟!! ولكى لا تطول الحيـرة، فإن تفسيــر هـذا التردد، هـو أن الأستاذة فاطمـة تعرف أنهـا لا تستطيـع القفـز فوق نصـوص الشـريعـة فى مجتمـع عميق التدين والولاء لنصـوص القـرأن والحديث، وفى نفس الوقت، تدرك أن حقوق المـرأة اليـوم، لا يمكن أن تخدمهـا نصوص الشـريعـة التى بين أيدينـا إلا إذا طورت.. وفاطمـة لا تدعى أنهـا تريـد تطويـر الشـريعـة.. بل ليس هـذا همهـا.. فإن سياستهـا هى سياسـة الحـزب الشيـوعى فى تخطى ما يسمـى بالخطاب الدينى من أسـاســه.. وهى سياســة فاشلـة، لا تقوم على دراسـة علميـة تأخـذ فى الإعتبـار التربـة التى تنقل إليهـا بذرة من بيئـة مختلفــة.. ومن هنـا جاءت هـذه العبارة التى لا تمسك مــاء "قوانين الأحوال الشخصيـة لا تقـوم على الإســلام، وإنما على فهـم المجتمـع الذكورى للنصوص" ولقـد قمت بســؤال الأستــاذة رقيـة بأن المسـألـة ليست فهـم ذكورى أو نسـائى، وإنما نصوص.. نصوص فى الشـريعـة، من القـرأن ومن الحـديث.. ولقـد أمنت على هـذه الملاحظـة وقالت أن فاطمـة أحمـد إبراهيـم لا تملك مواجهـة النصـوص والشـريعـة، ولذلك تقـع فى مثل هـذه التعابيـر!!!
النقطــة الثانيـة " الإتحـاد النسـائى لم ينشــط فى الأقاليـم والأرياف، وذلك لقلـة الكادر والإمكانيـات".. هــذه أيضـا مداراة، كسابقتهـا، للقصـور النظـرى والمنهجى، وليس لقلـة الكادر كما أعلن.. فهل لا يمكلك الإتحـاد النسـائى خمس نســاء فقـط يذهبن إلى الأرياف، حتى ولو مـرة كل عام؟ ولكن السبب الحقيقى، هـو أن الإتحـاد النسـائى لا يملك ما يقولـه لنســاء الريف!! فهن غيـر متعلمـات، وهن أكبـر من مورس الإضطهـاد الذكورى ضـدهن، ومن النحـزن أن تكون هـذه هى الأسباب التى لا تجعل الإتحاد اللنسـائى يمـد لهن يـد العون.. فإن عضـوات الإتحـاد النسـائى متعلمـات، وعاملات يفرضن على أزواجهن مستـوى لا بأس بـه من رعايـة حقوقهن فى المنزل، بسياسـة الأمـر الواقـع، ممـا يرغمهـم على (تجميـد) حقوقهـم الشـرعيـة التى ينص عليهـا القانون.. ولم يبق لهن بعـد ذلك، إلا المطالبـة بالحقوق الثانويـة الأخـرى، من حق الإنتخـاب والتصـويت إلى حق الأجـر المتسـاوى للعمل المتسـاوى.. مما يخـدم قضيـة الحـزب، وليس بالضـرورة المـرأة. أما المرأة فى الريف فما زالت تحت رحمـة وريقـة الطلاق، وخبـر الضــرة من الجيـران... وهلـم جـرا.
أما النقطـة الثالثـة، فلست أدرى كيف تستطيـع الأستاذة فاطمـة أن تســوقهـا لنـا.. فإن الإستعمـار البريطانى هـو من وقف خلف العميـد بابكـر بدرى لتعليـم الأناث.. ولكن بمنطق بسيــط، ما هى مصلحـة الإستعمـار فى تعطيل نصف الأيـدى العاملـة لمصـانعـه، فى مجتمـع لا تهمـه فيـه تقاليـده ولا أعـرافـه.. هـذه مغالطـة واضحــة. فى الختـام، لا أستطيـع التوقف عن الكتابـة، دون ذكــر من نصـرن المـرأة من الجمهـوريـات.. ففى عام 1970، والأعوام التى تلتـه، أقيمت مئات الزيجـات الناجحـة، كان ينصص فيهـا فى عقـد الزواج، أن المـرأة لهـا حق تطليق زوجهـا متى رأت هى، وليس القاضى، أن الطلاق فى مصلحتهـا ومصلحـة أطفالهـا، كما نصت العقـود على أن الرجل لا يحق لـه الزواج من أمـرأة أخـرى، إلا بموافقـة الزوجــة!! وفى حالات خاصـة جـدا منهـا المرض الذى لا يرجى منـه شفـاء، أو العقـم من جانب الزوجـة...الخ الحقوق.. هـذا هـو النضال الذى يستحق منـا كلنـا الإشـادة، فلتكن المـرأة ملكـة فى بيتهـا، ولا يهـم بعـد ذلك أن عملت مراسلـة فى وزارة الماليـة.
ملحوظــة هامـة: هــذا النقــد ليس المقصـود منـه التقليل من كفاح نســاء الســودان عبـر العقــود.. وإنمـا لأجل توخى الحكمـة فى تقـديـم الفاضل على المفضـول أولا، ثم لتسليــط الضــوء على جنود مجهوهلين، قـدمـوا للمـرأة الســودانيـة نموذجـا حيـا لتحقيق عزتهـا وكرامتهـا، وكشـف رجال الدين الذين لم يوضحـوا حقوقهـا الشــرعيـة، من حق الطلاق بالتفويض وحق عـدم التعـدد، الخ...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست