حملت الأنباء اليوم الثلاثاء ١٦ ديسمبر ٢٠٢٥م خبر انتقال؛ الفنان الأستاذ الدكتور: عبد القادر سالم عبد القادر من ضفة الحياة الفانية إلى دار الخلود؛ نسأل الله تعالى له الرحمة والمغفرة والقبول الحسن.
من المعلوم بالضرورة أن الفنون بصورة عامة هي القوى الناعمة التي تستخدمها الأمم للتاثير على الآخرين وتقديم نفسها من خلالها؛ وهي إحدى أهم ممسكات و روافع الوحدة الوطنية؛ و تشكيل وتوحيد وجدان الأمم؛ وهي رسالة المحبة والخير والفرح والجمال والسلام وفي هذا الصدد يتضح لنا الدور الكبير الذي قام به المرحوم الفنان عبدالقادر سالم.
كان عبد القادر سالم وسيظل أحد أهم ايقونات الغناء السوداني؛ تمكن بموهبته الفارهة؛ و عبقريته الفنية الفذة؛ و اجتهاده الشخصي الدؤوب؛ تمكن من نقل التراث الفني لغرب السودان إلى كل ربوع الوطن؛ علم نفسه و طور موهبته الفنية الفطرية و استطاع أن يجد لنفسه موطئ قدم راسخ و سط عمالقة الفن السوداني.
جاء عبد القادر سالم إلى أجهزة الإعلام وهو يحمل رسالة فنية آمن بها؛ متسلحا بتراث شعبي ثر؛ و متشبعا بايقاعات محلية اسرة؛ كانت محجوبة عن أذن المستمع السوداني بسبب القصور المصاحب للاجهزة الإعلامية؛ فاقتلع حقه وانتزع مقعده في الصفوف الأولى؛ اتكأ على كلمات وألحان وايقاعات نابعة من بيئته؛ استطاع أن ينقلها من المحلية إلى أفاق عالمية.
جاء في السيرة الذاتية ان عبد القادر سالم تخرج من معهد إعداد المعلمين بمدينة الدلنج، وعمل معلمًا قبل أن يُبتعث إلى المعهد العالي للموسيقى والمسرح، حيث حصل على درجة البكالوريوس عام ١٩٧٠م وواصل مسيرته الأكاديمية بحصوله على درجة الماجستير عام ٢٠٠٢م عن أطروحته "الغناء والموسيقى لدى قبيلة الهبانية بجنوب كردفان" ثم نال درجة الدكتوراه في الفنون (موسيقى) من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا عام ٢٠٠٥م عن أطروحته "الأنماط الغنائية بإقليم كردفان ودور المؤثرات البيئية في تشكيلها" كما أصدر مؤلفًا علميًا بعنوان "الغناء والموسيقى التقليدية بإقليم كردفان" الذي يُعد مرجعًا مهمًا في دراسة الموسيقى السودانية.
ويا بلادي كم فيك حاذق غير إلهك ما أم رازق من شعاره دخول المأزق يتفانى و شرفك تمام
قام الفنان عبد القادر سالم بجولات فنية أوروبية، آسيوية، و أفريقية لنشر الموسيقى والفنون السودانية في جهد عجزت عنه وزارة الثقافة، وقد وظف إيقاعات السلم السوداني الخماسي، وملامح من مقامات عربية بالسلم السباعي؛ كما وظف الفلكلور و الاكسسوارات المحلية و إمكانيات فرقة الفنون الشعبية بصورة مدهشة؛ وقد وجدت مشاركاته قبولا و إشادات كبيرة؛ لقد شارك في مهرجان Leses Cales بفرنسا عام ٢٠٠٣م ومهرجان السلام ببرشلونة إسبانيا عام ٢٠٠٤م ومهرجان AFRICA REMUX ببريطانيا عام ٢٠٠٥م ومهرجان المشرق بالسويد عام ٢٠٠٦م وأسبوع السودان بسويسرا عام ٢٠٠٦م.
نذكر في هذا المقام بعضا من تراثه الفني الغني؛ أغنيات مثل: (مكتول هواك أنا من زمان ... مكتول هواك يا كردفان) وهي من الاغاني المفتاحية التي قدم نفسه من خلالها و ولج بها إلى وجدان المستمع السوداني؛ أغنيات مثل (كلم قمارينا ودي السلام ليها قول ليها ما نسينا) و (الليلة غاب تومي) لا يحتاج المستمع إلى كثير عناء ليدرك أنها نابعة من أعماق الوجدان الكردفاني:
الليله غاب تومي؛ خلوني يا خلائق يا سلام؛ خلوني يا خلائق نعد نجوم الليل؛ نار الغرام ضايق حلو كلام الريد؛ الفي الضمير شايق زولي رحل يا ناس؛ غير شوفتة ما رائق الليله غاب تومي؛ خلوني يا خلائق
عبد القادر سالم كان مثالاً للفنان الجاد الملتزم و المثقف والمطرب والملحن؛ والباحث في التراث الفني والموسيقى؛ وكان استاذا في الفنون الشعبية؛ وعلما في الإيقاعات الموسيقية؛ لقد حلق بالأغنية السودانية الكردفانية عالياً؛ وكسر حاجز المحلية وأوصلها للعالمية.
لقد ساهم بجهده في إثراء الوجدان السوداني بأغاني دافقة بالحنين و متفرعة بالرقة؛ تغني بجمال كردفان وطبيعتها وتراثها؛ شكل بأغنياته لوحات إبداعية وجمل بايقاعاته وصوته فضاءات الفسيفساء الفنية.
ومن بعض أشهر اغنياته: اللوري حلّ بي دلاني انا فى الودي هيي الحرير الطي الخيزران الني حبيبي سيد الناس يبقى لي وناس
كان عبد القادر سالم كما أسلفنا استاذا في إيقاعات المردوم و الجراري و النقارة والتم تم.
لذلك جاءت اغنياته متفردة؛ مثل: مكتول هواك يا كردفان؛ المحلب الدقاقة؛ كلّم قمارينا؛ اللوري حل بي؛ الله ع الليموني؛ ليمون بارا و ليهج السكر وغيرها الكثير من الاغنيات التي رددتها الاجيال بتطريب عالي ورقصت على ايقاعاتها عواصم أوربا.
قدريشنا حلاتها قدريشنا في دلالها فينا بتمنى مالو بخاف الريد وريدو والله كاتلنا عيوني ليهن حق كان هن عشقنا دا جمال بيكفي الناس براهو شايلنا
واغنية بسامة: حليوة يا بسامة الفايح نسامها الريدة في قلوبنا الله علاما طالبين سلامها ما تبقى ظلامه يا خيا دي الدنيا معدودة أيامها
واغنية: كان قليبكي فراكي انا بطراكي يا قمير في سماكي
شكل الفنان المبدع عبد القادر سالم ثنائية إبداعية مع الاديب فضيلي جماع؛ فكانت الأغنية الكبيرة "جيناكي زي وزين هجر الرهيد يوم جف" التي تعد من عيون الاغاني السودانية المتفردة كلماتا ولحنا وصوتا وايقاعا.
جيناك زي وزين هجر الرهيد يوم جف ضاع من بلاد لبلاد ما أظن عاجبو بُعاد جيناك زي وزين عاد فاري جناح شالو الحنين يسبق رياح ورياح والغرية ليل طويل لمتين يجينا صباح جيناك زي وزين لاح البرق نادى
عبدالقادر سالم كان مدركا لعظم دوره في نقل ثقافة كردفان إلى أفاق أرحب؛ وتعامل مع الشاعر الكبير عبدالله الكاظم ابن البيئة الكردفانية؛ كما كان باحثا لا يشق له غبار في مجال الموسيقى التراثية السودانية عامة؛ وموسيقى منطقة كردفان على وجه الخصوص.
الا رحم الله الفنان الكبير المبدع عبدالقادر سالم رحمة واسعة وتقبله قبولا حسنا وجعل مأواه الجنه.
خالص العزاء وصادق المواساة لأسرته و لقبيلة المعلمين و الوسط الفني والثقافي ومحبيه وعارفي فضله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة