كان يا ما كان.. زمنٌ كانت "الوطنية" فيه فكرةً تُناقش، لا سِبّةً تُلقى في سوق النخاسة الإلكترونية. أما اليوم، فقد ارتقينا — بفضل رُومات "البلابسة" — إلى مصاف "الوطنية الصَرْخة"، حيث يُقاس حبك للسودان بعدد الشتائم في حافظتك ويرتفع منسوب وطنيتك طردياً مع انحدار أخلاقك. مرحبًا بكم في "مدرسة الشتيمة والتخوين".. حيث العقل مُعتقل واللسان سَيفٌ مُتَهَطِّل!
مُذَبَّحَة المبادئ على المايكروفون.. والعِياذ بالله!
في هذه "الحِلَق" المباركة، لا تموت المبادئ موتًا هادئًا.. بل تُذبح ذبحًا علنياً على الهواء مباشرة، وسط هتافات "عاش الجيش" و"اسقط العمالة". أولئك الذين يتفجرون حماسةً للوطن يتحولون فورًا إلى قضاة جزارين يصدِرون أحكام "الجنجويد" و"العميل" على كل من تجرأ وامتلك رأيًا مختلفًا. الشعار السائد: "إما أن تكون دميةً في مسرحيتنا، أو جثةً في مسرحية الآخرين".
لُغَة "الخَرْبَشَة" الوطنية.. عندما يعجز القاموس عن مجاراة العقول!
المفارقة الكبرى أن "حراس الوطن" اللغويين يتحدثون بلهجة هجينة بين لغة السوق العتيقة وبلاغة الهاكر السياسي. يتكلمون عن "الشرف" وهم ينبشون في أعراض الناس، ويدافعون عن "الكرامة" وهم يمارسون أبشع ألوان الإهانة. إنها "الوطنية الخَبِيْشَة"؛ نسخةٌ جديدة من حب البلاد، قوامها "مين قالك الوطن ما بيتحبش بالسباب؟!"
عندما ينضب الفكر.. يفيض القَذْف!
الجهل لا يُصلَح بالصراخ. هؤلاء لا يمتلكون مشروعًا وطنيًا، بل يمتلكون "مَشْرُوع صِيَاح" جماعي. تتهم غيرك بأنه "كيزان"، ثم تتفاجأ أن "شيخ الروم" نفسه كيزان سابق يُجري عملية "غسيل مخ" عكسي! تهاجم الإسلاميين صباحًا، وتستنسخ أساليبهم مساءً. إنه "كيزان 2.0" — تحديث جديد بنفس الفيروسات القديمة.
فنون صناعة الفراغ.. إرث "كيزان" الخالد!
أتقنوا تحويل النقاش الوطني إلى "مَلْعَب كرة نار"، حيث يتم تمرير اتهامات التخوين بدل الكرة. كل صوتٍ مختلف هو "عدو"، وكل رأي مستقل هو "مؤامرة". بهذه البراعة يضمنون أن يبقى السودان — كما يحلمون — خاليًا من كل شيء... إلّا من ضجيجهم!
الخاتمة: وطن.. لا "روم"!
الوطن لا يُبنى باللايفات الهستيرية، ولا بالشتائم الإبداعية، ولا ببلاغات التخوين. الوطن يُبنى بعقولٍ مفكرة، وقلوبٍ نظيفة، وأخلاقٍ لا تنكسر على صخرة "المايك". إن كانوا هم "صُنّاع الوعي"، فالسودان يحتاج إلى غيبوبة مؤقتة من هذا "الوعي" المزيف. نريد وطناً يتكلم بلغة الحضارة لا بلغة "الرومات"؛ وطنًا يُرفع شعاره من ضمير الأحياء لا من صراخ البلابسة.
بيان عاجل من وزارة الرومات الوطنية (قطاع الكراهية والتخوين)
رقم: شت/م/2024
بناءً على توجيهات خطة "من الشتائم إلى الفشل"، تُعلن الوزارة ما يلي:
يُعتبر استخدام اللغة المهذبة جريمة وطنية من الدرجة الأولى، ويُعرّض صاحبه للطرد الفوري من "نادي الوطنيين الحقيقيين".
يُمنع استخدام المنطق أو الاستدلال بالحقائق، ويُستبدل ببروتوكول "الصياح أولًا.. الصياح دائمًا".
تُمنح "ميدالية الوطني الشتّام" لكل من يُتمّ دورة شتائم كاملة تشمل ثلاث أسر أو أكثر في أقل من 60 ثانية — مع خصم إضافي لمن يذكر الأصل والقبيلة.
أي "روم" يخلو من معارك التخوين يُعتبر "روماً خاوياً" ويُغلق فورًا لعدم تحقيق شروط "الوطنية الصاخبة".
تُعلن الوزارة فشلها الذريع في بناء أي شيء ملموس، وتفخر بأنها حققت رقمًا قياسيًا في تحويل النقاش الوطني إلى ساحة معركة بالكلمات — الإرث الوحيد الذي ستتركه لأجيالٍ قادمة على طبقٍ من ذهب... مسموم.
تحريرًا في يومٍ كالمعتاد — السودان يغلي وأنتم في راحة! وزارة الرومات الوطنية — إدارة تدمير ما تبقّى
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة